- ℃ 11 تركيا
- 23 نوفمبر 2024
بيسان عدوان تكتب : أمريكا الدينية وإسرائيل: دعم ثقافي أم سياسي؟
بيسان عدوان تكتب : أمريكا الدينية وإسرائيل: دعم ثقافي أم سياسي؟
- 31 أكتوبر 2023, 7:07:25 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متداول
بقلمبيسان عدوان- كاتبة فلسطينية
قصفت مستشفى المعمداني في يوم 22 أكتوبر/ تشرين الأول، وقتل بها أكثر من 500 فلسطيني والألف المصابين علي أقل تقدير، ورغم كل الأكاذيب التي نشرتها دولة الكيان الصهيوني عن عدم مسئوليتها، وتفنيد كل مزاعمها وأكاذيبها، وإثبات أن تلك المجزرة قامت بها قوات الاحتلال بذخائر أمريكية الصنع، إلا أن الكنيسة الانجلية البروتساتينية في أمريكا عبر أسقف كانتربري جاستن ويلبي لم يحمل إسرائيل مسؤولية المجزرة بل أنكر بالكامل عدم معرفته بذلك بالقول "ليس لدي فكرة" عن عدد الأشخاص الذين قتلوا بالفعل بالكنيسة، مؤكدا علي أن تحميل اسرائيل ذلك قد يرقى إلى حد“ فرية الدم”، وهي اتهامات معادية للسامية.
تعتبر الطوائف الإنجيلية البروتستانتية التي تشكل غالبية الحركة المسيحية في أمريكا من أهم الكنائس الأمريكية تأثيرا على السياسة العامة الأمريكية ومنها تتفرع كنائس ومذاهب متعددة منها المتشدد ومنها الليبرالي ومنها المتصهين، وقد حرص العديد منها منذ منتصف القرن العشرين على بذل مزيد من النشاط للانخراط في العمل السياسي في أمريكا، ويمثلون قاعدة انتخابية كبيرة، كما يملكون نفوذا اقتصاديا وسياسيا كبيرا يؤثر علي العملية السياسة في أمريكا بل يشكل رافدا ليس سياسيا فحسب بل عقائديا مهما لدعم دولة "إسرائيل".
تثير علاقة تعلق فئة واسعة من الإنجيليين المحافظين بإسرائيل قدرا من الاستغراب، وقد تطورت بسرعة في العقديين الأخيرين؛ ومبرر ذلك أن كثيرا من الإنجيليين قد تربوا على محبة إسرائيل في مدارس الأحد، ولا تفسر الألفة مع العهد القديم وحدها التعلق بإسرائيل، حيث إن معاشرة الأمريكيين البروتستانت للكتاب المقدس واستعارة صور منه للحديث عن تاريخ أمريكا وخصوصية رسالتها بين بين الأمم تجعل من الأراضي المقدسة نوعا من الوطن الروحي بعيدا من الوطن الأم، وتعزز عند الأمريكيين المتدينين لعقود أنهم أصحاب مصلحة في تلك الأرض حيث إنها مسرحا للأحداث النهائية وتمهيد لمجيء المسيح الثاني، وهناك عدد لا يستهان به من الإنجيليين المحافظين يقرأ الكتاب المقدس وكأنه مجموعة نبوآت متقاطعة مركزها الأرض المقدسة "فلسطين" وهم يؤمنون أن التاريخ البشري يتبع مخطط إلهى وأن لإسرائيل دور محوري فيه.
الأنجليون في أمريكا مع "اسرائيل" أم المسيح
شهدت الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية زخما "كبيرا" مع مطلع السبعينيات، وذلك بفعل حركة اليمين المسيحي "الإنجيليين المحافظين" من جانب، وما حققته إسرائيل بعد حرب يونيو 1967 وسيطرتها على الأرض التوراتية بكاملها بما فيها القدس، وقام الإنجيليون المحافظون والحقباتيون بتطوير وسائلها وأساليبها وتكوين تشكيلات عديدة داخل المجتمع المدني الأمريكي لدعم إسرائيل، في الوقت نفسه استغل الإعلام المرئي أفضل إستغلال للترويج لذلك، ومن هنا نشأ ما يسمى بالكنيسة المرئية، وبمرور الوقت باتت إسرائيل أحد الموضوعات الرئيسية لليمين المسيحي الأصولي، وتحمل مسؤولية الدفاع عنه ودعمه من جانبهم من جهة، ومن جانب جماعات الضغط الموجهة من جانب آخر.
ساهمت عدة عوامل في نهوض وبروز وتزايد الحركة الصهيونية المسيحية داخل الكنائس الإنجيلية والأصولية اعتبارا من عام 1967 ولعل أهم هذه العوامل وصول الرئيس الأمريكي جيمي كارتر 1976 وإعلانه في بيانه الانتخابي "تأسيس إسرائيل المعاصرة هو تحقيق للنبوءة التوراتية"، الأمر الذي أدى إلى تحول في علاقات المنظمات الصهيونية اليهودية مع الحركة المسيحية الأصولية لتصبح هذه العلاقة معها حليفا "طبيعيا" مهما، وأخذت المنظمات الصهيونية تمد جسورها مع الحركة المسيحية الأصولية. ثم وصول اليمين السياسي للحكم في الولايات المتحدة مع مجيء ريغان 1980 وتم تتويجهم سياسيا مع وصول جورج دبليو بوش في نهاية الألفية الثانية.
قد كان لنشاط جماعات الضغط المسيحية الأصولية تأثيرا قويا في الإدارة الأمريكية منذ الثمانينيات؛ فهي تعمل في الداخل السياسي باتجاه تدعيم وتبني برامجها باتجاه تقديم أكبر عونا لإسرائيل ودعما لسياساتها، وممارسة الضغط المنظم على الكونجرس والإدارة الأمريكية والتأثير في الرأي العام لمصلحتها، ومنذ بداية التسعينيات أصبح للحركة الصهيونية المسيحية دور هام في تأمين كل ما من شأنه تفعيل ما جاءت به النبوآت الخاصة بالدعم لإسرائيل تمهيدا لمجيء المسيح الثانية، منذ تولي جورج بوش الأب وصولا لترامب الأمر الذي يعني أن المسيحية الانجلية أصبحت شريكا رئيسا في الحكم ليس علي مستوى الرئوساء الجمهوريين بل أيضا مع التيار الديمقراطي كما جاء علي لسان بايدن واستخدامه عبارات ورؤى إنجيلية في دعمه لإسرائيل وحربها علي الفلسطينيين.
بجانب تأثير تلك الجماعات علي السياسة الأميريكية، بل إنها تملك جماعات ضغط منظمة بشكل رئيسي من أجل إسرائيل والقدس: منها منظمة السفارة المسيحية الدولية – القدس: تنشط تلك المنظمة في ثلاثين بلدا في أوربا وأمريكا الشمالية وآسيا وأستراليا، ولها 20 قنصلية في الولايات المتحدة للإشراف على نشاطاتها، وتحث الناس على شراء منتجات إسرائيلية وتبيع سندات إسرائيلية للجماعات الأصولية في أمريكا، وتتبرع وتقدم الدعم للمستوطنين في الضفة وغزة، ويؤمن أعضاؤها بأنهم يفعلون هذه الأعمال وغيرها نيابة عن إسرائيل فإنما ينفذون إرادة الله. وكذلك مؤسسة جبل الهيكل: وهي ذات أهداف صهيونية محددة تهدف إلى إنشاء جبل الهيكل في القدس،، وتقوم المؤسسة بتقديم المساعدات المالية لتدريب عدد من الكهنة اليهود على كيفية خدمة المعبد "الهيكل" الذي تنوي بناءه، ويقومون بتزويد علماء أثار بأحدث التقنيات وتمويل حملاتهم للتنقيب عن الهيكل تحت المسجد الأقصى.
بجانب منظمات المائدة المستديرة الدينية، ومؤتمر القيادة المسيحية الوطنية لأجل إسرائيل، والبنك المسيحي الأمريكي لأجل إسرائيل والقائمة طويلة وعدد الأنشطة والفاعليات والدعم المقدم للمستوطنين في الأراضي المحتلة كبير. فالدعم الأمريكي الرسمي والشعبي لإسرائيل غير مشروط، ويكشف استمرار الرؤية الأمريكية الدينية تجاه إسرائيل ودعمها، هناك مساعدات غير حكومية من قبل أفراد وجماعات أمريكية لدعم المستوطنين مما يعكس تغلغل ثقافة دعم إسرائيل في العقلية الدينية الأمريكية.
الكنيسة الكاثوليكية الأميريكية و دعم إسرائيل
أما المسيحية الكاثوليكية في أمريكا فمنذ أواخر القرن التاسع عشر ظهرت بين الكاثوليك في الولايات المتحدة تيارات ثلاثة تمايزت بحسب الموقف من المجتمع الأمريكي، انشغل أهل التيار الأول بأهمية المحافظة على استقامة الإيمان الكاثوليكي وعلى الهوية الخاصة ورأوا أن وحدة الكاثوليك تتحقق عن طريق الحرص على التماسك المعهود في التنظيم الكنسي ودعوا إلى المساهمة في النظامين السياسي والاقتصادي دون الانخراط في المجتمع والثقافة الأمريكيين ووجدوا في البروتستانتية العلمانية ما يهدد الإيمان الكاثوليكي التقليدي،.
أما التيار الثاني فضم الذين مالوا إلى الحذر حيال الاندماج في المجتمع الأمريكي، وهناك تيار غالبا ما ينعت بالليبرالية وهو ينظر إلى المجتمع الأمريكي بعين الرضا ويثمن الديمقراطية وسياسة الفصل بين الكنيسة والدولة ويقبل على المساهمة في الحياة العامة الأمريكية على كافة الأصعدة، ويشكل الكاثوليك في المجتمع الأمريكي ما يقارب 41 % أي ما يقارب 63 مليون كاثوليكي أمريكي.
زاد نفوذ التيار الثالث بعد انتخاب كيندي 1960 رئيسا للجمهورية وهو كاثوليكي المذهب ومالت الأكثرية الكاثوليكية للحزب الديمقراطي وسياسته الاجتماعية ما عزز الانفتاح على بروتستانتية الخط الرئيسي الليبرالية، خاصة بتقاربهم في قضايا التحديث والتطور العلمي والتكنولوجي في الولايات المتحدة والإنجازات العالمية التي حققت في عهده كما في قضايا السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أنه بحرب فيتنام وفضيحة ووترجيت اهتزت صدقية المؤسسات الدينية وعلت أصوات الإنجيليين الرافضين للتقارب الكاثوليكي- البروتستانتي، وجاء انتخاب جيمي كارتر المبشر المعمداني في السبعينيات غلبة التيار المحافظ في المجتمع الأمريكي، وكان التقارب الوحيد الذي ظهر في العقدين الأخيرين بين الكاثوليكي- الإنجيلي في القضايا الاجتماعية الدينية استنادا على قضايا الإجهاض والعائلة والشواذ.
تشير إحصائيات صدرت عام 2000، جاء عدد المنتسبين إلي كيانات دينية إلى 140 مليون أمريكي أي أقل بقليل من مجموع نصف السكان في الولايات المتحدة ويتوزعون كالآتي: 66 مليونا من البروتستانت، و62 مليونا من الكاثوليك، و6 ملايين من اليهود، و4 ملايين من المجرمين ، و6 ملايين من المسلمين، ومليون واحد من الأرثوذكس، و200 ألف من أهل الديانات الشرقية الآسيوية، وتنتشر في الولايات المتحدة ما يقرب من 20 ألف مدرسة مسيحية ابتدائية وثانوية، وألف كلية مسيحية للتعليم بعد الثانوي، وتضم الولايات المتحدة – أيضا- 1300 دار للنشر متخصصة في الكتب المسيحية وتقدر مبيعاتها بحوالي 3 مليارات سنويا، هذا بجانب الشبكات الإذاعية ومحطات التلفزة والتي يحتكرها التيار الإنجيلي المحافظ،، وتشير بعض التقديرات ومعظمها مبني علي استطلاعات رأي، إلي أن عدد البروتستانت الذين يجهرون بانتمائهم يتجاوز ال80 مليونا متوزعين علي مذاهب فكرية مختلفة ولها قاعدة اجتماعية عريضة راسخة في الطبقات الوسطى والعليا ذات نفوذ اقتصادي وسياسي وثقافي.
بعد ضرب الكنيسة المعمدانية التي أحتمي بها الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين في غزة من القصف الإسرائيلي المستمر منذ 23 يوما هل ستعلون أصوات شعب الانجليين ولو لمرة واحدة ضد الحكومة الأميريكية في دعمها اللامشروط لدولة الكيان الصهيوني.