انقلابات أفريقيا.. نفوذ فرنسا يترنح وتركيا تستعد لاستغلال الفرصة

profile
  • clock 7 سبتمبر 2023, 4:48:12 ص
  • eye 278
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

سلط موقع "ميدل إيست آي" الضوء على الاضطرابات السياسية التي تشهدها منطقة الساحل الإفريقي بعد الانقلابات الأخيرة في النيجر والجابون، مشيرا إلى أن تركيا تستعد لاستغلال فرصة ترنح النفوذ الفرنسي في المنطقة.

وذكر الموقع البريطاني، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن منطقة الساحل تستعد لمزيد من الاضطرابات مع ظهور خطر التدخل الأجنبي بالأفق في السنوات الأخيرة، تزامنا مع وضع قوات مجموعة المرتزقة الروسية "فاجنر" موطئ قدم لها.

وتعزز هذا الخطر بتوطيد العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة والعديد من حكومات غرب إفريقيا، إضافة إلى دبلوماسية الاستثمار الصينية والسياسات التي تمارسها مصر والإمارات، وكلها تطورات أدت إلى تقلص نفوذ فرنسا في معقلها القديم.

وتتفاقم أزمة باريس بسبب المشاعر المعادية لفرنسا في دول أفريقيا، والتي غالبًا ما تشتعل بعد الانقلابات العسكرية، فمنذ عام 2020، حدثت انقلابات أو اضطرابات سياسية كبرى في مالي وتشاد والسودان وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر، وأخيرا في الجابون، الشهر الماضي.

وفي العديد من تلك الحالات، استخدم العسكر المشاعر المعادية لفرنسا لتعزيز قبضتهم على السلطة وحشد الدعم الشعبي.

وإزاء ذلك، فإن منطقة الساحل الأفريقي، بمواردها الطبيعية واحتياجاتها لتطوير البنية التحتية، تبرر إقامة وجود سياسي تركي، بحسب الموقع البريطاني، مشيرا إلى أن تركيا استخدمت الخطاب المناهض للاستعمار بشكل استراتيجي لصالحها، ووضعت نفسها كدولة تتمتع بماضٍ نظيف في تعاملاتها مع أفريقيا، على عكس فرنسا.

وفي السياق، وصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بلاده بأنها دولة "أفرو-أوراسية"، وتبنى مواقف أثارت قلق صناع السياسة الفرنسيين، الذين لديهم ذكريات حديثة عن تدخل تركيا في ليبيا.

وتقول أنقرة إن وجودها العسكري كان له دور فعال في منع انهيار الحكومة الليبية المعترف بها دوليا ضد فصيل مدعوم من روسيا بقيادة خليفة حفتر، بينما اتهمت فرنسا تركيا بانتهاك حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية هناك.

النفوذ التركي

وخلافا للتصور الشائع، فقد أرادت تركيا منذ فترة طويلة إقامة علاقات أوثق مع القارة الأفريقية، وفي عام 1998، قبل وصول حزب العدالة والتنمية، بزعامة أردوغان، إلى السلطة، أعلنت البلاد خطة العمل الإفريقية، التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع الدول في جميع أنحاء المنطقة، وهي الخطة التي تعزز تنفيذها مع عهد أردوغان.

وهنا يشير الموقع البريطاني إلى "بعد عسكري" لوجود تركيا في إفريقيا، إذ تمتك أنقرة قواعد عسكرية في ليبيا والصومال، كما توفر التدريب العسكري لعدة دول أفريقية أخرى.

وأدى انفتاح أفريقيا عام 2008 وخطة الشراكة الأفريقية لعام 2013 إلى ترسيخ سياسة تركية مزدوجة، تتمثل في الاستثمار الاقتصادي وتعزيز العلاقات العسكرية.

وخلال حكم حزب العدالة والتنمية، ارتفع عدد السفارات التركية في أفريقيا من 12 سفارة في عام 2002 إلى 43 اليوم، كما وسّعت الخطوط الجوية التركية عدد الوجهات التي تخدمها في القارة إلى 61، فيما افتتحت وكالة التعاون والتنسيق التركية 22 مكتبًا.

غير أن العمود الفقري لحملات النفوذ التركية في أفريقيا هو صناعاتها العسكرية، فقد زودت أنقرة، خلال العقدين الماضيين، حكومات محلية بطائرات مسيرة مسلحة وعربات مدرعة وأسلحة لقتال الجماعات المسلحة.

ومع ذلك، ظلت القيمة الإجمالية للصادرات الدفاعية التركية إلى دول أفريقيا، عام 2021، أقل من 300 مليون دولار، وهو ما يمثل 0.5% فقط من الواردات العسكرية الأفريقية.

علاقة متوترة

وتعود هذه النسبة الصغيرة جزئيا إلى وجود مؤثرين آخرين في القارة الأفريقية، ففي الساحل تدعم فرنسا حلفاءها المحليين بالسلاح والمال، ولذا فإن إنشاء حكومات جديدة معارضة للنفوذ الفرنسي يمكن أن يمثل فرصًا جديدة لتركيا.

ولكن هل تمتلك تركيا البنية التحتية اللازمة للاستفادة الكاملة من الفرص المتاحة؟ وهل ادعاءات العداء بين باريس وأنقرة مبالغ فيها؟ يجيب مصدر حكومي تركي، مطلع على المنطقة الأفريقية، بأن فرنسا وتركيا ما زالتا حليفتين داخل الناتو، حيث تعهدت كل منهما بتقديم الدعم ضد نفس الجماعات المسلحة ومساعدة نفس الحكومات.

ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في النيجر، حيث دعمت تركيا الحكومة النيجرية المخلوعة بطائرات مسيرة، كما وقعت اتفاقية في عام 2020 تسمح للشركات التركية بالتنقيب عن مناجم المعادن، بما في ذلك الذهب.

كما تبرعت تركيا بمبلغ 5 ملايين دولار للقوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس في عام 2018، قبل الانقلابات، لدعم جهودها ضد الجماعات المسلحة.

وتتألف هذه الكتلة العسكرية من بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، وشهدت 4 منها انقلابات في السنوات الأخيرة.

وقال المصدر الحكومي: "لو تبنت تركيا موقفاً مناهضاً لفرنسا في منطقة الساحل، لشهدنا حملة إعلامية ضد فرنسا، استهدفت جرائمها خلال الحقبة الاستعمارية"، مكرراً أنه حتى في ليبيا كان الدافع التركي الأساسي هو تخفيف النفوذ الروسي وليس الفرنسي".

وأضاف: "تركيا هي التي أنقذت الحكومة الليبية من الوقوع في أيدي روسيا عام 2020"، وتابع: "ستلعب تركيا دورًا رئيسيًا كعضو في الناتو في منطقة الساحل أيضًا".

الافتقار للموارد

وبحسب المصدر، فحتى لو كانت لدى أنقرة طموحات توسعية في أفريقيا فإن ذلك من شأنه أن يضعها على خلاف مع حلفائها الفرنسيين، وفي الوقت الحالي على الأقل، فهي تفتقر إلى الموارد اللازمة والمعرفة المحلية ومبيعات الأسلحة لتغيير قواعد اللعبة في المنطقة.

ولذا يرى الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني بإسطنبول، محمد أوزكان، أن تركيا ليست في وضع يسمح لها بإملاء التطورات في منطقة الساحل وفقًا لتفضيلاتها، مشيرا إلى أن صادرات تركيا الدفاعية قد لا تغير مسار الحرب، لكنها يمكن أن تكون ذات قيمة، خاصة ضد الجماعات المسلحة.

وأضاف أن تركيا تتبنى حاليًا سياسة الانتظار والترقب، وتحافظ في المقام الأول على وجودها باستخدام الخبرة التجارية، لا سيما في قطاع البناء.

ويعتقد الأكاديمي الإيطالي في جامعة تريست، مؤلف كتاب "تركيا في أفريقيا"، فيديريكو دونيلي، أن العقود الأخيرة شهدت فرصا للاعبين غير التقليديين في أفريقيا، مثل تركيا، مشيرا إلى أن أنقرة اتخذت نهجا مدروسا في منطقة الساحل الأفريقي لتوسيع نطاق وجودها، مع التركيز على العلاقات الدبلوماسية والتجارية.

ويرى دونيلي أن منطقة الساحل تقدم فرصًا اقتصادية كبيرة لتركيا، ومع ذلك، يشير المصدر الحكومي إلى أن السياسة التركية في المنطقة "ستكون متوافقة مع موقعها كعضو في الناتو".

ويؤكد الباحث في مركز البحوث الإنسانية والاجتماعية (INSAMER)، سرحات أوراكجي، أن فهم هذه القيود والاعتبارات الدبلوماسية سيكون حاسماً في تحديد ما إذا كانت أنقرة ستنجح في منطقة الساحل، مشيرا إلى أن "التخصص والمعرفة المتعمقة مطلوبان، خاصة في منطقة غير مستقرة وغير آمنة".

 

المصدر | ميدل إيست آي

التعليقات (0)