- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
دراسة لمركز اتجاهات حول الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الثاني
دراسة لمركز اتجاهات حول الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الثاني
- 23 فبراير 2023, 2:26:43 م
- 481
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أصدر مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث، دراسة حول الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الثاني، تتناول الدراسة المراحل التي مرت بها الحرب الروسية على أوكرانيا خلال عامها الأول، ومواقف الأطراف الفاعلة فيها، في محاولة لاستقراء أبرز ملامح الحرب خلال عامها الثاني
مقدمة
تدخل الحرب الروسية الأوكرانية غداً عامها الثاني، وقد مرت خلال عامها الأول بعدة مراحل، فالعملية العسكرية التي بدأتها روسيا بهجوم كبير لإسقاط العاصمة كييف تحولت بعد ثلاثة أشهر لحرب استنزاف تتقدم فيها القوات الروسية ببطء للسيطرة على أراضٍ إضافية، إلى أن نجحت القوات الأوكرانية في وقف التقدم الروسي واستعادت بعض المناطق الاستراتيجية خلال الصيف، لتتحول الحرب خلال الشتاء إلى صراع من أجل الحفاظ على المواقع، الأمر الذي ينذر باستمرار أمد الحرب ودخولها مراحل أكثر سخونة خلال عامها الثاني.
تطورات الحرب الروسية في أوكرانيا
مرت الحرب الروسية الأوكرانية خلال عامها الأول بأربع مراحل، يمكن استعراضها على النحو الآتي:
المرحلة الأولى: الهجوم الروسي الكبير
شنت روسيا في الرابع والعشرين من فبراير من العام 2022 ما أسمته “عملية عسكرية خاصة” في أوكرانيا، سعت من خلالها إلى إلحاق هزيمة عسكرية بالجيش الأوكراني، وفرض حصار كامل على كييف يؤدي إلى إسقاط الحكومة الأوكرانية، ومن ثمَّ فصل أوكرانيا عن الغرب وإعادتها إلى دائرة النفوذ الروسي.
وقد بدأت العملية بقيام القوات الروسية بشن هجوم واسع لتدمير المقدرات العسكرية الأوكرانية، تمهيدًا لحصار العاصمة كييف وعدة مدن أوكرانية استراتيجية، لكنها لم تستطع تحقيق أهدافها بالسرعة المتوقعة، حيث نجحت المقاومة الأوكرانية – وبمساعدة سياسية وعسكرية واستخبارية من الغرب – في الحد من التقدم الروسي ومنع سقوط مدينتي كييف وخاركيف.
المرحلة الثانية: التقدم الروسي البطيء
مع تراجع فرص نجاح الحرب الروسية الخاطفة، اعتمدت روسيا استراتيجية حرب الاستنزاف والتقدم البطيء، لتحقيق السيطرة على إقليم دونباس شرقاً والقطاع الجنوبي من أوكرانيا المحاذي لشبه جزيرة القرم، لكن الحكومة الأوكرانية صمدت في وجه الهجوم الروسي، الأمر الذي دفع الدول الغربية لتعزيز الدعم المقدَّم لها على الصعيد السياسي والعسكري والاستخباري، مستغلة هذه الحرب لإنهاك وإضعاف روسيا في حرب استنزاف غير مباشرة.
المرحلة الثالثة: نجاح أوكراني في وقف التقدم الروسي واستعادة بعض المناطق الاستراتيجية
مع تصاعد الدعم الغربي سياسياً وعسكرياً، حققت القوات الأوكرانية خلال أشهر الصيف نجاحات واضحة في مواجهة القوات الروسية، واستعادت مساحات كبيرة من أراضيها في إقليم خاركيف شمال شرق البلاد وفي إقليم خيرسون جنوب البلاد.
واجهت روسيا إخفاقاتها العسكرية بعدة إجراءات تصعيدية، تمثلت في تصاعد تهديداتها باستخدام أسلحة نووية تكتيكية، وإعلانها ضم أربعة أقاليم أوكرانية (دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا) تسيطر عليها كلياً أو جزئياً وهو إجراء رفضته أوكرانيا ودول الغرب، إضافة إلى إعلان التعبئة العامة الجزئية لزيادة تعداد الجنود المساهمين في عملياتها العسكرية في أوكرانيا، علاوة على تصعيد القصف الروسي لعمق الأراضي الأوكرانية واستهداف المنشآت المدنية لكسر الروح المعنوية الأوكرانية المتصاعدة.
المرحلة الرابعة: الصراع من أجل الحفاظ على المواقع
خلال أشهر الشتاء، نجحت القوات الروسية في وقف التقدم الأوكراني، وتحولت الحرب إلى صراع من أجل الحفاظ على المواقع تصاعدت فيه خسائر الطرفين، حيث أحرزت القوات الروسية خلال الشهرين الماضيين نجاحاً صعباً في السيطرة على عدة مواقع استراتيجية شرق أوكرانيا، لتنتقل المعارك إلى مدينة باخموت الاستراتيجية، التي تشهد حالياً أطول المعارك في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث وضعتها موسكو كأولوية عسكرية لمواصلة تقدمها بهدف استكمال السيطرة على مقاطعة دونيتسك شرقي أوكرانيا، كما تصاعدت أيضاً وتيرة الهجمات الروسية في جنوب أوكرانيا، خاصة في مقاطعتي زاباروجيا وخيرسون بعد فترة من الهدوء النسبي.
لقد اعتمدت روسيا خلال هذه المرحلة على استراتيجية ضخ أعداد كبيرة من القوات العسكرية وصلت في بعض التقديرات إلى 500 ألف، إضافة إلى اعتمادها على مليشيات “فاغنر” كرأس حربة للسيطرة على المدن الاستراتيجية كمدينتي باخموت وسوليدار والبلدات المحيطة بهما، علاوة على استمرار القصف الجوي للمنشآت الحيوية الأوكرانية.
أقر الرئيس الأوكراني زيلينسكي بأن الوضع “يزداد تعقيداً” على الأرض في مواجهة القوّات الروسيّة، لا سيما في باخموت، وقد دفع ذلك أوكرانيا على المطالبة بتزويدها بأسلحة متقدمة (دبابات وطائرات مقاتلة وقنابل ذكية بعيدة المدى) لمواجهة الهجوم الروسي.
مواقف الأطراف الفاعلة
كما أوضحنا، فقد مرت الحرب خلال عامها الأول بمراحل مختلفة، لكن أطرافها الفاعلة حافظت على توجهاتها وتمسكت بمواقفها من الحرب، حيث:
بالنسبة لروسيا:
اتخذ بوتين قرار الحرب وارتبطت به بشكل كبير، ولن يستطيع قبول الهزيمة، لأن ذلك سيشكل تراجعاً كبيراً لنفوذ روسيا على الصعيد الدولي والإقليمي، علاوة على أنها ستمثل بداية النهاية لبوتين على الصعيد الداخلي.
لا تزال روسيا تراهن على أن الغرب سيتراجع عن دعم أوكرانيا مع الوقت تحت وقع أزمات الطاقة والاقتصاد والاحتجاجات الداخلية بسبب الأزمات.
تعتبر روسيا أن المناطق الأربع التي أعلنت ضمها للاتحاد الروسي قد أصبحت أراضٍ روسية، بالتالي ترى أنها تدافع عن أراضٍ روسية.
على الرغم من خسائرها الكبيرة، لاتزال روسيا قادرة على مواصلة جهدها الحربي ولايزال اقتصادها صامداً ولم يتعرض للانهيار تحت وطأة العقوبات الغربية.
سعت روسيا من خلال الحرب لإبعاد أوكرانيا عن الغرب ومنع انضمامها لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلا أن الحرب زادت من إصرار أوكرانيا بهذا الشأن، علاوة على أنها دفعت دولاً أخرى (فنلندا والسويد) للانضمام للحلف أيضاً.
بالنسبة لأوكرانيا والدول الغربية:
زاد الإصرار الأوكراني على استعادة كامل الأراضي التي احتلتها روسيا، سواء الأقاليم الأربعة الجديدة أو شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا منذ العام 2014.
استمرت الدول الغربية في تلبية احتياجات أوكرانيا من الدعم العسكري، الأمر الذي يدلل على رغبتها في استمرار استنزاف روسيا عسكرياً واستعدادها لحرب طويلة.
تمثل الحرب الأوكرانية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والغرب حرباً من أجل الحفاظ على النظام الدولي الحالي، وسيشكل نجاح روسيا فيها تهديداً لهذا النظام ولمصالح الدول الغربية، وربما يفتح شهية بوتين لاستهداف دولٍ أوروبيةٍ أخرى.
لا يزال الغرب يراهن على استنزاف روسيا من خلال الحرب والعقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية، وقد نجح نسبياً في تحقيق ذلك، حيث تراجعت عائدات الطاقة الروسية بنسبة 46% في الربع الأخير من العام 2022، وسجلت ميزانيتها عجزاً بلغ 25 مليار دولار في شهر واحد، وانخفضت مدخرات صندوق ثروتها الوطني من 186 مليار دولار إلى 148 مليار دولار في كانون ثاني/ يناير من هذا العام، كما خسرت روسيا حوالي 100 ألف جندي وحوالي 2000 دبابة، وفقدت سمعتها كثاني أقوى جيوش العالم.
تجاوزت أوروبا أزمة الغاز في فصل الشتاء، ونجحت الدول الأوروبية في تقليص اعتمادها على الغاز الروسي بنسبة 80% منذ بداية الأزمة الأوكرانية، كما أن أسعار الغاز التي ارتفعت بشكل غير مسبوق في السنة الماضية قد عادت إلى مستويات ما قبل الحرب.
لا تزال القوى الغربية قادرة على ثني الصين عن تقديم دعم ملموس لروسيا، سواءً أكان هذا الدعم اقتصاديّاً أو تقنيًاً أو عسكريّاً.
شكلت الحرب بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فرصة لإقناع الدول الأوروبية بالخطر الاستراتيجي الروسي ودفعها لتعزيز إنفاقها العسكري، كما أدت لعزيز حلف الناتو وتوسعته عبر السعي لضم السويد وفنلندا إلى الحلف.
ملامح الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الثاني
تبدأ الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني في ظل واقع معقد، حيث يقر الطرفان بأن المعارك أصبحت أكثر دموية وأن التقدم الميداني بات أكثر صعوبة وكلفة، ولاتزال الأطراف الفاعلة متمسكة بمواقفها، الأمر الذي يدفع باتجاه ترجيح استمرار الحرب في عامها الثاني وارتفاع وتيرتها.
وبناءً على ما سبق، فمن المتوقع أن تكون أبرز ملامح الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الثاني على النحو الآتي:
1 – تصاعد الدعم الغربي لأوكرانيا مع استمرار محدداته العامة:
سيتصاعد الدعم الغربي لأوكرانيا، فمن الناحية السياسية سيتصاعد الحضور السياسي للرئيس الأوكراني، وسيبرز الحديث عن انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي، أما من الناحية العسكرية فستشهد المرحلة القادمة وصول المساعدات العسكرية النوعية التي أقرتها الدول الغربية لأوكرانيا مؤخراً والتي ستشمل مدرعات ودبابات وقذائف ذكية بمديات تصل إلى 150 كم قادرة على استهداف القوات الروسية في كافة الأراضي الأوكرانية.
مع ذلك سيحافظ الغرب على المحددات العامة في الدعم المقدم لأوكرانيا (تجنب تقديم سلاح قادر على ضرب الأراضي الروسية، تجنب تقديم طائرات مقاتلة)، على الرغم من أن المطالب الأوكرانية ستستمر في هذا الشأن؛ وذلك تجنباً لتصعيد الحرب وتحولها إلى صراع مباشر بين الناتو وروسيا، ولهذا الهدف سيستمر التواصل الاستراتيجي الأمريكي مع روسيا لتجنب أي مواجهة تتجاوز تداعياتها ساحة الحرب الأوكرانية.
2 – تصاعد الأعمال العسكرية:
تدخل الحرب عامها الثاني في ظل استعدادات روسية ضخمة مقابل إصرار أوكراني ودعم غربي كبيرين، وبالتالي ستشهد ساحة الحرب احتدام المعارك بشكل غير مسبوق، حيث:
بالنسبة لروسيا:
ضاعفت روسيا عدد قواتها من خلال حشد 500 ألف جندي في الأشهر الأخيرة، ليبلغ عدد قواتها ضعف ما كانت عليه بداية الحرب، وتشير التوقعات إلى أن روسيا ستسعى لشن حملة جديدة واسعة في الذكرى السنوية الأولى للحرب.
ستصعِّد روسيا من حدة عملياتها العسكرية وستستخدم أسلحة نوعية جديدة وستركز على استخدام القصف الجوي في ظل احتدام المعارك وصعوبة التقدم البري، في مواجهة ذلك من المتوقع أن يعمل الغرب على تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي متقدمة.
ستستمر روسيا في تلويحها باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية؛ لتحقيق الردع ولمنع تطور الحرب باتجاه تشكيل تهديد كبير لأراضيها وقواتها.
بالنسبة لأوكرانيا:
تخطط أوكرانيا لشن هجوم مضاد في الربيع لاستعادة أراضيها، لكنها ستكون بحاجة لاستلام وتفعيل الصواريخ بعيدة المدى والدبابات التي وعد بها الغرب بداية العام الجاري.
من المتوقع أن يتركز الهجوم الأوكراني – بدعم وتوجيه غربي – في الجنوب، في نفس الوقت ستستمر في المحافظة على خطوطها الدفاعية في الشرق؛ سعياً لاستعادة مدن الجنوب وقطع الطريق البري بين شبه جزيرة القرم والمناطق الشرقية، واستغلالاً لضعف خطوط الدفاعات الروسية في الجنوب مقارنة بالمناطق الشرقية، ولدفع القوات الروسية لتخفيف الضغط عن الشرق.