- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
توقعات 2023 في الصين.. مؤشرات إيجابية تخص تايوان وأخرى سلبية بشأن “الحرب الباردة” مع أمريكا
توقعات 2023 في الصين.. مؤشرات إيجابية تخص تايوان وأخرى سلبية بشأن “الحرب الباردة” مع أمريكا
- 25 ديسمبر 2022, 9:58:58 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كان 2022 عاماً ثقيلاً على الصين، من تكلفة سياسة صفر-كوفيد إلى التصعيد في تايوان ثم حرب أشباه الموصلات التي أشعلتها أمريكا، فماذا ينتظر بكين في عام 2023؟
مجلة Foreign Policy الأمريكية نشرت تحليلاً عنوانه "ما المتوقع من الصين في 2023؟"، ألقى الضوء على عدد من المؤشرات المهمة، أبرزها الحرب الباردة مع الولايات المتحدة وتداعياتها على ملفات الاقتصاد وأزمة تايوان.
فبعد أن أدت الاحتجاجات الشعبية الضخمة إلى إلغاء حكومة الرئيس شي جين بينغ لسياسة صفر-كوفيد الخانقة، قفزت أعداد الإصابات والوفيات بالفيروس بشكل لافت، وهو ما أثر على النمو الاقتصادي، وهو تأثير سلبي يعاني منه العالم أجمع بطبيعة الحال.
ما ملامح سياسة صفر-كوفيد في عام 2023؟
سوزان شيرك، التي شغلت منصب مساعد وزير الخارجية في مكتب شؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ بين عامي 1997 و2000، قالت للمجلة الأمريكية: "سأراقب الوضع؛ لمعرفة ما إذا كانت استراتيجية الصين ستصبح دفاعية وأيديولوجية، أم عمليةً وفعالة".
وترى شيرك أن "مشكلة حكم شي جين بينغ تكمن في أنه يعتمد على الدفاعية والأيديولوجية، مما يمثل اختلافاً كبيراً عن زعماء الصين السابقين. ويجب في هذه الحالة أن نراقب الوضع لنرى كيف سيختارون تلقيح المواطنين الأكبر سناً. فهل سيكونون مستعدين لقبول عروض التبرعات باللقاحات الغربية؟ ويُمكننا القول إن قومية شي وكراهيته للأجانب تضران برفاه الشعب الصيني".
أما إذا كانت احتجاجات نوفمبر/تشرين الثاني 2022 قد أدت إلى قيام القيادة الصينية بإعادة تقييم إحساسها بمدى تحمُّل الشعب للمخاطر وتغيير سياسات صفر-كوفيد في نهاية المطاف، فترى زونغيوان زوي ليو، زميلة الاقتصاد السياسي الدولي في مركز Council on Foreign Relations البحثي، أنه لا يمكن استبعاد تأثير الاحتجاجات.
وتستدرك زوي ليو قائلة: "لكن تغيير السياسات يرجع إلى عوامل أوسع نطاقاً في المعادلة… ومنها إدراك القيادة لحجم تكلفة الفرصة البديلة لسياسات صفر-كوفيد. حيث كانت توقعات النمو الاقتصادي الصيني في مطلع العام تساوي نحو 5.5%. وبدأ الناس يدركون الآن أن الاقتصاد الصيني سيحقق نسبة نمو تتراوح بين 3% و3.3% على أقصى تقدير".
وتضيف: "ويعني هذا أن تكلفة الفرصة البديلة لسياسات صفر كوفيد تساوي نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي. وتبلغ قيمة هذه النسبة الضئيلة في الاقتصاد الصيني نحو 680 مليار دولار بحسابات بسيطة، أي أكبر من اقتصاد السويد أو بلجيكا".
وتتابع: "ولا شك أن تكلفة الفرصة البديلة مهولة هنا، والشعب الصيني يشعر بتأثير خسارة النمو الاقتصادي بصورةٍ مباشرة. وانعكست هذه الفكرة على حلقة صنع السياسة بالكامل، مما دفع أعضاء المكتب السياسي في الحزب الشيوعي إلى إدراك مدى ضرورة وإلحاح التركيز على إنعاش الاقتصاد"، بحسب ما قالته زوي ليو لـ"فورين بوليسي".
فيروس كورونا يتفشى على نطاق واسع في الصين – رويترز
كان الرئيس شي جين بينغ قد أعلن عن سياسة "صفر-كوفيد" قبل أكثر من عامين ونصف العام، وعلى الرغم من أن دول العالم قد تعايشت مع جائحة فيروس كورونا منذ أكثر من عام تقريباً، فإن بكين ظلت مُصرة على التمسك بتلك السياسة.
وكانت جائحة فيروس كورونا قد تفشت أواخر عام 2019 في مدينة ووهان الصينية، ثم انتشرت حول العالم منذ الربع الأول من عام 2020، لكن شي أعلن من ووهان، في مارس/آذار من ذلك العام، انتصار بكين على الوباء، قبل يوم واحد من إعلان منظمة الصحة العالمية كورونا كجائحة.
وتسبب كورونا في توتر شديد في علاقات الصين مع الغرب، في ظل الاتهامات الموجهة لبكين بالتستر على الوباء في بدايته، وهو ما فاقم الأزمة الصحية الأسوأ في تاريخ العالم على مدى قرن من الزمان، لتردَّ بكين بعنفٍ رافضةً الاتهامات ومُلقيةً باللوم على الولايات المتحدة. وحتى اليوم لم يتوصل العالم بشكل قاطع إلى أصل الفيروس، وما إذا كان طبيعياً أم تسرب من أحد المعامل البيولوجية سواء في الصين أو في أمريكا.
هل يمكن أن تواجه الصين مزيداً من الاحتجاجات؟
الاحتجاجات الشعبية الضخمة في الصين أمر نادر الحدوث، إذ يوجد ما يوصف بالتعاقد الشفوي بين الحكومة والمواطنين يتمثل في وعود الطرف الأول بتحقيق النمو الاقتصادي السريع والرفاه، في مقابل التزام الطرف الثاني وامتثاله لسياسات وقرارات الحكومة.
لكن سياسة صفر-كوفيد الصارمة مثلت خرقاً لذلك التعاقد؛ مما أدى إلى خروج الناس إلى الشوارع للاحتجاج، فامتثلت الحكومة هذه المرة وألغت قيود كورونا، مما يطرح السؤال: هل ما يزال الجمهور الصيني راضياً عن هذا التعاقد الشفوي بشكل عام؟ وما الذي يمكن توقعه العام المقبل، على صعيد الاحتجاجات أو التشكيك في سلطة الرئيس شي؟
ترى شيرك أنه عند التفكير في عام 2023 لتصوُّر المخاطر المستقبلية على الحزب الشيوعي الصيني وعلى شي نفسه، "أتوقع أن تتعلق تلك المخاطر بالانقسام العلني في القيادة نفسها. حيث تنهار غالبية أنظمة الحزب الواحد من الأعلى لأسفل، وليس العكس. وكشفت استطلاعات الرأي التي أجريناها في مختبر بيانات الصين، التابع لمركز القرن الواحد والعشرين لدراسات الصين، أن شعبية شي ما تزال صامدة لدى الجمهور في المدن الحضرية."
وأضافت: "ونظراً إلى حجم القمع الذي تعرض له المحتجون وطريقة عقاب النشطاء، أتوقع ألا يخرج إلى الشوارع سوى قلة من الشباب أو العمالة المهاجرة، حيث حقق عموم الشعب هدفه الرئيسي بتغيير سياسة صفر كوفيد، ومن الصعب أن نرى مشكلةً أخرى تستطيع إخراجهم إلى الشوارع من جديد. لهذا لا أتوقع أن نشهد احتجاجات إضافية في العام المقبل".
الصينيون يحتجون حاملين الورقة البيضاء| رويترز
واتفق معها في الرأي جيمس بالمر، رئيس قسم موجز الصين الأسبوعي في "فورين بوليسي": "أعتقد أن هناك حالة إحباط طويلة الأمد حيال عودة الصين إلى الوراء على صعيد الحريات الشخصية. وأوافق سوزان في أنه من الصعب للغاية أن يخرج الناس إلى الشوارع في ظل ارتفاع المخاطر لهذه الدرجة، وفي غياب العامل المحفز الواضح. وربما تصبح جائحة كوفيد عاملاً محفزاً في حد ذاته إذا ساءت الأوضاع بشدة، خاصةً أن الحكومة ربطت كثيراً من مصداقيتها بقدرتها على التعامل مع الجائحة بكفاءة".
ماذا عن توقعات النمو الاقتصادي في 2023؟
ترى زوي ليو أنه يجب الانتباه إلى عاملين متغيرين محددين، من شأنهما حسم نتائج الاقتصاد الصيني خلال العام المقبل. إذ سيرتبط العامل الأول باستجابة كوفيد الصينية وإدارة الأزمات أو المخاطر على المدى القريب. بينما سيتمثل العامل الآخر في سياسة التكيف والاستقرار الاقتصادي للصين.
وتضيف: "وأتحدث عن السياسة الصناعية تحديداً هنا، لأنها من المرجح أن تؤثر على القطاعات التي ستحظى بأكبر دعمٍ من الحكومة، ومنها قطاعات التقنية وصناعة الرقاقات والتصنيع".
وتواصل حديثها قائلة: "وإذا أردنا الحديث عن القطاعات التي من المحتمل أن تدفع الانتعاشة الاقتصادية الصينية إلى الأمام، فسأركز على ثلاثة قطاعات محددة هي: البنية التحتية، والخدمات والصناعات المتقدمة، وقطاع الطاقة أو الطاقة المتجددة تحديداً". بحسب زوي ليو.
أما عن تأثير العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين، والتي قيّدت قدرة بكين على الوصول إلى أشباه الموصلات في سلاسل التوريد، فقالت شيرك إن "الولايات المتحدة ستواصل جهودها لبناء جدارٍ بينها وبين الصين بسبب سياساتها المحلية، وذلك بعد عقود من التكامل المثمر للغاية بين الطرفين. ويبدو أن الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب في أوج حماستها. إذ توجد لجنة مختارة جديدة يقودها الجمهوريون داخل مجلس النواب، وأعلنت نيتها تشديد القيود المذكورة نتيجة التهديدات الصينية".
وأضافت: "أعتقد أنها ردود فعل مفرطة على التجاوزات الصينية، كما ستزيد صعوبة الأوضاع بالنسبة للصين. لكن السؤال الأهم يكمُن في الكيفية التي ستتجاوب بها الدول الأخرى مع ما تفعله الولايات المتحدة. وربما تقنع الولايات المتحدة بقية الدول بأن تحذو حذوها إذا اتبعت سياسات أكثر حكمة".
وتسعى واشنطن بشتى الطرق الآن إلى تحقيق هدفها الرئيسي وهو عرقلة الصين، التي تسير في مسار ثابت نحو إزاحة أمريكا عن مركز القيادة العالمي. وكانت إدارة جو بايدن قد استخدمت سلاحاً أكثر حدة يمكنه أن يعيق طموحات الصين التكنولوجية لما يصل إلى عقد من الزمان، ويتمثل الهدف في رقائق أشباه الموصلات، خاصةً الصنف المتطور المستخدم في الحواسيب الفائقة والذكاء الاصطناعي.
بايدن يمسك بواحدة من أشباه الموصلات بين أصابعه/ رويترز
ولا تحظر ضوابط التصدير التي أعلنتها إدارة بايدن مؤخراً، بيع هذه الرقائق إلى الصين فحسب، بل تحظر أيضاً بيع المعدات المتطورة اللازمة لصنعها، وكذلك المعرفة من أي مواطن أمريكي أو مقيم أو حاملي البطاقة الخضراء.
وتدعم رقائق أشباه الموصلات، التي لها عرض بسكويت الرقاقة وحجم الظفر، كل شيء من هواتفنا الذكية إلى أنظمة الأسلحة المتقدمة التي خصّتها الولايات المتحدة بالذكر في ملفها للإعلان عن قيود التصدير.
والأهم من ذلك أنه لا غنى عنها لتقنيات المستقبل؛ مثل الذكاء الاصطناعي والسيارات ذاتية القيادة، إضافة إلى كل صناعة تقريباً من الأدوية إلى الدفاع، وهذه أكثر نقطة تستطيع القيود الأمريكية أن تؤذي من خلالها الصين.
لكن الرد الصيني لن يتأخر كثيراً على ما يبدو، إذ قالت ثلاثة مصادر لـ"رويترز"، الأربعاء 14 ديسمبر/كانون الأول، إن بكين تعمل على إعداد حزمة دعم تزيد قيمتها على تريليون يوان (143 مليار دولار) لصناعة أشباه الموصلات لديها، في خطوة كبيرة نحو تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي من الرقائق ومواجهة التحركات الأمريكية التي تهدف إلى إبطاء تقدمها التكنولوجي.
إلى أين تتجه أزمة تايوان في 2023؟
من الطبيعي أن تكون تايوان في القلب من أي سياسات صينية وأي تحركات أمريكية لعرقلة بكين، فما احتمالات أن تحاول الصين مهاجمة تايوان خلال عام 2023؟ جيمس بالمر يرى أن بكين "ستنشغل انشغالاً كبيراً بمحاولة التكيف مع الأزمات الاقتصادية والجائحة، لدرجة أنهم لن يمتلكوا أي طاقة متبقية للتعامل مع تايوان. لكننا سنراقب مدى قناعتهم بقدرتهم على دفع الحزب المعارض في تايوان إلى الانصياع لرغباتهم".
إذ يكمُن أحد عوامل حفظ السلام في قناعة الصين بأنها تستطيع تحقيق إعادة التوحيد السلمية الآمنة في نهاية المطاف، وذلك باستخدام مزيجٍ من الوسائل القسرية والسياسية معاً لتحقيق صفقة دولةٍ واحدة بنظامين، ثم إعادة تايوان إلى أحضان بر الصين الرئيسي. ومن ناحيةٍ أخرى، من المحتمل أن ينجح حزب الكومينتانغ في العودة إلى السلطة خلال إحدى المراحل كما هي طبيعة الديمقراطية.
وربما يُقيّم الصينيون ما يُمكن للكومينتانغ فعله وإلى أي مدى يرغب الحزب في تأييد الصين حالياً. إذ يُعَدُّ الحزب أكثر تأييداً للصين من الحكومة الحالية، لكنهم لا يرغبون في أن يصبحوا جزءاً من صين واحدة، ولهذا من المحتمل أن تعتمد بكين على اعتقاد أنها تستطيع تحقيق إعادة التوحيد باستخدام المسار السلمي، مما سيؤجل أي شكلٍ من أشكال الصراع في الوقت الحالي، بحسب تحليل "فورين بوليسي".
كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسَها دولةً ذات سيادة، وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن بكين تصرُّ على أنها ستستعيد الجزيرة في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر.
ولا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول؛ إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك، ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
وفي هذا السياق، تنظر الصين إلى النظام الديمقراطي ذاتي الحكم في تايوان على أنه محافظة صينية منفصلة، ولم تستبعد استخدام القوة لتحقيق الوحدة، ووصلت التوترات بين بكين وتايبيه إلى ذروتها مؤخراً، في ظل إرسال الجيش الصيني عدداً قياسياً من الطائرات الحربية بالقرب من الجزيرة.
رئيسة تايوان تساي إينغ وين، حليفة واشنطن /رويترز
وحالياً يتولى الحزب الديمقراطي التقدمي الحكم في تايوان، ورئيسة البلاد تساي إينغ وين، تسعى بكل قوة إلى تكريس انفصال الجزيرة عن الصين والاعتراف بتايوان كدولة مستقلة على المستوى الدولي. أما الحزب الرئيسي المعارض فهو حزب كومينتانغ، وهو حزب يتبنى سياسات تعتبر تايوان جزءاً من الصين يتمتع بحكم ذاتي.
وفي هذا السياق العام، شهدت الجزيرة انتخابات محلية لاختيار رؤساء البلديات والمحليات في تايوان، جاءت نتيجتها بمثابة الصفعة المباشرة على وجه الرئيسة تساي إينغ وين، بعد أن فقد حزبها الحاكم منصب 13 رئيس بلدية ومقاطعة لصالح حزب كومينتانغ في أنحاء الجزيرة، وضمن ذلك العاصمة تايبيه، ولم يحقق الفوز إلا في 5 بلديات ومقاطعات فقط. وكان حزب كومينتانغ قد حقق نتائج مماثلة في الانتخابات المحلية السابقة في 2018.
وعلى الرغم من أنها انتخابات محلية يفترض أنها تتمحور بالأساس حول سياسات محلية بحتة ولا علاقة لها بالسياسة الخارجية للدولة، فإن تساي إينغ وين كانت قد وضعت استراتيجية للحزب الحاكم، تصور تلك الانتخابات على أنها فرصة لرفع راية التحدي الشعبي في وجه ما تصفه بالنوايا العدوانية من بكين تجاه تايبيه.
وفي اعتراف مباشر من الرئيسة بفشل استراتيجيتها، أعلنت إينغ وين، السبت 26 نوفمبر/تشرين الثاني، استقالتها من رئاسة الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم، وقالت للصحفيين بمقر الحزب في أثناء إعلانها استقالتها من منصب رئيسة الحزب: "جاءت النتائج عكس توقعاتنا. نتقبل النتائج بكل تواضع ونقبل قرار الشعب التايواني".