- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
جيوبوليتكال: هذه جذور الأزمة السياسية في لبنان
جيوبوليتكال: هذه جذور الأزمة السياسية في لبنان
- 10 سبتمبر 2022, 12:54:23 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعتبر اللامبالاة السياسية مشكلة عالمية، لكن أسبابها وشدتها تختلف من بلد إلى آخر، وغالبا ما يكون سبب اللامبالاة في الديمقراطيات هو عدم الاهتمام بالشؤون العامة أو الجمود السياسي أو عدم الثقة في السياسيين أو الاعتقاد بأن التصويت هو مضيعة للوقت. أما في الدكتاتوريات، فإن اللامبالاة السياسية تكون غالبا نتيجة الخوف من قمع السلطة.
وفي لبنان، أدى الركود السياسي إلى فجوة واسعة بين الشعب والحكومة. لقد أنشأ الفرنسيون لبنان المعاصر في عام 1920 من طوائف دينية لا تجمعها مصالح المشتركة ولا تمتلك تجارب تاريخية مماثلة.
ومع استقلال البلاد في عام 1943، وجدت هذه الطوائف نفسها مضطرة للتعامل مع بعضها البعض وسط مخاوف متبادلة وخبرة محدودة في التواصل السياسي.
وأدت الانقسامات الأيديولوجية المحلية وكذلك نفوذ القوى الإقليمية والدولية إلى تقويض السيادة اللبنانية. وقللت القيود السياسية من دور الحكومة إلى مجرد تقاسم غنائم النظام السياسي بين القادة الطائفيين وفقا لصيغة معقدة.
وفشل القادة السياسيون الذين وقعوا تحت تأثير القوى الأجنبية في تعزيز المجتمع المدني، وتصرفوا بشكل طائفي، وأدت هذه الممارسات إلى جمود النخب، مما أدى إلى ظهور نظام سياسي غير فعال.
وبالرغم أن المجتمع اللبناني أظهر روحًا ريادية وأنشأ قطاعًا خاصًا نشطًا، إلا أنه فشل في خلق أفراد أكفاء سياسيًا، مما جعل الناس عرضة لأهواء السياسيين الطائفيين الذين يخدمون أنفسهم.
التدخل الأجنبي
لعدة قرون، اعتقد الكثير من اللبنانيين أن رفاههم مرتبط بالتدخلات الخارجية لأنهم كانوا يفتقرون إلى الثقة في حكامهم. ولم يكن لبنان كيانا سياسيا له حدود إقليمية محددة قبل عام 1920. ويعود التدخل الفرنسي في المنطقة إلى عام 1249 عندما قام الملك "لويس التاسع" بمكافأة الموارنة الذين ساهموا في حملته الصليبية السابعة.
وفي عام 1649، أعاد "لويس الرابع عشر" التأكيد على الرعاية الفرنسية للموارنة العثمانيين. وخلال الحرب الأهلية في جبل لبنان عام 1860، انحاز البريطانيون إلى الدروز، لكنهم فشلوا في إظهار نفس مستوى التزام الفرنسيين تجاه الموارنة، الذين اعتبرهم الفرنسيون قريبين منهم دينياً وثقافياً.
وكان سبب التدخل البريطاني ليس البعد الطائفي، لكن التنافس مع فرنسا على النفوذ. ويعني ذلك أن دور بريطنيا لم يكن مدفوعا بالتقارب الطائفي أو الرغبة في نشر القيم الثقافية، ومع ذلك أعجب الدروز ببريطانيا وقالوا إنه "بعد الله لم يكن لديهم حامي آخر سوى الحكومة البريطانية".
ولم يطلب السنة الحماية الأجنبية لأن الإمبراطورية العثمانية عاملتهم معاملة حسنة. وبعد حصول لبنان على الاستقلال في عام 1943، بدأ السنة يرون حقوقهم مهضومة بسبب التفوق الماروني. ومع ذلك، وجدوا العزاء في العيش في منطقة يغلب عليها السنة.
وفي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، تطلع السنة إلى مصر للحصول على الدعم، وفي السبعينيات رحبوا بالوجود المسلح لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. وبعد طرد المنظمة من البلاد عام 1982، لجأ السنة إلى السعودية للحصول على الدعم السياسي والمالي.
وعلى عكس الطوائف المهمة الأخرى المرتبطة بالرعاة الأجانب، كان الشيعة على هامش السياسة وفي أسفل السلم الاجتماعي والاقتصادي في لبنان. لكن بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 أصبح لبنان مركزًا للطموحات الإقليمية الإيرانية خاصة بعد أن أمر "الخميني" بتأسيس "حزب الله" في عام 1985.
وسعى "حزب الله" إلي تقويض السياسات التي تتعارض مع الجهود الإيرانية لإظهار القوة في المنطقة. وأدى نفوذ إيران على الحكومة في بيروت إلى شل الحياة السياسية اللبنانية، وتحويل البلاد إلى عدو لدول الخليج - الداعمين التقليديين للبنان الذي يعاني من ضائقة مالية - مما أثار استياء الطوائف غير الشيعية.
مجتمع مدني ضعيف
هناك العديد من التكتلات غير الحكومية في لبنان، لكنها صغيرة وغير فعالة وتفتقر إلى العلاقات مع البرلمان والحكومة. وتخضع التكتلات الأكثر أهمية مثل نقابة الأطباء ونقابة المحامين ونقابة المهندسين واتحاد العمال لسيطرة الأحزاب السياسية.
ومن الصعب جدا التواصل مع معظم أعضاء البرلمان، ولا يؤدي سوى عدد قليل من البلديات المسؤليات المنوطة بها.
وتوفر شركة كهرباء لبنان للمشتركين الكهرباء لمدة ساعة واحدة فقط في اليوم، مما يجبر الأسر على الاشتراك مع مقدمي الخدمات من القطاع الخاص بأسعار باهظة. كما أجبرت ندرة المياه الناس على الاعتماد على مقدمي الخدمة المحليين. أما القمامة فإنها تتناثر في الشوارع، كما إن أدوية العديد من الأمراض المزمنة غير متوفرة.
وفشلت احتجاجات عام 2019 في إحداث التغيير، لأن قادة المجتمع المدني لم يتمكنوا من تشكيل كتلة معارضة واسعة، وقمعتهم حركة "أمل" الشيعية وحزب الله، بينما قيد الجيش نشاطهم. وبحلول منتصف عام 2020، تلاشى الحراك عندما أدرك المتظاهرون أن الدولة الطائفية العميقة، المدعومة من الجيش وقوات الأمن، لا يمكن اختراقها.
وبالرغم من حقيقة أن أكثر من 90% من السكان يعيشون في فقر وبالكاد يكسبون قوتهم ويعتمدون على التحويلات المالية من أفراد الأسرة العاملين في الخارج، لن يحاسب اللبنانيون الحكومة على تدهور مستوى الحياة في البلاد
نظام سياسي غير فعال
لم يحصل لبنان على استقلاله عن فرنسا بفضل قيادة حركة التحرير الوطني ولكن بسبب الضغط الذي مورس على فرنسا من قبل البريطانيين. ومنذ الاستقلال، سيطر السياسيون الطائفيون الذين يخدمون أنفسهم على السياسة اللبنانية، ولم يولوا اهتمامًا كبيرًا بالمطالب العامة.
وغادرت القيادة الأرستقراطية والتجارية البلاد خلال الحرب الأهلية 1975-1989 وحل محلها أمراء الحرب من خلفيات اجتماعية واقتصادية متواضعة. واستفادت النخبة الجديدة من عدم وجود ضوابط مالية وتدابير مساءلة، وراكمت هذه النخبة ثروة شخصية كبيرة ولم تقدم سوى القليل جدًا لجمهورها.
وأصبح عمل الحكومة مرهوناً باستعداد القادة الطائفيين لإنفاق الموارد المخصصة لهم بناءً على حجم كل طائفة والأهمية السياسية لقادتها. وتلاشت خطوط الاتصال بين الشعب والنظام السياسي، مما ترك مجالاً ضئيلاً لمشاركة الجمهور وتمثيله في السياسة اللبنانية.
لم يفشل هذا النظام في تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب فحسب، بل أدى أيضًا إلى انهيار الاقتصاد اللبناني والقطاع المصرفي وإفقار الشعب بالجملة.
ودفعت قرون من القمع من قبل القادة الإقطاعيين ونظام الضرائب المرهق والاقتصاد المتخلف ملايين اللبنانيين إلى الهجرة إلى الأمريكتين وأستراليا وغرب إفريقيا.
ومنذ الخمسينيات من القرن الماضي، هاجر الكثير من اللبنانيين إلى دول الخليج الغنية بالنفط بحثًا عن حياة أفضل. والآن يعيش في الخارج 5 أضعاف اللبنانيين الذين يعيشون في الداخل.
أما المفارقة في السياسة اللبنانية هي أن معظم الناس يظلون موالين لقادتهم الطائفيين رغم أنهم لا يثقون بهم. وبينما ينتقدونهم على انفراد، فإنهم يعاملونهم باحترام في الأماكن العامة، ويعتبرونهم خط دفاعهم ضد الطوائف الأخرى.
يعد غياب التجديد في النخبة أحد أكبر العوائق أمام الإصلاح السياسي. فزعيم حركة أمل "نبيه بري" البالغ من العمر 84 عامًا هو رئيس مجلس النواب منذ عام 1992.
وقد أصبح قائد الجيش السابق "ميشال عون" رئيسًا منذ عام 2016. وجعل ذلك من الصعب للغاية على المرشحين المستقلين التنافس في الانتخابات العامة.
وعندما يفوز المستقلون بمقاعد في البرلمان، تعزلهم الكتل المهيمنة وتجعلهم غير مهمين سياسياً. وتنتشر المحسوبية في التعيينات السياسية والإدارية. ولا يدين أصحاب المناصب العامة بالولاء للشعب بل للسياسيين الذين عينوهم في هذا المنصب.
وحتى لو انضم أعضاء جدد إلى البرلمان أو مجلس الوزراء، فإنهم يظلون موالين لزعيم الحزب الذي دعم ترشيحهم. ومن الصعب على مرشح مستقل الفوز بمقعد برلماني دون الانضمام إلى قائمة انتخابية.
ورغم أن لبنان هو البلد العربي الوحيد تقريبا الذي يمنح شعبه حرية التعبير، إلا أن نظامه السياسي مغلق ولا يشجع على مشاركة سياسية واسعة حيث تخصص الموارد للطوائف وفق صيغة متفق عليها تمنع الصراع بين الطوائف عن طريق تحويل الخصومات إلى داخل الطوائف نفسها.
وفي المقابل، فإن لبنان هو البلد الوحيد في العصر الحديث الذي يتبنى نظام حكم طائفي، وقد أعطى زعماء الطوائف حصانة من الملاحقة القضائية، مما مكّنهم من التعامل مع ناخبيهم بتجاهل وحتى حرمانهم من حق التشكيك في النخبة الحاكمة.