- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
ايلي عبدو يكتب: عن الإسلام السياسي وبعض اليسار في تونس
ايلي عبدو يكتب: عن الإسلام السياسي وبعض اليسار في تونس
- 20 أبريل 2023, 2:18:59 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حرب الرئيس التونسي قيس سعيّد الحالية ضد حركة «النهضة» ورئيسها الذي اعتقل قبل أيام، ليست معزولة عن حربه الشاملة ضد معظم القوى السياسية في البلاد، التي سارع عقب انقلابه على توجيه الاتهامات لها، وتحميلها مسؤولية الفشل الذي مرت به تونس. الهدف تصفية تجربة ما بعد الثورة، ليس انطلاقا من سلبيات هذه التجربة، وتأرجحها بين التوافق الذي لا ينتج، والصراعات التي تهدم، وإنما انطلاقا من إلغائها من الأساس. سعيّد لا يريد تصحيح السياسة بالسياسة، كما يحصل عادة مع تجارب الفترات الانتقالية، بين ثورة وتأسيس قواعد دستورية للحكم وتداول السلطة، بل يريد نسف السياسة وتفكيك الأحزاب والقوى التي كانت تمارسها، وخلق مسوخ بديلة، تمثلت في البرلمان الحالي، لتلعب دوراً هامشيا في النظام السلطوي الجاري العمل على تشكيله.
قيس سعيّد يريد نسف السياسة وتفكيك الأحزاب، وخلق مسوخ بديلة، تمثلت في البرلمان الحالي، لتلعب دوراً هامشيا في النظام السلطوي الجاري العمل على تشكيله
غير أن استهداف حركة النهضة والاتحاد العام للشغل (أكبر نقابة في البلاد) يدفع للتوقف عند الآثار السلبية لضرب تجربتي الإسلام السياسي وبعض اليسار في تونس، الأول انخرط في اللعبة السياسية وشارك في الانتخابات، وخضع لتوافقات ونسج تحالفات، ما جعله في موقع متقدم عن بقية تجارب الإسلام السياسي في العالم العربي، لاسيما مصر. إذ مارس الإخوان المسلمون هناك سياسة إقصائية استبعادية، ومحاولات للسيطرة على الدولة وسط استخدام مطلق للتفويض الانتخابي، ما فتح المجال للعسكر لتنفيذ ثورة مضادة عبر انقلاب، وممارسة قمع وحشي ضد الجماعة، والمجتمع لاحقاً، ورغم أن «النهضة» متهمة باغتيالات وتسفير جهاديين لخارج البلاد، وسط حديث عن «جهاز سري»، يتبع لها، غير أن هاتين القضيتين، غالبا ما يجري تسييسهما، بحيث تختلط الحقائق بالغايات السياسية، من دون أن يعني ذلك البراءة التامة للحركة.
أما الثاني أي «الاتحاد العام للشغل» ذو التوجه اليساري، فقد لعب دوراً في السابق في التقريب بين «نداء تونس» و»النهضة»، مقدماً أيضاً نموذجاً مختلفاً عن قوى اليسار في العالم العربي، التي يتراوح سلوكها بين الراديكالية المفرطة ضد الإسلاميين، أو التحالف الانتهازي معهم. الاتحاد، الذي لا يخفي قادته نقدهم الحاد للإسلاميين، اتخذ موقفاً مربكاً تجاه انقلاب سعيّد، لكنه بات اليوم في موقف الخصومة معه، من دون أن يقطع الطريق على الحوار والتسويات. ما يعني أن الحركة مارست السياسة خلال سنوات ما بعد الثورة، بأقل قدر من العنف، تماماً مثلما مارسها «الاتحاد العام للشغل» بأقل قدر من الراديكالية والانتهازية، لنكون حيال تجربتين مختلفتين، للإسلام السياسي وبعض اليسار. وإن كان، رئيس «النهضة» راشد الغنوشي، قد ساهم بشكل أساسي في إنضاج تجربة الحركة، بسبب تجربته التي راكمها في الغرب، وآرائه المتقدمة في عدد من المسائل لدرجة إثارة غضب قواعده، فإن جزءاً من اليسار التونسي لم يكن لينضج سياسياً، لولا وجود بنية تحتية صنعها الحبيب بورقية، تمثلت في التعليم والطبقة الوسطى وتطوير القوانين ومنح هوامش للنساء. قواعد كثيرة من اليسار نشطت ضمن هذه البنية المدينية المتقدمة، وليس، كما حصل في المشرق مثلاً، حيث نشط اليسار في بيئات متخلفة، ما زاد من الراديكالية، وقلل جرع السياسة في سلوكه. مع ذلك فإن التجربتين، رغم نجاحهما النسبي، تبتعدان وتقتربان، من المثال المرجو لمشاركتهما في السياسة. الإسلام السياسي مطالب، بجعل الإسلام مرجعية قيمية له، من دون أن يفرض شكلا محددا للدولة وقوانين وثقافة وسلوكا مجتمعيا، فضلا عن كونه مطالبا بنبذ العنف بشكل قاطع. أما اليسار، فهو مطالب، بالانخراط بقواعد اللعبة السياسية وليس التفكير بشكل دائم بالانقلاب عليها وتغييرها، فضلا عن تطوير مقارباته وانشغالاته، بحيث لا يحصرها بالبعد الاقتصادي، فينفتح أكثر على مسائل النساء ومجتمع الميم والبيئة، على غرار اليسار الغربي. ارتكابات سعيّد الشعبوية، قطعت الحبل بين النجاح النسبي والتمايز عن تجارب محيطة فاشلة، والمثال المرجو، في تجربتي الإسلام السياسي وجزء من اليسار التونسي. وإن كانت «النهضة» مرشحة لقمع أشد، بحكم الاستقطاب الحاد في البلاد بين علمانيين وإسلاميين، وهو ما يستفيد منه الرئيس الحالي لزيادة أعداد مؤيديه، فإن «الاتحاد العام الشغل» مرشح لتقليم أظافره، وتقليص دوره، وتفاوت التعامل السلطوي مع كل من التجربتين، لا يغير كثيراً، من التوقعات حيال تونس المقبلة، حيث لا نتائج لإلغاء السياسة، سوى الخراب الذي تكبته السلطوية مؤقتاً، لينفجر لاحقاً، وسط أقل قدر ممكن من إمكانيات المعالجة.