- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
جلال نشوان يكتب: أمريكا والصين ومعركة (كسر العظم )
جلال نشوان يكتب: أمريكا والصين ومعركة (كسر العظم )
- 24 أكتوبر 2021, 7:51:53 ص
- 2672
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يوماً بعد يوم ، يزداد التنافس بين أقوى قوتين اقتصاديتين ،في العالم ، الولايات المتحدة الأمريكية والصين
الولايات المتحدة الأمريكية، أدركت خطورة التمدد الاقتصادي للصين، ومن هذا المنطلق ، انتهجت أمريكا سياسة الأولويات القصوى ، فقامت بتخفيض قواتها في الشرق الأوسط ، وانسحبت بسرعة من أفغانستان ،وسواء خرجت باتفاق الدوحة ، أم انكسارها أمام طالبان ، فإنها وضعت استراتيجية جديدة ، وهى تطويق الصين في آسيا ، وقامت بعمل تحالفات جديدة مع بريطانيا وأستراليا ، لحماية الحوض المائي لحلفائها ( كوريا الجنوبية واليابان والفلبين )
وزير الخارجية أنتوني بلينكن قال في تصريحات : ( إن الصين تشكل التحدي الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية) ، وهذا يدل بما لا يدع مجالاً للشك أن الصين باتت تؤرق صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية
وفي الحقيقة، بدأ واضحاً للعيان إن قيام كتلتين اقتصاديتين تتزعمان العالم ، واحدة في واشنطن والأخرى تقودها بكين أضحى مسألة وقت.
وهنا يداهمنا السؤال :
أين سيكون موقع الاتحاد الأوروبي من ذلك في وقت تبدو فيه فرصه ومقومات صعوده كقطب ثالث أفضل من أي وقت مضى؟
في الحقيقة ، أصبحت العلاقة بين أوروبا والصين محل خلاف بين قادة الاتحاد الأوروبي.
فأوروبا حائرة بين السياسة والاقتصاد، إذ يحب الاقتصاديون الأوروبيون إبرام صفقات مع الصين ولا يريدون أن يقطعوا هذه المساعي، أما السياسيون فمتردِّدون، خاصة بعدما تبنَّت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نهج ترامب المتشدد ضد بكين.. كما أن هناك دولاً لا تريد تصعيد التوتر مع بكين وأخرى تريد تنصيبها خصماً للاتحاد الأوروبي،
وسيحاول القادة الأوروبيون بذل جهدهم لتجنب الحديث عن الصين علناً عندما يجتمعون ، حيث تطفو الخلافات الحادة حول طريقة التعامل مع بكين
إذ يخطط فيه قادة الاتحاد الأوروبي مناقشة التحديات الشائكة، المتمثلة في العديد من القضايا الملحة ، التي تهم الأوروبيون
ويبدو أن الخبراء ، قرعوا ناقوس الخطر وبقوة تخوفا من المد الاقتصادي الصيني الذي ينذر بفقدان الهيمنة الاقتصادية الأمريكية والغربية على العالم بحلول السنوات القادمة ومن جملة ما تفيد تلك المعطيات أن نهاية الهيمنة الأمريكية و العولمة التي عرفناها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي قبل ثلاثة عقود أضحت على الأبواب.
ومنذ تولي الرئيس بايدن وهو يسارع الخطى ، بالتنسيق مع الحلفاء ، والتكتلات لإيقاف العملاق الصيني ، وقد بدأ واضحا ً للعيان إن إدارة إلرئبس بايدن الديمقراطية ستعتمد نهجاً أكثر صرامة" من النهج الذي اتبعه الرئيس السابق دونالد ترامب. وما يعنيه ذلك المزيد من العقوبات الاقت والحروب التجارية والخلافات والاستقطاب على الساحة العالمية.
وفي الحقيقة ، تحاول الصين جاهدة امتصاص صدمة الحروب التجارية والعقوبات والاستمرار بالنهوض من خلال تعزيز الطلب الداخلي في سوقها الضخمة. ولهذا الغرض وقعت مؤخراً أكبر اتفاق للتجارة الحرة في العالم مع دول شرق آسيا والمحيط الهادي ومن ضمنها اليابان وكوريا الجنوبية. كما أنها ماضية في تعزيز علاقاتها مع روسيا وعشرات الدول الأخرى من خلال مشروعها العالمي طريق الحرير الجديد.
أما الولايات المتحدة التي انسحبت من اتفاقيات تجارية عديدة إبان حكم الرئيس ترامب فتحاول إعادة هيكلة اقتصادها وإحياء صناعاتها والحفاظ عليها من خلال المزيد من الإجراءات . كما أنها تعمل لتوقيع اتفاقيات جديدة للتجارة تكون إكثر عدلاً حسب تصنيف الإدارة الأمريكية السابقة، كتلك التي وقعها ترامب مع كندا والمكسيك
ونظراً إلى تمتع الولايات المتحدة بسوق كبيرة وقدرة شرائية عالية، فإن حفاظها على موقع في صدارة الزعامة العالمية غير مشكوك فيه، ما يدعم تفوقها، لاسيما وأنها ما تزال متفوقة في عوالم الإنترنت من خلال غوغل وفيسبوك ويوتيوب ...
وفي الوقت الذي تحاول فيه الصين اللحاق بها بسرعة، يبقى السؤال هنا ماذا بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي؟
دول الاتحاد وخاصة ألمانيا تنعم بمكاسب العولمة التي جلبت لدولة وخاصة لألمانيا المزيد من الازدهار منذ ثلاثة عقود.
ويعكس ذلك إلى حد كبير علاقات تجارية مزدهرة مع الولايات المتحدة والصين. غير أن التحولات التي تنبئ بنهاية هذه العولمة وتقسيم مناطق النفوذ بين الولايات المتحدة والصين يحتم على أوروبا الاختيار بين أحد القطبين. ويبدو إن السيناريو الأخير الأقل تكلفة لأوروبا
وبالمقابل فإن الانحياز إلى تكتل صيني محتمل سيعني تقليص هذه الصادرات بنحو 18 بالمائة. أما الانضمام إلى تكتل أمريكي على حساب العلاقات مع الصين فيبدو الأعلى تكلفة إذ سيعني تراجعاً بنسبة 22 بالمائة للصادرات
غير أن سيناريو صعود الاتحاد الأوربي كقطب ثالث ليس الأقل تكلفة وحسب، بل أمر تفتضيه الوقائع والمصالح الأوروبية. فالانحياز إلى إلى تكتل صيني غير وارد بسبب الخلاقات والتناقضات العميقة بين النظام السياسي الصيني القائم على دكتاتورية الحزب الواحد والنظم الديمقراطية الأوروبية. أما الانحياز إلى كتلة تهيمن عليها الولايات المتحدة على حساب العلاقات مع الصين فليس بالأمر السهل رغم القيم المشتركة والنظم السياسية المتشابهة. ومن أسباب ذلك المصالح الاقتصادية التي تزداد تناقضاً بين ضفتي الأطلسي والتي تدفع واشنطن إلى تشديد سلاح العقوبات ضد الشركات الأوروبية.
ويبدو خيار القطب الثالث هو الأفضل، لاسيما وأنه يضمن لدول الاتحاد الحفاظ على الازدهار والاستقرار ة، خصوصاً إذا ما عرفنا أن هذا الازهار يعتمد على تصدير وفوائضه. ومن أبرز الدول التي تعتمد على الصادرات في ازدهارها ألمانيا وهولندا والدانمرك وإيطاليا. ففي ألمانيا كانت تزيد فوائض التصدير السنوية قبل جائحة كورونا على 200 مليار يورو سنوياً. كما أن هذا الخيار يقود إلى توازنات أفضل في العلاقات الدولية وخاصة على صعيد التعامل المستقبلي مع روسيا ودول العالم الثالث. السؤال هنا ما مدى استعداد الاتحاد الأوروبي لسلوك هذا الطريق؟
القضية ياسادة :
صعود أوروبا كقطب عالمي ثالث إلى جانب الصين والولايات المتحدة فرصة لتوازن أفضل في العلاقات الدولية
لقد ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية محاولات أوروبية تقودها فرنسا من أجل مزيد من الاستقلالية للاتحاد. ويدل على ذلك الجهود المبذولة لتعزيز دور( اليورو كعملة عالمية ) إلى جانب الدولار الأمريكي وإنشاء قوة عسكرية أوروبية مشتركة للدفاع عن مصالح أوروبا. غير أن هذه الجهود ما تزال خجولة وتسير ببطء رغم زيادة التأييد الألماني المتزايد لها مؤخراً.
إن المشكلة الأساسية هنا في غياب إرادة سياسية أوروبية موحدة تدفع هذه الجهود بشكل سريع وملموس وجوهري إلى الأمام. لكن تجاوز هذه العقبات ليس من الأمور المستحيلة، لاسيما وأن المصالح الاقتصادية الأوروبية ستكون مضمونة أكثر في ظل صعود قطب ثالث بين القطبين الصيني والأمريكي. هذا ومن المؤكد أن نشوء ثلاثة أقطاب أفضل لبقية دول العالم وفي مقدمتها البلدان العربية والنامية من نظام القطبين.
إن إعادة تقسيم العالم اقتصادياً بين كتلتين واحدة بزعامة الولايات المتحدة والأخرى تحت زعامة الصين. أضحى حقيقة لا يمكن إغفالها ، حتى أن العالم بدأ يتفاعل مع هذه الحقيقة الماثلة للعيان
ومن المؤشرات على ذلك استفراد الاقتصاد الصيني بالاستمرار في تحقيق النمو بنسبة زادت على 2 بالمائة في عام 2020 على غير المتوقع رغم جائحة الكورونا.
أن المتأمل للمشهد يلحظ أن الصراع الصيني الأمريكي في المحيط الهادئ يسير بوتيرة متسارعة وينذر بصراع كبير ، وربما يزداد التوتر إلى منزلق لا يحمد عقباه ، حيث زادت وتيرة التجارب الصاروخية والإعلان عن صفقات شراء أسلحة مما يجعل التوتر في منطقة المحيط الهادئ يتصاعد وربما يتحول الى صراع بين القوى العظمى في هذه المنطقة من العالم. ولعل إعلان أستراليا عن شراء عدد من الغواصات الأمريكية العاملة بالطاقة النووية وكذلك صواريخ كروز وتوما هوك وتشكيل حلف دفاعي مع واشنطن ولندن ليفاقم حسب الخبراء من الوضع ويدفع باتجاه سباق تسلح إقليمي وذلك بذريعة الردع والردع المضاد في لعبة تجاذب القوى بين الصين وحلفائها والولايات المتحدة
لقد أعرب الرئيس بايدن عن انزعاجه من تنامي القوة الجوية الصينية ، وهذا دليل على أن الصين تضع في اعتبارها بأن الأمور تتجه نحو التصادم ، خاصة وأن الطرفين تبادلا الاتهامات منذ بدء جائحة كورونا ، حيث اتهم ترامب الصين إن الجائحة صنعت في معامل صينية
عهد التفرد بالعالم كقوة وحيدة ، ولى وبلا رجعة والأيام تحمل في طياتها الكثير
الكاتب الصحفى جلال نشوان