د. حيدر عيد يكتب: الحرب على غزة.. لقد تخلى العالم عنا ماذا نستطيع أن نفعل؟

profile
  • clock 29 يونيو 2024, 1:59:22 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
أقارب الطفل الفلسطيني إياد حجازي (10 أعوام) الذي توفي بسبب سوء التغذية نتيجة الحصار الإسرائيلي على غزة، ينعونه خارج مستشفى شهداء الأقصى في غزة في 14 يونيو 2024 (أ ف ب)

إن الواقع المرير بالنسبة للفلسطينيين في غزة هو أننا وحدنا، محاصرون، تحت الحصار، ومهجورون حتى من قبل أولئك الذين يفترض أنهم إخوتنا.

وقد أودت المجازر الوحشية التي استمرت قرابة تسعة أشهر بحياة أكثر من 37 ألف فلسطيني، كثير منهم من النساء والأطفال. وكان من بين الضحايا أطباء وممرضات يعملون في المستشفيات، وطلاب جامعات، وأشخاص يقومون بالأعمال المنزلية.

لقد تم ذبح عائلات بأكملها في وضح النهار، وسط التدمير الممنهج الذي تقوم به إسرائيل لآلاف المنازل في غزة. وهناك 10 آلاف شخص آخرين في عداد المفقودين، ويعتقد أنهم ماتوا ودُفنوا تحت الأنقاض.

ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تلوم الفلسطينيين، في حين تنتقد المحاكم الدولية لمحاولتها محاسبة إسرائيل على الإبادة الجماعية المستمرة.

لقد تُرك الفلسطينيون وحدهم للدفاع عن أنفسهم ضد هجمة دولة يدعمها أكبر جيش في العالم. وقد زودت الولايات المتحدة إسرائيل بأسلحة بمليارات الدولارات، بما في ذلك القنابل والطائرات المقاتلة، لإطالة أمد حربها.

وفي الوقت نفسه، وصلت المأساة الإنسانية في غزة إلى مستويات لا يمكن تصورها. وتكافح المستشفيات القليلة المتبقية للتعامل مع تدفق المدنيين المصابين. ولم تفعل الأنظمة العربية المجاورة سوى إصدار بيانات إدانة خجولة، بينما كانت تتوسط بين الظالم والمظلوم.

والحقيقة أن الأنظمة العربية خذلت الفلسطينيين منذ عام 1948، من خلال مزيج من الجبن والنفاق. لقد فشلوا في وضع حد للحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة منذ سبعة عشر عاما، أو حتى في تقديم تضامن حقيقي مع الشعب الفلسطيني، الذي أصبح الطرف المتلقي للهجوم العسكري الوحشي الذي تشنه إسرائيل.

مساعدة الظالم

ومن غزة، نتساءل كيف يمكن، في غياب الديمقراطية، أن تتحول عبارات الدعم الخجولة في شوارع وعواصم الدول العربية إلى عمل ملموس. ونتساءل عما إذا كانت الشعوب العربية التي تعيش تحت حكم الأنظمة الاستبدادية قادرة على تغيير تلك الأنظمة بطرق سلمية.

لقد أرهقنا أنفسنا في محاولة تحديد السبل الكفيلة بتحقيق التغيير السياسي الديمقراطي. ومع استمرار الإبادة الجماعية في غزة، لم نشهد أي ترجمة عملية من جانب الدول العربية للتضامن الذي أبدته بعض شعوبها مع فلسطين.

قال رئيس أساقفة جنوب إفريقيا ديزموند توتو ذات مرة: "إذا كنت محايدًا في حالات الظلم، فقد اخترت جانب الظالم".

ومرة أخرى، ظل المجتمع الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والقادة العرب صامتين إلى حد كبير بشأن الفظائع الإسرائيلية المستمرة. وهذا يضعهم إلى جانب إسرائيل.

وفشلت آلاف جثث النساء والأطفال في إقناعهم بضرورة التحرك. لقد أدرك الفلسطينيون أن أمامهم خياراً واحداً فقط يمكن الدفاع عنه: القوة الشعبية، وهي القوة الوحيدة القادرة على معالجة التفاوت الهائل في القوى في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

على مدى الأعوام السبعة عشر الماضية، كان أمام الفلسطينيين في غزة خياران: إما الموت ببطء وسط الحصار الإسرائيلي الخانق، أو الكفاح من أجل كرامتهم وكرامة أجيال المستقبل. وقد اختار الكثيرون القتال، مبتعدين عن سنوات من خداع الذات الذي صور الخضوع للمحتل كأمر واقع.

وفي هذا السياق، فإن مبادرات وقف إطلاق النار المقترحة لا تأخذ في الاعتبار أهداف إسرائيل في حرب غزة: القضاء على أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من خلال استهداف منازل المدنيين والبنية التحتية وإزالة أي مصدر محتمل لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في مخيم الإبادة المفتوح المعروف باسم غزة.

الأسباب الجذرية

وبدلاً من ذلك، فإن المبادرات التي تم طرحها تساوي بين المقاومة الفلسطينية والنظام الإسرائيلي الذي يمارس القمع المنهجي والفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني. ويبدو أن العالم يتوقع من الفلسطينيين أن يتقبلوا ببساطة موتهم البطيء دون أي شكل من أشكال التمرد.

لكن الفلسطينيين، في غزة وأماكن أخرى، لن يلتزموا بذلك.

إن أي اتفاق لا يؤدي إلى وقف فوري لإطلاق النار، ورفع الحصار الإسرائيلي المدمر، وإعادة فتح جميع المعابر الحدودية بشكل دائم بطريقة تسمح بدخول الوقود والأدوية والسلع الأساسية الأخرى، لن يكون مقبولاً لشعب غزة. . ويجب أن ينص الاتفاق أيضًا على انسحاب القوات الإسرائيلية دون تأخير.

ولا يمكن النظر إلى الحرب الحالية بمعزل عن الأسباب الجذرية للوضع في غزة: المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، والاحتلال، والفصل العنصري، والتطهير العرقي. ويجب أن يندرج هذا الصراع ضمن مطلبنا بحق العودة للفلسطينيين إلى الأراضي التي طرد منها مئات الآلاف في عام 1948. إن ثلثي سكان غزة هم من اللاجئين الذين يتمتعون بهذا الحق بموجب القانون الدولي.

من رفح إلى النصيرات إلى جباليا وبقية غزة، وصلنا إلى لحظة محورية في التاريخ الفلسطيني. إن غزة تتوق إلى قيادة ترقى إلى مستوى الحدث وتعترف بفكرة فلسطين من النهر إلى البحر.

إن أي حديث عن تحسين أوضاعنا القمعية -وحتى هذا يعتبر أكثر من اللازم بالنسبة لنا- في ظل التضحيات الكبيرة التي قدمت، هو خيانة لشهداء غزة. ويتعين علينا أن نبدأ بمناقشة حلول جذرية لتجاوز الوضع الراهن، وتبني شعار واضح: إنهاء الاحتلال، وإنهاء الفصل العنصري، وإنهاء الاستعمار الاستيطاني. ولو حدث ذلك، فإن كل الأرواح التي أزهقت في غزة لن تذهب سدى.

الدكتور حيدر عيد هو أستاذ مشارك في قسم الأدب الإنجليزي، جامعة الأقصى، قطاع غزة، فلسطين.

المصادر

Middle East Eye

التعليقات (0)