- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
حسن حسين يكتب : التاريخ والخيانات
حسن حسين يكتب : التاريخ والخيانات
- 9 يوليو 2021, 4:35:02 م
- 865
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يمتلئ التاريخ العربي بقصص الخيانات السياسية على وجه التحديد، حتى أن هناك مقولة تنسب لتشرشل أن الخيانة أصلها عربي، وإن كنت أشك في صحة المقولة وفي صحة نسبها أيضا، لكن ذلك لا يمنع أن التاريخ العربي بالفعل يحتل فيه الخونة مواقع هامة للغاية لا يمكن تجاهلها، لأن تأثيرها السلبي تسبب في كوارث لا تمحى.
لن نغرق في تفاصيل التاريخ وحكاياته، ولن نلوث أعيننا بقراءة أسماء الخونة، ولن نذكر الهزائم التي تسببوا فيها سواء في عصور ما قبل الجاهلية أو في العصر الحديث منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن.
يكفي أن نبحث عن الخونة خلال الأعوام الأخيرة، ونقصر بحثنا على قطرنا المصري فقط، حتى لا نتوه ونبتعد عن الدرس والعبرة،عندما تنزل بالشعوب نازلة كبرى تلجأ إلى موروثها الشعبي تحتمي به وتتعوذ به ضد الشرور والمجهول، تفعل ذلك دائما الشعوب المتأخرة عن ركب العلم والتحضر أكثر من غيرها التي تلجأ عادة لتوصيف الحدث وتفكيكه إلى عناصره الأولية ثم تفسيره من عدة وجوه وجوانب، وقد تلجأ إلى التفسير التاريخي ضمن التفسيرات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، لكنها لا تتوقف عند أحدهم فقط، بل تفعل ما يمليه عليها المنهج العلمي.
عندما تعرض المجتمع المصري خلال الأعوام الفائتة منذ ثورة يناير لمتغيرات مفاجئة وعميقة الأثر على وجه الحياة، لجأ الشعب المصري كعادته إلى التفسيرات التقليدية السابقة التجهيز، ووقف عند حدودها ولم يحاول التقدم، واسهم في ذلك بجدارة صفة التشكك في كل ما هو قائم، نظرا لغياب منطق علمي متماسك ولغياب المثقف العضوي الثوري القادر على لملمة الأحداث المبعثرة وشرحها بصراحة وبساط، مما أدى إلى حالة من التنافر والتشتت العميق، أصابت جدار الجماهير بالشروخ والتشققات.
عندما حدث ذلك لجأ الناس إلى فكرة المخلص بلباس عسكرى يوحي بالثقة والطمأنينة، والتفوا حوله في زفة تاريخية تتنافس مع زفاف قطر الندي التاريخي، ودون أدنى مجهود منه رقص الشعب أمام لجان الانتخاب على نغمات بشرة خير وتسلم الأيادي، دون توضيح الخير المقصود بمن ولمن؟ وكذلك دون شرح عن ماهية الأيادي وهل هى أياد في خدمة الشعب أم أنها أياد تحاول سرقة الشعب واستعباده.
عندما تولي الرئيس، بدأ يومه الأول بحفل أسطوري، ومنح العاملين أجازة ومنعهم تقريبا من التواجد في الشارع تأمينا لتتوبجه إمبراطورا، مما يستدعي إلى الذهن اللحظة التي خان فيها نابليون الجمهورية الفرنسية ونصب نفسه إمبراطورا عليها.
عندما بدأ الرئيس الحكم لجأ إلى السلاح لمواجهة جماعة الإخوان ولم يلجأ للقانون، ولجأ للقانون للقضاء على شباب الثورة الذين ساندوه لخلع الإخوان، ولجأ لمؤسسته العسكرية يستعديها ضد رجال الأعمال في منافسة على من ينهب مصر أولا، ولجأ إلى أمريكا الذي ألمح قبل ولايته أنه لن يسمح لها بالتغول في الإرادة المصرية، وقال أنه لن يدير لها ظهره أبدا حتى لو فعلت هى، ولجأ للكيان الصهيوني ينفذ رغباته ومخططاته بإخلاء سيناء ، واعترف علنا أن إتفاقية كامب ديفيد في وجدانه، وأن عليه أن يحمي الدول المجاورة في إشارة واضحة للعدو الصهيوني.
عندما جاء أوان إنحيازاته الاجتماعية، وقف ضد كل الآمال والطموحات الشعبية في تحقيق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية، وانتصر للخيار الرأسمالي، وقرر إلغاء الدعم على الكهرباء والغاز والماء، وقرر مساندة رجال الأعمال في استخدام الفحم رغم خطورته الشديدة على الصحة العامة، وسمح لآلة الكذب والتضليل الإعلامية بغسل عقل وضمير الناس.
عندما فتح ملف الاستقرار الأمني لم يفعل سوى ما فعله القادة الفاشيون في اليونان والأرجنتين وشيلي، قتل في الشوارع، تعذيب في الأقسام والسجون، خطف من البيوت والجامعات، والتحريض على كل من يمكن أن يعلو صوته قليلا عن صوت الأتباع والأذناب، حتى أن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان إمتلأت ملفاتها بعشرات حالات القتل والاختطاف والتعذيب.
عندما برأ القضاء مبارك وعصابته، إستهلت مؤسسة القضاء عهدا جديدا من العمل في معية الرئيس وتحت أوامره المباشرة وخدمة أهدافه الشخصية، وسحقت بغلظة القانون نصوصا وجوهرا، ولم تعبأ بالدستور ووطأته بأحذية العسكر الثقيلة.
كل هذا غيض من فيض
عندما يحدث ذلك فهي بلا ريب الخيانة العظمى
إن لم تتهموه بها وتحاكموه عليها
سيتهمكم التاريخ بالغفلة وبخذلان أنفسكم ويحاكمكم أيضا بالخيانة العظمى.