- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
حسين مجدوبي يكتب: المغرب والفرص التاريخية الضائعة
حسين مجدوبي يكتب: المغرب والفرص التاريخية الضائعة
- 2 مايو 2023, 3:55:08 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الأحداث الكبرى التي يمر فيها وطن معين تمنحه شخصية متميزة عن باقي الشعوب والدول، ويحدث أن يخلف وعده مع التاريخ في محطات رئيسية ويخسر كثيرا. ويترتب عن عدم ركوب قطار التغيير حالة، أو حالات تحكم على مسار شعب ووطن بالجمود والتخلف. ويمكن تفسير تخلف بعض المناطق من العالم مثل العالم العربي والإسلامي، الذي ينتمي إليه المغرب ليس فقط بمفاهيم الدورة الحضارية، أي سقوط حضارة وصعود أخرى، بل بعدم الأخذ بأسباب فرص التقدم. قد يفقد شعب ووطن الريادة الحضارية، غير أن هذا لا يعني نهائيا الانهيار والسقوط مقارنة مع باقي الأمم.
وتكتسب كلمة «لو» أهمية في قراءة التاريخ، وهي لا تتعلق بدراسة المستقبل، بل بنوع من التكهن بأشكال الماضي التي كانت ستحدث، وأصبحت «لو» بمثابة منهجية في التفكير، وتسمى «التفكير المضاد» القائم على نوع من المحاكاة الفكرية للبدائل المختلفة، التي كان من الممكن أن تحدث في الماضي ولم تقع في النهاية، في حين أن التفكير المسبق هو محاكاة للبدائل المحتملة لموقف مستقبلي، وهو من صميم الدراسات الجيوسياسية، وهذه الثنائية هي من صميم الاقتصاد، لاسيما في شقه الاستثماري ومن صميم عمل الاستخبارات وأساسا الجيوش. واعتمادا على هذا المنهج، وقراءة متأنية لتاريخ المغرب، سنرصد كيف خسر المغرب فرصا تاريخية، كانت ستشكل منعطفات كبرى وتمنحه وضعا مختلفا قد يكون بديلا عن ما هو عليه الآن، وهذه الفرصة التاريخية الرئيسية، وفق اعتقادنا
الفرص الضائعة لوطن أو أمة تعد فرصة رابحة لأمم أخرى، وهذا يفسر جوهر الدورة الحضارية التي تحكم على أمم بالتخلف وأخرى بالرقي
هي:
فقدان قطار النهضة والموريسكيين: يقوم الغرب على النهضة الأوروبية، التي منحت للعلم الريادة والسمو على التفكير الديني المتزمت للكنيسة، وكانت صراعا مريرا وشاقا، كلفت بعض العلماء حياتهم سجنا وحرقا، كما حدث مع العالم الإيطالي جوردانو برونو سنة 1600 في إيطاليا. ومن أسباب تقدم الغرب آلية كانت مقدمة عملية لكل مظاهر التطور المادي وهي المطبعة، التي ساهمت في انتشار المعرفة بعدما كانت الكتب اليدوية حبيسة رفوف الأغنياء ومنفعتها لا تتعدى بضعة أشخاص في السنة، قليلون كانوا يعرفون القراءة، وقلة أقل كانت تتاح لها فرصة الحصول على كتاب للاطلاع عليه. والحديث عن المطبعة هو حديث عن انتشار المعرفة وظهور علماء. لقد وقف الفقهاء المتزمتون بدعم من السلطة في وجه الانفتاح على فكر النهضة، الذي كان يزدهر في القارة الأوروبية. ومنعت الفتاوى الدينية طيلة قرون دخول المطبعة إلى المغرب. ومن المفارقات الكبيرة في تاريخ المغرب، أنه يقع على أبواب أوروبا، بينما المطبعة دخلت إلى المغرب حتى سنة 1864 باستيراد نسخة واحدة من مصر وليس من أوروبا، ولم يتم طبع الكتاب الأول في المغرب إلا في سنة 1874. فتوى تحريم المطبعة حرم المغرب من ميزة انتشار مختلف العلوم، وهذا من الأسباب الرئيسية التي تفسر تأخر المغرب مقارنة مع جيرانه الأوروبيين. بالموازاة مع ذلك، اعتمدت النهضة الأوروبية في جزء منها على الترجمة من العربية إلى اللاتينية ولغات أخرى عندما تبلورت مثل الفرنسية والإيطالية والألمانية بفضل المطبعة والنهضة. ولعبت مدارس الترجمة مثل طليطلة في القرن الثالث عشر دورا محوريا في نقل العلوم من العربية إلى اللغات الأوروبية، وتزامنت النهضة مع بدء طرد المسلمين ثم الموريسكيين من إسبانيا نحو الضفة الجنوبية، خاصة المغرب. والحديث عن هذه الفئة الأندلسية هو حديث عن نخبة حقيقية في العالم وقتها، ولم يستفد المغرب من هذه الهجرة، فقد توجست السلطة من قوة الموريسكيين، لاسيما عندما أقاموا كيانا شبه مستقل بهم في مدينة سلا بداية القرن السابع عشر، ووقعت توترات كبيرة بينهم وبين ساكنة المغرب، وارتاب فقهاء في أفكارهم والمعرفة التي كانوا يحملونها. هذا المزيج من العوامل غير المناسبة فوّت على المغرب فرصة تاريخية لتطوير حضارة في مستوى الأندلس. ومن المفارقات العجيبة في تاريخ المغرب، كيف ساهمت الساكنة المغربية ابتداء من فتح الأندلس في بناء أرقى الحضارات التي عرفتها البشرية، سواء على مستوى الرقي العلمي والرقي في التعايش، وكيف أخفقت هذه الساكنة عند عودتها مطرودة بالقوة، فشلت في التعايش نسبيا خاصة في البداية، وفي تطوير المغرب ثانيا.
عدم الانخراط في الاكتشافات الجغرافية
جزء من العالم الذي نعيشه اليوم هو إلى حد كبير نتاج عملية الاكتشافات الكبرى، فهي عماد بناء الغرب رفقة النهضة، ثم تشكيل خريطة الدول التي تبلورت لاحقا بفضل عملية الاستعمار. وكان المغرب في القرن الرابع عشر والسادس عشر يمتلك قوة بحرية لا بأس بها، تسمح له بالمشاركة في الاكتشافات البحرية الكبرى أو على الأقل الوجود البحري في المناطق الأطلسية حتى نيجيريا، وضم جزر الكناري إلى وحدته الترابية. غير أن المغرب كان بريا وليس بحريا في تفكيره، كان يفضل التوسع عبر البر وليس عبر البحر. ومن مظاهر قوة الأسطول المغربي، ولو على مستوى القراصنة من أصل موريسكي في عشرينيات القرن السابع عشر، هو تنفيذ هجمات على شواطئ أوروبية مثل إسبانيا والبرتغال وبريطانيا، بل وصلوا الى إيسلندا مع القرصان مراد الرايس الأصغر.
وعلاقة بها، فقد تردد المغرب في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر، حكم السلطان المنصور الذهبي، في تلبية مطلب بريطاني للملكة إليزابيث الأولى للتحالف من أجل الوجود في القارة الأمريكية والقضاء على الإمبراطورية الإسبانية هناك، لأنه كان مهتما وقتها بغزو أجزاء من القارة الافريقية. وكان يوجد تحالف مثير بين إليزابيث الأولى والمنصور، من أجل الغزو المشترك، وهو فصل من التاريخ لم يحظ بعد بالاهتمام الكافي. وكان من شأن قبول المغرب تلك الدعوة، ضمان الوجود العربي الأمازيغي والمعتقد الإسلامي في القارة الجديدة منذ بدء اتصالها بالعالم القديم، ما كان سيعني وجود أقلية إسلامية مبكرا فيها، وكان سيعطي معنى آخر للتاريخ الأمريكي ولو نسبيا. عدم اهتمام المغرب بالبحر منذ القرن السابع عشر هو الذي أدى إلى تراجعه وضعفه في الساحة الدولية.
التأخر في الدمقرطة
حصل المغرب على الاستقلال سنة 1956، وكان مقسما بين إسبانيا في الشمال وفي الصحراء وفرنسا في الوسط والجنوب. كانت السلطة مقسمة بين المؤسسة الملكية والحركة الوطنية الممثلة أساسا في حزب الاستقلال. نهجت السلطة تعددية حزبية للانتقال نحو الديمقراطية، وتبين لاحقا أنها كانت مجرد مناورة لكي تعمل على إضعاف الحركة الوطنية والقضاء على جيش التحرير. لو اعتمد المغرب وقتها الديمقراطية على الطريقة الغربية، ولو بشكل نسبي، من دون شك كان سيكون مختلفا، لاسيما وأن ارتباطاته السياسية والاقتصادية والأمنية هي مع الغرب أساسا. كانت الديمقراطية بوابته الحقيقية نحو التنمية، لأن الشفافية هي رافعة الرقي.
الفرص الضائعة لوطن أو أمة تعد فرصة رابحة لأمم أخرى، وهذا يفسر جوهر الدورة الحضارية التي تحكم على أمم بالتخلف وأخرى بالرقي.