- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
حسن مدبولي يكتب : لا يجب التغافل أبدا عن السد ولو بعد مائة عام!!
حسن مدبولي يكتب : لا يجب التغافل أبدا عن السد ولو بعد مائة عام!!
- 29 يوليو 2021, 10:42:01 م
- 837
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا يغرنك ما ينشر هنا أو هناك حول الحماية القدرية لمصر المحروسة، و التى من أجل عيونها وعيون سياسها ، إنهمرت الأمطار والسيول غزيرة عاتية فعوضت ما نقص من مياه نتيجة الملء الإثيوبى الثانى ، ولا تتمايل فرحا مزقططا بسبب إشاعة أخبار من قبيل أن المياه الجامحة هدمت جزء من السد، ومرت عنوة لكى تصل إلينا ،
فهذه كلها أمور هامشية لاعلاقة لها بالكارثة المحققة التى وقعت ، ونحن لم نكن نحذر من سد النهضة لكون آثاره السلبية ستتحقق فى اليوم التالى مباشرة لإكتمال عملية الملء الثانى ، كما أن هناك احتياطى مائى كبير مخزن ببحيرة ناصر،كان سيسد النقص على المدى القصير حتى ولو لم تغزر الأمطار ، وهذا يتوازى مع ما يتم من إجراءات تقشفية للحد من التوسع فى استخدام المياه العذبة ، وهو ما سيؤدى إلى زيادة القدرة على الصمود لعدة اعوام بدون مشاكل جسيمة حتى فى الظروف العادية ، كما أن الجفاف الذى نخشى أن يصيب النهر طرفنا ،ويتسبب فى تصحر الأراضى وبوارها هنا، لن يتم بين ليلة وضحاها، بل سيظل النيل يجرى لمدة قد تصل لسبعة أعوام دون مشاكل حقيقية، صحيح إنه قد ينخفض منسوب المياه فى بعض الأحيان، بسبب عمليات الملء الأثيوبية فى حال تزامنها مع عدم غزارة هطول الأمطار ، لكن المسألة مع ذلك ستبدوا طبيعية تماما لفترة زمنية متوسطة،
وبالتالى فهذا الإستسلام والركون للأحوال هو أمر خطير ، والأكثر خطورة إنه قد يتكامل مع الحصول على ورقة لاقيمة لها سيطلقون عليها إتفاقا ملزما ،و سيبدو للعامة أن الكارثة قد تم إحتوائها وستخرج لنا بالطبع الأبواق الناعرة بكل الموبقات والتخديرات ،لتتحدث عن الحكمة والثقة فى النفس، وعن البطولات والأبطال الذين حافظوا على النهر ؟وسيعتمد هؤلاء على ذاكرة السمك التى تحكم معظمنا ، كما سيعتمدون على ألوان مختلفة ومتعددة من أساليب التخدير والتنويم لكى يتمكنوا من تبريد الإهتمام الشعبى بكارثة سد النهضة، إعتمادا على مرور الوقت ، وعدم وقوع الخطر بشكل مفاجئ برغم حتمية حدوثه ولو بعد حين ،
فالمؤكد والحتمى ، ومهما كانت الوسائل التى ستتبع للتتويه والتمويه والتغييب ، ومهما هطلت الأمطار والسيول بشدة ، هو أن هناك كارثة كبرى قد إكتملت فصولها ، وأن تلك الكارثة حتى ولو لم يدرك آثارها المدمرة سوى الأبناءأو الأحفاد فمن المؤكد أن لها تأثيراتها المدمرة متعددة الجوانب مستقبلا، و هذه التأثيرات الكارثية ستكون على أكثر من مستوى كما يلى :-
أولا :- خطر إنهيار السد ووقوع دمار شديد فى كل من مصر والسودان ، فتخزين اكثر من أربعة وسبعين إلى تسعين مليارا من المياه على حدود السودان وراء سد ضخم مهما كانت عوامل أمانه ، يؤدى إلى إحتمال قوى لتعرضه للإنهيار فى اى وقت من الاوقات، مما يجعل بلادنا مهددة بالفناء والدمار ، أو على الأقل حدوث خسائر فادحة،( وهو ما تؤكده الأخبار التى أفادت بتدمير جزء من السد نتيجة هطول الأمطار بغزارة إن كانت تلك الأخبار صحيحة ) وبالتالى وفى جميع الأحوال ينبغى ألا يتم السماح بتخزين أكثر من اربعة عشر مليار متر مكعب فقط وراء سد النهضة، حماية للشعبين المصرى والسودانى من غرق مناطق كبيرة فى شمال السودان وجنوب مصر ، وفقدان الكثير من الأرواح و هدم بعض السدود فى البلدين ولو جزئياوتعطيل إمدادات الطاقة ؟
ثانيا :- إنتهاء فكرة الحصة التاريخية المقررة لمصر سنويا من مياه النيل والتى تقدر بحوالى خمسة وخمسين مليار متر مكعب ، وسيتحول نهر النيل ( الأزرق) من نهر دولى عابر للحدود ، إلى بحيرة أثيوبية خالصة ؟
ثالثا :-- أصبحت عملية تمرير المياه رهنا بتقلبات السياسة المحلية والإقليمية و الدولية،وأيضا الأحوال السياسية والاقتصادية الداخلية فى أثيوبيا ، وهو ما يعنى انهم فى أى وقت من الاوقات يستطيعون منع تمرير المياه ببساطة بسبب نشوب نزاعات سياسية، أو تحالفات ومصالح متناقصة ؟
رابعا :- سوف لايكون فى عداد المفاجآت وبعد الاطمئنان لعملية الملء، و تبريد الإهتمام الوطنى بقضية الإستيلاء على مياه النيل، أن تقوم أثيوبيا بالمطالبة مباشرة بقيمةمالية من مصر، مقابل السماح بكميات المياه المطلوبة،بمعنى إنه عندما يكون المناخ الدولى مناسبا خلال فترة قصيرة ، أو فى الأجل الطويل، فإن إثيوبيا ستطالب حتما بثمن كل لتر مياه سيمر إلى مصر تحديدا، وهو أمر لا تخفيه الأدبيات الإثيوبية سواء فى مؤتمرات رسمية او من خلال الكتابات المنشورة واللقاءات المتلفزة والمذاعة ،
خامسا :- قد لا يمر عام او عامان أو ثلاثة ، ويحدث جفاف فى أثيوبيا وهو أمر معتاد وغير مستبعد،ساعتها ومهما كانت المخطوطات الورقية التى ستزف الينا كإتفاق ملزم ، سيتم إحتجاز المياه نهائيا عنا سواء بحجج فنية،أو من خلال نفس الادعاءات الحالية التى تتحدث عن حق اثيوبيا أولا فى الاستفادة من مياه (نهرها ) الذى تمتلك مقدراته ؟
سادسا :- سيتم تدبير الكثير من المؤامرات بين دولتى المصب مصر والسودان، وفى الغالب فإن السودان سيتم إستخدامه هو الآخر مع دولة جنوب السودان كأداتان لحصار وتجويع وتركيع مصر مستقبلا، مقابل التلويح لهاتين الدولتين ببعض المصالح، وبالتالى سيكون العداء موزعا بين إثيوبيا والسودان وجنوب السودان ، وستبدو مصر وكأنها دولة مارقة معتدية على دول الجوار ، وليست كدولة تم إستلاب حقها فى الحياة ؟
سابعا :- إنتشار البطالة وزيادة معدلات الهجرة والجريمة بسبب زحف الجفاف على مساحات شاسعة من الأراضى الزراعية ،،
ثامنا :- فقدان مصر القدرة على الحصول على الفواقد المائية ، بمعنى أن مصر لن تتمكن من الحصول على مياه الفواقد سواء من السودان أو من باقي دول المنابع، مثل أوغندا و جنوب السودان، حيث كان من الممكن أن تعتمد مصر في تنمية مواردها المائية من خارج حدودها على مياه الفواقد ،و هي كميات المياه التي تتسرب من النيل إلى المستنقعات أو إلى باطن الأرض، أو تفقد بالبخر مثلما يتم فى مستنقعات الصدد بجنوب السودان التي تبتلع من مياة النيل مايقرب من 30 مليار متر مكعب سنويا تضيع بالبحر ويمكن الاستفادة منها ، لكن إنشاء سد النهضة وما تبعه من سياسات ورؤى ، سيجعل باقى الدول تسلك طرقا مماثلة ، تجعلها تبالغ فى الإستفادة بمياه الفواقد ،وسيكون موقفها أقوى فى تلك الحالة التى لا تنظمها أية إتفاقيات !!
تاسعا :-إذ لم نستخدم كل ما نملك من أدوات فى المواجهة مع إثيوبيا التى توشك أن تتحكم فى قرارنا وتسيطر على إرادتنا، فسينكشف الأمن القومى المصرى وسيتداعى الشركاء والخصوم للقضاء على ما تبقى لنا من قدرات إستقلالية ،كذلك قد تحدث أزمات ومجاعات كبرى، بعد ان تزيد الفجوة الغذائية بين الطلب والإستهلاك من جانب ، وبين العرض والإنتاج من جانب آخر ؟
عاشرا :- تشجيع دول حوض النيل الأخرى خاصة جنوب السودان على إقامة سدود ومشروعات مماثلة على رافد النيل الأبيض الذى تتدفق منه حوالى 20% من إجمالى المياه الواردة لكل من مصر والسودان ، وبالتالى الوصول الى حالة الجفاف النهائى فى دولتى المصب مصر والسودان ، ووقتها لن تستطيع مصر أن تقاتل القارة الأفريقية بأكملها !!
حادى عشر :- حدوث بعض المخاطر الفنية المحققة التي سوف يسببها سد الألفية (النهضة) والتى يمكن أن تتخلص فيما يلى :-
1- نقص الطمي الذي يساعد في خصوبة الأرض الزراعية.
2- زيادة تصحر الأراضي الزراعية الموجودة و قلة خصوبتها.
3- عجز شديد في توليد الطاقة الكهرباية نتيجة تناقص مخزون السد العالي و خزان أسوان.
4- نقص شديد في الثروة السمكية خصوصا في بحيرة ناصر و التي انخفض منسوبها.
5-إنتشار الجفاف ببحيرة ناصر وفى مجرى النيل داخل مصر نفسها ،وسيشبه الأمر ما وقع فى كينيا والصومال بعد اقامة بعض السدود على منابع انهار محلية تصب فى كل من الدولتين ، حيث وصل الحال إلى إصابة مجرى النهرين بالجفاف الكامل لمصبات تلك الأنهار فى كل من الصومال وكينيا ، وزاد من كارثة العطش والجفاف هناك ؟
فحتى فى حال التوقيع على اتفاقيات جديدة ، وحتى لو حددت تلك الإتفاقيات بعض الحصص والالتزامات ، وحتى لو إستمر هطول الأمطار بغزارة لعشرة أعوام متتالية ،فكل ذلك لن يمنع أبدا أو يحد من الآثار المدمرة لذلك السد، ولن يقلل أبدا من المخاطر الوجودية التى تهدد بقاء مصر على المدى المتوسط والطويل ، والمسألة باتت لا تتحمل ما نراه من تهاون وخداع للعامة سيؤدى حتما إلى استكمال تلك ،الكارثة وتخزين مايقارب ال 90 مليار متر مكعب ببحيرة سد النهضة، وتهديد مصر والسودان بالدمار والخراب، لذا فالمطلوب من الجهات الرسمية سرعة تغيير النهج المتبع حاليا،ورأب الصدع الداخلى، والاعتراف بالأخطاء بشكل متجرد، والعمل على توحيد الصفوف وتوجيهها لمنع استكمال تشغيل السد، و إيقاف تخزين الحد الأقصى المعلن عنه من طرف إثيوبيا بكافة الطرق بما فيها إستخدام القوة وأمامنا عام كامل حتى بدأ الملء الثالث !!
أما على المستوى الشعبى والنخبوى فإنه يجب عدم السماح نهائيا بتبريد الإهتمام بتلك الكارثة ولو بعد مرور مائة عام من الآن ، كذلك ينبغى عدم الإستغراق فى الإنشغال بأية قضايا جانبية سواء كانت خارجية كمشكلة تونس وغيرها ، أو داخلية كتلك الأخبار التى تثار بشكل ممنهج ومتعمد ومستمر ومتتالى عن القتل والعنف والتنابز الرياضى وغيرها من المواضيع التى تستهدف تمرير الوقت وتكريس وتطبيع واقع الكارثة !!