- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
جيوبوليتكال: هكذا كشفت الانتخابات عمق الأزمة السياسية في لبنان
جيوبوليتكال: هكذا كشفت الانتخابات عمق الأزمة السياسية في لبنان
- 21 مايو 2022, 5:14:26 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
توجه الناخبون اللبنانيون منتصف هذا الشهر إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس النواب الـ16 منذ الاستقلال عام 1943، وتنافس أكثر من 700 مرشح على 103 قوائم انتخابية لاختيار 128 نائبا.
وتوقع محللون ودبلوماسيون أن يضع البرلمان الجديد البلاد على طريق الانتعاش الاقتصادي وإصلاح العلاقات مع دول الخليج لكن يبدو أن الانتخابات لن تسفر عن انفراجة سياسية.
وفاز جميع المرشحين الـ27 من "حزب الله" وحليفه "حركة أمل". بينما فاز المرشحون المحسوبون على حركات المجتمع المدني بـ12 مقعدا فقط. وفقد "التيار الوطني الحر" مكانته كأكبر كتلة في البرلمان وتغلب عليه منافسه "حزب القوات اللبنانية" بمقعدين.
وبالنظر إلى أن النخبة السياسية في لبنان دمرت الاقتصاد وسرقت مدخرات الناس، كان المرء يتوقع حدوث تغيير ثوري في تكوين البرلمان. لكن الانتخابات أدت إلى تفاقم المأزق السياسي.
إعادة تشكيل سياسة ما بعد الحرب
ولطالما انتشرت الفئوية والجمود السياسي في السياسة اللبنانية. وبالرغم أن الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1989 أنهت هيمنة السياسيين الطائفيين التقليديين على برلمان البلاد، فقد شهدت أول انتخابات بعد الحرب عام 1992 ظهور مجموعة جديدة من النواب الطائفيين المسلمين في الأساس وسط مقاطعة مسيحية واسعة النطاق بسبب الاحتلال العسكري من قبل سوريا.
وهمش "حزب القوات اللبنانية" المسيحي الماروني "حزب الكتائب اللبنانية" لكنه اشتبك في الثمانينات والتسعينات مع الجيش الذي كان يقوده "ميشال عون". وعلى عكس "عون" الذي اعتنق العلمانية، قدم زعيم القوات اللبنانية "سمير جعجع" نفسه على أنه المدافع عن المسيحيين اللبنانيين.
وحظرت الحكومة القوات اللبنانية وسجنت "جعجع" عام 1994. ولكن في عام 2005 أصدرت عفوا عن "جعجع" وسمحت لـ"عون" بالعودة من منفاه الذي دام 14 عاما في فرنسا. ثم أسس "عون" "التيار الوطني الحر" الذي نما ليصبح الكتلة البرلمانية المسيحية الأبرز في انتخابات 2018 بينما حصل حزب القوات اللبنانية على 15 عضوا فقط في البرلمان.
وخاض "حزب الله" الموالي لإيران الانتخابات البرلمانية عام 1992 بتنسيق مع خصمه الشيعي الموالي لسوريا "حركة أمل". وأصبح التقارب ممكنا بعد أن انتصر "حزب الله" في صراع 1988-1990 ضد "حركة أمل". وتغلبت الجماعتان على انقساماتهما عندما استؤنفت الانتخابات بعد توقف دام 20 عاما بسبب الحرب الأهلية. وشكل الاثنان قوائم انتخابية مشتركة وفرضا إرادتهما على الشيعة وقمعا من عارضهما.
وعاد "رفيق الحريري" من السعودية عام 1992 ليصبح رئيسا للوزراء، وشكل حزب "تيار المستقبل" وترقى ليصبح أكبر سياسي سني في لبنان. وتجاوزت طموحات "الحريري" لبنان، ما أثار قلق "حزب الله" وحكومة "بشار الأسد" في سوريا، ما أدى إلى اغتيال "الحريري" عام 2005.
ومع انتخابات عام 2009، اتخذ البرلمان شكله الحالي حيث وسعت أكبر مجموعتين مسيحيتين، "التيار الوطني الحر" و "القوات اللبنانية"، كتلهما البرلمانية وشاركا بنشاط في الصراع داخل البرلمان.
ومع ذلك، ظل معظم الدروز موالين لـ"وليد جنبلاط" الذي قاد "الحزب التقدمي الاشتراكي". وتأسس الحزب عام 1949 على يد والده "كمال جنبلاط" الذي كان يرغب في الهيمنة على السياسة اللبنانية رغم معارضة الرئيس السوري "حافظ الأسد" الذي أمر باغتياله عام 1977.
وورث "سعد" نجل "الحريري" النفوذ السياسي لوالده. وفي انتخابات عام 2009، فازت كتلته النيابية بـ36 مقعدا ما جعلها متقدمة جدا على كتلة "عون" التي حصلت على 27 مقعدا. واستوعب "الحريري" الذي كان يفتقر إلى الخبرة السياسية "حزب الله" و"عون" (حليفان استراتيجيان منذ عام 2006) لتولي رئاسة الوزراء، ما أثار غضب السعودية واللبنانيين السنة.
وفي عام 2018، خسر "تيار المستقبل" بزعامة "الحريري" 17 مقعدا، بينما حصل حزب "عون" بقيادة صهره "جبران باسيل" على 29 مقعدا، ما جعله الكتلة البرلمانية الأكثر أهمية.
انتخابات غير مؤثرة
وفي الآونة الأخيرة، واجهت البلاد انهيارا اقتصاديا مدمرا أدى إلى إفقار اللبنانيين وفقدت العملة الوطنية أكثر من 95% من قيمتها. وبعد أكثر من عامين ونصف من الانهيار، أظهر الفرعان التنفيذي والتشريعي للحكومة القليل من الاهتمام بمعالجة المشكلة، وبدلا من ذلك تبنوا تدابير لتجنب اللوم عن الأزمة.
ولا يعد البرلمان اللبناني هيئة تشريعية بالمعنى الديمقراطي الليبرالي، لأنه لا يشرف على السلطة التنفيذية، كما أن تركيبته الطائفية تعكس تشكيل مجلس الوزراء الذي يضع السياسة العامة بينما ينحصر دور البرلمان في التوقيع عليها. وبالتالي، فإن الحملات الانتخابية في لبنان لا تتعلق بتقديم برامج واضحة وقابلة للتحقيق.
وفي انتخابات 2022، وعد مرشحو المعارضة بنزع سلاح "حزب الله" وإنهاء الهيمنة الإيرانية على السياسة اللبنانية. وناشدوا الناخبين التصويت ضد المرشحين الذين يمثلون القوى السياسية التي دمرت الاقتصاد وأفقرت الشعب وتلاعبت بالتحقيق في تفجير 2020 الذي دمر ميناء بيروت.
وقال مرشحو تيار التغيير إن مفتاح إنهاء الأزمة يكمن في إضعاف قبضة "حزب الله" على السلطة وضخ قوى جديدة في البرلمان. لكن التحديات في النظام الانتخابي اللبناني كانت موجودة قبل فترة طويلة من الانتخابات الأخيرة.
وحتى اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، تشكلت السياسة اللبنانية عبر "اتفاق غير مكتوب" عام 1943 بين القادة المارونيين والسنة. وتم إدراج الشيعة كشركاء بموجب "اتفاق الطائف"، الذي دعا إلى إنهاء الطائفية السياسية في غضون 10 أعوام، لكنها أصبحت أكثر رسوخا منذ ذلك الحين.
وأدى "نظام الاقتراع النسبي" إلى تفاقم الطائفية بسبب التصويت التفضيلي وفق الطائفة. كما برزت مشكلة أخرى في انتخابات 2022 وهي قلة الإقبال على التصويت. وبالرغم أن اللبنانيين الذين يعيشون في الخارج أكثر من الذين يعيشون في لبنان، إلا أن أقل من 270 ألف لبناني يعيشون في الخارج سجلوا أسماءهم للتصويت في الانتخابات.
وتتطلب الديمقراطية تغير النخب السياسية وقوانين انتخابية مستقرة، وكلاهما غير موجود في لبنان. فعلى سبيل المثال، شغل رئيس مجلس النواب منصبه لمدة 30 عاما، وعادة ما تتم كل انتخابات بموجب قانون انتخابي جديد لضمان الحفاظ على الوضع الراهن.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن البرلمان اللبناني هو نتاج نظام سياسي فاسد. وشهدت الانتخابات الأخيرة شراء للأصوات على نطاق واسع. وفي إحدى الحوادث، سجل أحد المراسلين الاستقصائيين مقطع فيديو يظهر تابعين لمرشح يعرضون رشوة على الناخبين. وحقق جهاز أمن الدولة مع الصحفي وليس تابعي المرشح، لأنه كشف عن الواقعة.
وأنفق المرشحون أيضا مبالغ طائلة تتجاوز بكثير ما أنفقوه في انتخابات 2018 لتمويل حملاتهم الانتخابية. ورعت السعودية القائمة الانتخابية المناهضة لـ "حزب الله" لإضعاف سيطرة الحزب على البرلمان الجديد.
وتكمن مشكلة لبنان الأساسية في المبادئ التي توجه نظامه السياسي القائم على المحاصصة والذي يقوده سياسيون انتهازيون وغير مبادئيين ولا يتبنون برامج عمل عابرة للطائفية.
وبغض النظر عن عدد النواب الجدد ذوي العقلية الإصلاحية، فإن نتيجة الانتخابات تخيب آمال العديد من اللبنانيين الذين سيكتشفون قريبا أن الانقسامات الداخلية في البلاد وشعارات المرشحين الرنانة لن يكون لها تأثير يذكر على مستقبل بلادهم السياسي.
دور الدول الأجنبية
ولم يكن اللبنانيون قادرين على حل مشاكلهم بدون مساعدة خارجية مباشرة. وكانت فرنسا وراء إنشاء لبنان الحديث عام 1920، وحصلت البلاد على استقلالها بمساعدة بريطانيا عام 1943. وفي عام 1952، ضمنت بريطانيا الرئاسة لحليفها "كميل شمعون" الذي أطاح بالرئيس الموالي لفرنسا "بشارة الخوري".
وانتهت الحرب الأهلية عام 1958 عندما توصلت الولايات المتحدة ومصر إلى اتفاق يمكّن قائد الجيش "فؤاد شهاب" من خلافة "شمعون". وفي عام 1975، اندلعت الحرب الأهلية مرة أخرى بسبب الوجود العسكري الفلسطيني في لبنان، والتوترات الاجتماعية، وشكاوى المسلمين من الظلم الاجتماعي والاقتصادي. وفي عام 1989، انتهت الحرب مع توقيع "اتفاق الطائف" في السعودية.
وقد تغير الكثير منذ ذلك الحين، حيث أصبحت إيران لاعبا سياسيا رئيسيا في البلاد بفضل "حزب الله"، الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني عام 1985.
وفي عام 2008، اقتحم "حزب الله" بيروت مع تفاقم الأزمة السياسية نتيجة فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد عام 2007. وعرضت قطر المساعدة في حل الأزمة السياسية، وفي مايو/أيار 2008، وافقت الفصائل اللبنانية على انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة.
وحاليا، تنخرط السعودية وإيران في مفاوضات لاستعادة العلاقات بينهما وتسوية المشاكل الإقليمية، بما في ذلك لبنان. وخلال الانتخابات الأخيرة، شجع السفير السعودي في لبنان السنة اللبنانيين على التصويت لنواب موالين للسعودية، على أمل تحسين موقف الرياض التفاوضي مع إيران.
وقرر السعوديون سحب دعمهم لـ"سعد الحريري" لأنه كان على استعداد لقبول هيمنة "حزب الله" في مقابل دعمه للبقاء رئيسا للوزراء. وفي محاولتهم إنشاء قيادة سنية جديدة لتحل محل "الحريري"، عمل السعوديون بجد لإقناع مؤيديهم أن الوقت حان للتصويت لمرشحين آخرين بدلا من مقاطعة الانتخابات التي قد تؤدي إلى تهميش الطائفة السنية.
وستسمح انتخابات 2022 للسعودية وفرنسا بالعمل على صيغة جديدة للحكم اللبناني لا تنكر مصالح إيران. ومؤخرا، أطلق البلدان صندوقا مشتركا للإغاثة الاجتماعية لمساعدة الشرائح الأفقر في المجتمع اللبناني، بغض النظر عن انتمائهم الطائفي، وسط الأزمة الاقتصادية.
وتحتاج السعودية وفرنسا إلى إيران لدعم جهودهما من أجل التعافي السياسي والاقتصادي للبنان. ويتطلب هذا أيضا إشراك نظام "الأسد" في سوريا. ويبقى استقرار لبنان مشروطا بإنهاء الحرب هناك.
ويمكن القول إن الانتخابات الأخيرة كانت بمثابة سباق بين دول أجنبية لتحسين مواقفها التفاوضية تجاه بعضها البعض. ومن غير المرجح أن يحل النواب اللبنانيون أزمات البلاد السياسية والاقتصادية دون تدخل خارجي، لأنهم حريصون على مغازلة الدول الأخرى التي ترغب في تقديم المساعدة.
المصدر | هلال خاشان | جيوبوليتيكال فيوتشرز