د. رامي أحمد أبو زبيدة يكتب: طوفان الأقصى رؤية عسكرية (١)| 7 أكتوبر المفاجأة.. وغفلة العدو المتذاكي

profile
رامي أبو زبيدة كاتب وباحث بالشأن العسكري والامني
  • clock 3 مارس 2025, 10:16:43 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
د. رامي أحمد أبو زبيدة يكتب: 7 أكتوبر المفاجأة.. وغفلة العدو المتذاكي

عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر لا يزال صداهما يتردد في أروقة مؤسسات الكيان الأمنية والعسكرية، فقيادة العدو لم تتوقف لحظة عن البحث والتحليل والتعليل ، وما بين تضارب تحقيقات وأقوال العدو وشهاداته حول عملية طوفان الاقصى وقدرة القسام النوعية في مفاجأة العدو وامتلاك مركبات القوة والقدرة متعددة الاطراف والابعاد، لكن محصلة هذه التحقيقيات كما ترى وسائل اعلام العدو المختلفة هو وجود جمود فكري لدى جهاز الاستخبارات، الجيش والشاباك على رأسه.

 

يقول ضابط كبير عمل في تحقيقات 7 أكتوبر: “إن تقرأ الوثائق التي اعدت قبل الهجوم فانك تمر بتجربة صادمة، محبطة وحزينة جدا، فأنت تكون وكأنك في فيلم نهايته معروفة، تمزق شعرك كيف يمكن أن يكون كل هؤلاء الأشخاص في قيادة المنطقة الجنوبية، وفي هيئة الأركان، وفي قيادة الشاباك او في قيادة 8200 لا يرون ما يجري!؟”

تبعات طوفان الأقصى مازال مستمر لأن هكذا عمل يشمل قدرًا كبيرًا من المعلومات حول العوامل المسبّبة له، لكن الثابت بهذه العملية الكبيرة تحوَّلها إلى مشكلةٍ استراتيجيَّةٍ في ساحة المعركة نتيجة الإِخفاقات الاستخباراتيَّة، والفشل في اتّخاذ القرار، وقلت في حينها ان ما احدثته معركة طوفان الاقصى من اخفاق استخباري وميداني، ستسهم في خلق مشاكل خطيرة وزيادة الشك في كل عمل استخباري ذات نطاق واسع.

لقد كانت فرص المفاجأة الاستراتيجية، بحكم طبيعة المواجهة المفتوحة مع الاحتلال محدودة بدرجة أو بأخرى، فغزة يطبق عليها الحصار والاستحكام الاسرائيلي، واهداف المقاومة في تغير الوقائع على الارض معلنة وغير خافية، والطبيعة الجغرافية لقطاع غزة والاتجاهات الممكنة للهجوم شبه محددة بالضرورة.

فالمفاجأة بمعناها الاستراتيجي الجذري والجوهري غير سهلة إن لم تكن شبه مستحيلة، ومع ذلك فقد انتزعت قيادة المقاومة المفاجأة بجدارة بدرجة حققت كل أهدافها وتركت العدو في حالة تامة من العمى ثم التخبط فالذهول فاللوعة .

ومازال الجميع يتساءلون في كل الدنيا عن ذلك السر الغامض والمحير الذي اعمى الاسرائيليين عن كل علامات المعركة ومؤشراتها ونذرها وهي التي كانت "تحملق في عيونها بشدة" 
يقول الصحفي الاسرائيلي بن كاسبيت في قراءة نشرتها صحيفة "معاريف" إن الغطرسة وتجاهل التحذيرات أدى إلى فشل مستمر وأن فريق التحقيق جمع وثيقة مذهلة من 1000 صفحة حول واحدة من اعظم إخفاقات الاستخبارات في التاريخ.

والحق أن المرء كلما ازداد امعانا في التفكير في قضية المفاجأة، لم يملك إلا أن يزداد تعجبا واعجابا: تعجبا من غفلة العدو المتذاكي، واعجابا ببراعة الخطة العسكرية للمقاومة الفلسطينية الكتومة، مجموعات عسكرية كبيرة للمقاومة بكل معداتها وبكل تجهيزاتها تتحرك تحت ستار المناورات وتتخذ اوضاعا هجوية، كل ذلك على مسرح عملياتي مكشوف، وتحت سمع العدو وبصره بل تحت أنفه، كيف يمكن اخفاء كل هذا، وكيف يخفى كل هذا؟

على أية حال، تشكلت أركان هذه المفاجأة ببراعة عسكرية منقطعة النظير، من ناحية عامل السرية الذي كان مكفول بدرجة فذة، كما سارت عملية الخداع الاستراتيجي للعدو حسب تخطيط كفء طويل المدى.

هذا عن السرية والتمويه، أما عن التوقيت فقد اختارت الخطة لساعة الصفر توقيتا مرنا ذكيا وبارعا شل الجهاز العصبي لقيادة العدو برغم كل مخابراته وادعاءاته ، حيث كان منشغلا بنشاطاته واعياده التي تصاب فيها حياته بشلل تام، عدا عن غرور العدو الاكبر والأبقى ذلك الذي وصل به إلى حد استبعاد تجاسر القسام على المبادرة الواسعة.

بكل هذا وبغيره تم تحقيق المفاجأة الكاملة للعدو، تلك التي أطارت صوابه ووضعته لفترة ثمينة وحرجة في حالة من انعدام الوزن عسكريا وسياسيا ، ورغم كل ما قيل من أن العدو تنبه لاحتمالات الهجوم يوم 7 اكتوبر أو علم به قبل وقوعه بساعات قليلة ، كما كشفت التقارير العبرية عن اعتراف مكتب نتنياهو بتلقي تحديثات بشأن التطورات على الحدود مع قطاع غزة، فقد كان سلوك العدو الميداني في الساعات الأولى من الهجوم، كما أحست به قيادة المقاومة نفسها، دليلا عمليا على أنه أخذ بالمفاجأة تماما.

ترجع التحقيقات الاخيرة الفشل الاسرائيل حول يوم 7 اكتوبر بشكل كبير للمفاجأة .. فالعدو بعد أن صعقته ضربة القسام، وإنقاذا لسمعته العسكرية التي تحطمت، راح يبرر النصر القسامي بعامل المفاجأة وحده، وانه لولاه لما هزم ولا انتصر كما تعود ، إلى أخر هذه النغمة الدعائية غير المجدية وغير الصحيحة .

وفي الوقت نفسه فقد اكتشفت اسرائيل أن منطق التبرير هذا هو اعتراف ضمني منها على الأقل بعجز وفشل اجهزة استخباراتها التي تمرغت سمعتها في التراب، وخواء قدراتها التجسسية التي طالما تباهت بها. لقد وجد قادة الاحتلال انفسهم على الحالين، كالمستجير من الرمضاء بالنار.

ختاما نحن امام رأيان متعارضان لدى الاحتلال بصدد عوامل هزيمة 7 اكتوبر : رأي مخادع يلقي اللوم والمسئولية كاملة على الاستخبارات الاسرائيلية، ورأي اكثر صراحة يعتبر مسؤولية الاستخبارات جزئية فقط والخطأ أوسع منها واشمل وان هناك نقص في الرؤية وفي الواقعية على جميع المستويات.


على أية حال، فليس صحيحا أن فشل الاحتلال المدوي يرجع إلى عامل المفاجأة وحده، كما يحاول هو أن ينظر ليثبت أن الأمر كله كان فلتة ومجرد مصادفة لا تتكرر. فهذه ليست إلا محاولة يائسة كما هي بائسة من جانب الاحتلال لتغطية فشله وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من روحه العسكرية المنهارة ، والواقع الذي لا يريد ان يقر به الاحتلال أن المفاجأة على أهميتها القصوى ليست إلا عنصرا واحد فقط من مركبات القوة والقدرة لدى المقاومة متعددة الاطراف والابعاد .

التعليقات (0)