د.إيمان أحمد عبد الحليم: التداعيات المتوقعة لارتفاع درجات الحرارة في العالم

profile
  • clock 26 يوليو 2022, 2:42:37 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

 

تصاعد الاهتمام في الأيام الأخيرة بتفاقم أزمة المناخ على الصعيد العالمي، وارتدادات هذه الأزمة على المستويين الإنساني والاقتصادي؛ حيث كانت هذه القضية محور تركيز العديد من التقارير والتحليلات. ويأتي ذلك على خلفية ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة في العديد من دول العالم، وتحديداً أوروبا التي تحولت إلى منطقة تركز لموجات الحر نتيجة تسارع احترار القطب الشمالي. وقد دفع هذا الوضع الأمم المتحدة، في 20 يوليو الجاري، إلى دعوة قادة العالم إلى أن يعوا المشكلة خلف موجات الحر، مثل تلك التي تجتاح أوروبا حالياً، والتي قد تصبح أكثر تواتراً بسبب تغير المناخ حتى عام 2060 على الأقل.

تزايد الاحترار

يمكن استعراض مجموعة من المؤشرات تعبر عن تفاقم أزمة المناخ على الصعيد العالمي في الفترة الأخيرة؛ وذلك على النحو الآتي:

1– تسجيل درجات الحرارة في أوروبا أرقاماً قياسية جديدة: في ضوء موجة الحر التي اجتاحت قارة أوروبا، وتحديداً الدول الواقعة في غرب القارة مع مطلع الأسبوع الثالث من يوليو الجاري، سجلت درجات الحرارة في القارة أرقاماً قياسية جديدة. وعلى سبيل المثال، سجلت بريطانيا درجة قصوى جديدة عند 40.3 درجة مئوية (104.5 درجة فهرنهايت)، محطمةً بذلك رقم 38.7 درجة مئوية التي تم تسجيلها في عام 2019. وقد أعلنت الحكومة البريطانية على إثر ذلك حالة طوارئ وطنية.

2– حدوث حرائق في الغابات بمناطق متفرقة من العالم: أدى ارتفاع درجات الحرارة في الولايات المتحدة إلى اندلاع حرائق عديدة في الغابات، كما اندلعت مجموعة من الحرائق حول العاصمة لندن. وكذلك اندلعت العديد من الحرائق في أجزاء مختلفة من إسبانيا على مدار الأيام الماضية. وأصدرت السلطات اليونانية مؤخراً أوامر بإخلاء أربع مناطق على الأقل إثر اندلاع حريق في غابات واقعة في منطقة جبلية بالقرب من مناطق سكنية بضواحي أثينا، كما تم إخلاء مستشفى ومرصد أثينا الوطني احترازياً. وأعلنت السلطات المغربية مؤخراً عن تواصل جهودها الرامية إلى إخماد حرائق الغابات شمال البلاد.

3– تواتر موجات الطقس السيئ عالمياً على نحو غير مسبوق: رغم أن موجات الحر على المستوى العالمي ليست بالشيء الجديد، لكنها أضحت أكثر تكراراً وتطرفاً، وغالباً ما تحدث متزامنة في أماكن مختلفة. وتشير الدراسات الحديثة إلى تضاعف عدد أيام موجات الحرارة المتزامنة في نصف الكرة الشمالي في الوقت الحالي سبعة أضعاف ما كانت عليه قبل أربعة عقود، كما أن التغيرات في نمط التيار النفاث (وهو تيار هواء عالي الارتفاع ينظم هجرة الهواء الساخن باتجاه الشمال من المناطق الاستوائية)، قد يزيد الأمور سوءاً.

4– تضاعف خطر ارتفاع الحرارة نتيجة الإجهاد الحراري: يتضاعف خطر ارتفاع درجات الحرارة عالمياً إذا وُضع في الاعتبار أن الدرجات فوق 38 درجة مئوية تصنف بأنها تسبب إجهاداً حرارياً “قوياً جداً”، في حين أن درجات الحرارة التي تزيد عن 46 درجة مئوية تسبب إجهاداً “بالغاً”، والتعرض لمدة 30 دقيقة فقط للإجهاد الحراري البالغ يمكن أن يعرض الحياة للخطر، خاصةً كبار السن، وضعاً في الاعتبار أن نحو 80% من سكان العالم عانوا يوماً واحداً على الأقل من هذا الإجهاد الحراري البالغ في السنوات الخمس الماضية.

5– تزايد خطر ارتفاع درجات الحرارة في البلدان الفقيرة: في حين ارتفعت درجات الحرارة في المناطق الأكثر برودة في العالم منذ الثمانينيات، وهو ما عرض المزيد من المواطنين للحرارة الخانقة، فإن النمو السكاني كان أسرع في الدول الفقيرة الأكثر دفئاً؛ ما أدى إلى تزايد تعرض المواطنين في هذه الدول، على الأغلب، للحرارة المرتفعة؛ حيث يعيش ثلثا أولئك الذين يعانون من الحرارة الشديدة في بلدان يقل فيها متوسط الدخل السنوي عن 2000 دولار. وتشير التقديرات إلى أنه على الرغم من أن المواطن الأوروبي عانى في المتوسط على مدى السنوات الخمس الماضية من الإجهاد الحراري القوي (مع درجة الحرارة 38 درجة مئوية) لمدة ثلاثة أيام فقط في السنة، فإن الأشخاص خارج أوروبا عانوا من مثل هذه الظروف لمدة 65 يوماً كل عام.

خسائر جمة

لا يتوقف خطر أزمة المناخ عند حد ارتفاع درجات الحرارة وتنامي معاناة البشر من جراء هذا الارتفاع؛ حيث تتسبب أزمة المناخ كذلك في العديد من الأضرار الاقتصادية، التي يمكن توضيحها على النحو الآتي:

1– حدوث خسائر بشرية وموجات نزوح ببعض دول العالم: أشارت تقارير إلى أن حرائق الغابات في الولايات المتحدة أسفرت عن وفاة العديد من الأشخاص. ونوهت تقارير أن أكثر من 1700 شخص في إسبانيا والبرتغال لقوا مصرعهم نتيجة ارتفاع درجات الحرارة على مدار الأسبوعين الثاني والثالث من يوليو الجاري. وأدى ارتفاع درجات الحرارة إلى موجات نزوح. وعلى سبيل المثال، أجلت السطات الفرنسية مؤخراً آلاف الأشخاص من منطقة جيروند جنوب غرب البلاد بعد محاولات مستمرة من قبل رجال الإطفاء لإخماد النيران المنتشرة على مساحة 19300 هكتار.

2– إضرار ارتفاع درجات الحرارة بالزراعة والبنى التحتية: يحمل زيادة زمن موجات الطقس السيئ عواقب وخيمة ضارة بالزراعة؛ فمع ارتفاع درجات الحرارة التي تؤدي إلى التعطيل المتزامن للزراعة أو الحصاد في أماكن مختلفة، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى أزمات مرتبطة بنقل الغذاء حول العالم في ضوء وجود القليل مما يمكن نقله. وربما يكون الأخطر هو تصميم الكثير من البنى التحتية، خصوصاً في أوروبا، لتناسب أجواءً معينة تتغير بتغير المناخ؛ فمثلاً في بريطانيا، اقتربت أجزاء من شبكة السكك الحديدية من الشلل من جراء الارتفاع الكبير في درجات الحرارة.

ويتسق مع ذلك أن القضبان الموجودة على طرق السكك الحديدية البريطانية مُحسنة بحيث لا تتأثر بالإجهاد عند 27 درجة مئوية فقط. وحتى إن كان يمكن تغيير القضبان مع تكيف المجتمعات مع ارتفاع درجات الحرارة، لكن تكلفة تحديث جميع البنى التحتية وتعطيلها، من المنازل والمستشفيات إلى فرق الإطفاء، ستكون هائلة، حتى في البلدان الغنية، ناهيك عن أن الأمور ستكون أسوأ في البلدان الفقيرة التي لن تستطيع تحمل مثل هذه التكاليف.

3– تأثر سلاسل التوريد العالمية لتراجع مستويات الأنهار: يؤثر ارتفاع درجات الحرارة كذلك على التراجع الشديد في مستويات المياه في العديد من الأنهار المحلية والدولية على السواء، لدرجة أن سلاسل التوريد العالمية أضحت مهددة بسبب تأثر حركة السفن نتيجة تراجع مستويات المياه، وهو ما يتضح على نحو خاص في حالة نهر “الراين” الذي يمثل شريان حياة لقطاعات صناعية كبيرة في أوروبا. ويأتي ذلك بعد أن وصل مؤخراً منسوب مياه النهر بالقرب من بلدة Kaub الخلابة – الذي تحتاج جميع السفن التي تسافر إلى جنوب غرب ألمانيا الذي يتسم بالصناعة الثقيلة إلى المرور عبره – إلى 0.7 متر فقط (2.3 قدم)، وهو أقل بكثير من 1.2 متر (3.9 قدم) التي تتطلبها معظم السفن النهرية كحد أدنى للعبور.

وتتضاعف أزمة سلاسل التوريد في ألمانيا إذا ما وُضع في الاعتبار أن النقل النهري في الدولة يمثل 6% من إجمالي حجم النقل، ويلعب دوراً كبيراً في نقل المواد الخام المرتبطة بصناعة النقل؛ إذ يتم شحن نحو 30% من الفحم والنفط الخام والغاز الطبيعي ونحو 20% من إنتاج مصانع فحم الكوك والمنتجات النفطية عبر الأنهار، وينقل نهر “الراين” الغالبية العظمى من هذه البضائع، بجانب 11% من المواد الكيميائية المستخدمة في الصناعة الألمانية. وفي ضوء توقع الخبراء أنه في غضون شهر سينخفض منسوب المياه في نهر “الراين” لمدة 30 يوماً، فإن من المتوقع أن يتقلص الإنتاج الصناعي الألماني بنسبة 1%.

4– تضرر حالة الاقتصاد الأوروبي نتيجة أزمة نهر الراين: تتجاوز أهمية نهر “الراين” الصناعة الألمانية، فبفضل هذا النهر ازدهر نشاط ميناء “روتردام” على بحر الشمال ليصبح أكبر ميناء في أوروبا، والميناء الأوروبي الوحيد في قائمة أكبر 10 موانئ في العالم (ومعظم هذه الموانئ في الصين). وفي الواقع، تنامت القوة الصناعية الألمانية والفرنسية والسويسرية والبلجيكية والهولندية في القرنين الماضيين نتيجة النقل النهري الرخيص على نهر “الراين”، الذي ساعد على خفض تكاليف المواد الخام المستوردة، حتى إن خمس الصناعات الكيميائية في العالم تمتلك اليوم مرافق تصنيع على طول النهر.

ولن تتمكن الشركات ببساطة من إيجاد طرق بديلة لشحن منتجاتها عبر نهر “الراين”؛ حيث تعمل السكك الحديدية بالفعل بكامل طاقتها، وهناك حاجة ماسة إلى سائقي الشاحنات فيما يحاول العالم تقليل الاعتماد على النقل البري الملوث نحو المزيد من الاعتماد على النقل النهري ومن خلال السكك الحديدية، ولكن إذا انخفض منسوب مياه نهر “الراين” بمقدار 0.3 متر اضافية، فلن تتمكن حتى المراكب من القيام برحلة عبر النهر.

إخفاق أمريكي

على الرغم من حرص إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على القيام بدور قيادي للتصدي لأزمة التغير المناخي، إلا أن جهودها تعثرت في ضوء إخفاق الكونجرس في اتخاذ خطوات جادة في هذا الصدد، وذلك بعد تعثر مساعي الديمقراطيين نتيجة رفض رئيس لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في مجلس الشيوخ السيناتور “جو مانشين” مشروع قانون حزمة الطاقة الخاصة بإدارة بايدن. وتتمثل أبرز تداعيات الإخفاق الأمريكي فيما يلي:

1– الإضرار بمساعي واشنطن الرامية لتقليل انبعاثات الكربون: لا شك أن الإخفاق في التحرك لإبطاء تغير المناخ من شأنه الانعكاس سلباً على الجهود الأمريكية لتقليل انبعاثات الكربون؛ فالأحكام الداعمة لهذا الهدف متضمنة في مشروع القانون المتعثر، الذي يؤكد أهمية تقنيات احتجاز الكربون للانتقال العالمي للطاقة. وبينما تتوقع وكالة الطاقة الدولية (IEA) أنها ستقدم خمس التخفيضات اللازمة لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، فإن الولايات المتحدة كان يمكن أن تكون في وضع جيد لقيادة الجهود في سبيل تحقيق هذه الأهداف، في إطار ما ينص عليه مشروع القانون.

وبالإضافة إلى تشجيع مشروع القانون على الاعتماد على الطاقة المتجددة لإمدادات الكهرباء في الولايات المتحدة، فإنه من المفترض أن يتم استثمار مبالغ كبيرة – وفق مشروع القانون – في تطوير أنواع الوقود المنخفضة الكربون مثل الهيدروجين والأمونيا. ويمكن لهذه الأنواع من الوقود تخزين الطاقة للسفن وشاحنات الوقود وتوجيهها لاستخدامات الطاقة في الصناعات الثقيلة مثل الأسمنت والصلب.

2– المساهمة في الإبقاء على أزمة الطاقة العالمية الحالية: لا تتوقف ارتدادات تعثر مشروع القانون عند الأزمة المناخية المباشرة فحسب، بل إن هناك جوانب سلبية تتعلق بالأمن القومي الأمريكي وأمن الطاقة على الصعيد العالمي؛ إذ إن من شأن الحزمة التشريعية المتعثرة –حال تمريرها – أن تعزز مصادر جديدة للطاقة المنتجة محلياً، مع تشجيع الاعتماد على استخدامات الطاقة النووية السلمية. غير أن الفشل في تمرير هذه الحزمة يؤدي في المقابل إلى استمرار الاعتماد العالي على مصادر الطاقة التقليدية وتوسع الاعتماد على الغاز الطبيعي منزلياً؛ ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار المحلية وتقليص قدرة الولايات المتحدة على المساعدة في تصدير الطاقة وتحصين أوروبا وأجزاء أخرى من العالم من أحداث مثل أزمة الطاقة الحالية بسبب الخلاف مع روسيا حول أوكرانيا.

تكاتف مطلوب

وختاماً.. من الواضح أن التدخل لمعالجة أزمة المناخ الحالية أصبح أمراً ملحاً ويتطلب تكاتف الجميع من أجل تقليل التداعيات السلبية لهذه الأزمة التي ستؤثر كثيراً على الدول الفقيرة القريبة من خط الاستواء. ومن المتوقع أن تعاني القارة الأوروبية بدرجة كبيرة من جراء هذه الأزمة في الفترة المقبلة؛ حيث تهدد ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية حياة العديد من الأوروبيين، لا سيما في ظل عدم جاهزية العديد من المنازل للتعامل مع المخاطر المرتبطة بالتغير المناخي، بما يعزز المخاوف بشأن الشرائح الأكثر ضعفاً من السكان، ومنهم المشردون وكبار السن.

المصادر:

Jason Bordoff, By Not Acting on Climate, Congress Endangers U.S. National Security, Foreign Policy, July 21, 2022, Accessible at: https://foreignpolicy.com/2022/07/21/climate–change–action–us–congress–biden–bill–national–security/

Elisabeth Braw, Germany’s Economy Is Carried on the Rhine’s Shrinking Back, Foreign Policy, July 23, 2022, Accessible at: https://foreignpolicy.com/2022/07/23/climate–rhine–river–transport–germany/

A rising share of people are exposed to dangerously high temperatures, The Economist, July 21, 2022, Accessible at: https://www.economist.com/graphic–detail/2022/07/21/a–rising–share–of–people–are–exposed–to–dangerously–high–temperatures

Today’s heatwaves are a warning of worse to come, The Economist, July 20, 2022, Accessible at: https://www.economist.com/leaders/2022/07/20/todays–heatwaves–are–a–warning–of–worse–to–come

Henry Fountain, Why Europe Is Becoming a Heat Wave Hot Spot, The New York Times, July 18, 2022, Accessible at: https://www.nytimes.com/2022/07/19/climate/europe–heat–wave–science.html

Ivana Saric, Andrew Freedman and Jacob Knutson, Heat wave kills more than 2,000 people in Spain and Portugal, Axios, July 21, 2022, Accessible at: https://www.axios.com/2022/07/18/heat–wave–europe–death–toll

France battles huge wildfires, Britain bakes in record heatwave, Reuters, July 20, 2022, Accessible at: https://www.reuters.com/world/europe/record–temperatures–scorch–europe–wildfires–rage–across–south–2022–07–19/

Greek wildfire rages near Athens; homes, hospital evacuated, Reuters, July 20, 2022, Accessible at: https://www.reuters.com/world/europe/greek–widlfire–rages–near–athens–threatens–residential–areas–2022–07–19/
 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)