- ℃ 11 تركيا
- 23 نوفمبر 2024
جورج فريدمان: هكذا ستنتهي حرب أوكرانيا
جورج فريدمان: هكذا ستنتهي حرب أوكرانيا
- 10 أبريل 2022, 12:00:17 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عندما نفكر في كيفية انتهاء الحرب في أوكرانيا، يجب أن نفهم أولاً كيف بدأت. لقد بدأت روسيا الغزو لأسباب جيوستراتيجية منها تحويل أوكرانيا إلى دولة عازلة تحمي موسكو من الغزو من الغرب، ولأسباب اقتصادية غالبًا ما يتم التغاضي عنها.
ولم يكن الانتقال من الاتحاد السوفيتي إلى الاتحاد الروسي مربحًا بالمرة، وربما تكون هذه العملية زادت من إجمالي الثروة لكن روسيا تظل دولة فقيرة، ويصنف ناتجها المحلي الإجمالي خلف كوريا الجنوبية مباشرة، وهو وضع له تقديره لكنه ليس الوضع الذي يجب أن تكون عليه قوة عظمى. ومن حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، تحتل روسيا المرتبة 85 بين بلغاريا وماليزيا.
ونادرًا ما تروي الإحصائيات الاقتصادية القصة كاملة، لكنها في حالة روسيا تقدمها بدقة إلى حد ما، دولة أفقر مما تبدو، يظهر على سطحها طبقة عليا من النخبة فائقة الثراء. وتعد الحياة في المدن الكبرى مثل سان بطرسبرج وموسكو فاخرة للأثرياء ويمكن تحملها بالنسبة للآخرين. أما الحياة في الريف شيء مختلف تماما.
ولا يمكن لوم الأنظمة وحدها على الفقر في روسيا. إن حجم الأمة، والصعوبات في مجالات مثل النقل المرتبطة بحجمها، يجعل حكم روسيا أمرًا صعبًا. ومنذ زمن القياصرة، كانت الدولة هي التي حافظت على تماسك روسيا وليس الازدهار الاقتصادي المشترك. وغالبًا ما يتم تحقيق ذلك من خلال الأجهزة الأمنية، المكلفة بالحفاظ على سلطة الدولة، وليس ببناء الاقتصاد.
ولا عجب أن الدولة التي تفاخرت بـOkhrana (أوخرانا أو أوخرانكا؛ الشرطة السرية السياسية للإمبراطورية الروسية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين) أنتجت أيضًا رئيسًا تعلم منذ نعومة أظفاره في الاستخبارات السوفيتية "كيه جي بي"، وسواءً كان صوابًا أو خطأً، يتطلب حجم روسيا وضعفها يدا قوية.
وقد أثار هذا توقعًا بأن الدولة ستكون قوية حتى لو كان الناس فقراء، وكان هناك فخر لدى القياصرة و"ستالين" بما يسمى بـ"الرجل الفولاذي"، إذ لكي يحكم شخص روسيا، عليه أن يظهر قوته لحماية البلاد من غزاة الخارج ومن الفوضى المفقرة من الداخل.
على مر السنين، قام الرئيس "فلاديمير بوتين" بإيماءات مختلفة لتحسين وضع روسيا عن السابق، لكنه تعلم في "الكي جي بي" أنه بدون يد قوية لا يمكن حكم روسيا. وكان يعلم أن هناك نوعين من القوة: النوع الذي يجعل البلدان الأخرى ترتعد، والنوع الذي يبقي "الأعداء" المحليين تحت السيطرة.
ومن بيلاروسيا إلى كازاخستان، حاول "بوتين" بالطريقة الوحيدة التي يراها مناسبة، إعادة بناء روسيا لبنة تلو الأخرى، وأوكرانيا هي أكبر لبنة، ويعتقد "بوتين" أنه كان عليه أن يأخذها. لكن المشكلة تكمن في الجيش غير الفعال مثل روسيا نفسها.
ويبدو الجيش الروسي اليوم غير منظم وعديم الخيال وغير ملهم. ببساطة، لم يكن نشر القوة وإعداد اللوجيستيات وقيادة ساحات القتال على جميع المستويات موجودًا. ويبدو الجيش الروسي غارقا في البيروقراطية وخائفا من القيصر أكثر من خوفه من الخسارة أمام العدو، وقد طالبَ "بوتين" بهزيمة سريعة للعدو، لكن لكي تحكم بالقوة، يجب أن ترى بوضوح وتضرب بحزم في مركز الثقل.
ولم يكن لأوكرانيا مركز ثقل، فقط قوة مشاة خفيفة ومتفرقة ما يعني عدم وجود نقطة واحدة محددة لتدميرها. وبالرغم أن ما يجري قد يبدو وكأنه حرب عصابات، إلا أن الأمر ليس كذلك، وقد فاجأت أوكرانيا عدوها بالمرونة وعدم القدرة على التنبؤ، ويمكن للمهاجم الرد بشن هجمات وحشية على السكان، لكن ذلك يترك الأوكرانيين بلا خيار سوى القتال.
وتكمن المشكلة الحالية في أن "بوتين" لا يمكنه التوقف ولا يمكنه التوصل إلى اتفاق مناسب مع أوكرانيا. وكل صفقة -ما عدا استسلام العدو- ستكشف عن دولة ضعيفة وحاكم ضعيف. ويعد البديل الوحيد هي العمل غير الفعال.
ويمكن أن تكون هناك صيغ مختلفة لوقف إطلاق النار، لكن إذا حدث ذلك، سيكون "بوتين" قد انتهى. إن عدم قدرته على هزيمة الأوكرانيين وازدراء الآخرين له يدمر أسطورة قوته. لكن استمرار الحرب إلى ما لا نهاية يكشف نفس الشيء. ومع استمرار الحرب، فإن مهمة "بوتين" الأساسية هي التظاهر بأن ما يجري ليس هزيمة لأن أي شيء أقل من النصر هو هزيمة.
والسؤال المهم هنا هو ما إذا كانت روسيا لديها احتياطيات استراتيجية أم لا؟ ويتواجد الجيش في الميدان منذ أكثر من شهر، في طقس لا يزال باردًا، ومشاكل في الخط اللوجستي. ويقاتل الروس قوات مشاة خفيفة مرنة على دراية بالتضاريس. ولا يمكن أن يستمر هذا الوضع إلى أجل غير مسمى. وعلى روسيا أن تعيد تمركز قواتها، ومن الناحية الاستراتيجية، يجب أن ترسل مزيدًا من القوات، ولكن بدلًا من ذلك، فإنها تنفذ انسحابًا دمويًّا، فأنت لا تقاتل من أجل الأرض نفسها مرتين إلا إذا اضطررت لذلك.
ويعني ذلك أن خطة "بوتين" الحربية تحطمت، حيث كانت المقاومة فعالة بينما تحتاج قواته إلى مساعدة لا يستطيع توفيرها. وسوف يحاول "بوتين" التمويه لصرف الانتباه من خلال التحرك في اتجاهاتٍ أخرى ربما في دول البلطيق أو مولدوفا لكنه يفتقر إلى القوة للقتال على جبهة أخرى، ولا يمكنه تحمل هذه الحرب بسهولة، خاصة في مواجهة جنود "الناتو" الذين ظلوا حتى الآن بعيدين عن المعركة.
ومع ذلك، لا يمكنني التنبؤ بما سيفعله القائد في النهاية. لكن في الوقت الحالي، من الواضح أن "بوتين" سيتشبث بالسلطة ويلوم كل من حوله. لكن مع كل يوم جديد من الحرب، يضعف "بوتين".
ويتزايد يأس "بوتين" بمرور الوقت، ما دفعه للتلويح بالأسلحة النووية، وهي علامة على اليأس المطلق. لكنه يعلم أنه وأي شخص قد يحبه سيموت إذا اندلعت حرب نووية؛ كما يعلم أن الأمر بإطلاق الأسلحة النووية يجب أن يمر عبر عدة أفراد، وكل هؤلاء الأفراد يعلمون أن الضربة المضادة ستقتل أحباءهم، وهنا يكمن ضعف الحرب النووية، ويثق "بوتين" في دائرة ضيقة من الناس، ولا يعرف إلى أي مدى يمكن أن يثق في أي شخص في هذا الموقف ولا ما قد يفعله الأمريكيون إذا رأوا استعدادًا لإطلاق نووي روسي.
ويدرك "بوتين" أنه إذا تخلى عن منصبه فسيكون معرضا للخطر، لذلك يرى أنه يجب مواصلة القتال، ويعني ذلك أن الحرب لن تنتهي حتى يتم إخراج "بوتين" من اللعبة.
ومن الواضح أنني أتحرك هنا بعيدًا عن التحليل الجيوسياسي إلى السياسي، ويحاول الأول تجاهل تأثير الأشخاص بينما يركز الأخير عليه. ويجعل ذلك توقعاتي غير دقيقة. ولكن بالنظر إلى الوضع على الأرض، وبالنظر إلى الديناميكيات الداخلية الروسية، يبدو أن جميع القوى المؤثرة على "بوتين" تملي اتجاهًا معينًا. ستنتهي الحرب بالطبع يوما ما، لكن بعد أن تخلق ضغوطا فريدة على النظام السياسي الروسي، وبسبب طبيعة النظام، فإن هذا الضغط سيتركز على "بوتين".
هذه ليست النتيجة الوحيدة. قد تنهار أوكرانيا. وقد تنهار روسيا. وقد يضع الجيش الروسي استراتيجية لكسب الحرب. وقد يتم التوصل إلى تسوية ما. كل هذا ممكن لكني لا أرى مؤشرات حقيقية على أي من هذه الاتجاهات. وما أراهن عليه هو النهاية السياسية عندما يكون الروس في موقف شديد الحرج. لم أكن أفكر في ذلك في اليوم الأول من الحرب، لكنني أعتقد أن هذا هو شكل اليوم الأخير على الأرجح.
المصدر | جورج فريدمان - جيبوليتكال فيوتشرز