د.رعد هادي جبارة يكتب: خصوصية المفردة القرآنية 19.. حرمة الافتراء على المؤمن في القرآن والسنة النبوية

profile
د.رعد هادي جبارة الأمين العام للمجمع القرآني الدولي
  • clock 27 نوفمبر 2024, 12:16:29 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


{إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (النساء:86)

في سياق سلسلة أبحاثنا القرآنية، نحاول اليوم التوسع فيها إلى جوانب تربوية وسلوكية وظواهر اجتماعية، ونضيء على قضية البهتان والافتراء والتسقيط وتشويه سمعة المؤمنين، التي تفاقمت وتحولت إلى ظاهرة مثيرة للتوترات والبغضاء. وهي أسلوب بعيد عن الإسلام، ومجانب للأخلاق، ومسبب لردود الفعل المتشنجة والمهاترات من خلال الحوارات التلفزيونية، والمقالات الصحفية، والمنشورات، والملصقات عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.

ورغم أن قرآننا وأحاديث نبينا الأكرم وأهل بيته الطاهرين تندد بذلك وتحذر من هذا الفعل المشين، إلا أننا ما زلنا نجد أقلامًا وألسنة تنفث سمومها على ذوي الرأي الآخر، وتفتري على المؤمنين والمجاهدين، وتشوه سمعة الأبرياء بلا ضمير ولا خوف من الله ﷻ وجلت عظمته. فنحن، والحالة هذه، لا يمكننا التفرج على هذا المنكر والوقوف مكتوفي الأيدي دون أن ننهى عن الباطل.

 قال ﷻ: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} (الإسراء:36)

 فكل كلمة، وكل ادعاء، وكل افتراء يقوله أو يكتبه المرء، فهو محاسَب عليه بدقة: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} (ق:18).

وفي هذا السياق نقرأ الآية الكريمة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ (الأحزاب:70).

وللأسف، إن بعض الأشخاص يستأنس بذكر مثالب الناس، ويطيب له التركيز على من يحقد عليه، ولا يكاد لسانه يلهج سوى بقدح من يكرهه، لهوى في نفسه ونزغ من شيطانه، أو لمجرد سوء ظن أو خلاف في الرأي. فتراه لا ينفك يلصق به التهم الباطلة والافتراءات النكراء، وينتقص منه، ويشوه سمعته.

لا أدري هل نسي هذا المفتري أو تناسى قول الله ﷻ:
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (الأحزاب:58).

في الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
«أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ثَلاثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ. وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ».
قال: «فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا...»

ولشدة قبح هذا العمل المنافي للخلق الإسلامي، ورد في الحديث المروي عن نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم:
«أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع عنده. فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "كلا، المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار"».
(ميزان الحكمة، الريشهري، ج3، ص2444)

إن الشخص الذي يمارس الافتراء ويحوّل مقاله أو لقاءه التلفزيوني إلى برميل من الشتائم والأكاذيب والتسقيط واللعن والطعن في أخيه المسلم، لا شك في كونه عديم التقوى، ويبغضه الله ﷻ ورسوله والأئمة والناس الصالحون، ولا يستحق الرحمة الإلهية.

في الحديث المروي عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"من آذى مسلمًا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ﷻ". (المعجم الأوسط، الطبراني، ج4، ص373).

ختامًا:

علينا كحمَلة أقلام، ومديري منصات، ومجلات، ومواقع، ومديري فضائيات، وحتى رؤساء المواكب والحسينيات، أن نمنع من يفتري كذبًا على المؤمنين، ويتهم مخالفيه في الرأي أو الاتجاه السياسي. يجب أن نردعه من استغلال منصاتنا ومنابرنا الحسينية، والمجلات، والفضائيات، ونوقفه عن الكلام المنكر، ونحذف منشوره المليء بالأباطيل.

ومن ذلك قول الشخص: "كلهم حرامية، كلهم كذابين"؛ لأن هذا الشخص تشمله الرواية الشريفة التالية:

عن المفضل بن عمر قال: قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام:

"من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروّته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله ﷻ من ولايته إلى ولاية الشيطان، فلا يقبله الشيطان" (الكافي، ج2، ص358).

 وهذا المفتري على أخيه المؤمن ينطبق عليه الحديث الشريف المروي عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم:
"من آذى مؤمنًا ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوبًا بين عينيه: آيسٌ من رحمة الله ﷻ، وكان كمن هدم الكعبة والبيت المقدس وقتل عشرة آلاف من الملائكة" (إرشاد القلوب، ج2، ص76).

 ومعروفٌ أن الافتراء والبهتان من صفات اللئام، بحيث قال بعض الحكماء من الشعراء:


إن الكريم إذا تقضّى وُدُّهُ
يُخفي القبيح ويُظهر الإحسانا

وترى اللئيم إذا تصرّم حبله
يُخفي الجميل ويُظهر البهتانا.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)