- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
انيس قاسم يكتب: إعادة لبنان إلى العصر الحجري… المعنى والمغزى
انيس قاسم يكتب: إعادة لبنان إلى العصر الحجري… المعنى والمغزى
- 19 أغسطس 2023, 3:55:05 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
نقل موقع “عرب 48” (بتاريخ 8/8/2023)، وهو من المواقع العربية داخل الخط الأخضر ذي المصداقية العالية، عن يوآف غالانت وزير الحرب الإسرائيلي، تصريحاً يقول فيه، إذا ارتكب حزب الله “خطأ”، فإن إسرائيل ستمارس “كامل قوتها وستعيد لبنان إلى العصر الحجري”. من الواضح أن وزير الحرب لم يهدد حزب الله بالتدمير، بل إنه يهدد لبنان، لبنان الدولة والمجتمع والشعب والمؤسسات، لبنان الدولة بكل مقوماتها، بالعودة إلى “العصر الحجري”، أي أن الحرب التي سترد بها إسرائيل على “أخطاء” حزب الله” ستكون شاملة لكل القوات المسلحة اللبنانية، سواء قوات الجيش الرسمي أو قوات حزب الله، بل تتعدى ذلك إلى تدمير كل السكان المدنيين، إذ لا يمكن اعادة بلد إلى العصر الحجري، وتترك فيه الناس ومقومات حياتهم على حالها.
تبني إسرائيل لـ”مبدأ الضاحية” هو إعلان رسمي على تبنيها لمبدأ “إرهاب الدولة”؛ أي يجب عليها أن تمارس الإرهاب على المدنيين ومؤسساتهم حتى ترهب المقاومة المسلحة
وزير الحرب الإسرائيلي، بكلمة مختصرة، يسعى إلى “حرب إبادة” ضد لبنان الدولة، شعباً وأرضاً ومؤسسات، سواء كانت تابعة لحزب الله أو لغير حزب الله. إنها تهديد بأن الجيش الإسرائيلي سيرد على أخطاء حزب الله بارتكاب “مجازر”، بل حرب “إبادة” حتى يعود لبنان، كل لبنان، إلى العصر الحجري، إذا أمكن التعرف على وضع لبنان الجغرافي في ذلك العصر، أليس هذا تهديد يتجاوز في مخاطره جرائم الهولوكوست بعدة مرات؟ ربما يقال إن ما ورد في تصريح وزير الحرب الإسرائيلي يجب أن لا يُؤخذ على اعتبار أنه كلام يرمي إلى ما قصد إليه الوزير، بل هو كلام ورد على “سبيل المجاز”، ويجب أن يفسّر تفسيراً بعيداً عن التفسير الحرفي للكلمة. والرد على ذلك، أن مثل هذا القول يتجاوز في الواقع المجاز إلى الحقيقة، بدلالة أن من العقائد العسكرية التي يتربى عليها جيش العدو الصهيوني، وتشكل إحدى قواعده الثقافية ومبادئه القتالية، هو ما يسمى بـ”مبدأ الضاحية”، وهو مبدأ قتالي استراتيجي طوره قائد الجيش الإسرائيلي جادي إيزونكوت في عام 2008، ويستخدم حين لا تكون القوى المتصارعة متساوية في التسلح وقوة النيران، أي أنها أداة تستخدم لردع الطرف الضعيف وإرهابه. ومن مقتضيات تطبيق هذا المبدأ هو تدمير البنية التحتية اللازمة للسكان المدنيين، خصوصاً إذا كانوا من المتعاطفين مع قوى المقاومة. ويقوم هذا المبدأ في أساسه على قاعدة عدم التناسب بين القوة المستخدمة، والقوة التي يستخدمها عنصر المقاومة. وهذا مبدأ مخالف تماماً لقواعد القانون الدولي، التي تفرض على العدو المهاجم أن يستخدم من القوة ما يكفي لرد الهجوم، وإن تجاوز ذلك الحد اعتبر عدواناً. واضح أن “مبدأ الضاحية” يقوم على فلسفة “تجاوز الحدود التي يسمح بها القانون الدولي”، أي حين تمارس إسرائيل “مبدأ الضاحية” فإنها فوراً تكون في موقع المعتدي والمخالف لقواعد الاشتباك التي يسمح بها القانون الدولي للحرب. وقد طبقت إسرائيل هذا المبدأ في الحرب ضد لبنان في عام 2006، ومن هنا جاءت تسمية المبدأ بمبدأ “الضاحية”، أي الضاحية الجنوبية في بيروت، التي تعتبر معقل حزب الله، وكان الدمار هائلاً، وشاهدت بنفسي حجم ذلك الدمار، الذي لحق بالمباني السكنية والمحلات التجارية، ولم أعثر في جولتي على أي آثار لمواقع عسكرية. ثم طبقته في حربها ضد قطاع غزة عام 2008/2009، وأحدثت تدميراً وقتلاً كان أقرب إلى “الهولوكوست” وقد وثّق القاضي الدولي، ريتشارد غولدستون، في تقريره عن تلك الحرب والمقدم إلى مجلس حقوق الإنسان بتاريخ 8/9/2009، حيث لاحظ آثار استخدام “مبدأ الضاحية”، حين تم استخدام قوة تدميرية هائلة لم تكن ضرورية لقمع المقاومة المسلحة، ولكن آثارها كانت إحداث الهلع والرعب والتدمير في مؤسسات المدنيين من سكان القطاع وإرهابهم، حيث شمل التدمير أهدافاً مدنية مثل تدمير مزارع دجاج، ومطحنة دقيق، ومدارس وكالة الغوث وأبراج سكنية.
وما زالت إسرائيل تعتنق هذا المبدأ، حيث قال نفتالي بينيت، الذي أصبح رئيس وزراء إسرائيل في ما بعد، في مقابلة مع “هآرتس” عام 2017 محذراً حزب الله “إن الدمار سوف يطال المؤسسات اللبنانية، والبنى التحتية، والمطار، ومحطات الكهرباء، ومرافق السير، وقواعد الجيش اللبناني، وجميعها أهداف مشروعة، على حدّ قوله، إذا اندلعت الحرب”. ومن اللافت أنه استخدم تعبيراً قريباً مما استعمله غالانت، حيث هدد بالقول “سنعيد لبنان إلى العصور الوسطى”. في الواقع أن تبني إسرائيل لـ”مبدأ الضاحية” هو إعلان رسمي عن تبني إسرائيل لمبدأ “إرهاب الدولة”؛ أي يجب أن تمارس الإرهاب على المدنيين ومؤسساتهم حتى ترهب المقاومة المسلحة.
وبعد؛ ومن العجيب أن السلطات اللبنانية لم تتخذ إجراءً واحداً ـ في حدود علمنا- للرد على وزير الحرب الإسرائيلي، ولم تتقدم حتى بشكوى ـ على الأقل – لمجلس الأمن الدولي، ذلك أن التصريح هو تصريح رسمي وهو تهديد واضح باستخدام إرهاب الدولة على الاستقلال السياسي للبنان ووحدته الإقليمية. على الحكومه اللبنانية، حتى لو كانت حكومة تصريف أعمال، أن تتخذ إجراءات ضد التصريح الرسمي الصادر عن “دولة” عضو في الأمم المتحده ضد “دولة” عضو في المنظمه ذاتها، وهو تهديد صريح بارتكاب “جريمة العدوان” على لسان مسؤول كبير في الدولة، بل يجب ملاحقته بالتحريض على ارتكابه جريمة دولية وهي “جريمة العدوان”، بل أكثر من ذلك، أنها تتجاوز جريمة الهولوكوست بعدة مرات. إننا بصدد جريمة مبرمجة ومخطط لها وينطق بها المسؤول الأول عن الآلة العسكرية الإسرائيلية. نحن لسنا بصدد “كذبة” كالتي اخترعها قادة الصهيونية من أن الدول العربية تدخلت في فلسطين في عام 1948″لإلقاء اليهود في البحر”، بل بصدد واقعة محققة نطق بها المسؤول الأول عن الآلة العسكرية التي ستعيد لبنان إلى العصر الحجري وذلك بارتكاب مجازر هولوكوست. هل يمكن أن يقع هذا الكلام الخطير على مسمع مسؤولي لبنان، إن لم نقل المسؤولين العرب، أو الجامعة العربية الذين يهرولون إلى التطبيع دون أن تصدر عنهم إدانة واحدة.