- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
د. رغدة البهي يكتب: مستقبل "تويتر" في ظل إدارة "ماسك"
د. رغدة البهي يكتب: مستقبل "تويتر" في ظل إدارة "ماسك"
- 27 يوليو 2023, 9:43:09 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
منذ الاستحواذ على “تويتر”، واجهت المنصة تحديات متلاحقة على خلفية تسريح العاملين، والتراجع الحاد في أعداد المعلنين، والإقبال المتنامي على تطبيق “ثريدز” الذي أطلقته شركة “ميتا”، والدعوى القضائية التي رفعها ناشرو الموسيقى للتعويض عن أضرار تزيد على 250 مليون دولار بزعم انتهاك حقوق الطبع والنشر، والدعوى القضائية التي رفعتها شركة أسترالية لإدارة المشروعات أمام إحدى المحاكم الأمريكية لتطالب بمدفوعات تراكمية تبلغ نحو مليون دولار أسترالي، وتعدد شكاوى المستخدمين، وتنوع مواطن الخلل التقنية الأساسية مثل الأعطال التي شابت المقابلة الرفيعة المستوى مع المرشح الرئاسي الجمهوري “رون ديسانتيس”، وغير ذلك.
ولا يخفى أن جزءاً كبيراً من تلك التحديات، إنما يرجع في الأساس إلى سياسات “إيلون ماسك” الذي جعل “تويتر” جزءاً من شركة تكنولوجية ناشئة أطلق عليها اسم “إكس”، على أن تحتفظ المنصة باسمها، والذي أقر بعض القوانين الجديدة للتصدي لعمليات جمع المعلومات والبيانات والتلاعب بأنظمة المنصة، وغير ذلك من سياسات أسفرت عن هجرة بعض المستخدمين إلى حد التساؤل عن مستقبل المنصة.
أبعاد التغييرات
على مدار الأشهر القليلة الماضية، شهدت منصة “تويتر” جملة من التغييرات الهيكلية في ظل قيادة “ماسك”؛ وذلك على النحو التالي:
1– تغيير شعار العصفور الأزرق: كشف “ماسك” عن خططه لتغيير اسم عملية الكتابة على المنصة (التغريد)، جنباً إلى جنب مع تغيير شعار “العصفور الأزرق” المعروف؛ ليحتوي الشعار الجديد على حرف إكس (X) أبيض على خلفية سوداء. وعلى خلفية ذلك، قام “ماسك” بتغيير صورة حسابه على المنصة باستخدام الشعار الجديد، كما أضاف “إكس دوت كوم” (X.com) إلى تعريفه الشخصي، كما نشر صورة للشعار الجديد، وهي معروضة على إحدى واجهات مقر شركة “تويتر” في سان فرانسيسكو.
وفي هذا السياق، قال “ماسك – الذي غير اسم الشركة إلى إكس كورب (Corp X) – إن الاستبدال كان يجب أن يتم منذ وقت طويل. وعليه تميزت حسابات كل من “ماسك” والرئيسة التنفيذية الجديدة للمنصة “ليندا ياكارينو” بشعار (X) على الرغم من أن طائر “تويتر” الأزرق لا يزال مرئياً عبر النظام الأساسي من ناحية، وعلى الرغم أيضاً من رواج هاشتاج “وداعاً تويتر” على المنصة، على خلفية انتقاد عدد واسع من المستخدمين للشعار الجديد من ناحية ثانية.
2– تقييد عدد التغريدات: تعرضت شركة “تويتر” لانتقادات حادة من قبل المستخدمين والمسوقين عقب الإعلان في وقت سابق من الشهر الجاري عن وجود حد أقصى لعدد التغريدات اليومية التي يمكن لأصحاب الحسابات المختلفين قراءتها؛ فقد وضع “ماسك” حداً أقصى لعدد التغريدات التي يمكن لمستخدمي “تويتر” الاطلاع عليها لتصل إلى 10 آلاف تغريدة للحسابات الموثقة، و1000 تغريدة للحسابات غير الموثقة، و500 تغريدة للحسابات الجديدة غير الموثقة. وهو ما يرجع إلى ما سماه “التجريف العدواني لبيانات تويتر” من قبل عدد من المنظمات والجهات التي جمعت بيانات المنصة إلى حد التلاعب بها؛ إذ يقع اللوم على الشركات التي تستخدم كميات كبيرة من البيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية على اختلاف حجم تلك الشركات؛ ما يحتم على المنصة استخدام عدد كبير من الخوادم بشكل عاجل لتلبية الطلبات المفرطة لبعض الشركات الناشطة في هذا المجال. وقد أدى ذلك إلى تزايد الاهتمام بالمنافسين الذين لا يفرضون رسوماً على المستخدمين للتصفح أو المشاهدة رفضاً لسياسات قد تقوض نشاط المستخدمين.
3– إعادة تفعيل بعض الحسابات: أعاد “ماسك” في مطلع العام الجاري ما يزيد عن 10 آلاف حساب إلى المنصة، وقد أثارت تلك الخطوة جدلاً واسعاً؛ لما تروجه تلك الحسابات من أفكار متطرفة داعمة لنظرية المؤامرة تارة، ورافضة للتلقيح تارة ثانية؛ ما قد يفتح الباب لانتشار المعلومات المغلوطة وخطابات الكراهية؛ ما يحول المنصة إلى ساحة جاذبة للفكر المتطرف، لا سيما مع تراجع جهود مكافحة المحتوى المتطرف؛ ما قد ينفر المستخدمين من المنصة. ومن بين تلك الحسابات، تبرز حسابات طبيب القلب “بيتر ماكولو” (المعارض للتلقيح) والطبيب “روبرت مالون” (الرافض للقاحات فيروس كورونا المستجد، الذي نشر – منذ إعادة تفعيل حسابه الذي يضم أكثر من 869 ألف متابع – معلومات خاطئة عن تلك اللقاحات مجدداً.
4– الإدارة المنفردة للمنصة: واجه “ماسك” انتقادات عدة على خلفية منهجه في معالجة المعلومات المضللة؛ إذ يذكر في هذا الصدد استقالة “إيلا إروين” (مديرة قسم الأمان وإدارة المحتوى سابقاً) بسبب رفضها – وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز” – الأساليب التي يعتمدها “ماسك” والتي يُحدِّد بموجبها القواعد الحاكمة للمنصة بقرارات منفردة، بيد أن “ماسك” – في المقابل – دأب على تأكيد أن كثيراً من سياساته إنما تأتي استجابةً لآراء المستخدمين، حتى إن تغيير شعار “تويتر” لم يحدث إلا عقب استطلاع آراء ملايين المتابعين حول إذا ما كانوا يُفضِّلون تغيير نظام ألوان الموقع من الأزرق إلى الأسود.
5– مقاضاة الحكومات والدول: في يوليو 2022، رفعت شركة “تويتر” دعوى قضائية ضد الحكومة الهندية على خلفية حظر بعض الحسابات والتغريدات في سابقة هي الأولى من نوعها؛ فللمرة الأولى تقاضي شركة وسائط اجتماعية إحدى الحكومات بسبب سياساتها المتعلقة بإزالة المحتوى؛ لكونها تعسفية وغير شفافة.
والجدير بالذكر في هذا الإطار أن محكمة كارناتاكا العليا رفضت قضية “تويتر”، وفرضت غرامة قدرها 5 ملايين روبية (61 ألف دولار) على الشركة؛ لعدم امتثالها للأوامر والأحكام القضائية طوال ما يزيد على عام. وقد حذر بعض النشطاء من خطورة تلك الأحكام القضائية؛ لأنها تعطي الدول سلطات مطلقة في مواجهة محتويات غير مواتية، ولأنها تزيد صلاحياتها الرقابية في مواجهة المحتويات المنشورة على الإنترنت؛ ما أثار تساؤلات عدة عن موقف المنصة من ذلك، بيد أن “ماسك” أكد أن الشركة ليس لديها خيار سوى الامتثال لقوانين الحكومة المحلية؛ لأن عدم الامتثال لها يعني المخاطرة بالإغلاق.
6– هروب المعلنين: وصف “ماسك” نفسه بالمستبد في مناصرته لحرية التعبير”، وانتقد سياسات “تويتر” بشأن تعديل المحتوى؛ لأن المنصة يجب أن تتحول إلى منتدى حقيقي لحرية التعبير، بيد أن إعادة الحسابات اليمينية أبعد الشركات المعلنة عنها، وفشل “ماسك” في “إقناع المعلنين” بعدم تركها، لتعاني من تراجع تدفقاتها النقدية بسبب انخفاض عائدات الإعلانات إلى ما يقرب من 50%. وفي السياق نفسه، يذكر أن شركة “أبل” أوقفت أغلب إعلاناتها على منصة “تويتر”، كما تهدد بحذف المنصة من متجر التطبيقات الخاص بها، وهو ما أتى عقب توقف عدد من الشركات عن الإنفاق على الإعلانات على “تويتر” وسط مخاوف من مخططات ماسك للإشراف على محتوى الموقع.
7– الانسحاب من مدونة الاتحاد الأوروبي للمعلومات المضللة: قررت منصة “تويتر” الانسحاب من مدونة الاتحاد الأوروبي للممارسات السليمة ضد التضليل الإعلامي عبر الإنترنت الذي أُطلق في عام 2018، وهي المدونة التي انضم إليها ما يقرب من ثلاثين مُوقعاً، بما في ذلك بعض الشركات العملاقة، مثل “ميتا” و”جوجل” و”تويتر” و”ميكروسوفت” و”تيك توك”، بجانب المنصات الأصغر وبعض المعلنين ومدققي الحقائق والمنظمات غير الحكومية.
وقد كُتبت هذه المدونة بواسطة الجهات الفاعلة في الصناعة نفسها، لتضم أكثر من ثلاثين تعهداً على شاكلة التعاون مع مدققي الحقائق، وعدم الترويج للجهات التي تنشر معلومات مضللة؛ فمنذ شراء “تويتر”، خفف “ماسك” من خطوات تدقيق المحتوى؛ ما عظَّم دور مروجي المعلومات المضللة على المنصة؛ لذا تلقى تحذيرات تطالبه ببذل الجهد كي تتوافق المنصة مع قوانين الاتحاد الأوروبي الجديدة بخصوص المعلومات الكاذبة والتضليل.
مستقبل “تويتر”
على الرغم من تعدد التغييرات الهيكلية السالفة الذكر، قد يصعب الجزم بمستقبل منصة “تويتر” الذي يدور حول عدة مسارات محتملة، يمكن الوقوف على أبرزها من خلال النقاط التالية:
1– معالجة الاختلالات الهيكلية: قد تتمكن المنصة من تجاوز التحديات السالفة الذكر بالنظر إلى جملة من المؤشرات البارزة ويأتي في مقدمتها رغبة “ماسك” في إطلاق تطبيق يحمل اسم “إكس” ليمزج بين خدمات مختلفة مثل الرسائل والمدفوعات، بجانب رغبته في إطلاق خدمة الرسائل المباشرة المشفرة عبر “تويتر”، إضافة إلى خدمة الاتصالات الصوتية وعبر الفيديو، ناهيك عن تعيين “ليندا ياكارينو” في رئيسة تنفيذية للمنصة على تعدد خبراتها، لا سيما أنها تحمل شهادة في الاتصالات السلكية واللاسلكية من ولاية بنسلفانيا؛ فقد كشفت عن خططها لما أطلقت عليه “تويتر 2.0” أو النسخة الجديدة لتويتر، التي من المتوقع أن تصبح مصدر المعلومات الأكثر دقةً في العالم، وأن تصبح كذلك ميداناً عالمياً للتواصل. ومن المتوقع أن تستخدم “ياكارينو” خبرتها الواسعة لتحسين الأعمال الإعلانية للمنصة، وتوسيع استخدام الفيديو عبر الموقع.
2– تراجُع مكانة المنصة بين تطبيقات التواصل: مع استمرار قيادة “ماسك”، يظل طريق المنصة إلى التعافي محفوفاً بالمخاطر، مع الأخذ في الاعتبار بعض القرارات الحازمة، وتسريح العمال، بجانب بعض القرارات غير المحسوبة، وهو ما ينذر بتراجع مكانة المنصة بالنظر إلى جملة من المؤشرات الدالة على ذلك، التي تشمل إفادة 75% من موظفي المنصة السابقين – بما في ذلك الفرق المكلفة بتتبع خطاب الكراهية – بعجز المنصة عن التحقق من صحة حسابات المشتركين من ناحية، وتراجع شعبيتها بين مستخدميها، حتى إن أحد استطلاعات الرأي التي أجراها مركز (Pew)، أظهر أن ستة من كل عشرة بالغين في الولايات المتحدة، أخذوا استراحة من المنصة، وقال ربعهم إنهم لا يتوقعون استخدام المنصة ثانية في غضون عام من ناحية ثانية، كما أعرب عدد كبير من مستخدمي “تويتر” عن أسفهم لتغيير الشعار الأيقوني، بما في ذلك مصمم الشعار نفسه “مارتن جراسر”.
3– تحوُّل المنصة إلى شركة مربحة: يناهض “ماسك” الإعلانات باعتبارها مصدراً أساسياً لإيرادات المنصة؛ إذ يدافع بشدة عن نموذج قائم على الاشتراك (من خلال التحقق من العلامة الزرقاء). ومع ذلك، فإن هذا يتعارض مع الممارسة الراسخة في وادي السيليكون التي تقضي باعتماد منصات وسائل التواصل الاجتماعي على عائدات الإعلانات بطرق أساسية.
وفي اتجاه مضاد لذلك، تتعدد المؤشرات الدالة على رغبة “ماسك” في تحويل “تويتر” إلى شركة مربحة، من خلال كم البيانات الهائلة التي تحتفظ به المنصة في صورة مئات المليارات من المحادثات البشرية الحقيقية، التي تعد مورداً هائلاً لشركات الذكاء الاصطناعي؛ إذ يمكن لنماذج اللغة الاستفادة من هذه التفاعلات، ودراسة كيفية الرد على الأسئلة بطرق شبيهة بالبشر، كما أن “ماسك” و”ياكارينو” تبنَّيا استراتيجية جديدة عمادها إبرام شراكات مع منشئي المحتوى لتنشيط أعمال المنصة، وهو ما تجلى بوضوح في صورة عرض تقديمي للمستثمرين، بجانب محادثات مبكرة مع شخصيات سياسية وترفيهية، وخدمات الدفع الإلكتروني، وناشري الأخبار والإعلام، لبناء شراكات محتملة.
4– احتدام المنافسة مع عمالقة التكنولوجيا: على تعدُّد التحديات التي تُواجِه “تويتر”، فإن التحدي الأبرز الذي تواجهه المنصة هو المنافسة المحتدمة مع تطبيق “ثريدز” الذي أطلقته شركة “ميتا”، لا سيما بعد أن اتجه إليه أسماء كبرى، وعدد من المشاهير على شاكلة “إلين ديجينيرز” و”أوبرا وينفري” و”جنيفر لوبيز” وغيرهم؛ إذ يُعَد ذلك التطبيق من أكبر المنافسين لتويتر؛ لتدشينه لحقبة جديدة من حقب شبكات التواصل الاجتماعي المترابطة من ناحية، واشتراك 30 مليون مستخدم خلال ساعات من إطلاقه من ناحية ثانية، ورغبة “مارك زوكربيرج” في الوصول إلى مليار مستخدم خلال فترة وجيزة من ناحية ثالثة؛ فقد يكون من المبكر حسم طبيعة الصراع بين المنصتين، بيد أن كثيراً من التحليلات تدفع بأن منصة “ثريدز” تمثل تهديداً حقيقياً لعرش “توتير”.
ختاماً، تشير التحديات التي نتجت عن إدارة “ماسك” لمنصة “تويتر”، وما نتج عنها من سياسات لاقت استهجاناً واسعاً بين المستخدمين – وصولاً لما سُمي “الهروب الكبير” إلى منصات بديلة – إلى الأهمية القصوى لأساليب الإدارة الفاعلة ذات التأثير المباشر في عدد المستخدمين الذي يُعَد من أهم المؤشرات الدالة على فاعلية ورواج تطبيقات التواصل الاجتماعي، جنباً إلى جنب مع معدل إيراداتها؛ فلا شك أن “تويتر” يجابه تحديات جمة على كلا الصعيدين، وإن كان من المبكر حسم مساره المستقبلي بالنظر إليهما، وبخاصة مع خبرة “ماسك” الواسعة بصفته رجل أعمال، واستعانته بعدد من القيادات الماهرة، وانخراطه في معارك قضائية غير محسومة، وتطويره الدائم لمنصته، وغير ذلك.