- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
تحليل: تداعيات محتملة لتمرد فاجنر على دورها في مناطق الصراع الأفريقية
تحليل: تداعيات محتملة لتمرد فاجنر على دورها في مناطق الصراع الأفريقية
- 27 يونيو 2023, 9:35:56 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
هل يؤثر تمرد فاجنر على تراجع نفوذها في أفريقيا؟ حول إجابة هذا السؤال دار تحليل للباحث المشارك في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أحمد عسكر، مشيرا إلى أن تراكمات الأزمة لاتزال قائمة رغم انتهاء التمرد، على نحو يلقي بظلاله على مستقبل وجود "فاجنر" في المسرح الأفريقي، الذي انخرطت فيه منذ عام 2017، في ضوء اهتزاز ثقة موسكو في قادتها.
وذكر عسكر، في تحليل أورده موقع مركز "الأهرام"، أن "فاجنر" عبرت عن نفسها بقوة باعتبارها أحد أبرز أدوات السياسة الروسية في القارة السمراء خلال السنوات الأخيرة، والتي توظفها موسكو لتنفيذ سياساتها وتحقيق مصالحها الحيوية في أنحاء أفريقيا؛ بما في ذلك موازنة الأدوار الدولية الفاعلة في عدد من المناطق الاستراتيجية هناك.
وتتوسع "فاجنر" خلال السنوات الأخيرة في تنفيذ العديد من الاختراقات الاستراتيجية المهمة في عدد من الدول الأفريقية، وذلك برغم المزاعم التي برزت حول تراجع دورها وحضورها وسحب قواتها عقب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في فبراير 2022، إلا أنها استطاعت تكثيف نشاطها على الصعيد الأفريقي، والذي يشير إليه عسكر على النحو التالي:
1- توسع نفوذ "فاجنر" أفريقيًّا، حتى أن صحيفة واشنطن بوست قد ادعت شروع موسكو في تأسيس اتحاد كونفدرالي أفريقي يضم 8 دول أفريقية على الأقل معادية للسياسات الغربية بما في ذلك بوركينا فاسو وإريتريا وغينيا ومالي والنيجر والسودان، ما يعزز اتهامات الغرب لموسكو بزعزعة استقرار أفريقيا واعتبارها بمثابة استعمار جديد يعززه نشاط "فاجنر" المتنامي هناك.
2- البحث عن حلفاء جدد: تنظر موسكو إلى أفريقيا باعتبارها فرصة جيواستراتيجية يمكن أن تحقق من خلالها أهدافًا نوعية، على رأسها كسر العزلة الدولية المفروضة عليها من قبل الغرب منذ عام 2014 والتي تضاعفت في خضم الأزمة الأوكرانية الراهنة.
لذلك هي تبحث دائمًا عن حلفاء أفارقة جدد، مستغلة حالة التراجع الفرنسي في بعض مناطق نفوذها لا سيما الساحل وغرب أفريقيا، والانسحاب الأمريكي التدريجي خلال السنوات الأخيرة.
وفي هذا الإطار، انتشرت "فاجنر" في عدد من الدول الأفريقية مثل أفريقيا الوسطى وليبيا والسودان ومالي، ومولت حملات سياسية في مدغشقر، وطالت أنشطتها السياسية أيضًا دول الكونغو الديمقراطية وغينيا الاستوائية وجنوب أفريقيا وزيمبابوي وموزمبيق، كما أنها تتودد إلى بوركينا فاسو من خلال تقديم الدعم الأمني واللوجستي لمحاربة الإرهاب، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات مع الكاميرون في مجالات التجارة والأمن.
3- الانخراط في مناطق الأزمات: يتمثل الأساس المنطقي لوجود "فاجنر" في أفريقيا في مواجهة الإرهاب والحيلولة دون زعزعة الاستقرار في القارة، فهي تقدم خدمة أمنية بالأساس لبعض الحكومات الأفريقية التي تعاني أزمات أمنية في بلدانها بحيث تدعمها في العمليات القتالية ضد التنظيمات الإرهابية والحركات المسلحة المتمردة مثل أفريقيا الوسطى.
4- الاستحواذ على الثروات الأفريقية: يعد توسع "فاجنر" في أفريقيا مدفوعًا بمنطق تجاري أكثر منه سياسي كما أنه يتجاوز مجال الأمن أيضًا، فالمكاسب الاقتصادية هي التي تدفعها لتأكيد حضورها، لا سيما أنها أضحت تسيطر على المزيد من الامتيازات في قطاعات النفط والتعدين في عدد من الدول الأفريقية مثل أفريقيا الوسطى ومالي والسودان.
وتتبع شركات "فاجنر" مجموعة المرتزقة إلى مناطق نفوذها بأفريقيا مثل شركة مروي جولد وكروما مايننجولوباي إنفست لاستخراج الثروة المعدنية وإنترناشيونال جلوبال لوجستيك التي تتخذ مقرًا لها في الكاميرون وتتولى نقل الموارد والمواد الخام والمعدات عبر ميناء دوالا من وإلى أفريقيا الوسطى.
بينما تزعم تقارير دولية قيام "فاجنر" بتهريب نحو 32.7 طن من الذهب بقيمة 1.9 مليار دولار في الفترة بين فبراير 2022 وفبراير 2023، وهو ما يعكس توسعها الاقتصادي في المنطقة.
وبالرغم من اتهام الغرب لها بإثارة الفوضى في الدول الأفريقية، دفعت موسكو نحو انخراط "فاجنر" -التي تشير تقديرات إلى أن عدد أفرادها يبلغ حوالي 5000 عنصر- في 23 دولة أفريقية بما في ذلك بعض البؤر الأفريقية الساخنة للاضطلاع بعمليات بالوكالة لصالحها.
نقاط التمركز
ويشير عسكر إلىأن نقاط تمركز "فاجنر" الرئيسية في أفريقيا أضحت كما يلي:
أ- ليبيا: إذ قامت "فاجنر" بنشر حوالي 800-1200 مقاتل في سبتمبر/أيلول 2019 للقتال إلى جانب الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير، خليفة حفتر، بهدف ترجيح كفة الصراع لصالحه، بالإضافة إلى تعزيز النفوذ الروسي في البلاد والمنطقة، وضمان لعب موسكو دورًا في أي تسوية محتملة مستقبلًا هناك، بالإضافة إلى ضمان التواجد العسكري في منطقة المتوسط بالقرب من مسرح الأحداث في الشرق الأوسط.
ب- أفريقيا الوسطى: والتي تمثل قلب الاستراتيجية الروسية في أفريقيا، فهي من أولى الدول الأفريقية التي استقبلت قوات "فاجنر" (1000 عنصر) في عام 2018 لمواجهة التنظيمات المتطرفة في البلاد. حتى أن "فاجنر" تقوم بتدريب الحرس الرئاسي في البلاد، وتتولى مسئولية الأمن الشخصي للرئيس فوستين تواديرا.
بالإضافة إلى دورها البارز في حماية مناجم الذهب والماس في البلاد، والحصول على امتيازات التعدين في مناجم البلاد مثل منجم نداسيما.
كما تجني "فاجنر" المزيد من الأرباح المادية من تصدير الأخشاب الاستوائية من أفريقيا الوسطى بعد الحصول على امتياز قطع الأشجار بدون قيود على مساحة تقدر بحوالي 187 ألف هكتار، ونقل تلك الثروات إلى روسيا عبر ميناء دوالا الكاميروني، حيث يتم تنظيم ثلاث قوافل شاحنات أسبوعيًّا من العاصمة بانجي إلى دوالا تحت حماية عناصر "فاجنر".
كما تم رصد قيام "فاجنر" بإجبار بعض الشركات الفرنسية للخروج من السوق في أفريقيا الوسطى مثل شركة السكر الفرنسية SUCAF وسيطرتها على قطاعي الجمارك والضرائب.
ج- السودان: تعمل "فاجنر" في السودان منذ عام 2017 من خلال تدريب القوات السودانية وحماية الثروات المعدنية، وقمع معارضة الرئيس السابق، عمر البشير، من خلال نشر 500 عنصر من "فاجنر" هناك، في مقابل الحصول على امتيازات التعدين لمعدن الذهب في البلاد عبر شركة M-invest.
وتشير تقارير إلى استمرار "فاجنر" في السودان بعدما وطّدت علاقاتها مع المكون العسكري بالبلاد منذ الإطاحة بنظام الإنقاذ في أبريل/نيسان 2019، وتوطدت علاقاتها بالأساس مع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، بحيث تشير تقارير إلى تزويد "فاجنر" للدعم السريع بالصواريخ خلال الصراع الجاري في البلاد.
د- مالي: نجحت موسكو في تأليب العلاقات بين فرنسا والحكام العسكريين الجدد في باماكو، لتنطلق نحو تعزيز العلاقات معها عبر بوابة مكافحة الإرهاب الذي اتسع نطاقه في شمال ووسط البلاد، بعدما أخفقت باريس في تحقيق نتائج إيجابية منذ انخراطها في عام 2012.
وانتشر نحو 1000 مقاتل من "فاجنر" في عدد من المناطق المضطربة بالبلاد عقب توقيع اتفاق بين الحكومة المالية و"فاجنر" في سبتمبر/أيلول 2021، بموجبه تحصل الأخيرة على 10 ملايين دولار شهريًّا.
وتتمركز قوات "فاجنر" حاليًّا في القاعدة العسكرية 101 قرب مطار باماكو، وفي معسكر خارج مطار موديبو كيتا الدولي في باماكو، كما ينتشر نحو 200 مقاتل من "فاجنر" في مدينة موبتي وسط مالي، وفي مدن سيغو وتمبكتو شمالي البلاد.
هـ- موزمبيق: انتشر نحو 200 مقاتل من قوات "فاجنر" في عام 2019 في إقليم كابو ديلجادو شمالي البلاد الغني بالنفط والغاز؛ للانخراط في مواجهة تهديدات تنظيم الدولة، إلا أنها فشلت في احتواء مخاطر التنظيم.
تأثير ات محتملة
ويرى عسكر أن تمرد "فاجنر" في الداخل الروسي يحمل العديد من التداعيات المحتملة على دورها المتنامي في القارة الأفريقية وبخاصة مناطق الصراعات التي تنخرط فيها منذ سنوات، وذلك بالرغم من إخماده بعد ساعات قليلة من اندلاعه، إلا أن تأثيراته ستظل مستمرة على أكثر من صعيد بما في ذلك الساحة الأفريقية. وتتمثل أبرز تلك التداعيات فيما يلي:
1- تمرد قوات "فاجنر" في أفريقيا: ربما يمتد تأثير الدومينو لعناصر "فاجنر" المنتشرة في القارة الأفريقية، بالرغم من الخروج الآمن لقائد المجموعة يفجيني بريجوجين إلى بيلاروسيا، بما قد يؤثر على معنويات عناصر "فاجنر"، ما قد يستدعي عدة سيناريوهات محتملة مثل انشقاق بعض العناصر عن الحكومة الروسية، أو انسحاب عناصر أخرى من الدول الأفريقية، أو نزاع قادة "فاجنر" مع الحكومة الروسية على الموارد التي تحصل عليها، وهو ما قد يترتب عليه تراجع نفوذ "فاجنر" في الساحة الأفريقية.
وقد يمثل ذلك فرصة للمنافسين الاستراتيجيين لموسكو للانقضاض على مناطق النفوذ الروسي وملء الفراغ الذي ربما تخلفه "فاجنر" مستقبلًا.
2- إعادة هيكلة "فاجنر": قد تفكر موسكو في إعادة بناء الهيكل التنظيمي لـ"فاجنر" بحيث تتبع الرئيس بوتين مباشرة، وذلك لضمان عدم تكرار الأزمة الأخيرة، وربما تقدم الحكومة الروسية بعض الإغراءات المادية لعناصر "فاجنر" لضمان ولائها، واستبعاد فكرة التمرد أو الانسحاب المحتمل من مناطق نفوذها في القارة، لا سيما أنها تستفيد من "فاجنر" في تأمين الثروات الأفريقية التي تنتقل إلى موسكو وتسهم في تمويل الحرب الروسية على أوكرانيا وفقًا لتقارير دولية.
3- تفاقم الصراعات والنزاعات الأفريقية: ربما يؤدي انسحاب "فاجنر" من الساحة الأفريقية إلى تفجر المزيد من الصراعات والنزاعات في عدد من الدول الأفريقية، لا سيما أن "فاجنر" تفرض توازنًا في بعض الصراعات الأفريقية مثل مالي، ونجحت في إخماد بعض التوترات في بعض الدول مثل أفريقيا الوسطى.
ومع رغبة بعض الدول الأفريقية في مساعدة "فاجنر" لمواجهة التهديدات الإرهابية في بعض مناطقها مثل بوركينا فاسو، ربما يمثل احتمال تراجع "فاجنر" تحديًّا أمام هذه الحكومات لمواجهة التهديدات الأمنية في المدى المنظور.
4- توسع نشاط الإرهاب في أفريقيا: يعزز احتمال تراجع دور "فاجنر" من بعض المناطق المضطربة في أفريقيا لا سيما الساحل وغرب أفريقيا المخاوف من تنامي النشاط الإرهابي هناك، لا سيما أن تنظيمي الدولة والقاعدة ربما يجدان مساحة حركة أكبر للمناورة وتعزيز نشاطهما بما ينعكس على اتساع رقعة سيطرتهما في المنطقة الذي يرتبط بدوره على تعزيز نفوذهما الجهادي هناك، الأمر الذي يعزز حالة عدم الاستقرار الإقليمي في غرب أفريقيا والساحل.
5- انكشاف بعض الحكومات الأفريقية: وبخاصة العسكريين الجدد في الساحل وغرب أفريقيا الذين يعتمدون بشكل ملحوظ على "فاجنر" في محاربة الإرهاب ببلدانهم كبديل للنفوذ الفرنسي والغربي في المنطقة، الأمر الذي ربما يترتب عليه هز ثقة الرأي العام في الحكام الجدد وتراجع التأييد الشعبي لهم، بالإضافة إلى ضعف الثقة في "فاجنر"، ما يعطي فرصة لانقضاض القوى الغربية لتقديم نفسها مجددًا كبديل مستقر وكفء للأفارقة.
كما يرتبط الأمر باحتمال انتهازية قوى المعارضة في الدول الأفريقية وبخاصة المعارضة المسلحة في إحراج بعض الأنظمة الحاكمة من خلال الدفع نحو تعزيز عملياتها المسلحة بهدف إسقاطها والسيطرة على الحكم، حسبما يرى عسكر.
6- تزايد الضغوط الغربية المزدوجة: قد يستغل الغرب هذه التطورات في محاولة للضغط على الدول الأفريقية للتراجع عن الشراكة مع "فاجنر"، خاصة أن واشنطن تقوم بصياغة خريطة طريق جديدة لإخراج "فاجنر" من أفريقيا، وتسعى من خلال عقد مشاورات مع مسئولين أفارقة خلال الفترة الأخيرة لتسليط الضوء على أن العمل مع "فاجنر" من المرجح أن يؤدي إلى اندلاع الفوضى على المدى الطويل في القارة.
ومن جهة ثانية، تستمر محاصرة واشنطن والغرب لمجموعة "فاجنر" من خلال الاستمرار في مضاعفة العقوبات المفروضة عليها، لا سيما أن واشنطن قد صنفتها في يناير/كانون الثاني 2023 كمنظمة إرهابية عابرة للحدود.
ويخلص تحليل عسكر إلى أن انسحاب "فاجنر" من أفريقيا يظل قرارًا غير مطروح بالنسبة لموسكو التي لا تريد خسارة موطئ قدمها الاستراتيجي في أفريقيا التي أضحت ساحة استراتيجية للمواجهة مع الغرب، ويبرر ذلك رغبة موسكو في الحفاظ على نفوذها المتنامي وحماية مصالحها الحيوية هناك، وعدم ترك مساحة للغرب يستغلها في تعزيز نفوذه والضغط على موسكو، والذي قد يفقدها الدعم الأفريقي في المحافل الدولية، لا سيما أن أفريقيا تسهم بشكل كبير في كسر العزلة الدولية المفروضة على موسكو من الغرب وواشنطن.