- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
حكايات إحسان عبدالقدوس: يقدمها: محمد عبدالقدوس
حكايات إحسان عبدالقدوس: يقدمها: محمد عبدالقدوس
- 24 أبريل 2021, 4:00:15 م
- 785
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
(وتلاشت في شهر أبريل القيود المفروضة على الخيال)
قبل أن يبلغ العشرين من عمره كتب حبيبي أبي قصة قصيرة وأرسلها إلى مجلة روزاليوسف بدون توقيع،
وكانت فرحته كبيرة عندما رأى قصته منشورة، وأخبر والدته أنه صاحب هذا العمل الأدبي.
وفوجئ حبيبي بأن أمه فاطمة اليوسف المعروفة باسم روزاليوسف زعلت جدا لدرجة أنها خصمت منه مصروفه الأسبوعي ويبلغ عشرة قروش!!
وقالت له وهي تعبر عن غضبها: "أنا عايزاك تكون واقعي زيي، وبلاش تبقى خيالي زي أبوك".
ووالده هو الفنان محمد عبدالقدوس يكتب الزجل والمنولوجات ويقوم بالتمثيل، وشجع ولده الوحيد السير على منواله،
لكنه فشل في إقناعه بالتمثيل، ونجحت محاولاته في تشجيعه على الكتابة.
واعود إلى تعبير "خليك واقعي زيي، وماتبقاش خيالي زي أبوك"، فقد ألتزم حبيبي أبي بهذه النصيحة لسنوات طويلة،
وفي بداية عمله أشتهر كصحفي فقط، خاصة بعدما تم تعيينه رئيسا لتحرير مجلة روزاليوسف وأشهر خبطاته الصحفية قضية الأسلحة الفاسدة،
وكانت روزاليوسف منبراً لكل الثائرين على الحكم الملكي، وعرف عنه كتاباته الجريئة حتى أنه دخل السجن مرة،
واستدعي إلى التحقيق في النيابة عشرات المرات! وبدأ على استحياء في هذه الفترة إنتاجه الأدبي،
لكن يلاحظ أن قصصه الأولى مثل "بائع الحب، وصانع الحب" لها إنطباعات صحفية أكثر منها أدبية
، وكانت بداياته الأولى الحقيقية قصة "النظارة السوداء" ثم "أين عمري" اوائل الخمسينات من القرن العشرين وكان خياله مازال مقيدا،
وتجده إنسان واقعي عملا بنصيحة أمه: "خليك واقعي زيي، وماتبقاش خيالي زي أبوك".
وفي عام 1954 تحديداً وكان قد تجاوز الثالثة والثلاثين من عمره حدث تغيرا جذريا في شخصيته وتحطمت كل الحواجز التي تحول بينه وبين إطلاق خياله.
والسبب في ذلك أنه في شهر أبريل تحديداً تم القبض عليه بسبب سلسلة مقالات دعى فيها إلى الديمقراطية في مصر بعد ثورة 1952
ومكث وراء الشمس ثلاثة أشهر حتى أفرج عنه في شهر يوليو، وكانت هذه "الحبسة" شديدة الوطأة عليه أكثر بكثير من حبسه أيام النظام الملكي.
وفي مواجهة هذه المحنة وهو داخل محبسه قرر قطع كل صلة له بالواقع، وقرأ القرآن أكثر من مرة وأطلق العنان لخياله،
ونسى حياته في الدنيا تماماً وهذه "الروشتة" التي وضعها لنفسه لمواجهة المحنة قال عنها أنها كانت ناجحة
وساعدته كثيرا على التأقلم مع ظروف السجن وأوضاعه السيئة، فلم يعد يفكر في حياته أو أسرته وأولاده حتى لا يتعذب وهو في داخل السجن الحربي.
وبعد خروجه من المعتقل كان خياله قد تمكن منه وبدأ إبداعه الحقيقي كأديب ممتاز،
وتوالت رواياته وقصصه الرائعة التي تعبر عن الطبقة الوسطى ومشاعر المرأة في أدق تفاصيلها.
والصورة المنشورة مع هذا الموضوع هي مع تمثال صنعه له صديقه النحات "فتحي محمود" بعد خروجه من المعتقل ويبدو فيه وهو مقيد بالسلاسل،
وربنا يرحم الجميع.