- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
ايلي عبدو يكتب: صعوبة المقارنة بين صدّام والعراق الحالي
ايلي عبدو يكتب: صعوبة المقارنة بين صدّام والعراق الحالي
- 30 مارس 2023, 5:31:35 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ينهض النقد الذي يوجه لعراق ما بعد 2003، على عدد لا يحصى من الحجج. تسلط المليشيات، وانتشار السلاح، واستشراء الفساد، واغتيال الناشطين، والطائفية، والشعبوية والزبائنية، وتديّن المجتمع، لاسيما الشيعي، فضلا عن توزيع الولاءات للخارج. وغالبا ما تجري مقارنة الأوضاع هذه، بتلك التي كانت في زمن نظام صدام حسين. علما أن من السهل على أي دارس لزمن الديكتاتور الراحل، أن يجد فيه، كل المظاهر التي تؤخذ على فترة ما بعد سقوط البعث. طائفية، تمثلت بتمركز السلطة بيد سنّة تكريت، وقمع شيعة الجنوب، ومليشيات تمثلت بـ»فدائي صدام» وسواها.. وزبائنية وفساد، تبديا بتوزيع المغانم على المحاسيب لضمان الولاء، واعتقال واغتيال المعارضين، للإرهاب وفرض الطاعة، وتدين المجتمع، لاسيما مرحلة ما بعد غزو الكويت، لتجديد شرعية النظام.
ابتلع الحكم المركزي الصدامي الاستبدادي، وظائف الدولة وجيرها لصالحه، كذلك ابتلعت اللادولة بعد 2003، مزايا الديمقراطية وجيرتها لصالحها
لكن الدارس أيضاً، للمرحلتين، سيلحظ الفارق في آليات اشتغال المثالب السابقة باعتبارها كانت تنفذ من قبل نظام استبدادي مركزي لضمان ديمومته، فيما الآن تحصل ضمن اللادولة، ولهذا الفارق تداعيات على العراقيين، الذين، كما يقول بعضهم، صاروا يتعاملون مع عشرات الصدامات. السيئات سابقا كانت مضبوطة بيد الديكتاتور يتحكم فيها ويجيرها لصالحه، الآن باتت منفلتة وقانونا عاما يتحكم بحياة الناس، ويقلل نوعيتها للحدود الدنيا، تبعا لفرضية الناقمين على أوضاع العراق في الوقت الحالي.
ما هو محسوم، في هذا النقاش، أن مشاكل العراق، هي ذاتها، في زمن صدام وما تلاه، لكن ما اختلف طبيعة التكوين والوظائف. المليشيا من قبل كانت ملحقة بالنظام، تحمل غطاء أيديولوجيا، المليشيا حاليا، سلطة بحد ذاتها لها اقتصاد وحزب ينطق باسمها. الفساد في السابق كان توزيع عطاءات مقابل الولاء، حاليا هو آلية تنشط كدورة اقتصادية موازية. تديّن المجتمع كان في السابق، للتعبئة وشحن الناس للالتفاف حول النظام، اليوم بات هوية مجتمعية وثقافة وسلوكا وقيما. النظام كان البنية خلال سنوات البعث، والسيئات مندرجة في آليات اشتغاله، اليوم السيئات باتت البنية، وتشتغل من أجل إدامة نفسها. في الحالتين، ثمة سياقات أنتجت هذا الفشل الذي آل إليه العراق، الانقلابات العسكرية وصعود الراديكاليين في حالة صدام، والتدخل الخارجي المفاجئ ونقل وصفات الديمقراطية الجاهزة في حالة العراق الحالي. خلف الحالة الأولى، تفكير إمبراطوري يحاكي مخيال الخلافة، بوعي قومي عروبي لدى السنّة، التقطه ريفي يجهل العالم يدعى صدام حسين، وطوعه بين يديه ليصنع حكما عائليا، امتد حتى 2003. وخلف الثانية، تفكير معارض استقر على وعي طائفي انتقامي ثأري التقطته النخبة الشيعية التي أتت من الخارج، لتصنع «دولة المافيا» حسب تعبير الكاتب كنعان مكية. وبالنتيجة، فإن مقارنة أوضاع العراق حاليا، مع تلك التي كانت في زمن البعث، لا تخضع لمعايير نوعية، تميز بين الاثنين، القائل بأفضلية العراق السابق عن الحالي يستند إلى النتائج، فيتحدث عن «الاستقرار» أو «التنمية»، أو «الخدمات»، علما أن هذه ليست «مزايا» بل ملحقات لاستراتيجية النظام السابق، فالترهيب وضبط المجتمع ينتج استقراراً خادعاً، والاستفادة من عوائد النفط لشراء الولاء ينتج تنمية مؤقتة (اقتصرت على سنوات البعث الأولى)، والدولة المركزية القامعة للأقليات، تنتج خدمات. كذلك الحال، بالنسبة، للقائل بأفضلية العراق الحالي، معتمداً على «الانتخابات»، و»تعددية الأحزاب»، و»حرية الإعلام»، إذا إن هذه «المزايا»، مفرغة من مضامينها، بسبب طبيعة اللادولة المليشياوية، التي ترسخت عقب سقوط النظام السابق. فـ»الانتخابات» التي تنظم على وقع السلاح والشحن الطائفي وترهيب الناخبين، يسهل الانقلاب على نتائجها تبعا لموازين القوى العسكرية بين الجماعات المسلحة. والأحزاب، تحوّلت إلى واجهات سياسية للمليشيات، التي طوّعت كذلك الإعلام، وصيّرته ناطقا باسمها. هكذا، وكما ابتلع الحكم المركزي الصدامي الاستبدادي، وظائف الدولة وجيرها لصالحه، كذلك ابتلعت اللادولة بعد 2003، مزايا الديمقراطية وجيرتها لصالحها. وانطلاقا من النتائج المبتورة في كلا الحالتين، يصعب عقد أي مقارنة بين «النموذجين»، أو بصورة أدق، بين «اللانموذجين».