- ℃ 11 تركيا
- 18 ديسمبر 2024
تشريد ونصب وتخوين.. المصريون في تركيا بين مطرقة الإخوان وسندان القنصلية
تشريد ونصب وتخوين.. المصريون في تركيا بين مطرقة الإخوان وسندان القنصلية
- 24 يوليو 2024, 2:52:44 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
>> مئات المصريين ضحايا عمليات نصب شركات وسماسرة.. أغلبهم يبيتون في شوارع تركيا
>> قصة عمدة المصريين في إسطنبول وعلاقته بالنصب عبر التأشيرة الإلكترونية
>> الإخوان احتكروا جمعية الجالية المصرية.. والانتماء للجماعة أهم من الجنسية
>> مقيم مصري: الجالية لا تقدم دورها مع السياسيين الذين تأسست من أجلهم.. فكيف ستساعد ضحايا النصب القادرين على العودة لمصر؟
>> "أطلقنا حملة توعية".. رئيس الجالية المصرية رفض الإجابة عن الأسئلة واكتفى بالجملة السابقة
>> محمد الشرقاوي: القنصلية المصرية فاقمت الأزمة بتعاملها المسيس.. ولابد من فصل العمل العام عن السياسة
>> حقوقي مصري: 60 مصريا يقعون ضحايا علمليات النصب يوميا
>> مصري مقيم بتركيا: الجالية لا تساعد.. والقنصلية دورها إداري
أثار مقطع فيديو متداول على منصات التواصل الاجتماعي، حول معاناة شباب المصريين في تركيا، واضطرارهم للمبيت في شوارع تركيا بعد تعرضهم للنصب، ضجة كبيرة وتساؤلات أكبر حول أوضاع المصريين في تركيا، ودور ما يعرف بـ"الجالية المصرية" وموقف القنصلية التركية في إسطنبول من هذه المعاناة.
"180 تحقيقات" ترصد في هذا التقرير أسباب الأزمة وتوابعها، وحقيقة الدور الذي تلعبه شركات النصب والسمسرة على المصريين الراغبين في السفر والعمل في تركيا، وكذلك تقاعس "الجالية المصرية في تركيا"، وكيف تصرفت القنصلية المصرية -بوصفها الجهة الرسمية الممثلة للدولة المصرية- تجاه أزمات المواطنين المصريين.
كيف بدأت الأزمة؟
تبيع العديد من شركات السياحة الوهم للمصريين الراغبين في السفر إلى تركيا، دون تقديم ضمانات حقيقية.
تلعب هذه الشركات على حلم السفر لدى الشباب المصري الذي يعاني في بلاده من الأزمة الاقتصادية الخانقة وارتفاع البطالة، فتدفعه الرغبة في التخلص من معاناته في مصر إلى الوقوع في براثن شركات تحول المعاناة في مصر إلى مأساة في تركيا.
تبدأ الكارثة مع ترويج هذه الشركات لوهم الحصول على عمل وإقامة في تركيا، دون الإفصاح عن كامل البنود والشروط والقوانين المطلوبة من المصريين -شأنهم شأن كل الأجانب في تركيا- واللعب على وتيرة الرغبة في السفر.
وبعد أن يدفع الضحية المبلغ المطلوب للسفر إلى تركيا (يصل في بعض التقديرات إلى 65 ألف جنيه مصريا = 1344.69 دولار أمريكي = 44200 ليرة تركية) ويصل غلى تركيا تكون الصدمة والكارثة.
ما بعد الوصول لتركيا
من واقع المآسي التي اطعلت عليها "180 تحقيقات"، فإن الخطوة التالية بعد دفع المال للشركات أو السماسرة، قد تتخذ أكثر من شكل، لكن نهايتها جميعا واحدة.. التشريد في الشوارع.
أحد أشكال المأساة يبدو قانونيا، إذ يعفي السمسار أو الشركة نفسه من تبعات إحضار العمالة من الخارج.. كيف ذلك؟
وفقا لصفحة "تجمع المصريين في تركيا"، فإن عقود العمل في تركيا يغلب عليها أنها مجرد نصب، لكن بشكل احترافي.
وبالنظر إلى اختصاصات عقود العمل، ستجدها مهن عادية يمارسها التركي قبل العربي، مثل: سائق سيارة نقل، أو عامل نظافة سواء في مطار أو فندق، أو عمال مزرعة، او موظف استقبال "ريسبشن" في فندق وإلخ من الوظائف العادية.
فإذا كانت هذه الوظائف لا تستدعي إحضار عمالة من الخارج، فما الداعي لاستقدام عمالة من خارج تركيا، في حين أن داخل تركيا ملايين من الأتراك وغيرهم يصلحون للعمل في هذه الوظائف؟
أزمة الإقامة في تركيا
من أهم أسباب أزمة المصريين في تركيا، الشروط الجديدة التي فرضتها الدولة التركية على الإقامة، سواء للحصول عليها أو تجديدها.
ورغم أن هذه الشروط تنطبق على كافة الأجانب في تركيا وليست حكرا على المصريين، إلا أنها فاقمت مأساة المصريين ضحايا النصب.
وفي الشهور الأخيرة تحدثت العديد من وسائل الإعلام التركية، بأن إدارة الهجرة ستفرض شروطا جديدة على الأجانب الراغبين في البقاء في البلاد لأكثر من سنة بغرض السياحة.
ووفقا للمعلومات المنشورة، تشترط إدارات الهجرة على حاملي الإقامة السياحية التوقيع على وثيقة تُلزمهم بالحصول على إقامة عمل في حال رغبتهم في البقاء لفترة تزيد عن سنة. بالاضافة إلى إلزام معيل الأسرة بالحصول على إقامة عمل، بينما يتم تحويل باقي أفراد العائلة إلى إقامات عائلية.
وتشمل التزامات الوثيقة طلب الحصول على إذن عمل، وفي حال عدم توافر الظروف المناسبة لطلب اذن العمل، يمكن للمقيم طلب تمديد الإقامة لأغراض السياحة. وفي حال قام بطلب التمديد لنفس السبب خلال 6 أشهر من تاريخ انتهاء تصريح الإقامة، سيحقق دخلًا يعادل 1.5 ضعف الحد الأدنى للأجور لكل فرد من أفراد العائلة، عبر حساب مصرفي يعمل في تركيا.
كما حددت السلطات التركية الشروط اللازمة لإصدار تصاريح الإقامة، بزيادة الحد الأدنى لسعر العقار الذي يتوجب شراؤه للحصول على الإقامة.
ورفعت السلطات التركية الحد الأدنى لسعر العقار الذي يتوجب شراؤه في البلاد ليصبح 200 ألف دولار بعد أن كان في السابق 50 ألفا في المدن الصغيرة و75 ألفا في المدن الصغيرة والمناطق الحضرية.
وتطبق القواعد الجديدة على الأشخاص الذين اشتروا عقارات بعد 16 أكتوبر 2023، أما أصحاب العقارات، التي تم شراؤها قبل 16 أكتوبر 2023، فستطبق القواعد السابقة: الحد الأدنى لسعر الشقة هو 50 ألف دولار في المدن الصغيرة و75 ألفا في المدن الكبرى مثل اسطنبول وإزمير.
القوانين بين تجاهل السماسرة وجهل العمال
كما توضح صفحة "تجمع المصريين في تركيا"، فإن الإشكالية هنا ليست في عقد العمل، ذلك أن إرسال الشركة التركية عقد عمل لشخص خارج تركيا أمرا عاديا، لكن هناك بعض النقاط المهمة تغيب عن البعض، ويتعمد السمسار او الشركة تجاهلا وعدم الإفصاح عنها للضحية.
أهم هذه النقاط هو كون الشركة التركية أرسلت لشخص أجنبي عقد عمل، فهي في مقابل ذلك تلتزم بعدة شروط أهمها إصدار إقامة عمل للشخص الأجبني بمجرد وصوله واستلامه العمل، وبالتالي يطبق عليها شرط تعين 5 أتراك مقابل هذا العامل الأجنبي.
بالإضافة إلى إلزام الشركة التركية بدفع التأمينات الصحية والاجتماعية للعامل الأجنبي، وتصل في بعض الأحوال إلى اكثر من 20 ألف ليرة تركية سنويا. كما أنها ملزمة بدفع تأمين صحي فقط منذ الشهر الأول للعامل الأجنبي قيمته تبدأ من 600 ليرة تركية شهريا، لا علاقة لها براتب العامل.
كما أن الشركة ملزمة بتطبيق الحد الأدني من الرواتب للعامل الأجنبي، وهو 17002 ليرة تركية (نحو 580 دولار)، مع العلم أن الحد الأدني للحرف يكون الضعف في بعض الحالات.
من هنا، ما الذي يجبر الشركة التركية على تحمل كل هذه التكاليف لاستقدام عمالة أجنبية؟ وما المختلف الذي سيقدمه العامل الأجنبي بخلاف التركي أو الأجنبي المقيم أساسا في تركيا؟ الإجابة: لا شيء.
لكن هذا لا ينفي أن بعض الشركات التركية ترسل بالفعل عقود عمل لاستقدام عمالة من الخارج، وغالبا ما يكون عقد العمل صحيح، ويحصل بموجبه العامل الأجنبي على "فيزا" سليمة ومن الممكن الحصول على إقامة عمل كذلك.. فما الإشكالية إذن؟ وهل الشركة التركية جاهلة بكل التكاليف السابق الإشارة إليها؟
الإجابة ببساطة تكمن في كون الشركة التركية تعتمد على بند مهم في تأمين نفسها، ألا وهو أنه يحق لها في أول سنة إنهاء عقد العمل بدون دفع أي تعويضات للعامل الأجنبي.
أبرز مثال على هذه الكارثة، ما حصل مع مهنة سائق بأحد المطارات التي كانت الشركات والسمسارة تروج لها بين المصريين، ونجحت بالفعل في إحضار عدد كبير منهم إلى تركيا، للعمل كـ"سائق نقل ثقيل" في المطار، بشرط الحصول على رخصة قيادة
لم يكن صعبا على الكثير من المصريين الحصول على رخصة القيادة المطلوبة، وسرعان ما تعلموا القيادة وحصلوا على الرخصة، ليحصل على فرصة العمل كسائق في المطار.. وهنا كانت الكارثة.
لتوضيح الصورة، فيجب رؤيتها كاملة كالتالي: نحن امام شاب مصري تعلم القيادة حديثا، وبالتالي قدراته على القيادة ضعيفة، بالإضافة إلى جهل تام بالطرق في تركيا، ومخاطر العمل في منطقة جديدة عليه، وعدم القدرة على التعامل مع طرق غير ممهدة او معرفة الطرق البديلة الآمنة والسريعة.
مع كل هذه الكوارث، ستجد أن 5 من كل 10 سائقين تعرضوا للفصل خلال أول يومين عمل، دون أي مسئولية على الشركة التركية، أو حتى على الشركة أو السمسار الذي استقدم العامل من مصر، الذي يتذرع بأنه نفذ وعده مع العامل بأن وفر له تأشيرة وعقد عمل بل واستلم العامل العمل، لكنه تعرض للفصل لعدم الكفاءة، وهو ما يعفي الشركة أو السمسار من المسؤولية، على حد قوله، رغم أن الشركة أو السمسار لم يفصحا منذ البداية عن هذه المخاطر.
نفس المخاطر تنطبق أيضا على العاملين في الفنادق أو المزارع أو غيره، فما الذي يستفيده السمسار أو الشركات العاملة في استقجدام المصريين إلى تركيا؟
تجيب صفحة "تجمع المصريين في تركيا"، بأن متوسط أسعار عقود العمل كانت 40 ألف جنيه مصري، ووصلت إلى 65 ألف، والشركة التركية العاملة في المطار، لديها "بيزنس" مع شركات أخرى "من الباطن" تعمل في المطار، وحتى لو كان العقد من الشركة التركية مباشرة وليس من شركة من الباطن، فهي تحمي نفسها بقوة القانون، بمعني أنك كعامل اتضح عدم كفاءتك، أو تسببت في عطل معين، أو أي سبب آخر (أحيانا أسباب تافهة) فيحق للشركة فصلك، ولن يتسطيع العامل الاعتراض لأنه وقع بالموافقة على هذه الشروط في عقد العمل.
ووفقا للصفحة، فإن ضخامة الأموال المحصلة من المصريين الراغبين في السفر والعمل، تجعل من السهل الاتفاق بين الشركة التركية وشركات السماسرة، والكل يسفتيد على حساب معاناة العامل المصري.
نصب التأشيرة الإلكترونية
الشكل الثاني من خطوة ما بعد الوصول إلى تركيا، هي النصب على المصريين عبر التأشيرة الإلكترونية.
"لو عايز تيجي تركيا وسنك فوق الـ45 أو تحت العشرين، هنستقبلك ونجيب لك سن بمقابل 65 ألف جنيه".. تلخص هذه الجملة الشكل الثاني من النصب على المصريين، وتختص به إحدى الشركات التي تزعم أنها أول شركة سياحة معتمدة للسن فوق 45 وتحت 20.
في البداية، لماذا اختيار هذه الفئة العمرية تحديدا؟ ببساطة لأن هذه الفئة العمرية (فوق الـ 45 سنة وتحت العشرين) لا تحتاج تأشيرة من السفارة التركية في مصر، كل ما في الأمر أنها بحاجة فقط إلى تأشيرة إلكترونية سعرها 31 دولار (حوالي 1500 جنيه).
بالإضافة إلى هذا المبلغ، ومبلغ تذكرة الطيران، سيجد المصري أنه سافر إلى تركيا فقط بمبلغ لا يتخطى 16 ألف جنيه، لكن الأزمة تبدأ بعد الوصول في تركيا وليس في قبل ذلك.
بعد أن يصل المصري إلى تركيا، تكون صدمته الأولى أنه غير قادر على تقنين أوضاعه القانونية، فهو غير قادر على التقديم للحصول على إقامة، وسيجد نفسه بعد مرور 30 يوما على وصوله مخالف للقاونين التركية ومعرض للسجن والترحيل.
وتحدث بعض المصريين في مقاطع فيديو متداولة عن مآسي المصريين في هذه الفئة العمرية بعض تعرضهم للنصب، وكيف انهم مشردين في الشوارع بعد أن تهرب منهم السمسار أو الشركة التي خدعتهم.
اللافت في الأمر أنه نتيجة لعمليات النصب هذه، توقف العمل بالتأشيرة الإلكترونية للمصريين، كما أن المطارات بالقاهرة والجيزة بدأت في منع تسفير المصريين إلا بعد التاكد من أن الأمر بغرض السياحة.
تشريد ونوم بالشوارع
كما ذكرنا آنفا، فإن توابع عمليات النصب هذه تسببت في مآسٍ مشينة للمصريين أقلها النوم في الشوارع والتشريد، وباتت الجالية المصرية صاحبة السمعة الأسوأ في تركيا.
مقاطع الفيديو المتداولة، والتي حصلنا على بعض منها، توضح حجم الكارثة والمعاناة التي يلاقيها ضحايا عمليات النصب من المصريين.
وانتشرت الفيديوهات على جروبات المصريين في تركيا التي تبرز الحالة السيئة التي يعيشها المخدوعون، وتم نشر فيديو لشباب مصريين ينامون في ميدان شرين إيفلر على المقاعد التي وضعتها البلدية للزوار والسائحين ، وقال صاحب الفيديو إن هذا الوضع لا يصح وأن تركيا ليست جنة، وقال إن النصابين يحضرون الراغبين في السفر إلى تركيا ويتعاملون معهم كأنهم سلعة، ونصح المصريين بعدم الحضور إلى تركيا، وذكر أن النصابين يأخذون من الراغبين في السفر 65 ألف جنيه مصري ويخدعونهم ويوهمونهم أنهم سيوفرون لهم إقامة وعمل وسكن وكل ذلك مخالف للحقيقة ، وأضاف أنه يتجنب إظهار الوجوه لكي لا يسبب إحراجاً للشباب النائمين في الشارع ..
كما انتشرت العديد من الفيديوهات والمقاطع التي تصور حالة المصريين الذين تم النصب عليهم، كما نشر العديد من الشباب منشورات عن أحوال من تم خداعهم وابتزاز أموالهم ..فنشر شاب على جروب تجمع المصريين في تركيا منشورا قال فيه: “ماحدش يجي تركيا الناس بتنام في الشارع”.
وتضج مجموعات الفيسبوك الخاصة بالمصريين في تركيا بالحديث عن هذه الكوارث، وتشتكي من التشريد الذي يلاقونه في تركيا، بعد أن تهربت منهم شركات وسمسارة النصب، وتنكرت لهم جمعية الجالية المصرية، وتجاهلتهم السفارة المصرية.
وقال احمد خالد على جروب “تجمع المصريين في تركيا”: “الناس اللي جايه تركيا عشان تشتغل ورش ومصانع كتير بتصفي حاليا لانهم رفعوا فوايد البنوك فالاتراك بيبيعوا حاجتهم ويحولوها لفلوس في البنك. والعمال الاتراك اللي خرجوا من المصانع بيشتغلوا في المصانع اللي لسه فاتحه يعني مالكوش شغل ولو فيه مش مضمون استمراكم دا للتنبيه.”.
ضحايا النصب يرفضون العودة لمصر
مؤمن المصري، وهو مواطن مصري مقيم في تركيا منذ 5 سنوات، قال إن موضوع استقدام العمالة والنصب عليهم ليس بالأمر الجديد، فهو معروف منذ أكثر من سنة، لكن الجديد هو أن الموضوع بات منتشرا بشكل كبير، خاصة مع دخول ثروت عكاشة المدعو بـ"عمدة المصريين" على الخط.
وأوضح "المصري"، في تصريحات لـ"180 تحقيقات" أن هذا الرجل هو من بدأ موضوع النصب على العمالة المصرية منذ حوالي سنة، وهو كان مرشحا لعضوية مجلس النواب المصري في 2020 لكنه سقط، فجاء إلى تركيا وأسس شركة تدعى المصرية التركية للاستيراد والتصدير، بعدها بدأ الموضوع ينتشر.
وأشار إلى أن الناس تأتي إلى تركيا بمبلغ كبير، بعضهم يدفع 60 ألف و65 ألف و70 ألف جنيه، على أساس أنه سيأتي إلى تركيا ويوفر له الإقامة وفرصة العمل، لكنهم بعد الوصول يفاجئون بواقع مغاير تماما، فيجد نفسه يعيش في شقة بها حوالي 30 شخصا، ينامون على الأرض، ولا توجد أي فرص عمل، وإذا وجدت فهي عبارة عن يوميات في مصانع، بما يعني أنه شغل غير دائم وغير مضمون يوميا، ومعظم المصانع عندما تجد العمال كبار في السن فترفض تشغيلهم، فبدأت الأزمة تتضح مع الوقت خصوصا في الشهرين الأخيرين.
وشدد "المصري" على أن ثروت عكاشة هو من بدأ موضوع النصب على العمالة في إسطنبول وبدأ البعض في تقليده، وتزايدت وتيرة استقدام العمالة المصرية في تركيا التي تأتي فلا تجد إقامة أو فرص عمل.
وأضاف: "بحكم تواجدي في شرين افلر أغلب الأوقات، أرى الناس في الشوارع طوال اليوم، وإذا طلبته في أي شغل حتى لو كان "جمع القمامة" سيرحب على الفور"
وأردف: "في نفس الوقت، إذا نصحت هؤلاء العمال بالعودة إلى مصر بدل النوم في الشارع، فهم يرفضون تماما، وأنا بنفسي تحدثت مع بعضهم ونصحتهم بذلك لكنهم يرفضون، فالبعض خائف أو مكسوف من العودة والبعض "صعبان" عليه العودة وخسارة ما دفعه من أموال، حتى لو حذرته من أنه معرض للحبس، يجيبك أنه "لا مشكلة طالما لن يتم ترحيلي".
وعن دور الجالية المصرية في مواجهة الأزمة، تساءل "المصري" عما يمكن أن تقدمه لهم الجالية، منوها أنها من الأساس مجرد جمعية اسمها جمعية الجالية المصرية، مجرد جمعية NGO، جمعية خيرية لن تقدر أن تقدم لهم أي شئ، وربما يمكن أن يكون أقصى ما تستطيع تقديمه هو أن توفر لهم مسكن ولو بمبلغ مالي، هذا إذا كان لها دور في الأساس.
وأضاف: "إذا كانت الجالية نفسها مقصرة في دورها معنا احنا، أنا مثلا موجود بصفتي لاجئ سياسي أو هارب كما يسمينا النظام المصري، ورغم ذلك لم تقدم لي الجالية أي شئ، رغم أنها لما تأسست كجمعية كان الغرض منها خدمة المصريين اللاجئين سياسيا هربا من النظام المصري".
وتابع: "أنا لا أعرف معايير معظم خدمات الجالية التي يفترض على أساسها أنها تقدمها للاجئين، أنا واحد من الناس لي 5 سنوات في تركيا ولم أستفد من الجالية في أي شيء، رغم ما لدي من مشاكل في الإقامة والأوراق أنا وأولادي وأسرتي، فالجالية ممثلة في عادل راشد ونادر فتوح ومحمد الغزلاني، وهم سياسيون هاربون كما يسميهم النظام المصري أو لاجئون كما يسميهم النظام التركي، ومفترض أن يقدموا الخدمات للسياسيين أمثالهم قبل أي أحد آخر".
وزاد: "إذا كان عندهم تقصير مع السياسيين أمثالهم الذين يفترض أن الجمعية تأسست لخدمتهم، فما الذي سيقدمونه للعمالة التي جاءت إلى تركيا ودفعت 60 ألف جنيه للسفر إلى تركيا من أجل العمل، وعندهم القدرة أن يعودوا إلى مصر بدون موانع؟ في حين الذين لديهم موانع من العودة إلى مصر والذين يفترض أن جمعية الجالية المصرية تقدم لهم الخدمات لم يحدث أن قدمت لهم أي خدمات، فربما للجالية معايير معينة لتقديم الخدمات ولا أفهمها، لكن في الأول وفي الآخر لا أظن أن الجالية قادرة على تقديم شيء للعمالة المنصوب عليها:.
وعن دور القنصلية، أشار "المصري" أنه لا معلومات لديه عن القنصلية أو دورها المنوط بها أو الواجب عليها تقديمه لضحايا النصب، فهل دورها هو أن توفر لهم رحلات عودة لمصر؟ أو الإبلاغ عن شركات النصب؟ أو محاولة توعية المصريين قبل السفر إلى تركيا، لا فكرة لدي عن تواصل أي من الضحايا مع السفارة أو القنصلية.
وقال: "أنا لو موظف في القنصلية وجاءني ضحايا النصب سأجيبهم ببساطة أن عليهم العودة إلى مصر، لكن أنا لا تواصل بيني وبين السفارة فلا أعرف ما الإجراءات التي يمكنهم اتخاذها في هذا الصدد".
عمدة المصريين.. نصاب
الشركة المصرية التركية لإدارة الأعمال بإسطنبول.. أول شركة سياحة معتمدة للسن فوق 45 سنة وتحت 20 سنة.. مع تحيات عمدة المصريين في إسطنبول.
هذا هو نص الإعلان الذي يروج للنصب على المصريين باستخدام التأشيرة الإلكترونية.
وتزعم الشركة، وفقا لصفحتها على فيسبوك، أنها مختصة في إدارة الأعمال والتجارة العامة والاستيراد والتصدير وتخليص الأوراق بإسطنبول.
وصاحب الشركة يدعى ثروت عكاشة محمد أشرف، وهو صاحب مطعم “فولا وفلافل” في شرين أفلر.
كما يدير أعمال النصب الخاصة باستقدام المصريين للعمل في تركيا من خلال الشركة المصرية التركية، على الرغم من أن الترخيص الأساسي بقوليات وحبوب زراعية وفواكه.
اللافت في الأمر أن صاحب الشركة نفسه، ألقي القبض عليه قبل أسابيع، بتهمة النصب والاحتيال والإتجار في البشر.
عمرو المصري، أحد المقيمين في تركيا منذ 9 سنوات، تحدث لـ"180 تحقيقات" وقال إنه لجأ إلى الجالية المصرية لحل مشكلة له في الإقامة هناك ولكنهم لم يساعدوه بالشكل الجيد، مؤكدا أن تفاعل الجالية المصرية في تركيا مع مشكلته لم يكن بالفعال أو المؤثر .
وأضاف أن أحد الأشخاص ويسمي نفسه عمدة المصريين كان يستجلب البسطاء للعمل في تركيا دون وجود فرص حقيقية لهم، مضيفا أن القنصلية المصرية في إسطنبول دورها إداري فقط لتخليص الأوراق.
الجالية المصرية.. في خدمة الإخوان
على ذكر الجالية المصرية في تركيا، تجدر الإشارة إلى أنها عبارة عن جمعية تأسست في ظروف استثنائية، يسيطر عليها فصيل بعينه، ولا تقوم بأي دور يخص قضايا المصريين.
تأسست الجمعية (أي أنها ليست جالية بالمعنى الرسمي المتعارف عليه) في ظروف خاصة وهي مجرد جمعية خاصة بجماعة الاخوان المسلمين، ويترأس الجمعية عادل راشد، أحد قيادات جماعة الإخوان، ومسيطر عليها تماما بأموال الجماعة.
يغلب على تعامل الجالية ورئيسها مع قضايا المصريين التحيز وتقديم الولاء -كالعادة- واعتبار أن ان المصريين في تركيا هم الإخوان فقط، حتى لو كانوا من معارضي النظام المصري.
عشرات الحوادث تعرض لها المصريين في تركيا، بين نصب ومشكلات أمنية بسبب انتهاء اقامة، لكن الجالية لم تتدخل مطلقا لنجدة أي منهم.
اللافت أن تركيا بها 120 جمعية مصرية مسيطر عليها من جماعة الإخوان بصفتهم أصحاب رؤوس أموال، ولا يوجد سوى 3 جمعيات فقط غير مسيسة.
ويُقدر عدد المصريين المقيمين بشكل دائم في تركيا في عام 2023 حوالي 30 ألف مصري، وتضم الجالية المصرية المقيمة في تركيا جميع الفئات من طلاب وأطباء ومهندسين ورجال أعمال وصحفيين وسياسيين وعُمال.
وتوجه موقع "180 تحقيقات" بعدة أسئلة إلى عادل راشد مسؤول الجالية المصرية في إسطنبول، حول معاناة المصريين من وقائع النصب، وموقف الجالية من هذه المعاناة، وجهود الجالية لحل هذه المشكلة، وكيف تصرفت الجالية مع تشريد المصريين الذين ينامون في شوارع إسطنبول.
ورغم كل هذه الأسئلة، جاء رده مقتضبا جدا، واكتفى بالقول إن الجالية أطلقت حملة توعية للقادمين إلى تركيا عبر السوشيال ميديا.
وبالدخول على صفحة الجالية على فيسبوك، فوجئنا بكم التعليقات السلبية من المتابعين والمصريين في تركيا، واتهاماتهم للجالية بالتقاعس العمدي عن خدمة المصريين.
القنصلية المصرية.. "ودن من طين"
لا تقع مسؤولية تشريد المصريين على الجالية المصرية المختطفة من قبل جماعة بيعتها كما أوضحنا، بل تشارك الدولة المصرية -عبر قنصليتها في إسطنبول- في هذه المأساة.
ذلك أن القنصلية ترفض التعامل مع المصريين إلا من منطلق أمني، ورغم علمها بمعاناة المصريين لكنها لا تحاول أن تقدم حلولا لهذه المشكلات.
في هذا الصدد، أكد المخرج محمد الشرقاوي، نائب رئيس البيت المصري التركي، أن القنصلية المصرية في إسطنبول أيضا مسيسة ولا تقوم بدورها، وأدائها دون المستوى
وشدد "الشرقاوي" في تصريحات لـ"180 تحقيقات" على أن فصل السياسة عن العمل العام أمر مهم، فكل مواطن من حقه أن يحمل وثيقة سفر ويستخرج أوراقه من السفارة.
وأشار إلى أن القنصلية المصرية لاتزال تتعامل بشكل أمني مع المقيمين في إسطنبول، وتكتفى بالتعامل مع شخصيات معدوده من الإسلاميين بغرض جمع المعلومات ليس إلا.
ونوّه "الشرقاوي" إلى ان المصريين في تركيا يقعون فريسة وضحية لشركات النصب والمساسرة، والجالية المصرية في تركيا، وحتى القنصلية في إسطنبول.
وأضاف: "حاولت التواصل مع القنصلية أكثر من مرة لكنهم محددين بمندوبين من الإسلاميين، ولا يتواصلون مع المصريين العاديين على عكس ما هو متوقع، لدرجة أني توجهت مع مجلس الإدارة مرتين ولم نلتق بالقنصل، لكنهم يلتقون بالإخوان سواء لأغراض معلوماتية وتبادل وتهدئة وخلافه".
وأردف: "في القنصلية لا يقابلون المصريين العاديين، فأهم ما عندهم هم الإخوان، لدرجة ان القنصل لا يقابل أحدا أو يعطي أرقامه لأحد باستثناء 4 أو 5 شخصيات إخوانية فقط هم أصحابه وأحبابه وبينهم مصالح مشتركة".
60 ضحية مصرية يوميا
فيما قال حسين صالح محامي وحقوقي في تركيا، إنه تلاحظ في الشهور الأخيرة حركة متزايدة للعمالة المصرية في تركيا من خلال التواصل مع أشخاص مصريين يقيمون في تركيا ولديهم أعمال هناك ويجلبون العمالة المصرية بوعود إنهم يعملوا في شركاتهم ويسكنوا لديهم مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 65 إلى 75 ألف ليرة.
وأكد في تصريح خاص لـ"180 تحقيقات"، أن هؤلاء الناس بمجرد وصولهم إلى تركيا يكتشفون أنهم وقعوا ضحية لعملية نصب دون وجود سكن أو عمل لهم، مضيفا أن هناك الكثير من هؤلاء القادمون من مصر يبدو عليهم المرض والتقدم في السن وهو ما يصعب عليهم العمل في ظروف قاسية بدنيا وجسديا.
وأكد الحقوقي المصري، أن العمل هنا غير متناسب مع وضعهم الصحي إلى جانب أنهم لن يعملوا في تركيا بشكل قانوني والناس هنا منتشرين جدا في الشوارع و"على الأرصفة" بحقائبهم.
وقال إن هناك 60 مصريا كل يوم يأتون إلى تركيا بمثل هذه الوعود الكاذبة دون وجود فرص عمل أو سكن.
وأضاف صالح أن القنصلية المصرية في إسطنبول لابد أن تتدخل لحل هذه الأزمة بالتواصل مع الجهات المسؤولة وتقديم البلاغات الرسمية ضد الأشخاص الذين نصبوا عليهم، ومعرفة من يقوم بإرسالهم إلى هنا من مصر وتتخذ ضدهم الإجراءات اللازمة ومساعدة الضحايا في العودة إلى مصر وهو الدور الذي قام به بعض المتطوعين من أصحاب الخير في تركيا.
وتابع أن "القنصلية المصرية في إسطنبول قد ساعدت من قبل بعض الأشخاص ولكن لا أجزم أن هناك تقاعس من قبل القنصلية تجاه هؤلاء الضحايا، كما أن الجالية المصرية قريبة جدا من هؤلاء الناس وعليهم مساعدة الناس على العودة إلى مصر".