- ℃ 11 تركيا
- 25 نوفمبر 2024
امير المفرجي يكتب: إشكالية القوى المدنية في تصحيح العملية السياسية في العراق
امير المفرجي يكتب: إشكالية القوى المدنية في تصحيح العملية السياسية في العراق
- 4 يوليو 2023, 6:18:05 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يبدو أن نجاح القوى السياسية النافذة في بغداد وترحيب السفيرة الأمريكية بإناطة مهام الحكم إلى طاقم رئيس الوزراء الحالي، لم يخمد بعد فتيل أزمة الحكم لبعض الشخصيات السياسية العراقية، التي تدعي رفضها للطائفية السياسية في كيفية عمل الدولة وعلاقتها بالمجتمع، للخروج من مفهوم الطائفية، كلما اقتربنا من موعد الانتخابات النيابية، من خلال العمل على انبثاق جبهات جديدة، أملاً في المشاركة في الانتخابات المقبلة بعناوين مدنية ليبرالية كمنافسة للأحزاب الإسلامية التي تحكم البلاد.
وعلى الرغم من لمس العراقيين بعض المؤشرات الشخصية الإيجابية، لعمل رئيس الحكومة الجديد، بيد ان آليات الصراع على السلطة في العراق لم ينته بعد، طالما لم تتغير طرق إعادة بناء الدولة، واستمرار اعتمادها على مبدأ الطائفية السياسية، أو الحزبية، التي ما زال البعض يرى في طائفته، أو حزبه على أنه العامل الأساسي للشرعية السياسية، التي تؤهله وضع اليد على مستقبل البلد وثرواته، والإصرار على إيجاد نخبة طائفية أو حزبية، بدلا من التركيز على أهمية وحدة القاعدة الجماهيرية الواسعة العابرة للطوائف والأحزاب.
ومع ازدياد الاهتمام الأمريكي والأممي بمستقبل العملية السياسية، وربطها باحتمالات التغيرات المقبلة في السياق الإقليمي، تزداد محاولات بعض الشخصيات السياسية العراقية، التي لم يحالفها الحظ بالاستمرار في المشاركة في عملية المحاصصة لأسباب شخصية أو سياسية، إرضاء اليد الأمريكية المتنفذة لإعادة تتويجهم زعماء لحكم العراق، إلى درجة أضحى هذا البلد المغلوب على أمره، بورصة للتكهنات والمزايدات، لمن له الأحقية، أو لا في الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي للفترة المقبلة، من خلال الالتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية والاحتكام للدستور، على الرغم من فشلها، ناهيك عن حجم وخطورة الثغرات التي تضمنتها بنود هذا الدستور. فبعد تجربة طويلة تعدت العقدين من سيطرة الأحزاب الدينية على مقاليد الحكم في العراق، تعززت القناعات لدى قطاعات واسعة من العراقيين بأن أغلبية هذه الشخصيات لم ولا تمتلك برامج حقيقية لإعادة هيبة العراق، وإرضاء شعبه، وأن أغلبهم كان قد شارك في العملية السياسية الفاشلة، واحتمى بظل أسسها الإثنية، على الرغم من اتساع الهوة بين المنطق الطائفي والمدني، الذي حاول البعض جعل هذا المعيار الأخير، الوسيلة لمشاركة بائسة لا تضمن لهم سوى الكرسي الشخصي في النظام الجديد، الذي رُسم للبلد، وعلى حساب الثقافة المدنية، التي تُطالب بها أغلبية العراقيين.
آليات الصراع على السلطة في العراق لم ينته بعد، طالما لم تتغير طرق إعادة بناء الدولة، واستمرار اعتمادها على مبدأ الطائفية السياسية، أو الحزبية
ومن المدهش، فقد ذهب البعض من الخاسرين الذين شاركوا في عملية المحاصصة الطائفية، إلى وصف انبثاق تلك الجبهات بالأمر الصحي، وأنه بات يمتلك العصا السحرية للتغيير، من خلال «مشروع المواطنة» القادر على إنهاء الطائفية السياسية في حكم العراق، حاله حال العديد من المتلونين والمهرجين الذين ادعوا حملهم هذا المفهوم وهذه الثقافة الوطنية النبيلة.
لا شك بأن العمل على إيجاد التجمعات والجبهات الهادفة على إنقاذ العراق بهدف إدخال بدائل سياسية للإصلاح والتغيير في المشهد السياسي، بات يُشكل ظاهرة وطنية عليا للخروج مما قد يسميه البعض «النمطية الطائفية والمحاصصاتية» الذي مثّل الأسلوب الخاطئ، الذي اعتمد عليه النظام السياسي العراقي، وأتاح له الفرصة في الاستمرار، على الرغم من الصعوبة في قلع جذور تغلغل عقدين من الممارسات الطائفية في طرق مسيرة الدولة في المجتمع العراقي، الذي فقد بوصلته الوطنية بعد أن أجبر على التكيف مع الأسلوب الجديد الذي فُرض على البلد. ولا شك أيضا بـأن هذه الشخصيات التي تدعي المدنية والليبرالية هي الشخصيات ذاتها التي شارك القسم الكبير منها في العملية السياسية، وهي التي تتحمل وتتقاسم بدورها مسؤولية فشل العملية السياسية في استمرار أزمة الحكم في العراق، وهذا ما يضيف حالة من الضبابية والشكوكية لطبيعة هذه الشخصيات المدنية، التي شاركت في عملية المحاصصة، والتي لم تنقطع منذ دخولها للعملية السياسية من احتكار وفرض أبويتها للمشروع المدني، وتقليل أهمية الحركات الشبابية التشرينية، التي يمكن اعتبارها ظاهرة صحية يأمل منها الشارع العراقي، تغيير الخريطة السياسية، من خلال وضع العملية السياسية في الاتجاه الوطني الصحيح، نظرا لأهمية الثقافة التي يحملها العنصر الشبابي، وقدرته على الانفتاح والتفهم لإحداث التغيير في ظل الثقافة الطائفية التي تعيشها الأحزاب الحاكمة في العراق. في المقابل يستبعد من له بصيرة وطنية، قدرة هذه الحركات على تغيير وتصحيح مسيرة العملية السياسية، إذ لم يؤخذ أهمية حجم الدور الأمريكي واستعداده لترجيح كفة الميزان لصالح الجبهة الوطنية، وهذا ما يجعل من هذا الاحتمال أمرا صعب التحقيق والمنال، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار، استمرار توافق الأجندة الإقليمية الإيرانية والغربية الأمريكية على حد سواء، التي تخدم المصالح الفئوية والحزبية، التي يوفرها النظام الطائفي للأحزاب الحاكمة في العراق. وهذا ما قد يحتم على القوى الأخرى المدنية الحالمة بحكم العراق، وكما تعودت على فعله في السابق، الدخول بتحالفات مع القوى السياسية الدينية، وكما كان الحال في تحالف «سائرون» بين الحزب الشيوعي والتيار الصدري. وبمعنى آخر القبول في المشاركة في عملية المحاصصة الطائفية لتقاسم الأدوار والمناصب مع الكتل الطائفية السنية والشيعية، وقبولها من جديد بإعطاء الشرعية لعملية سياسية طائفية تتناقض مع الشعارات المدنية التي تحملها هذه الجبهات الليبرالية والمدنية.