- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
انفراج سياسي وأمل اقتصادي.. ماذا وراء عودة سفراء الخليج إلى لبنان؟
انفراج سياسي وأمل اقتصادي.. ماذا وراء عودة سفراء الخليج إلى لبنان؟
- 9 أبريل 2022, 12:32:57 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
"لبنان يفخر بانتمائه العربي ويتمسك بأفضل العلاقات مع دول الخليج التي كانت وستبقى السند والعضد".. هكذا علق رئيس وزراء لبنان "نجيب ميقاتي" على قرار السعودية والكويت ولاحقا اليمن، عودة سفرائهم إلى بيروت، بعد أزمة استمرت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021.
انفراجة لا تقف عند السياسة فحسب، بل تتخطاها لحل جزء من أزمة لبنان الاقتصادية التي تعد الأصعب على الدولة الصغيرة منذ نشأتها.
هذه الانفراجة، تسببت في أجواء إيجابية على سماء لبنان، خاصة أنها تزامن مع إعلان اتفاق مبدئي "على مستوى الموظفين" مع صندوق النقد الدولي، يسمح للبنان بالحصول على قرض يعادل حوالى 3 مليارات دولار أمريكي.
وكانت السعودية، ودول الخليج الثرية، يوما من الدول المانحة السخية للبنان، لكن العلاقات توترت لسنوات بسبب تنامي نفوذ "حزب الله" المدعومة من إيران.
وزاد الصدع في علاقات لبنان مع دول الخليج من الصعوبات التي يواجهها في الوقت الذي يكافح فيه أزمة مالية وصفها البنك الدولي بأنها من أشد حالات الركود المسجلة على الإطلاق.
ولكن وبعد 5 أشهر، جاء هذان التطوران، ليكونا بارقة أمل للبنانيين الذين يتجهون بعد شهر وتحديدا في 15 مايو/أيار المقبل، نحو انتخابات نيابية مرتقبة، تحاول فيها المنظومة السياسية استغلالها لتعويض خسائرها الشعبية في صناديق الاقتراع.
عودة السفراء إلى لبنان، والذين وصلوا بالفعل الجمعة، تعد مؤشر بداية استعادة الثقة في لبنان، واستجابة لإعلان الحكومة التزامها وقف كل الأنشطة والممارسات والتدخلات العدوانية المسيئة للدول العربية، وتماشياً مع الجهود المبذولة لعودة لبنان لعمقه العربي.
وكانت السعودية (تبعتها الكويت واليمن)، أعلنت الخميس، عودة سفيرها بناء على ما اعتبرته "استجابةً لنداءات ومناشدات القوى السياسية الوطنية المعتدلة في لبنان" والتزام الحكومة اللبنانية "بوقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تمس المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي"، في إشارة إلى حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في لبنان، المدعومة من ايران، وتتهمها السعودية بالسيطرة على مفاصل الدولة اللبنانية.
وبالتزامن، توصل الوفد اللبناني المفاوض مع بعثة صندوق النقد الدولي إلى اتفاق مبدئي على برنامج تصحيح اقتصادي ومالي من 6 ركائز، تحت اسم "التسهيل الائتماني الممدد"، مدته 4 أعوام، مع طلب الحصول على 2.1 مليون وحدة حقوق سحب خاصة، أي ما يعادل حوالى 3 مليارات دولار أمريكي.
خطوة اعتبرها خبراء اقتصاديون بمثابة "إبرة مورفين"، أُعطيت للسلطة السياسية قبيل الاستحقاق الانتخابي، بينما تبقى العبرة في تنفيذ الإصلاحات المستبعد تحقيقها على أيدي المسؤولين أنفسهم عن انهيار لبنان، وخصوصاً بعد تجارب شبيهة على مستوى "باريس 1" و"باريس 2" و"باريس 3" ومؤتمر "سيدر".
ولا يزال يعول لبنان على دول الخليج العربي، التي كانت دائماً تتدخل لإنقاذ اقتصاده من انهيارات مشابهة.
ومن المحطات البارزة التي اعتمد فيها لبنان على الدعم الخليجي، كانت مسارعة دول الخليج مجتمعة للتبرع بمبالغ طائلة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو/تموز 2006.
وفي ذلك الوقت قدمت السعودية 734 مليون دولار، والكويت 315 مليوناً، وقطر 300 مليون، وسلطنة عُمان 50 مليوناً، والإمارات 13 مليوناً، ومملكة البحرين 3 ملايين، أي ما يناهز المليار ونصف المليار دولار.
وسبق ذلك تقديم دول الخليج مبالغ كبرى في مؤتمر "باريس- 2" عام 2002 وفق مشاريع اقترحتها حكومة رئيس الوزراء الراحل "رفيق الحريري".
وآنذاك، قدمت السعودية 700 مليون دولار، وكل من الإمارات والكويت 300 مليون دولار لكل منهما، وقطر والبحرين 200 مليون دولار لكل منهما، وسلطنة عُمان 50 مليون دولار، من أصل 4.4 مليارات دولار، إجمالي المبالغ التي قدمتها سائر الدول الغربية والعربية، والهيئات المانحة والصناديق العربية.
وفي عام 2007، شاركت دول الخليج في مؤتمر "باريس- 3" لدعم الاقتصاد اللبناني الذي واجه صعوبات نتيجة حرب يوليو/تموز 2006، وقدمت ما يفوق المليارين و700 مليون دولار، من أصل 7.5 مليارات دولار.
وفي العام 2013، قررت السعودية تقديم مساعدات مالية بقيمة 3 مليارات دولار سنوياً لتسليح الجيش وقوى الأمن الداخلي اللبناني، لكن هذا الدعم توقف في العام 2015 بسبب المواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع الرياض.
كما ضخت السعودية في الاقتصاد اللبناني ما بين عامي 1990 و2015 ما يزيد على 70 مليار دولار بشكل مباشر وغير مباشر؛ بين استثمارات ومساعدات ومنح وهبات وقروض ميسرة وودائع في البنوك، وفق بيانات رسمية سعودية.
وضخ المستثمرون السعوديون نحو 30 مليار دولار كاستثمارات بين 2007 و2010، وفق بيانات رسمية سعودية.
وإضافة إلى ذلك فإن السعودية تنفذ سنوياً مشاريع إغاثية عملاقة في لبنان بلغت قيمتها، ما بين عامي 2006 و2021، نحو 32 مليوناً و640 ألفاً و178 دولاراً.
وتحتضن دول الخليج الست نصف مليون لبناني، يحولون سنوياً إلى بلادهم نحو 4 مليارات دولار من السعودية وحدها.
سياسيا، وصفت صحيفة "المركزية"، عودة العلاقات مع الخليج، بأنها "عودة لسياسية شدّ العصب في الشارع السّنّي، والتأكيد على عدم ترك الساحة والتخلّي عن السنّة وتشرذمهم واستغلال فريق الممانعة لملء الفراغ".
ويؤكد رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق "فؤاد السنيورة"، أهمية عودة العلاقات مع الدول الخليجية، معتبراً أنها "مؤشر كبير يدلّ الى أهمية استعادة الثقة العربية بلبنان وفي اقتصاده ومستقبله ولديه تداعيات إيجابية كبرى على لبنان اقتصادياً وسياسياً ووطنياً".
ويلفت إلى أن تحسن العلاقات مع الخليج "تعيد إلى بيروت الهواء العربي، بعد أن كاد النفس ينقطع في لبنان"، مشدداً على "أهمية الدور الوطني والعربي الذي ينبغي أن يلعبه لبنان في محيطه العربي، والذي يؤمن له الحيوية والانطلاقة الصحيحة، وهو ما افتقده لبنان لفترات طويلة".
ويعتبر "السنيورة" أن "هذه الخطوة مهمة للعودة بعدما كادت دويلة (حزب الله)، التي تحكم لبنان الآن، ومن ورائه إيران، تنجح في تغيير طبيعة لبنان، وتغير طبيعة اقتصاده الحرّ وطبيعة نظامه الديمقراطي، وأوصلته إلى هذا التردي الكبير في هذه الأشهر الماضية".
ويلفت إلى أن "هذا الدور السلبي الذي يلعبه (حزب الله)، ليس حديث العهد، بل يزداد ويتعمّق منذ العام 2011، وترافق مع انهيارات كبرى تبينها جميع المؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية في لبنان".
ويضيف: "هذه العودة تبعث الأمل في نفوس اللبنانيين للدور الذي من الممكن أن يلعبه الإخوة العرب والأصدقاء في العالم لإنقاذ لبنان من محنته العميقة سياسياً واقتصادياً ومالياً".
ويشير إلى أن تزامن عودة السفراء مع الانتخابات النيابية "أمر طبيعي وضروري بالنسبة للبنان، إذ أنّه المفتاح الذي ينبغي أن نستعمله لكي نلج الباب الذي يوصلنا إلى المزيد من تعزيز هذه العلاقات الوثيقة ما بين لبنان والأشقاء العرب".
ويتابع "السنيورة": "ينبغي على الحكومة أن تدرك أهمية هذه العودة وتأثيراتها الإيجابية على لبنان واللبنانيين، وكذلك على الاقتصاد اللبناني وعلى الأوضاع المعيشية وعلى مجمل الأمور المستقبلية في لبنان".
ويشير إلى أن "هذه المبادرة العربية الكبيرة التي اتخذها الأشقاء العرب وفي مقدمتهم السعودية خطوة هائلة وجيدة علينا أن ننتهزها من أجل تصويب المسارات التي نسلكها راهناً، واستعادة التوازنات في سياسة لبنان الخارجية مع أشقائه وأصدقائه، وأيضاً في التوازنات التي اختلت في الداخل اللبناني من أجل أن يعود لبنان قابلاً للحياة".
ويختم "السنيورة": "نأمل، على أعتاب الانتخابات النيابية والرئاسية، أن يمارس اللبنانيون حقهم وواجبهم الانتخابي من أجل ألا يكون هذا الانتخاب بمثابة تأكيد على الدور الإيراني ودور (حزب الله) في لبنان، بل على أهمية عودة الدور العربيّ في لبنان، واستعادة لبنان لحضوره في العالم العربي واحتضان العرب له".
بدوره، يرى وزير الخارجية اللبناني الأسبق "شربل وهبة"، أن "عودة السفراء توحي بأن لبنان يمكن أن يعود ليتقن دوره الذي عهدناه فيه كعنصر إيجابي ضمن الأسرة العربية الموفِّق والموحد، وذلك بالتزامن أيضاً مع عنصر إضافي يتمثل بالاتفاق المبدئي بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد في مؤشر يوحي بإمكان عودة الثقة الدولية والمؤسسات المالية العالمية بتلك اللبنانية في حال عملنا على تحسين ظروف القرارات اللبنانية بالطريقة المناسبة".
ويضيف: "ما يهمنا ليس فقط الشق المتعلق بالدعم المالي، إذ إن علاقتنا مع دول الخليج هي علاقة طبيعية تعود إلى طبيعة الشعب اللبناني والنظام في لبنان، الذي عليه أن يلعب دوره في الأسرة العربية".
ويشير "وهبة"، إلى أن "المبادرة الكويتية هي إطار عمل وليست فقط بنوداً تتضمن عناوين أجاب عليها لبنان عبر وزير خارجيته عبدالله بوحبيب، ولاقت ترحيباً كويتياً، وقد اطلعت عليها السعودية ولم تبدِ أي موقف سلبي منها، وهو ما أدى إلى عودة السفراء".
وحسب "وهبة"، فإن "الأمور لم تعد لنقائها وصفائها ولكن حتماً أصبحنا على طريق غير مأزوم أو مسدود بل من شأنه أن يؤدي إلى حلٍّ".
ولا يربط "وهبة" عودة العلاقات الدبلوماسية بالانتخابات النيابية، التي يعتبرها استحقاقاً لبنانياً على الشعب أن ينظر إليه كفرصة بحاجة إليها، للمشاركة في العملية الديمقراطية والحياة السياسية اللبنانية والتعبير عن رأيه في صناديق الاقتراع، لإنتاج مجلس نيابي، سيكون له كلمته بانتخاب رئيس جديد للبلاد.
أما الكاتب السياسي "جورج شاهين"، يقول إنه ليس صدفة حصول الخطوتين بالشكل والتوقيت، ولو أن هناك اختلافاً بالهدف والمضمون.
ويشير إلى أن "موجة الانفراج المتوقعة في المنطقة تنعكس حتماً على لبنان، منها الانفراجات المهمة بالملف اليمني والتفاهمات الإيرانية السعودية".
ويستدرك بأنه "على الصعيد اللبناني لم نلمس أي تغيير جدي على صعيد وقف التدخلات من جانب "حزب الله" وأنشطته التي تمسّ دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، بينها الحرب الإعلامية الناطقة خصوصاً بها قناة "المنار" التابعة له، ما يؤكد أن الحل ليس عند اللبنانيين".
في المقابل، يرى "شاهين"، أن "التطورين حتماً لهما انعكاساتهما على الاستحقاق النيابي، فأركان المنظومة ليست مرتاحة طبعاً لعودة السعوديين في التوقيت الحالي، ما من شأنه أن يغير في الكثير من الحسابات الانتخابية".
ويختم حديثه بالقول: "من الواضح أن هناك استثماراً سيحصل، سواء من جانب ميقاتي في عودة السفراء، ولو أن لفرنسا دوراً كبيراً بذلك، بينما رئيس الجمهورية ميشال عون حتماً يريد الاستثمار بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإن كان لا يزال بشقه المبدئي".