- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
تغير المعادلات.. كيف خسرت إيران نفوذها في البوسنة؟
تغير المعادلات.. كيف خسرت إيران نفوذها في البوسنة؟
- 8 سبتمبر 2022, 4:30:15 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بصفتها دولة مهمة في العالم الإسلامي، تتمتع إيران ببعض نفوذ القوة الناعمة في البوسنة والهرسك، وقد تعمقت العلاقات التي تشكلت بعد الثورة الإسلامية ووسط الحرب الأهلية البوسنية. ويعتمد النفوذ الإيراني في البوسنة على عدة جوانب منها الدين، والدعم الخيري، والتعليم من خلال المؤسسات التي تشمل المركز الثقافي الإيراني، ومعهد "ابن سينا" للأبحاث، ومؤسسة "ملا صدرا"، والكلية الفارسية البوسنية.
واليوم، تراجع نفوذ طهران داخل البوسنة والهرسك بشكل ملحوظ مقارنة بأواخر القرن العشرين. وتفتقر إيران إلى علاقة تجارية مهمة أو علاقات عسكرية معها. وبالتالي، فإن عدم قدرتها على استكمال نفوذ القوة الصلبة في سراييفو مقابل الغرب ساهم بشكل كبير في الحد من النفوذ الإيراني في البوسنة والهرسك طوال القرن الحادي والعشرين.
وفي الوقت نفسه، تسببت التطورات التاريخية والدينية والاقتصادية والجيوسياسية في خسارة إيران لمكانتها أمام القوى الإسلامية الأخرى مثل تركيا.
ويتطلب فهم روابط إيران بالبوسنة والهرسك العودة إلى الحرب الباردة على الأقل. وتبادل "الشاه" و"جوزيب بروز تيتو"، اللذين حكما خلال نفس السنوات تقريبًا (1953-1979 و1953-1980 على التوالي) زيارات رفيعة المستوى. كما طورت أنظمتهما علاقات عسكرية.
وبالرغم أن ثورة 1979 جعلت إيران منبوذة عالميًا خلال الثمانينات، فإن القيادة الشيوعية لجمهورية يوجوسلافيا الاتحادية الاشتراكية حافظت على علاقات ودية مع طهران بالرغم من النظرة الأصولية والثورية للجمهورية الإسلامية.
على سبيل المثال، قام المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي" بزيارة جمهورية يوجوسلافيا الاتحادية الاشتراكية في عام 1989. وأثناء وجوده في بلجراد، قال إن فتوى سلفه "الخميني" ضد "سلمان رشدي" (بسبب رواية مسيئة للقرآن الكريم) لا يمكن التراجع عنها لأنها "بمثابة إطلاق سهم وهو الآن يتجه نحو هدفه". كما أعرب عن خيبة أمله من عدم وجود دعم سني لتلك الفتوى التي يهاجمها العالم.
التدخل في حرب البوسنة
ومع ذلك، فإن أهم فصل في العلاقات البوسنية الإيرانية بدأ بعد انهيار يوجوسلافيا في النصف الأول من التسعينات. وخلال حرب البوسنة 1992-1995، ارتكبت حكومة "سلوبودان ميلوسيفيتش" الصربية وقوات صرب البوسنة المدعومة من بلجراد إبادة جماعية ضد البوسنيين في سعيهم وراء هدف "صربيا الكبرى". وأثارت تلك المجازر غضب الإيرانيين الذين كانو يتابعون يوميا أمام التلفاز مشاهد ذبح المسلمين في البوسنة.
وتدخلت الحكومة الإيرانية لوقف المجزرة، ونسق "أحمد جنتي" المساعدة للبوشناق وبرر ذلك على أنها تتماشى مع مفهوم الجمهورية الإسلامية للدفاع عن المستضعفين في جميع أنحاء العالم، من فلسطين إلى جنوب أفريقيا.
وفي نفس الوقت الذي امتثلت فيه الحكومات الأوروبية لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على البوسنة والهرسك، ملأت إيران الفراغ بإرسال مدربين عسكريين وضباط استخبارات وطعام وأموال ومساعدات إنسانية إلى البوشناق الذين يكافحون ضد أعدائهم المدججين بالسلاح.
ووصلت قوات الحرس الثوري بزي عمال إغاثة وتحت ستار الهلال الأحمر الإيراني، إلى البوسنة والهرسك. وكانت هذه المساعدات دور مهم في دعم البوسنيين. ووفقًا لـ"هارون كارزيتش"، المحلل السياسي البوسني، فإن "الأسلحة الإيرانية كانت ذات أهمية حاسمة بالنسبة للإدارة البوسنية المحاصرة، وقد لعب مدربون في الحرس الثوري الإيراني دورًا حاسمًا في تدريب المقاتلين البوسنيين في المراحل الأولى من الصراع".
وفي 10 سبتمبر/أيلول 1992، قال مسؤولون غربيون إن نظراءهم الكرواتيين اعترضوا طائرة إيرانية من طراز بوينج 747 طارت إلى زغرب بأسلحة وأفراد إيرانيين، في أول حالة موثقة لدعم طهران المادي للبوشناق. وكانت مهمة الطائرة المعلنة هي تزويد البوسنة والهرسك بإمدادات الإغاثة، لكن السلطات الكرواتية اكتشفت 4 آلاف بندقية وأكثر من مليون طلقة من الذخيرة.
لم يكن لدى البوسنيين خيار سوى اللجوء إلى الدول ذات الأغلبية المسلمة للحصول على المساعدة من إيران إلى مصر وماليزيا وباكستان والسعودية والسودان وتركيا والإمارات حيث دعمت جميعها القضية البوسنية ضد صربيا وقوات صرب البوسنة.
وبالنسبة لطهران، كان الصراع البوسني بمثابة فرصة لإثبات أنه يمكنها التأثير على الأحداث في أوروبا بالرغم أن الغرب وصف إيران بأنها "دولة مارقة". كما أتاح دعم إيران للبوسنة والهرسك فرصة الظهور بمظهر الداعم لقضايا المسلمين في جميع أنحاء العالم.
ونجح الدعم الإيراني في كسب البوشناق فبحلول عام 1995 كان 86% منهم ينظرون إلى إيران بشكل إيجابي. وقال "روبرت باير"، وهو مسؤول ميداني سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في سراييفو أثناء الحرب: "أصبحت الحكومة البوسنية المسلمة موالية بالكامل للإيرانيين.. إذا كان الاختيار بين وكالة المخابرات المركزية والإيرانيين، فسوف يختارون الإيرانيين في أي يوم".
وخلال الصراع، سمحت إدارة "بيل كلينتون" لإيران بتسليح البوشناق لأن واشنطن، كما ذكرت "لوس أنجلوس تايمز": "لم تجد طريقة لمساعدة البوسنة في الدفاع عن نفسها، إلا من خلال الاعتماد على النظام الإيراني".
وبعد الصراع، حاولت الجمهورية الإسلامية استخدام الدين ورواية المظلومية للتقريب بين الأغلبية السنية في البوسنة والهرسك وإيران ذات الأغلبية الشيعية. وسعت المؤسسات الإيرانية إلى تجاوز العائق الطائفي من خلال نشر أيديولوجيتها القائمة على الوحدة الإسلامية.
ومع ذلك، سرعان ما نشأت التوترات بين هذين البلدين في فترة ما بعد الحرب حيث أثار بعض رجال الدين البوسنيين والبوشناق شكوكهم في هذه المؤسسات الشيعية واتهموها بجهود تبشيرية تهدف إلى تحويل البوشناق إلى الشيعة.
وبعد الحرب، تزايدت مخاوف الحكومات الغربية من وجود جواسيس إيرانيين وعملاء مخابرات في زي دبلوماسيين في البوسنة والهرسك، وضغطت على سراييفو لطرد مستشاري الحرس الثوري الإيراني. وبدأت الاحتكاكات في العلاقات البوسنية الإيرانية. ورأت طهران أن البوسنة والهرسك غير ممتنة للدعم الذي قدمته للبوشناق أثناء الحرب.
وبعد تفجير حافلة في مطار بورجاس عام 2012 دفع الاتحاد الأوروبي إلى وضع الجناح العسكري لـ"حزب الله" على قائمته السوداء للإرهاب، ودعا الدبلوماسيون الغربيون سراييفو إلى الابتعاد عن إيران. وفي هذا الوقت، كانت البوسنة والهرسك تحولت إلى قضية هامشية بالنسبة للسياسة الخارجية الإيرانية.
وخلال السنوات الماضية، سيطرت قضايا أخرى على جدول الأعمال في طهران، مثل الاتفاق النووي مع القوى العالمية والصراع في العراق وسوريا. في غضون ذلك، أصبح البوشناق أكثر توجهاً نحو الغرب.
اليوم، أصبح 80% من البوسنيين لديهم وجهات نظر إيجابية تجاه الولايات المتحدة، وقلة قليلة منهم يدرسون في جامعات في إيران، والكثير منهم يتابعون تعليمهم في أوروبا الغربية. وقد واجهت المنظمات الإيرانية منافسة صعبة على النفوذ مع المؤسسات الغربية ذات الموارد الأفضل.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن دور إيران في البوسنة والهرسك تراجع منذ عام 1995. وقال "ريوف باجروفيتش"، وزير الطاقة والصناعة والتعدين السابق في البوسنة والهرسك إن "موقف إيران أصبح ضعيفا لدرجة أنه من الصعب للغاية تحديد الجهات المؤيدة لإيران في في البلاد".
وكانت ذروة بروز طهران كعنصر فاعل مهم في البوسنة نتيجة لللامبالاة الغربية حيال الإبادة الجماعية التي تعرض لها المسلمون في البوسنة. لقد قوض السلام الهش لكن الدائم الذي أعقب توقيع اتفاقيات "دايتون" قدرة إيران على جذب البوشناق وقلل من قدرتها على دفع أجندتها في البوسنة والهرسك.
وقال الأكاديمي "عبدالرسول ديفسلار" لمنتدى الخليج الدولي إن "طبيعة وتعقيدات البوسنة والهرسك وحقيقة أن الجهات الفاعلة الرئيسية في المشهد هي الولايات المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي، تخلق قيودًا كثيرة على قدرة إيران على الاستثمار كثيرًا في البوسنة".
ويعتبر الصراع الدائر في أوكرانيا بمثابة الفيل الموجود في الغرفة، الأمر الذي يجعل البوشناق أكثر خوفًا من أجندة روسيا وأكثر ارتباطًا بحلف شمال الأطلسي.
وبالرغم من تعزيز شراكة طهران مع موسكو منذ غزو روسيا لأوكرانيا، تتعارض المصالح الإيرانية والروسية في البوسنة والهرسك. وتشجع موسكو أجندة انتقامية لرجل صرب البوسنة القوي "ميلوراد دوديك" في حين تدعم طهران وحدة البوسنة والهرسك، كما أوضح "ديفسلار".
لذلك، تمثل الأزمة السياسية المستمرة في البوسنة والهرسك حالة استثنائية حيث يتماشى موقف إيران بشكل وثيق مع موقف الغرب أكثر من موقف روسيا. وبالنظر إلى مدى حاجة إيران لروسيا كشريك، فمن غير المرجح أن تنتهج طهران سياسات قد تضر بالعلاقات الإيرانية الروسية، خاصة في البوسنة. وبالتالي، من الآمن استنتاج أن الظروف الدولية ستستمر في تقييد قدرة إيران على المناورة في البوسنة والهرسك.
وبالرغم أن إيران اليوم تحتفظ بدرجة من نفوذ القوة الناعمة في البوسنة والهرسك، لكن ذروة نفوذها في هذا البلد الأوروبي أصبحت الآن من الماضي.