انا وحسن عابدين والبنوك والشيخ السلفي

profile
  • clock 29 مارس 2021, 12:58:22 م
  • eye 974
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


ثمانينات القرن الماضي ومنذ ما يزيد على ثلاثة عقود وفى مدينة جده السعودية حيث كنت أعمل بأحد بنوكها ..

وفى عز أزمة الحيرة التى أوقعني فيها الشيوخ من الأصدقاء حين ظلوا يحاصرونني بفتاويهم عن فوائد البنوك وتحريم عملي بالبنك ..

وفى الوقت الذى كنت أحب عملي وأنبغ فيه ولا أجيد عملا سواه ..

وفى الوقت الذى كانت فتاواهم تتعارض مع دراستي عن الاقتصاد فى كلية التجارة ..

وفى ظل ضحالة خلفيتي الفقهية رغم أنني تربية كتاب القرية وأول ما طالعت عيناي كانت آيات الكتاب الكريم ..

وبين كل هذه الظلال دفعتني حيرتي الى البحث ليل نهار بين دفات الكتب تارة وفى مجالس الشيوخ تارة اخرى ..

وكنت كلما صادفت شيخا ممن كنت أسمع عنهم أو ممن أتوسم فيهم علما وأنا قليل العلم ألح عليه بالسؤال عما أنا فيه ..

وكانت كل الإجابات متطابقة وكأنهم يقرأون من صفحة واحدة ..

وكنت فى هذه الفترة العمرية قد آليت على نفسى أن أعتكف الأيام العشرة الاخيرة من رمضان كل عام فى المسجد الحرام ..

أترك زوجتي وأطفال فى بيتي بمدينة جده بعد أن أؤمن لهم كل احتياجاتهم وأذهب الى المسجد الحرام ليلة العشرين ولا أعود اليهم الا فجر او صباح يوم عيد الفطر ..

فى هذه السنة رأيت فى الحرم فنانا مشهورا اشتهر حينها بأدائه لإعلان مشروب مياه غازية ..

وكان الرجل وقتها نجم الحياة الفنية فى مصر وهو الفنان حسن عابدين ..

ورأيت الكثيرين يتهافتون للترحيب به والسلام عليه ..

وإذ بي فى اليوم الثاني لاعتكافي أرى بجانب الفنان شيخا مهيب الطلعة قال لي من حوله أنه زعيم او مؤسس جماعة التبليغ والدعوة ..

وكان كما علمت انه من قرية او مدينة لا تبعد كثيرا عن قريتي واسم عائلته مشتق من اسمها ..

وجدتها فرصة فسلمت على الشيخ ..

وعلى عجالة قصصت عليه مجمل قصتي وحيرتي ورجوته أن يفيدني بعلمه ويبين لي جوانب الخطأ من الصواب فى كل ما سمعته من أصدقائي الشيوخ ..

طلب الرجل أن أمهله بعض الوقت لانشغاله ..

لا بأس فهناك متسع من الوقت يزيد على الاسبوع ونحن نعيش فى مكان متقارب فى الدور الثاني من الحرم المكي ..

ويذهب اليوم تلو اليوم ولا أتمكن من الجلوس الى الرجل لانشغاله التام معظم الوقت مع الفنان المشهور ..

ولما ضقت ذرعا بالأمر سألت أحد أتباعه لماذا يتجاهلني الشيخ رغم أننى حادثته فى أمر مصيري يتوقف عليه حاضري ومستقبلي وحلالي وحرامي ؟

قال : اعذر الشيخ فالفنان حسن عابدين اولى بعناية الشيخ واهتمامه ..

فقلت له ليه ؟

وما الفرق بيني وبين حسن عابدين ؟

فقال : لو اهتدى حسن عابدين لاهتدت بهدايته طائفة كبيرة من اهل الفن ..

يا رجل كيف تفكرون ؟

اندهش من سؤالي ..

فقلت له : أنت تتحدث عن رجل جاء من بلده طواعية لأداء العمرة والاعتكاف ببيت الله الحرام فإلى أي شيء آخر تريدون هدايته ..

قال نهديه لأن يترك التمثيل وحياة المعاصي ..

وانقضت أيام رمضان وجاءت ليلة العيد وما زالوا خلف الرجل ولم أظفر بخمس دقائق من وقت الشيخ الذى سخر كل وقته للفنان ..

لا ادرى لماذا تذكرت فى هذه اللحظة قول الله تعالى :

( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) ؟

وظلت الحيرة قائمة بين جهلي من ناحية وجهل الشيوخ الذين يفتونني وأنا أراهم أعلم منى بمراحل بعيدة من ناحية اخرى ..

حتى انتهى الشك وانتهت الحيرة بأن تقدمت باستقالتي من البنك فى السعودية والبنك فى مصر فى يوم واحد إيثارا للسلامة ودرءا للشبهة وتركت عملا كنت أحبه وكان يحبني ..

تركت عملا كان يؤمن لي راتبا شهريا يربو على العشرة آلاف ريال سعودي ..

تركته فى وقت لا عمل لي غيره ولا أفهم فى مجال سواه ولدى فى البيت زوجة وخمسة أطفال لا عائل لهم سواي !!

وخرجت من العمل المصرفي كما يقولون على غير هدى لا أعلم ماذا يخبئه القدر لي ..

ليس هذا فحسب ..

ولكن فيما بعد ظل موقفي من العمل بالبنوك على حاله من التشكك ولفترة طويلة ..

حاولت احدى بناتي ان تلتحق بأحد البنوك فرفضت ..

جاءها زميل لها يخطبها وهو يعمل بأحد البنوك فرفضت واشترطت عليه ان يترك البنك اولا ..

ثم بعد ان تعلمت وتدبرت وحاولت الفهم كنت أقول فى خطبي ودروسي عكس ما فعلت ..

كان الناس يندهشون ويسألون :

كيف تحولت من النقيض الى النقيض ؟

كنت أردد دوما أننى عندما فهمت صارحتكم بما فهمت ..

علشان كده دايما بقول لكم ان الشباب اللى بيفجروا نفسهم ف الناس طلبا للحور العين ما هم الا ضحايا لهؤلاء الشيوخ ..

قد أكون محظوظا ان الله قد مد فى عمرى حتى فهمت ..

وقد اكون محظوظا ان الله سبحانه هداني للفهم ..

ولكن هؤلاء الشباب الذين راحوا ضحايا لحظة من سوء الإتباع وانعدام الفهم لم يتيسر لهم ان يراجعوا أفهامهم او يتشككوا فيمن يتبعونهم


نسأل الله الهدى وحسن التبصر وحسن الفهم وحسن العمل لنا ولكم ولسائر خلقه .



هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)