- ℃ 11 تركيا
- 1 نوفمبر 2024
تقرير يرسم ملامح الهيكل العام للإخوان المسلمين في أوروبا
تقرير يرسم ملامح الهيكل العام للإخوان المسلمين في أوروبا
- 16 نوفمبر 2021, 7:33:19 م
- 638
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أصدر المركزُ النمساوي لتوثيقِ التطرف السياسي ذي الدوافع الدينية (مركز توثيق الإسلام السياسي) مؤخرًا تقريرًا يرسم خريطة لوجود الإخوان المسلمين في أوروبا. في هذا الصدد، أكد التقرير، الذي جاء بعنوان “الهيكل العام للإخوان المسلمين في أوروبا”، أنه على الرغم من أن “الجوانب المتعلقة بوجود الإخوان المسلمين في أوروبا، بما في ذلك وجود الجماعة ذاته، قد نوقشت منذ فترةٍ طويلة”، تبقى حقيقة أن جماعة الإخوان تتمتع بـ”نفوذ نسبي” بين السكان المسلمين في جميع أنحاء القارة، وبالتالي يصبح فهمُ كيفية عملها “أمرًا بالغَ الأهمية بالنسبة لصناع السياسات والمجتمع المدني الأوروبي”.
الإسلام والإسلاموية في أوروبا
يستهل التقرير بالتحذير من أن النقاش حول الإسلاموية، على مدى السنوات القليلة الماضية، يشوبه ضعفٌ في المعلومات في العديد من النقاط، حيث “يخلط الناس خطأ بين مختلف المظاهر الخارجية للعقيدة الإسلامية وأفعال الإسلامويين”. ذلك أن الإسلاموية نفسها هي عبارة عن “حركة أيديولوجية متباينة للغاية”، حيث يوجد جهاديون عنيفون؛ مثل تنظيم القاعدة وداعش في أحد طرفي الطيف، وما يمكن أن يطلق عليهم “الانخراطيون” في الطرف الآخر، مع مجموعةٍ واسعة بينهما، بما في ذلك السلفيون و”الجماعات المتشددة/ الناشطة” مثل حزب التحرير.
يُعرّف الانخراطيون بأنهم “أفراد وجماعات تتبنى تفسيرًا محافظًا ومسيسًا للغاية لعقيدتهم، يرى الإسلام، مثل الآخرين، نظامًا شاملًا ينظم جميع جوانب الحياة الخاصة والعامة. ولكن على عكس الجهاديين ومعظم السلفيين، يعتقد الانخراطيون أن الانخراط والعمل في إطار الأنظمة السياسية القائمة، حتى لو كان ذلك يعني التضحية أحيانًا وبصورة مؤقتة ببعض مبادئهم، هو أفضل وسيلة لتعزيز أهدافهم. ووفقًا لهذا التعريف، تُعتبر جماعة الإخوان المسلمين الجماعة الإسلاموية الانخراطية النموذجية، سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا”.
هذا التباين بين ما تريده جماعة الإخوان وتكتيكاتها يحدث جدلًا لا نهاية له حول ما إذا كانت الجماعة تؤمن “حقًا” بالديمقراطية، وما إذا كان يجب تصنيفها جماعة “معتدلة” أو “متطرفة”. ونادرًا ما تستند هذه المناقشات، التي غالبًا ما تكون حادة اللهجة، إلى أسانيد جيدة. وعليه، يهدف هذا التقرير إلى معالجة هذه المشكلة.
هيكل جماعة الإخوان في أوروبا
تجدر الإشارة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين، التي أسسها حسن البنا في مصر عام 1928، هي أقدم جماعة إسلاموية. ويتمثل التمييز والصعوبة الكبيرة عند النظر إلى جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا في أن الجماعة في أوروبا تنشط، على عكس عملها في الدول العربية، من خلال منظماتٍ سياسية وتعليمية وخيرية وغيرها من المنظمات التي غالبًا ما تذهب إلى “حدود بعيدة” لإنكار أنها تشكيلات للإخوان المسلمين. وهذا الخداع يفسر جزئيًا السبب في أنه “[لا توجد] دولة أوروبية اعتمدت تقييمًا متماسكًا [لماهية الإخوان داخل حدودها] يمكن أن تتبعه جميع دوائرها الحكومية”.
الهيكل الدقيق للجماعة يختلف من دولةٍ إلى أخرى، حسبما يشير التقرير، وإن كان هناك بعض السمات المشتركة. وقد غُرست “البذرة الأصلية” لوجود الإخوان في أوروبا بداية من أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، غالبًا بواسطة كادر صغير من كبار أعضاء الإخوان المسلمين الذين طردوا من أوطانهم بسبب قمع الحكومات، وبواسطة طلابِ الجامعات القادمين من الشرق الأوسط. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الكادر القيادي -رجال مثل سعيد رمضان، ويوسف ندا، وغالب همت، وراشد الغنوشي، ونوح القدو وأحمد جاب الله- ما زالوا يشغلون مناصب قيادية، إذا كانوا على قيد الحياة، وإذا لم يكونوا كذلك، فقد استولت عائلاتهم على تلك المناصب.
وبعيدًا عن كونها مؤامرة مدروسة جيدًا للتسلل إلى القارة، لم يكن قادة الإخوان ولا الطلاب ينوون في البداية البقاء على المدى الطويل في أوروبا. بيد أنه مع وضوح الوضع في العالم العربي، شرع هؤلاء الرواد الأوائل في توطيدِ أقدامهم في الدول الأوروبية التي رحلوا إليها، وأنشأوا مساجد وشركاتٍ وجمعيات خيرية ومنظمات ضغط. ويوضح التقرير أن “كل دولة أوروبية كبرى اليوم هي موطن لشبكةٍ صغيرة من الأفراد والمنظمات التي لديها درجات متفاوتة من الاتصال بجماعة الإخوان المسلمين”.
ويضيف التقريرُ أنه يمكن تعريف طبيعة البنية التحتية لجماعة الإخوان المسلمين في كلِّ دولةٍ أوروبية على أنها ملائمة لـ “ثلاث حقائق منفصلة، ولكنها مترابطة للغاية… وهي، وفق درجاتٍ متناقصة الشدة، كما يلي:
جماعات الإخوان الأساسية: “أنشأ الجيل الأول من الرواد القادمين من العالم العربي هياكل مماثلة لتلك الموجودة في دول المنشأ، ومن الواضح أنها نُسخت بالضبط ولكن على نطاقٍ أصغر بكثير. الإخوان الأساسيون هم أفراد ينتمون، بعد أن خضعوا لعملية تجنيد صارمة ودانوا بالولاء، إلى الهيكل غير العلني/السري الذي أنشأه أعضاء الإخوان في كل دولة أوروبية”.
الجماعات المتفرعة عن الإخوان: “لدى وصولهم إلى أوروبا، أنشأ الإخوان الأوائل شبكة من المنظمات المكرسة لمجموعةٍ واسعة من الأنشطة. ولا تعرِّف أيٌّ من هذه الكيانات نفسها علنًا بأن لها صلات بأي هيكل من جماعة الإخوان المسلمين. لكنها في الواقع تمثل الجانب الآخر من الإخوان الأساسيين، الوجه العام للشبكة السرية، الجزء الذي يعزِّز أجندة الجماعة في المجتمع دون التخلي عن البنية السرية… ولا تُعتبر الجماعات المتفرعة مرتبطةً بجماعة الإخوان المسلمين، وترفض أي اتهام بعكس ذلك، وغالبًا ما تستخدم الحجة القائلة بأنها كيانات مستقلة، وهو أمر صحيح، على المستوى الشكلي البحت. وعلاوة على ذلك، ولزيادة إمكانات مشاركتهم [مع المجتمعات المسلمة، والمجتمعات الأوروبية]، تُعطى الجماعات المتفرعة عن الإخوان أسماء تهدف إلى تصدير صورة الاعتدال والتمثيل العريض” للمجتمع.
المنظمات المتأثرة بجماعة الإخوان المسلمين: “هذه كيانات لها بعض الروابط التاريخية والتنظيمية والمالية، والأهم من ذلك، الأيديولوجية مع الوسط الأساسي لجماعة الإخوان المسلمين، ولكن ليس لها علاقات عملياتية واضحة معها”.
يندرج الإخوان الأساسيون، وقيادة الفئتين الأخريين، ضمن ما يسميه التقرير “الوسط” الإخواني، وهو مصطلح “أفضل من مصطلح “الفرع”؛ لأن الأخير يعطي انطباعًا بالتبعية. وفي الواقع، يعمل كل وسط أوروبي للإخوان في استقلالٍ ذاتي تام عن الأوساط الأوروبية الأخرى، ومن الفروع الأكبر بكثير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”. ورغم أن عدد أعضاء الإخوان الخالصين في كل دولة “صغير نسبيًا” -قرابة ألف عضو في دول كبيرة مثل بريطانيا وفرنسا- فإن “لكل منهم القدرة على التأثير على عددٍ أكبر بكثير من الحلفاء وحشدهم”، كما تعمل الجبهات المختلفة كـ “مجموعة متماسكة”.
علاوةً على ما سبق، يوثِّق التقرير ما يلي: “يمكن القول إنه لا توجد دولة أوروبية أخرى بها وجود لشبكات الإخوان المسلمين، من حيث الأهمية التاريخية، والكم والنوعية، أكثر من المملكة المتحدة… في الواقع، بدءًا من ستينيات القرن الماضي، أنشأ كل فرع من فروع الإخوان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقريبًا نوعًا ما من الوجود في المملكة المتحدة”. وغالبًا ما كان كبار قادة الإخوان من الفرع “الأم” في مصر، وكذلك تونس وليبيا والعراق، والعديد من الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم، متمركزين في المدن البريطانية، وهذا ينسحب على الوقت الحاضر أيضًا: بعد سقوط حكومة الإخوان المسلمين في مصر، كان مقر المرشد الأعلى بالنيابة في لندن.
تُعد الرابطة الإسلامية البريطانية (MAB) والمجلس الإسلامي البريطاني (MCB) من أبرز المظاهر المحلية لمجتمع الإخوان المسلمين في المملكة المتحدة. ورغم حدوث بعض الاضطراب لفترة من الوقت بعد عام 2011 حيث غادر قادة الإخوان بريطانيا للمشاركة في الربيع العربي في الوطن، لكن الآن وبعد أن انقلب التيار ضد الإسلامويين في المنطقة، عاد الكثيرون إلى بريطانيا.
وقد اتخذت الحكومة البريطانية قرارًا بإشراك المتشددين على أمل أن يكبحوا جماح الإسلامويين العنيفين. ولكن كما هو متوقع، قوّضت هذه السياسة من قبل الإسلامويين الذين استخدموا وضعهم، كوسطاء اتصال، للسيطرة على مجتمعاتهم، وتوجيه سياسة الدولة نحو أجندتهم الخاصة. ومنذ ذلك الحين تم التخلي عن هذه السياسة.
إضافة إلى ما سبق، يقدم التقرير دراسات متعمقة لوضع الإخوان، في الماضي والحاضر، في دولٍ أوروبية أخرى. وعلى الرغم من استقلالية كل وسط من أوساط الإخوان، فإنهم دأبوا على إنشاء شبكة تنسيق أوروبية شاملة. وفي حين تعثرت جهودهم الأولى، المتمثلة في محاولة إنشاء المجلس الإسلامي الأوروبي، فإنهم تمكنوا بعد اجتماع مهم في مدريد في عام 1984، من إنشاء اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE) في عام 1989، الذي غيّر اسمه إلى مجلس المسلمين الأوروبيين (CEM) في عام 2020. وهنا، تجدر الإشارة أنه إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين، وفي كثيرٍ من الأحيان بالتعاون معها، توجد جماعة موازية تتمثل في الفرع شبه القاري لجماعة الإخوان المسلمين، الجماعة الإسلامية، ومقرها في باكستان، التي تتبع توجيهات أبو الأعلى المودودي، صديق البنا.
عقب ذلك، أنشأ اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا/ مجلس المسلمين الأوروبيين سلسلة من المنظمات المتخصصة لأجزاء محددة من المهمة الشاملة لنشر نفوذ الإخوان وأيديولوجيتهم. وتشمل هذه المنظمات اتحاد المنظمات الأوروبية للشباب والطلاب المسلمين (FEMYSO)؛ والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية (IESH) للإشراف على شبكة من المدارس؛ والمجلس الأوروبي للفتوى والبحوث (ECFR) في دبلن، بقيادة يوسف القرضاوي منذ فترة طويلة، لتقديم التوجيه الديني، من منظور الإخوان، للمسلمين الذين يعيشون في المجتمعات المسيحية؛ وصندوق أوروبا، ومقره في بريطانيا، “الذي يسيطر عليه بعض كبار قادة شبكة الإخوان الأوروبية”، بهدف إدارة الشؤون المالية للإخوان المسلمين في أوروبا. كل هذه المنظمات يسيطر عليها كبار أعضاء الإخوان و/أو أبناؤهم.
منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية؛ هي إحدى المنظمات الأخرى التي تشكّل جزءًا مهمًا من هذا المشروع، على الرغم من أنها بعيدة علنًا عن اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا/ مجلس المسلمين الأوروبيين، و”تنفي بشدة أي صلة لها بجماعة الإخوان المسلمين”. ومع ذلك، لا يتطلب الأمر الكثير من البحث حتى نرى أن صلاتها، بالشؤون المالية والأفراد، بجماعة الإخوان في كل دولة “واسعة النطاق”، وأن كل هيكل من هياكل الإخوان في كل دولة من الدول يدعم علنًا ويموّل منظمة الإغاثة الإسلامية.
يقدم اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF) المعروف منذ عام 2017 باسم مسلمي فرنسا (MF) دراسة حالة مثيرة للاهتمام لإحدى المنظمات التابعة لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا/ مجلس المسلمين الأوروبيين التي تنفي أن يكون أي شيء من هذا القبيل. وعلى الرغم من أن اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، الذي بدأ في المملكة المتحدة، يوجد في بلجيكا، فإنه غير مسجل كمنظمة بلجيكية، بل كمنظمة فرنسية، ويشير إلى مكاتب اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا/ مسلمي فرنسا كمقر له. ويسعى اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، الذي يُعتبر أحد أقدم المنظمات الإسلامية في فرنسا، إلى التعتيم على صلاته بالإخوان المسلمين، ولكن “ليس هناك في الواقع شكٌّ في طبيعةِ الاتحاد باعتباره فرعاً أساسياً للإخوان”.
لماذا يتمتع الإخوان بكلِّ هذا التأثير؟
يؤكد التقرير أن هذه “الطبيعة الدائرية” لشبكة الإخوان المسلمين غير مبالغ فيها: فهذه النسبة الصغيرة نسبيًا من الأفراد الذين يعرفون بعضهم بعضًا، ويتقاسمون نظرة مستقبلية واحدة تقود إلى وجود “نخبة إسلاموية متماسكة” تمارس “تأثيرًا غير متناسب على الإسلام المنظم في أوروبا”. وأن “الشبكة الضخمة من المساجد والجمعيات الخيرية والمدارس وجماعات الضغط والحقوق المدنية، والعديد من الأنواع الأخرى من الكيانات التي تلبي احتياجاتٍ محددة أو مجموعات فرعية” تمنح الإخوان نفوذًا عميقًا على المجتمعات المسلمة من جهة، والمؤسسات الأوروبية من جهة أخرى.
في الغالب، يتعامل السياسيون والإدارات الحكومية ووسائل الإعلام الأوروبية مع هذا “الحضور القوي والظاهر” كما لو أنه يمثل المجتمعات المسلمة لأن جماعة الإخوان المسلمين، بحكم طبيعتها كحركة جيدة التنظيم، تميل إلى “التفوق على الاتجاهات الإسلامية المنافسة”. وعندما تنظر النخب الأوروبية حولها بحثًا عن وسطاء مسلمين للانخراط معهم، غالبًا ما يبدو أن أولئك الذين ينتمون إلى الإخوان هم الخيار الوحيد أمامها، ومرة أخرى، يعطون انطباعًا بأنهم أكبر حجمًا، وأكثر تمثيلًا، عن الواقع الحقيقي.
أحد الأسباب التي تجعل جماعة الإخوان قادرة على الانتصار في الصراع الداخلي بين الجماعات الإسلامية من أجل النفوذ في أوروبا هو قدرتها في الحصول على التمويل. مصادر التمويل أربعة: التبرعات من المجتمع الإسلامي، وأنشطتها المالية الخاصة (الشركات التجارية مثل اللحوم الحلال، والعقارات، وما إلى ذلك)، والتبرعات الخارجية (التي جاءت معظمها في السنوات الأخيرة من قطر وإلى حدٍّ أقل الكويت وتركيا)، والمنح المقدمة من الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية (للتكامل، ومكافحة العنصرية، وحتى، بشكل مدهش، أنشطة مناهضة التطرف، التي يتم تسليمها أحيانًا من خلال الجمعيات الخيرية التي يديرها الإخوان المسلمون).
أهداف الإخوان
في حين أن لدى بعض قادة الإخوان في أوروبا رغبة في أسلمة القارة في نهاية المطاف، فإن الجدول الزمني لهذا المشروع مبهم إلى حد ما، ولديهم في عملهم اليومي “أهداف أكثر واقعية بكثير”: (1) نشر نظرتهم الدينية للعالم لتعزيز الهوية الإسلامية المقاومة للاستيعاب بين السكان الأوروبيين؛ (2) أن تصبح الجماعة الممثل الرسمي الفعلي للمسلمين في التعامل مع الحكومات الأوروبية؛ (3) والتأثير على جميع السياسات المتعلقة بالإسلام من قبل الدول الأوروبية.
متطلبات تحقيق الهدف رقم (1) هي تلقين المسلمين أيديولوجية الإخوان الاقصائية، ومتطلبات الهدفين (2) و(3) هي أن تبدو الجماعة معتدلة وشاملة، ومن هنا يأتي الوجهان المنهجيان لمنظمات الإخوان في أوروبا، التي يجب أن تخفي رسميًا، على الأقل في التفاعلات مع المسؤولين الأوروبيين، تمسكها بالآراء حول اليهود والمثليين جنسيًا والنساء، التي تريد نقلها إلى الجماهير المسلمة.
بهذه الطريقة، يتجنب الوسط الإخواني الوصم المجتمعي الذي يطال الجماعات اليمينية المتطرفة البيضاء التي تعبر عن وجهات نظر مماثلة معادية للسامية، ومعادية للمثليين، وكارهة للنساء، وفي الواقع، تجد عمومًا أكثر المدافعين حماسًا لها من غير الأعضاء في بعض الجماعات التقدمية التي تتبنى ظاهريًا حماية حقوق هذه الفئات المهمشة كغاياتٍ رئيسة.
طبيعة التهديد
يمكن القول إن تقييم التهديد الناشئ من جماعة الإخوان أمر معقد. وكما يوثق التقرير، “من وجهة نظر أمنية، ينبغي القول إن جماعة الإخوان الأوروبية لا تشكّل تهديدًا مباشرًا، وأن الحركة لا تشارك في أي هجماتٍ على القارة”.
ومع ذلك، تقدم شبكة الإخوان دعمًا علنيًا، خطابيًا وماديًا، للإسلامويين العنيفين خارج أوروبا مثل حركة حماس، الفرع الفلسطيني للإخوان. ويحتوي التقرير على وثائق مستفيضة عن معاداة السامية التي تروّج لها هذه الجماعات، ودعمها المتحمس للإرهاب ضد إسرائيل.
في داخل أوروبا، تعزِّز جماعة الإخوان الأجواء العقائدية، لا سيما في إصرارها على خطاب مظلومية المسلمين في الدول التي توفر للمسلمين بالإجماع حرية أكبر من أي دولة ذات أغلبية مسلمة، الأمر الذي يوفر “بيئة مواتية للتطرف العنيف”.
الأهم من ذلك هو أن حالة الاستقطاب التي يؤججها الإخوان المسلمون بين المسلمين وغير المسلمين -جوهر عمل الإخوان في القارة- يشكّل تهديدًا في حد ذاته، حيث يضر بالتماسك الاجتماعي، ومن ثم بنظام الدولة والمجتمع.
توصيات بشأن السياسة العامة
ما الذي ينبغي عمله إذن؟ يخلص التقرير إلى أن هذا الأمر محل جدل و”لا يمكن أو ينبغي اعتماد سياسة شاملة”. وقد رسمت جماعة الإخوان سياساتها في كل دولة وفقًا للديناميات الثقافية والتاريخية والسياسية لهذه الدولة أو تلك، وينبغي على السلطات في تلك الدول أن تفعل الشيء نفسه. “ورغم هذه الصعوبات، فلا يزال من الممكن تقديم ثلاث توصيات تتعلق بالسياسة العامة يمكن القول إنها تنطبق على جميع الجهات الفاعلة الأوروبية”:
المعرفة: إذا كان على الحكومات الأوروبية أن تشارك أو تختار إشراك أفراد أو جماعات من الوسط الإخواني، فعليها أن تكون واضحة جدًا بشأن طبيعة ونوايا الأشخاص الجالسين على الطاولة منهم.
“المشاركة، لا التمكين”: هناك أسباب كفاية تفسر لماذا قد تجد “حتى… الحكومات التي تنظر إلى الشبكة بطريقة سلبية للغاية” نفسها تتحدث إلى ممثلين من الوسط الإخواني، ومع ذلك فلا ينبغي أن تتم هذه التفاعلات بطريقةٍ توفر أي شرعية أو رأس مال سياسي آخر لهؤلاء الممثلين.
وقف التمويل الرسمي: ينبغي على الحكومات الأوروبية تعديل المعايير التي تستخدمها في تقديم المنح وغيرها من الأموال لتجاهل الشكليات البحتة، وبدلًا من ذلك ينبغي تقييم المستفيدين على ما إذا كان نظام قيمهم متوافقًا مع أهداف الدولة الديمقراطية الليبرالية.
الخلاصة
في الشرق الأوسط، انقلب هذا الاتجاه بشدة ضد الإسلاموية منذ اندلاع الربيع العربي في عام 2011. وقد سعَت كتلةٌ من الدول بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتوفير رؤية بديلة للمستقبل للإسلامويين، وحظرت جماعة الإخوان المسلمين حظرًا باتًا، معلنة أنها منظمة إرهابية. وقد ذهبت دول أخرى كثيرة إلى أبعد من ذلك، لكنها اتبعت مقاربات متشابهة إلى حد كبير، باستثناء تركيا وقطر بشكل ملحوظ.
أما أوروبا، فقد كانت بطيئة في الرد ورجعية في بعض النواحي حيث خلق الوسط الإخواني روابط قوية مع الدوائر السياسية القوية في النظم السياسية والاجتماعية التي لا تعارض فقط السياسات التي قد تحدُّ من انتشار أيديولوجية الإخوان المدمرة، بل تواصل منع إجراء نقاش جاد حول كيفية التعامل مع الإخوان من خلال الزج بالنقاش العام في نزاع حول ما إذا كان الإخوانُ موجودين بالفعل في أوروبا. وختامًا، ينبغي أن يساعد هذا التقرير أوروبا على الأقل على تجاوز هذه العقبة الأولى، وأن يبدأ النقاش الصعب حول ما يجب القيام به فيما يتعلق بوجود الإخوان.