- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
تعقيدات مُركَّبة: ما التداعيات المُحتمَلة لانقلاب النيجر على جهود مكافحة الإرهاب؟
تعقيدات مُركَّبة: ما التداعيات المُحتمَلة لانقلاب النيجر على جهود مكافحة الإرهاب؟
- 29 يوليو 2023, 6:14:03 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يُمثِّل الانقلاب الذي نفَّذه قائد ما تُعرف بـ”قوات الدفاع والأمن” العقيد أمادو عبد الرحمن، وأعلن عنه مساء (26 يوليو 2023)، عقب ساعات من احتجاز الرئيس النيجري محمد بازوم، في مقر الرئاسة، حالة من عدم الاستقرار في منطقة غرب أفريقيا، بعد سلسلة من الانقلابات في بعض الدول، مثل مالي وبوركينا فاسو وغينيا. وتمتد تداعيات الانقلاب، رغم ضبابية المشهد، وترتيبات المرحلة الانتقالية، إلى حالة من الخلل الأمني، التي قد تؤثر على جهود النيجر في ملف مكافحة الإرهاب، خاصةً في ظل تعدد مستويات التهديد، سواء على الحدود الجنوبية مع نيجيريا، أو الحدود الغربية مع مالي وبوركينا فاسو.
تبعات محتملة
على الرغم من عدم اتضاح الرؤية في الداخل النيجري، حيال تطور الأحداث عقب الانقلاب على الرئيس “بازوم”، وصعوبة التوقع بمسارات الأزمة، واحتمالات تصاعد الموقف الداخلي الرافض والمؤيد للانقلاب، بما يؤثر على الحالة الأمنية بوجه عام؛ فإن ثمة عدداً من التداعيات المحتملة على مستوى جهود مكافحة الإرهاب، وأبرزها:
1- استغلال التنظيمات الإرهابية حالة عدم الاستقرار بالنيجر: خلال اليوم الأول من احتجاز الرئيس النيجري، وقبل إعلان عزله من منصبه مساء (26 يوليو 2023)، تجمع أنصار “بازوم” واتجهوا إلى مقر الرئاسة التي يُعتقَد احتجازه هناك، قبل أن تتدخَّل قوات الحرس الرئاسي المسؤولة عن الانقلاب، وتُفرِّقهم بإطلاق النار بشكل تحذيري، وفقاً لتقارير إعلامية؛ ما أدى إلى إصابة فرد واحد على الأقل.
وتجدَّد تجمُّع أنصار “بازوم” في العاصمة “نيامي” (27 يوليو 2023)؛ ما أسفر عن أعمال شعب واسعة، وإضرام النيران في بعض السيارات، احتجاجاً على استمرار احتجاز الرئيس النيجري، ورفضاً للانقلاب. ومن شأن استمرار حالة عدم الاستقرار الداخلي، واحتمالات تصاعدها خلال الفترة المقبلة، خاصةً مع احتمالات بروز دور للرافضين لحكم “بازوم”، أن يتأجج الموقف على المستوى الشعبي؛ ما يستدعي تركيز الجيش وقوات الأمن لاحتواء الموقف، والحيلولة دون تصعيده، سواء على المستوى الشعبي وفرض الأمن، أو التسوية السياسية لما بعد إعلان الانقلاب رسمياً.
وفي حالة استمرار مناخ عدم الاستقرار الداخلي، فقد تستغل التنظيمات الإرهابية، ومنها “بوكو حرام” التي تنشط على الحدود الجنوبية، انطلاقاً من نيجيريا، وإن كان تهديدها أقل مقارنةً بفرع تنظيم “داعش” المسمى “ولاية الساحل”، الذي ينشط على الحدود بين “النيجر ومالي وبوركينا فاسو”، ومن ثم فإن هناك إمكانية بتوظيف هذه الأحداث على أكثر من اتجاه، سواء بتصعيد النشاط العملياتي ضد الجيش، أو محاولات توسيع النفوذ والسيطرة الميدانية على مستوى القرى والبلدات، وتحديداً من قِبَل فرع “داعش”، الذي أظهر قدراً من القدرات العملياتية منذ مارس 2022.
2- تراجُع خطط الجيش والأمن في مكافحة الإرهاب: سادت حالة من الترقب على مدار اليوم الأول من احتجاز “بازوم” حتى عقب إعلان قوات “الدفاع والأمن” عزله عبر بث بيان تلفزيوني، بانتظار موقف الجيش النيجري من الانقلاب، خاصةً مع عدم إعلان موقف واضح، باستثناء إعلان بيان لـ”الرئاسة” أن الجيش مستعد للتدخل، لكنه يخشى على حياة “بازوم”، خاصةً أنه مُحتجَز من قِبَل تلك القوات.
ورغم إعلان الجيش موقفه من الانقلاب على “بازوم” بالانحياز إلى الانقلاب (27 يوليو 2023)، منعاً للمواجهات بين الجيش وقوات الدفاع والأمن، فإنه يصعب توقُّع ما تسفر عنه الأيام المقبلة، خاصةً أن تأجيل اتخاذ موقفٍ من الانقلاب، قد يشير في أحد جوانبه، إلى عدم الموافقة الكلية على الانقلاب، ومن ثم فإن عدم الاتفاق بين الطرفَين على ترتيب المشهد الانتقالي، حال تثبيت الانقلاب من قِبل “الدفاع والأمن”، قد يترتَّب عليه صدام بين الطرفين خلال الفترة المقبلة، يستدعي حشوداً عسكرية باتجاه العاصمة “نيامي”، ومن ثم التركيز على الحالة الأمنية.
وبوجه عام، فإن حالة الترقب داخل الجيش النيجري لما تسفر عن الأوضاع الداخلية، يستدعي تركيز الجيش على تداعيات الموقف، خاصةً إذا اتسعت واستمرت رقعة الاحتجاج من قِبل أنصار “بازوم”، ومن ثم التأثير على العلميات العسكرية التي تنفذها قوات الجيش جنوباً وغرباً، لملاحقة العناصر الإرهابية، مع استمرار تأمين مواقع القوات العسكرية؛ لمواجهة أي عمليات هجومية للتنظيمات الإرهابية.
3- التأثير على الخطط العسكرية المشتركة مع فرنسا: رغم إعلان قائد “قوات الدفاع والأمن” التزام النيجر بالتزاماتها الخارجية قبل الانقلاب على “بازوم”، فإن ثمة احتمالات للتراجع عن الخطط المشتركة مع فرنسا، التي تبنَّاها “بازوم” شخصياً، لتأسيس عملية عسكرية فرنسية في النيجر لمواجهة الإرهاب، عقب انسحاب القوات الفرنسية من مالي، بناءً على طلب الحكومة الانتقالية التي جاءت عقب انقلاب أيضاً.
ولا يُستبعَد حال تثبيت الانقلاب، اتجاه السلطة الانتقالية – بغض النظر عن تشكيلها – إلى عرقلة العملية العسكرية الفرنسية في النيجر، خاصةً مع وجود معارضة داخلية لهذه الخطوة، إبان عرضها وإقرارها داخل البرلمان في النيجر، لكن ليس على المدى القريب المنظور، خاصةً مع تحولات الموقف في بوركينا فاسو تجاه بقاء القوات الفرنسية خلال عام 2023، وعقب بضعة أشهر من الانقلاب في أكتوبر 2022.
وتمثل النيجر بالنسبة إلى فرنسا، أهمية استراتيجية كبيرة، خاصةً أنها آخِر مَوطِئ قدم لها في منطقة غرب أفريقيا، عقب تحولات الموقف في مالي وبوركينا فاسو، كما يتم الاعتماد على النيجر في الحصول على “اليورانيوم” بشكل رئيسي. وبغض النظر عن عدم بروز اتجاهات قوات “الدفاع والأمن” حيال هذا الملف، فإنه لا يُستبعَد هذا التحول، عقب موقف فرنسا الرسمي الذي وصف ما حدث بـ”الانقلاب”، واتخاذها موقفاً يدافع عن مصالحها. وهنا يمكن لروسيا تعزيز العلاقة مع السلطة الانتقالية، وتأسيس وجود لها يخدم مصالحها، عبر ملف مكافحة الإرهاب، مثلما حدث في مالي، والتقارب البارز مع بوركينا فاسو أيضاً.
4- تأثُّر مهمة الاتحاد الأوروبي الداعمة لمكافحة الإرهاب: قد تمتد تداعيات الموقف الحالي في النيجر عقب الانقلاب، إلى تأثيرات على مهمة الاتحاد الأوروبي في دعم جهود النيجر في مكافحة الإرهاب. وتلك المهمة تم إطلاقها عبر شراكة عسكرية في ديسمبر 2022، أعلن عنها “المجلس الأوروبي” في فبراير 2023.
وتهدف هذه الشراكة العسكرية التي سعت النيجر إليها، إلى تأسيس وجود للاتحاد الأوربي على أراضيها، عقب توقف العمليات العسكرية في مالي، وتدريب الجيش النيجري لمواجهة التهديدات الإرهابية، من خلال مركز تدريب وتقديم المشورة. وقد تتجه السلطة الانتقالية، حال تثبيت الانقلاب، إلى إنهاء هذه الشراكة، ولكن ليس على المدى القصير. وهذا مرهون أيضاً بموقف الجيش النيجري، بالموافقة أو الرفض، في حدود التفاهمات التي يجرى العمل عليها، عقب إعلان الولاء لقائد قوات “الدفاع والأمن” الذي قاد الانقلاب على “بازوم”.
وقد يلجأ قائد “الدفاع والأمن” إلى إلغاء هذه الشراكة عقب الموقف الأوروبي الرافض للانقلاب، وإصدار بيانات متعددة للدعوة إلى الالتزام بالمسار الديمقراطي، وإطلاق سراح الرئيس النيجري، أو قد يتجه الاتحاد الأوروبي إلى إلغاء هذه الشراكة أو تعليقها على الأقل، بناءً على الموقف الرافض للانقلاب، وهو ما قد ينعكس على جهود مكافحة الإرهاب.
5- تراجُع الدعم الإقليمي والدولي للنيجر: اتخذت عدد من المنظمات الأفريقية والدولية، موقفاً رافضاً للانقلاب؛ إذ أبدى الاتحاد الأفريقي رفضه محاولة الانقلاب، وأدان احتجاز “بازوم”، باعتباره زعزعة للمؤسسات الديمقراطية، وهو موقف قد يؤدي إلى اتخاذ موقف ضد السلطة الانتقالية في النيجر، حال تثبيت الانقلاب، بتعليق عضوية النيجر على سبيل المثال.
وبالمثل فإن تجمع “إيكواس” لمجموعة دول غرب أفريقيا، الذي يضم في عضويته النيجر، قد يلجأ إلى فرض عقوبات على النيجر خلال الفترة المقبلة، خاصةً أنه سبق أن فرض عقوبات على الدول التي شهدت انقلابات عسكرية، مثل مالي وغينيا وبوركينا فاسو، بعضها اقتصادي، وأخرى فردية على قادة الانقلابات؛ وذلك لمواجهة موجة الانقلاب العسكرية التي شهدتها دول غرب أفريقيا خلال العامين الماضيين، بصورة ملحوظة.
أما على المستوى الدولي، وتحديداً الأطراف الفاعلة في دعم جهود النيجر في مكافحة الإرهاب، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، فإن وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، أكد دعم بلاده “باوزم” خلال اتصال هاتفي معه، والدعوة إلى إطلاق سراحه، فضلاً عن الإشارة إلى أن “الشراكة الاقتصادية والأمنية القوية مع النيجر تعتمد على الحفاظ على الديموقراطية واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان”.
وفي ضوء مواقف بعض الأطراف الإقليمية والدولية من الانقلاب في النيجر، فإنه يُتوقَّع فرض عقوبات على النيجر وقادة الانقلاب، بما يؤثر على قدرات الدولة الاقتصادية، وتراجُع الشراكات مع بعض الأطراف الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وهو ما يؤدي إلى نتائج سلبية على جهود مكافحة الإرهاب.
6- تشبيك أكثر مع روسيا وبعض دول الجوار: قد يؤدي الانقلاب في النيجر، وحال الاستقرار على تولي سلطة انتقالية إدارة البلاد، وفي ضوء المواقف الإقليمية والغربية الرافضة للانقلاب، واحتمالات بحث تلك السلطة الانتقالية عن أطراف خارجية داعمة، فإن روسيا تعد إحدى الدول التي يمكن أن تعتمد عليها السلطة الانتقالية، إذا استمر الموقف الأمريكي والغربي والإقليمي، وتصاعد الموقف بفرض عقوبات على قادة الانقلاب.
وهنا، يمكن تكرار التوجُّه الروسي باتجاه مالي وبوركينا فاسو، وتعزيز الروابط، والانفتاح للتعاون مع السلطة الانتقالية، بغض النظر عن تأييد معلن وصريح للانقلابات في تلك الدول أم لا، لكنها تتبنَّى سياسة مُغايِرة للغرب في التعاطي مع الانقلابات في أفريقيا، بما يتيح لها توسيع نفوذها.
ومن هذا المنطلق، وحال التقارب الروسي مع السلطة الانتقالية في النيجر عقب تشكيلها، فإن هذا قد يؤدي إلى تشبيك أكثر بين النيجر ودول الجوار القريبة من روسيا، مثل مالي وبوركينا فاسو، خاصةً مع مواجهة تهديد مشترك للتنظيمات الإرهابية على حدود الدول الثلاثة.
نافذة للإرهاب
وأخيراً، بالنظر إلى حالة الضبابية في النيجر، وعدم القدرة على توقع مسارات الأزمة، يبقى أن عمليات مكافحة الإرهاب ستتأثر بتداعيات حل الأزمة القائمة، وفي حال تثبيت الانقلاب، وتشكيل سلطة انتقالية سريعاً، أو فشل الانقلاب وعودة “بازوم” إلى الحكم مجدداً، شريطة الحسم السريع لأي من المسارين؛ ستكون تداعيات الأزمة محدودة على جهود مكافحة الإرهاب. وعلى الجانب الآخر، فإن عدم القدرة على فرض حالة من الاستقرار الأمني ودخول مرحلة صراع وصدام ممتد، سوف يؤدي إلى حالة من الخلل الأمني تمتد إلى خارج العاصمة نيامي، ومن ثم إعطاء فرصة للتنظيمات الإرهابية لتوظيف الأحداث لصالحها.