- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
بسام البدارين يكتب: جريمة الأردني الإلكترونية: من يراقب المراقبين؟
بسام البدارين يكتب: جريمة الأردني الإلكترونية: من يراقب المراقبين؟
- 13 سبتمبر 2023, 4:54:34 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
دخول قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن صباح الثلاثاء حيز التنفيذ يعني أن مرحلة جديدة قد بدأت ليس على صعيد مراقبة الأداء الإعلامي وحقوق التعبير العامة للمواطنين ولكن أيضا على صعيد «كبت « قدر كبير ولا يستهان به من الحريات العامة في سياق وصفة خاصة ذريعتها كانت السيطرة على العالم الرقمي والافتراضي.
واحدة من أبرز إشكالات القانون الجديد وتطبيقاته أن أحدا لا يتحدث مجددا عن «مراقبة المراقبين» فقد سقط تماما المبدأ المهني والأخلاقي القائل بان دائرة الرقابة على المواطن تتزايد وعدد المراقبين باسم الحكومة من عسس وفنيين ومحركي شكاوى باسم الحق العام زحف إلى مناطق جديدة لكن المواطن نفسه لا يملك آليات لمراقبة من يراقبونه باسم المصلحة العامة.
السلطة في الأردن تراقب باسم القانون المواطن مزنرة بترسانة من التشريعات والقوة التنفيذية ومجلس النواب الذي ينبغي له أن يمثل مصالح المواطن فيما يخص الحريات التعبيرية العامة، وحصرا على صعيد قانون الجرائم الإلكترونية، ترك مهمته الأساسية في مراقبة السلطة التنفيذية والتشريع للجميع وبدأ يزاود على الحكومة في مراقبة الناخبين في معادلة مختلة لا يوجد أمل في تصويبها منهجيا بوقت قريب.
أي عملية ديمقراطية أو رسمية حتى تصبح منتجة لابد لها من اكتمال نصاب المراقبة فالمراقب الذي يتولى مهمة مراقبتي كمواطن وإحالتي للمحكمة بسبب مخالفة قانونية عليه أن يخضع بدوره لمراقبة خاصة ضمن دوائر الشرعية القانونية تنتهي بسلامة اي إجراء يتخذه حتى لا تميل الأمور للشخصنة ولا تنتج عنها أزمة مجتمعية مركبة ومعقدة على حد تعبير الصديق الحقوقي عاصم العمري.
كيف نمنع قانون الجريمة الإلكترونية الجديد من صناعة أزمة مجتمعية؟ هذا هو اليوم السؤال الأصعب، ورغبت الحكومة أم لم ترغب تقع الإجابة في مسؤوليتها فالقانون أصبح واقعا دستوريا، وردة فعل الأردنيين على منصاتهم صباح يوم سريان القانون تثبت أنهم قلقون جدا ومرتابون ولا يثقون بالتطبيق لأن نصوص القانون مطاطة ومرنة ويمكن أن تستخدمها السلطات في أي وقت وضد أي مواطن وبصرف النظر عن التفريق ما بين حقه في النقد الوطني المباح أو الرأي المستقل الهادف أو ممارسته التي يعاقب عليها القانون.
القانون أصبح واقعا وصفحات السواد انتشرت صبيحة يوم نشره في الجريدة الرسمية احتجاجا وارتيابا.
القانون أصبح واقعا دستوريا وردة فعل الأردنيين على منصاتهم صباح يوم سريان القانون تثبت أنهم قلقون جدا ومرتابون
لكن التحدي الأساسي ونزعم أنه أصلا لا يهم الحكومة هو العمل مهنيا وأخلاقيا بعد الآن بطريقة تمنع تفاعلات النصوص القانونية الغامضة والمرنة من التأثير سلبا على الرأي المستقل والنقد الإيجابي البناء. وهنا تبرز واجبات المجتمع المدني وشرائح المهنيين وهؤلاء واجبهم الآن يقضي بأن لا تتأثر أسقف الحرية والمسؤولية بالتطبيقات القانونية بحيث نتمسك بتلك الضمانات المرجعية التي قيلت علنا بأن يضمن تطبيق القانون التعددية الإعلامية.
لا نملك كمهنيين خيارات متعددة هنا.
وأغلب التقدير أن القانون الجديد أقرب إلى مصيدة قد تلتهم الجميع وبدون استثناء فيما الحكومة قالت لنا علنا بأنها ستطبق القانون على «المسيئين» فقط ورغم أنها لم تعرف المسيء بصورة دقيقة المقصود فالواجب يقتضي مراقبة الحكومة وهي تزرع مصيدتها باسم الحق العام وتذكيرها بضرورة وضع لافتات وطنية في تطبيق القانون لا تخلط المسيء بصاحب الرأي ولا حرية القول والتعليق بتلك الفوضى التي توسعت عبر منصات التواصل.
الأردن ومن الآخر إزاء تجربة قانون جديدة ومثيرة قد تلتهم ما تبقى من مصداقية في مسار التحديث والإصلاح. لذلك لابد من الانتباه مبكرا جدا لبعض المطبات والكمائن ووضع بعض النصائح والتوصيات التي تبدأ بأن يقوم الجسم المهني الإعلامي بوضع خارطة إرشادات تميز الفوارق بين الإساءة والتجاوز والنص الوطني الناقد في مهمة واضحة تماما إنْ الحكومة تجاهلت واجبها بخصوصها والقانون تغافل عنها.
في المقابل لابد من آلية لمراقبة الجهاز الفني والبيروقراطي المكلف بعد الآن بمراقبة أداء منصات التواصل وتوثيقها قانونيا لأغراض المحاسبة…هنا نفترض أن غياب الدور الرقابي لمجلس النواب يبقي الساحة خالية لمراقبين مهنيين ومستقلين عن المراقبين وفي الوقت الذي لا يرغب فيه السادة النواب بممارسة دورهم الرقابي يمكن التعاون مع المركز الوطني لحقوق الإنسان وهو الذراع الوحيد الذي أعلن نيته مراقبة التنفيذ بما يليق باسمه وسجله وأيضا بما يليق بسمعة المملكة.
المركز الوطني لحقوق الأنسان عليه التعاون مع المؤسسات المهنية المختصة حتى لا يختلط حابل الحرية الإعلامية بنابل الفوضى الشبكية وحتى يمنع مراقبي الحكومة من استهداف السمين بادعاء ملاحقة الغث، وبما أن القانون سيخضع له الجميع وأصبح واقعا دستوريا اليوم لابد من آلية دستورية ومهنية أخلاقية تراقب عملية تنفيذه مع رصد الحالات التي تصر فيها السلطات على تجاهل الضمانات العلنية التي قيلت لنا في الجسم الإعلامي بخصوص تنفيذ القانون فقط على «حالات محددة».
توقعاتي شخصيا أن لا يكفي الطاقم المخصص حاليا لمتابعة إجراءات القانون في الجهاز القضائي. وحتما لابد من احتواء تأزيم اجتماعي مفترض.