- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
توجيه السعودية بوصلتها تجاه الصين.. دوافع وتداعيات
توجيه السعودية بوصلتها تجاه الصين.. دوافع وتداعيات
- 15 ديسمبر 2022, 10:09:29 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يعد أحدث مثال على تدهور العلاقات السعودية الأمريكية هو قيادة الرياض لقرار "أوبك+" خفض إنتاج النفط مليوني برميل يوميًا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي والرد القاسي من قبل الولايات المتحدة. ويفتح هذا النزاع مساحة للصين لتوسيع نفوذها في المنطقة على حساب الولايات المتحدة وحلفائها.
وفي ديسمبر/كانون الأول الجاري، زار الرئيس الصيني "شي جين بينج" الرياض وعقد أول قمة صينية عربية بالإضافة إلى القمة الصينية الخليجية والاجتماعات الثنائية مع السعودية. وكان استقبال الرياض الفخم لـ"شي" يتناقض بشكل صارخ مع الاستقبال الأكثر خفوتًا للرئيس الأمريكي "جو بايدن". واستغلت كل من الصين والسعودية الزيارة للتأكيد على أهمية تعميق علاقتهما الثنائية.
وبالنظر إلى العلاقات الأمنية القوية بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، وكذلك علاقات الصين بإيران، وإحجام بكين عن العمل كضامن أمني للمنطقة، فلا يمكن أن تحل الصين محل الولايات المتحدة في المدى القريب.
لكن مع مخاوف الولايات المتحدة بشأن المنافسة مع الصين، فإن توسيع التعاون الصيني مع المنطقة يعقد التعاون الأمني الأمريكي ويخاطر بتفاقم الخلافات الأمريكية السعودية.
ازدهار العلاقات الاقتصادية
من الناحية الاقتصادية، كانت السعودية وجيرانها في الخليج يتطلعون للشرق منذ سنوات. ووفقًا لبيانات شركة "بريتيش بتروليوم" للطاقة، فقد ذهبت حوالي 78% من صادرات الخام السعودي إلى آسيا في عام 2021، وكذلك الحال مع صادرات الخام الكويتية والإماراتية تقريبًا.
وتعد الصين جزءًا متزايد الأهمية من هذا السوق، حيث تمثل ربع صادرات الخام السعودية و 12% من صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال في عام 2021.
أما بالنسبة إلى بكين، فتعد المنطقة مصدرًا حيويًا للنفط والغاز، حيث يأتي ما يقرب من 50% من النفط المستورد في الصين من الشرق الأوسط، وتعد السعودية هي المورد الأكثر أهمية.
وبالمقارنة، فقد استمرت صادرات الخام السعودي إلى الولايات المتحدة في الانخفاض منذ عام 2012، وحصلت الولايات المتحدة على حوالي 5% من النفط الخام السعودي في عام 2021.
صدع العلاقات السعودية الأمريكية
أعربت الجهات الفاعلة في الخليج عن مخاوفها بشأن وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها تجاه المنطقة، فقد أدى صعود إنتاج النفط الصخري والغاز في الولايات المتحدة إلى تصاعد الحديث عن تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة.
وشعرت دول الخليج بالقلق فعليا منذ اندلاع ثورات الربيع حيث رأوا في استجابة الولايات المتحدة دعمًا للثورات التي اعتبروها مزعزعة للاستقرار. وتعززت هذه المخاوف مع توقيع الاتفاق النووي مع إيران في 2015 وتوجه "باراك أوباما" نحو آسيا وفشل "دونالد ترامب" في الرد بقوة على الهجمات الإيرانية على البنية التحتية للنفط في السعودية.
ويساعد النفور المتبادل في تفسير قرار السعودية خفض حصص إنتاج "أوبك+" وخفض إنتاجها الخاص بأكثر من 500 ألف برميل يوميًا، بالرغم من طلبات الولايات المتحدة زيادة الإنتاج. وقال السعوديون إنهم اتخذوا القرار بناءً على دوافع اقتصادية وليس سياسية في إشارة إلى اتهام واشنطن للرياض بدعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا.
وبالنسبة للسعودية، فإن سعر التعادل المالي للنفط يزيد قليلاً على 70 دولارًا للبرميل. وقد انخفضت الأسعار بشكل حاد من أغسطس/آب حتى بداية سبتمبر/أيلول الماضيين.
وفي ضوء عداء ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" تجاه إدارة "بايدن" وسيطرته الواسعة على اتخاذ القرارات في السعودية، فمن الصعب استبعاد أن القرار كان بدافع سياسي جزئيًا على الأقل.
وبغض النظر عن دوافع السعودية، فإن واشنطن اعتبرت القرار بمثابة إشارة إلى أن الرياض لم تعد تهتم كثيرًا بأخذ المصالح الأمريكية في الاعتبار، ويبدو أن خفض الإمدادات هو جهد آخر لإظهار القوة والاستقلالية السعودية.
المصالح الأمنية الأمريكية مهددة
يفتح هذا النزاع الأخير المزيد من الفرص أمام التأثير الصيني في المنطقة، في وقت تتطلع فيه الرياض وبعض من جيرانها بالفعل للتعاون مع الصين بشأن التكنولوجيا والأمن. وتعتمد بكين على الطاقة القادمة من الخليج، وقد أصبحت العراق والسعودية من أهم شركاء الطاقة المنخرطين معها في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
كما يتنامى التعاون الأمني أيضا، حيث زادت صادرات الدفاع الصينية إلى المنطقة بشكل حاد، وكذلك الجهود الصينية للمساعدة في تطوير الصناعات العسكرية في المنطقة. ووفقًا لتقارير، فقد تنتج السعودية الآن صواريخ باليستية بمساعدة صينية، كما عقدت القوات السعودية والصينية تدريبات مشتركة في كلا البلدين.
وتركز أحدث استراتيجية للأمن القومي الأمريكي على المنافسة مع الصين وروسيا ولكنها تعترف بأهمية الخليج. ونظرًا لأن حلفاء واشنطن، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية، لا يزالون يعتمدون على الطاقة من المنطقة، فإن تخفيض الإمدادات أو طفرات الأسعار ستستمر في التأثير على المصالح الأمريكية.
ومن المحتمل أن تصبح المنطقة أكثر أهمية خلال العقود القليلة القادمة، وحتى لو انخفض الإنتاج الإجمالي بسبب الميل لتقليل الانبعاثات الكربونية، فمن المحتمل أن تزداد حصة النفط العالمي المنتجة في الخليج.
ولا يزال لدى الولايات المتحدة والسعودية مصلحة في الحفاظ على علاقة قوية، حتى لو تغيرت طبيعة تلك العلاقة، ويتحمل كلا الجانبين مسؤولية المساعدة في معالجة انعدام الثقة الحالي.
ويرى مراقبون أن اعتماد السعودية عسكريا على الولايات المتحدة وقدرة الصين المحدودة على نشر قواتها في العالم، يجعل من المستحيل على الصين استبدال الولايات المتحدة على الفور، حتى لو أرادت ذلك.
لكن حتى التغييرات الهامشية يمكن أن تؤثر على المصالح الأمنية للولايات المتحدة وحلفائها كما أن زيادة الخلافات بين الولايات المتحدة والسعودية قد تسرع انهيار العلاقة.