- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
امير المفرجي يكتب: ماذا يحدث في العراق؟
امير المفرجي يكتب: ماذا يحدث في العراق؟
- 2 سبتمبر 2023, 5:14:52 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ثمة من يرى أن في قدرة المجتمع الدولي التي تسيطر على قراراته الولايات المتحدة الأمريكية، إضعاف النظام الحاكم في بغـداد، والتمهيد لإبداله ببعض الوجوه، لتغيير العملية السياسية، أو السعي لإعادة تدويرها بشكل يضمن للوجود الأمريكي في العراق، الاستمرار في الدفاع عن مصالحه الحيوية والاستراتيجية، التي دفعت الإدارة الأمريكية، وبتعدد صُناع قراراتها في البيت الأبيض، غزو هذا البلد بحجج باطلة، وإبدال النظام السياسي الطائفي، بنظام جديد، يتم اختياره من قبل الغرب وأمريكا، عن طريق دفع بعض الشخصيات المعارضة الموجودة على أراضيها، من الذين جعلوا من أنفسهم القوة المعارضة الشرعية الوحيدة القادرة على تغيير وحسم الأمور، إذا أخذنا بعين الاعتبار وضوح أجندة الإدارة الأمريكية والبنتاغون فيما يتعلق بأهمية العراق، في صراعها مع روسيا والصين، حيث عزز هذه الأهمية بقاء القوات العسكرية الموجودة على الأرض، ناهيك عن أهمية مركز الثقل السياسي والدبلوماسي، الذي تمثله سفارة واشنطن في بغـداد، وما يجري من تحريك للقطعات العسكرية الأمريكية على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا ودخولها علنا للمدن العراقية.
ورغم تضارب المعلومات المتعلقة بهذه التحركات، بين المصادر المختلفة في مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات المعارضة، والجهة الرسمية العراقية المتمثلة في الحكومة أو السفارة الأمريكية نفسها، اللتين تريان هذا الحدث الروتيني المتعلق باستبدال الفرقة العسكرية بقوة أخرى، كجزء من عملية «الإحلال والمناوبة» لدعم قوة المهام المشتركة، وضمن ما سمي بإجراءات إعادة الانتشار واستبدال القوات العاملة في البلاد، المتفق عليها بين الطرفين، بيد أن العديد من مقاطع الفيديو التي صورها وبثها العراقيون، كشفت عن وجود تحركات لأرتال أمريكية من الآليات، بما فيها الدبابات والناقلات المدرعة، التي دخلت في مركز العاصمة العراقية وفي محافظات الأنبار ونينوى وأربيل وكركوك وصلاح الدين، والتي عززتها الشكوك الخجولة والدهشة الواضحة التي أبداها البعض من مسؤولي الأحزاب النافذة في بغـداد، من صحة هذه الأحداث، واختلافها عن عملية الإحلال والمناوبة، التي تم قبولها في السابق، نتيجة لبعد محافظات كركوك ونينوى عن أهداف هذا التبادل للقوات الأمريكية، وكما هو الحال للتحرك العسكري الذي شوهد في العاصمة بغداد، ما قد يعطي لطبيعة هذه التحركات طابع الضبابية والخفاء.
إغفال الأحزاب الحاكمة لما يجري في العراق من انتشار أمريكي، قد يكون نتيجة لمعرفتهم بامتعاض واشنطن من استمرار أنشطة الجماعات المسلحة، وبقائها خارج إطار سيطرة الدولة
وفي الوقت الذي يرى بعض المتفائلين، هذه التحركات العسكرية، وسيلة لتغيير النظام السياسي في العراق، وإشارة أمريكية لدعم نظام وطني عابر للطوائف والمكونات. يسعى كل من له بصيرة وطنية إلى معرفة حقيقة ما يحدث في البلاد في الفترة المقبلة، جراء احتمال وضوح هذا التغير في العلاقة الأمريكية ـ العراقية، من خلال التحليل وبناءً على معطيات متوفرة، بعيدة كل البعد عن حالة التنجيم وطرق التنبؤ، والخلط المتعمد بين التحليل الموضوعي والتنجيم الشخصي، الذي لا يستند إلى واقع الأحداث، التي نلمسها على الساحة العراقية والإقليمية.
لا شك بأن ما يجري من تحريك للقطعات العسكرية الأمريكية على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، يحمل في طياته غايات عديدة ورسائل واضحة، لتحييد الميليشيات المرتبطة بإيران، وقطع طرق الإمدادات بين العراق وسوريا. ولا شك أيضا بأن إغفال الأحزاب الحاكمة لما يجري في العراق من انتشار أمريكي، قد يكون نتيجة لمعرفتهم بامتعاض واشنطن من استمرار أنشطة الجماعات المسلحة، وبقائها خارج إطار سيطرة الدولة، وفشل الحكومة في الحد من تهريب الدولار الأمريكي. يبقى السؤال الذي يشغل متابعي الشأن العراقي، هو في الدوافع والأسباب التي يقف وراءها هذا الوجود العلني للقوات الأمريكية في مدن وقصبات العراق، والتي لم تعد خافية على أحد، نتيجة للطبيعة الاستعراضية التي تنذر بالبدء بالتغيير، والذي قد لا يشمل الوضع السياسي للدولة العراقية التي تقودها الأحزاب الطائفية فحسب، بل لحالة العراق الواحد بصورة عامة، من خلال إعادة ترتيب موازين القوى الرئيسية بين المركز وإقليم كردستان في مدينة كركوك، ودور النخبة العسكرية المستقبلي في العراق، إذا نظرنا بعين الاهتمام الأسباب والنتائج غير المعلنة من زيارة وزير الدفاع العراقي إلى واشنطن، رفقة العديد من القادة العسكريين الكبار. وهنا لا بد من الإشارة للأهمية والأفضلية المعنوية والعسكرية التي تميزت بها زيارة الوفد العسكري العراقي، من خلال اللقاءات بالعديد من المسؤولين العسكريين الأمريكيين، ابتداءً من وزير الدفاع لويد أوستن ومساعدته سيليست واندر، وممثلين أمريكيين عن هيئة الأركان المشتركة ووكالة التعاون الأمني الدفاعي والقيادة المركزية الأمريكية ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، ما يدل على الأهمية التي تراها واشنطن في دور النخبة العسكرية المقبل في العراق.
وما بين خفايا هذه الزيارة وصمت المسؤولين الأمريكيين والعراقيين على حقيقة ما سيجري في العراق، اعتبرت السفيرة الأمريكية آلينا رومانوسكي، «أن مسألة تغيير نظام الحكم تعود للعراقيين أنفسهم، وأنها تركز في مهمتها على توسيع اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 بين الولايات المتحدة والعراق، بما يتجاوز الأمن إلى علاقة شاملة تحقق نتائج للشعب العراقي»، ما يعني في قراءة ما بين السطور، القبول بالتعامل مع القوى العراقية القادرة أيا كان شكلها، شرط ضمان مصالح بلدها ووجود قواته في العراق، وبمعنى آخر، فتح الأبواب لكل القوى المحسوبة على المعارضة في الخارج، أو قبول الأحزاب الحاكمة في الداخل للجزم في الاختيار ما بين الرغبة في التعامل مع الوجود الأمريكي الدائم، وحل الميليشيات الولائية، أو الخروج القسري من العملية السياسية، وهنا يكمن بيت القصيد المرتبط بخفايا هذا الاستعراض الأمريكي في مدن العراق وزيارة الوفد العسكري العراقي الأخيرة للأمريكيين