- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
تمارا حداد تكتب: صراع الجبابرة في القدس
تمارا حداد تكتب: صراع الجبابرة في القدس
- 28 مايو 2022, 12:56:23 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تُعتبر مدينة القدس بؤرة الصراع القديم الحديث للعديد من الدول .ويُجسد البعد الديني والسياسي، أهم الأبعاد التي تلازم السياسات الداخلية والخارجية لها مهما كانت معتقداتها حول القدس، حيث ساهم ارتفاع وتيرة الاقتحامات الإسرائيلية للمقدسات في زيادة الاهتمام بمدينة القدس وظهر ذلك جلياً عبر زيادة الطلب على شركات النقل والسفر لأكثر من دولة التي تتلقى هذه الأيام الكثير من طلبات زيارة المدينة المقدسة.
فالقدس بعد اعتراف ترامب بأنها عاصمة لاسرائيل، أصبحت مجدداً ضمن أولويات السياسة الخارجية للدول لأكثر من سبب أهمها: تمرير سياسة داخلية لذات البلدان وبالتحديد أن عددا من الدول استطاع رؤسائها الوصول إلى كرسي الرئاسة باستغلال عنوان القدس ضمن سياق الدعاية الانتخابية، أما على صعيد السياسة الخارجية فهي مفتاح للضغط أيضا ًلصالح تمرير سياستها الداخلية، لذا القدس أصبحت موقعاً لصراع الجبابرة والتنافس أو التعاون أو تركيز السيطرة لتحقيق سيادة وبُعد ديني.
وتُعتبر القدس نبض الأردنيين وهي قضيتهم الأولى حيث يسعى الملك عبد الله الثاني، إلى مواصلة التأكيد على الوصاية الأردنية على القدس والمقدسات وترسيخ الواجب التاريخي والابتعاد عن تسييس المدينة والاستئثار بها وخرق " الستاتيكو" القائم فيها وحمايتها من أي تهديد لتاريخها ووجودها ودثر لمقدساتها وحضارتها.
ويسعى الأردن دوماً إلى إبعاد أي محاولة لسحب البساط من تحته فيما يتعلق بالقدس وأي محاولة لقتل قرارات الشرعية الدولية بحقها وبالتحديد فيما يتعلق بالوصاية الأردنية رغم المحاولات العديدة من عدة دول لسحب الوصاية.
كما تعتبر القدس بالنسبة للسعودية ذات أهمية وخصوصية وبالتحديد البعد الديني بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي.
صحيح أن عدداً من الأصوات الاسرائيلية طالبت باستبدال الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس ومنح السعودية مكانة خاصة للأماكن المقدسة فيها، وهذا ما صرح به الرئيس الاسرائيلي اسحاق هيرتسوغ، لكن السعودية صرحت في أكثر من موقف أنها مع حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ومع إرساء حل الدولتين وأنها لن تطبع إلا بإرساء الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني وهذا يعني ضمنياً أنها تعترف بوضع القدس الحالي كوضع تاريخي وقانوني وهو يعني التأكيد على ان الوصاية الأردنية تبقى كما هي إلى حين إيجاد الحل النهائي للقضية الفلسطينية.
كما تحظى القدس بدور بالغ الأهمية على المستوى الفكري والسياسي والديني لدى قادة الحركة الصهيونية منذ نشأة اسرائيل، وكان الاستيطان من أهم المنطلقات الفكرية وأبرز التطلعات الاستراتيجية للسيطرة على شطري القدس، وفي عالم السياسة من يسيطر على العاصمة يسيطر على الدولة بشكل كامل، لذلك العقلية الصهيونية كان أبرز تفكيرها السيطرة على القدس بشكل كامل دون تنازل. وهذا ما نشهده اليوم من اقتحامات متكررة يومية وتسيير مسيرات الاعلام والصلاوات المستمرة الى حين استكمال البعد اليهودي الأخير وهو بناء "الهيكل" المزعوم.
إضافة إلى التنظير الفكري لدى النخبة السياسية والمثقفة عند اليهود حول مدينة القدس، استخدمت الدين اليهودي أيضاً للسيطرة عليها ووظفت الدين لصالح أهدافها ومشاريعها التوسعية والتسلطية فاستغلت التعاليم التوراتية التي تشير إلى صهيون، والأرض المقدسة، وهيكل الرب.. وغيرها من أجل السيطرة على المدينة، وكذلك من أجل إقناع اليهود أنفسهم بالقدوم إلى الأرض المقدسة.
فاستخدمت الاستيطان الوسيلة والهدف لقيام "دولة إسرائيل"، خاصة في مدينة القدس التي ينادون بها لتكون العاصمة الأبدية لدولتهم. وارتباط مفهوم الاستيطان بالفكر الصهيوني (إن الحقيقة هي لا صهيونية بدون استيطان، ولا دولة يهودية بدون إخلاء العرب ومصادرة الأراضي وتسييجها)، وأن أخطر الإجراءات الإسرائيلية على مدينة القدس هو إصدار قانون من الكنيست بأن القدس هي عاصمة إسرائيل، وهي المقر الرئيس للكنيست والحكومة والمحكمة العليا، وقد أكد البرلمان الاسرائيلي القرار نفسه في العام 1990، مشددا على أن القدس لن تكون موضوعاً للتفاوض.
ونتيجة للسياسات الإسرائيلية من سنّ قوانين ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات في مدينة القدس، رسمت إسرائيل معالم جديدة للمدينة لصناعة وضع جيوسياسي جديد لها يصعب على السياسي أو الجغرافي إعادة تقسيمها مرة أخرى، فقامت ببناء الحي اليهودي في القدس الشرقية، وكذلك سلسلة من المستوطنات لتحيط بمدينة القدس من جميع الاتجاهات.
وتعمل إسرائيل وفق سياسة ازدواجية المعايير، فمن جانب تعمل على طمس المعالم العربية وطرد السكان الأصليين، ومن جانب آخر تزرع مستوطنات ومستوطنين يهود.
خلاصة:
تسعى اسرائيل إلى تهويد المسجد الأقصى كهدف أساس للمتطرفين من اليهود، وتقوم على استمرار التغيير الديمغرافي للمدينة المقدسة لتهويد القدس وطمس الهوية العربية عن سكانها الاصليين، الأمر الذي بحاجة الى حماية المقدسيين بكل الوسائل والطرق، ومن المهم قراءة الأفكار والمخططات الإسرائيلية والتعامل معها كأمر واقع. ولا بد من التصرف معه قبل البدء بتنفيذها على أرض الواقع. والتأكيد ان "الوصاية على المقدسات في القدس" تخص الأردن وهي مسؤولية أدبية لا تستوجب المزاحمة ولا تنطوي على دور سياسي وهو أمر يتوقع الأردن من الجميع احترامه وتقديره ودعمه.