-
℃ 11 تركيا
-
3 مارس 2025
د. أميرة فؤاد النحال تكتب: التوظيف السياسي لنتائج تحقيق الاحتلال في هجوم 7 أكتوبر
د. أميرة فؤاد النحال تكتب: التوظيف السياسي لنتائج تحقيق الاحتلال في هجوم 7 أكتوبر
-
2 مارس 2025, 7:49:42 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
د. أميرة فؤاد النحال تكتب: التوظيف السياسي لنتائج تحقيق الاحتلال في هجوم 7 أكتوبر
في أعقاب هجوم 7 أكتوبر، وجدت "إسرائيل" نفسها أمام زلزال أمني وسياسي غير مسبوق، قلب موازين القوة وزعزع أسس العقيدة الأمنية التي طالما تباهت بصلابتها، ومع تكشف نتائج التحقيقات الصهيونية حول ذلك خلال اليومين الماضيين، بات واضحاً أن ما حدث لم يكن مجرد إخفاق استخباراتي أو ثغرة في المنظومة الدفاعية، بل انهيار شامل لمنظومة الردع والجاهزية، وفق ما أقر به كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين، وكما جاء في أحد التقارير الصهيونية: “غاصوا في أحشائنا؛ شطبوا “آمن” من تعريفنا؛ أيقظوا فكرة الهروب في أذهاننا؛ مارسوا ضدنا أكبر وأفظع عملية خداع يعرفها تاريخ البشرية الحديث؛ كل ذلك ونحن في سبات عميق؛ سبات معلوماتي؛ سبات أمني؛ سبات عسكري؛ لا شيء سوى أنه ما يبدو مؤامرة بأننا قد وافقنا على أن نقلع أعيننا بأيدينا كما يظن البلهاء..”
تتجاوز هذه التحقيقات كونها مجرد استعراض للحقائق العسكرية، إذ تحولت إلى ساحة صراع سياسي بين الأجنحة المختلفة في "إسرائيل"، حيث تسعى كل جهة إلى توظيف النتائج إما لحماية نفسها أو لتصفية الحسابات مع خصومها، كما أن تداعيات هذه التحقيقات لا تقتصر على الداخل الصهيوني، بل تمتد لتعيد تشكيل المشهد الإقليمي والدولي، مما يفرض تساؤلات جوهرية حول مستقبل السياسات الأمنية والاستراتيجية في المنطقة.
والواضح أن هذه التحقيقات لن تكون مجرد محاولة للوصول إلى الحقائق، بل ساحة لمعركة سياسية شرسة تتداخل فيها المصالح الحزبية والاعتبارات الأمنية، فالسياقات السياسية التي أحاطت بهذه التحقيقات تعكس حجم الأزمة التي يعيشها النظام السياسي الصهيوني، حيث تواجه الحكومة ضغوطاً غير مسبوقة من الشارع، في ظل اتهامات بالإخفاق الأمني الأكبر منذ حرب أكتوبر 1973م، وفي ظل هذه الضغوط، تحاول المؤسسة الحاكمة احتواء الغضب الشعبي من خلال تقديم سردية تحمّل مسؤولية الفشل لجهات محددة، بينما تسعى المعارضة إلى استغلال اللحظة لفرض تغييرات جوهرية قد تصل إلى حد إسقاط الحكومة.
لكن السؤال الأهم يتعلق بمدى استقلالية لجان التحقيق وقدرتها على تجاوز التجاذبات السياسية، فعلى الرغم من أن هذه اللجان تضم شخصيات عسكرية وأمنية وقضائية، إلا أن خلفيات أعضائها وعلاقاتهم بالنخب السياسية تجعل من الصعب فصل عملهم عن التوازنات الداخلية، فمنذ البداية، ظهر خلاف جوهري حول طبيعة التحقيقات: هل ستكون تحقيقات رسمية ملزمة قد تؤدي إلى محاسبة فعلية، أم مجرد تقارير استشارية تُستخدم كأداة في الصراع السياسي؟ ومع تصاعد الضغوط، أصبح من الواضح أن الحكومة تسعى إلى ضبط مسار التحقيقات بما يضمن عدم تحميل القيادة السياسية المسؤولية المباشرة، في حين تطالب المعارضة بتحقيق مستقل يقود إلى استقالات وتغييرات جذرية.
الإعلام، بدوره، لعب دوراً محورياً في توجيه الرأي العام حول نتائج التحقيقات، حيث باتت الصحف والقنوات التلفزيونية منابر لمعارك التأويل والتلاعب بالسرديات، فالإعلام الموالي للحكومة ركّز على الفشل الاستخباراتي والعسكري، محاولاً تقديمه كإخفاق مؤسساتي وليس كمسؤولية مباشرة لرئيس الوزراء ووزير الدفاع، في المقابل، استغلت وسائل الإعلام المعارضة هذه التحقيقات لطرح تساؤلات حول مدى كفاءة القيادة السياسية وإمكانية تحميلها مسؤولية التقصير، كما أن تسريبات التحقيقات لعبت دورًا كبيرًا في توجيه المزاج الشعبي، حيث تم توظيف بعض الشهادات الأمنية والعسكرية لتغذية الانقسام الداخلي، مما يعكس أن هذه التحقيقات ليست فقط عملية بحث عن الحقيقة، بل أيضاً أداة لإعادة تشكيل المشهد السياسي داخل إسرائيل.
على صعيد المؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية، إذ لم يكن الفشل مجرد ثغرة استخباراتية أو خلل لوجستي، بل ضرباً جوهرياً لعقيدة الأمن القومي التي بُنيت على مبدأ الردع المطلق والتفوق الاستخباراتي، فمنذ تأسيسها، قامت العقيدة الأمنية الصهيونية على افتراض أن أي تهديد يمكن احتواؤه مبكراً عبر عمليات استباقية، وأن أي خرق يمكن التعامل معه بسرعة وحسم، لكن الهجوم كشف هشاشة هذه الركائز، حيث نجح المُقاومون في تجاوز الدفاعات، وتفادي الرصد الاستخباراتي، والتعامل مع القوات الميدانية بفاعلية غير متوقعة، هذا الانكشاف أجبر القيادة العسكرية على إعادة تقييم مدى فعالية استراتيجياتها، خاصة في ظل تصاعد المخاطر من جبهات متعددة، في ضوء هذه النتائج، تصاعدت الدعوات داخل "إسرائيل" لإعادة هيكلة الجيش والمؤسسات الأمنية، حيث بات من الواضح أن الاعتماد المفرط على التكنولوجيا والمنظومات الدفاعية، مثل القبة الحديدية والجدران الإلكترونية، لم يكن كافياً لمنع هذا النوع من الهجمات، بدأت نقاشات حول ضرورة إعادة التركيز على القوات البرية والتدريبات الميدانية، وتحسين قدرات الجيش على التعامل مع سيناريوهات الاختراقات المباغتة، كما ظهرت مطالب بتغييرات في هيكلية الأجهزة الأمنية، خصوصًاً جهاز الشاباك والمخابرات العسكرية، لضمان عدم تكرار الفشل الاستخباراتي في تقدير النوايا والتحركات المعادية.
أما على مستوى المشهد السياسي الصهيوني المضطرب أصلًا، حيث تحوّلت إلى أداة للصراع بين الحكومة والمعارضة، وسط محاولات كل طرف توظيفها بما يخدم مصالحه السياسية، فبالنسبة للحكومة، كان التحدي الرئيسي هو احتواء الغضب الشعبي والتقليل من التداعيات السياسية للكارثة الأمنية، خاصة في ظل الانتقادات الواسعة التي طالت رئيس الوزراء "نتنياهو" ووزير الدفاع "يسرائيل كاتس"،ورغم محاولات الترويج لرواية أن الإخفاق يعود إلى مستويات استخباراتية وعسكرية وليس إلى قرارات سياسية مباشرة، إلا أن المعارضة سارعت إلى استغلال النتائج للمطالبة بمحاسبة القيادة وتحميلها مسؤولية الفشل، ما زاد من الضغوط على الحكومة التي باتت تواجه أزمة شرعية متزايدة، ويبدو أنّ الانقسامات تعمقت داخل النخبة السياسية الإسرائيلية، حيث حاولت بعض الأجنحة داخل الحكومة نفسها النأي بنفسها عن المسؤولية، بينما استغل قادة المعارضة نتائج التحقيق لتعزيز موقفهم والدفع باتجاه تغييرات جذرية، وصلت إلى حد المطالبة بانتخابات مبكرة، وبما أن "إسرائيل" تعيش في بيئة سياسية شديدة الاستقطاب، فإن التحقيقات لم تكن مجرد كشف للحقائق، بل تحوّلت إلى سلاح يستخدمه كل طرف لتصفية حساباته مع خصومه، سواء داخل الائتلاف الحاكم أو بين الحكومة والمعارضة.
أما على المستوى الانتخابي، فإن تداعيات التحقيقات مرشحة لإعادة رسم الخريطة السياسية، حيث فقدت الحكومة الكثير من شعبيتها، بينما اكتسبت المعارضة زخمًاً جديداً، ومع تصاعد الاحتجاجات الشعبية وتزايد المطالبات بمحاسبة القيادات العليا، فإن احتمالية الذهاب إلى انتخابات مبكرة تبدو أكثر واقعية، رغم محاولات الحكومة تجنب هذا السيناريو، وفي كل الأحوال، فإن نتائج التحقيقات لن تمر دون تأثير عميق على مستقبل الحكم في "إسرائيل"، سواء عبر إعادة تشكيل الائتلافات السياسية، أو تغيير أولويات السياسة العامة، أو حتى إحداث زلزال انتخابي قد يطيح ببعض الوجوه السياسية البارزة.
هنا؛ يجد الاحتلال الصهيوني نفسه أمام مفترق طرق حاسم، حيث لا تقتصر التداعيات على محاسبة المسؤولين عن الإخفاق الأمني، بل تمتد إلى إعادة صياغة سياساته الأمنية والعسكرية وحتى توجهاته السياسية، وأحد السيناريوهات الأكثر ترجيحاً يتمثل في تصعيد عسكري واسع النطاق، سواء في غزة أو الضفة الغربية، في محاولة لاستعادة قوة الردع التي تضررت بشكل كبير، فالحكومة الصهيونية، التي تعاني من أزمة شرعية داخلية، قد تلجأ إلى تصعيد العمليات العسكرية لامتصاص الغضب الشعبي وتحويل الأنظار عن الإخفاقات الداخلية، في المقابل، هناك سيناريو آخر يقوم على إعادة ترتيب الأولويات السياسية والأمنية، حيث قد تدفع هذه الأزمة "إسرائيل" إلى مراجعة استراتيجياتها الأمنية والتعامل مع القضية الفلسطينية من منظور أكثر حذراً، ومع تصاعد الضغوط الدولية والداخلية، قد تشهد الفترة المقبلة محاولات لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وتغيير العقيدة العسكرية لتجنب تكرار هذا الفشل، كما أنّ تأثير التحقيقات قد يمتد إلى مسار العلاقات الإقليمية، حيث ستسعى "إسرائيل" إلى تعزيز تحالفاتها مع بعض الدول لتجاوز تداعيات الهجوم، مع احتمال إعادة النظر في استراتيجيات التطبيع والتعامل مع التهديدات الإقليمية.
في الختام؛ لا شك أن نتائج تحقيقات 7 أكتوبر ستظل نقطة تحول كبرى في تاريخ الاحتلال الصهيوني، حيث كشفت عن مواطن ضعف غير مسبوقة في المنظومة الأمنية والسياسية، وبينما يحاول الاحتلال إعادة هندسة مشهده الأمني والسياسي لمواجهة التحديات القادمة، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه التحقيقات بداية إصلاح حقيقي، أم مجرد أداة لتصفية الحسابات السياسية وتأجيل الأزمة إلى حين؟ في كل الأحوال، فإن تداعياتها ستظل حاضرة في المشهد الصهيوني، مرسخةً مرحلة جديدة من الاضطراب والتغييرات العميقة.







