- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
هل ينجح مؤتمر إيطاليا في مواجهة الهجرة غير الشرعية؟
هل ينجح مؤتمر إيطاليا في مواجهة الهجرة غير الشرعية؟
- 27 يوليو 2023, 9:38:52 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
استضافت العاصمة الإيطالية روما مؤتمراً دولياً في 23 يوليو الجاري لمكافحة الهجرة غير الشرعية، بحضور ممثلين عن اثنتين وعشرين دولة أفريقية وشرق أوسطية، بجانب ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وعدد من المنظمات الدولية المهتمة بقضايا اللاجئين والهجرة غير الشرعية. وتم الإعلان، خلال هذا الاجتماع، عن مسار جديد للتعاطي مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية، تقود من خلاله روما المبادرة لمكافحة أنشطة الهجرة غير الشرعية، وما يتخللها من جرائم عابرة للحدود، فضلاً تحقيق نوع من التعاون بين دول المقصد والدول الأم، بالإضافة إلى دول العبور؛ لضمان عدم تعرض المهاجرين للاستغلال من قِبل تجار البشر والعصابات الإجرامية، ناهيك عن تحسين الأوضاع المعيشية بصفة عامة بالدول الأم، وبناء إطار قانوني وشرعي لاستقبال الدول الأوروبية للمهاجرين بصورة شرعية.
مضمون المسار
ارتفع عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين استقبلتهم الشواطئ الإيطالية خلال عام 2023، مع وصول أكثر من 83 ألف مهاجر غير شرعي إلى البلاد، بالمقارنة بنحو 34 ألف فرد خلال الفترة نفسها من عام 2022. وقد تصاعدت حدة حوادث غرق قوارب نقل المهاجرين غير الشرعيين عبر البحر المتوسط، وهو ما دفع العديد من المنظمات غير الدولية إلى دعوة الحكومات للتحرك سريعاً للتعامل بصورة أكثر حسماً وفاعلية مع هذه الظاهرة.
وقد تزامن مع ذلك وصول حكومة رئيسة الوزراء الإيطالية الحالية “جورجيا ميلوني” إلى رأس السلطة في روما، وهي التي قدمت وعوداً سخية بشأن حل قضية المهاجرين غير الشرعيين من جذورها خلال حملتها الانتخابية، إلا أن هذه الوعود لم يتم ترجمتها إلى قوانين وسياسات واضحة، ناهيك عن تصاعد حدة انتقادات المنظمات الدولية لسلوك الحكومات الأوروبية تجاه قوارب نقل المهاجرين غير الشرعيين – خاصة الحكومتين اليونانية والإيطالية – وذلك عقب بروز بعض الدلائل التي تؤكد تورط هذه الحكومات في بعض الأفعال التي أدت في النهاية إلى غرق بعض هذه القوارب وخسارة المئات من المهاجرين حياتهم.
ومن هنا، سعت رئيسة الوزراء الإيطالية إلى اتخاذ منحى جديد لمعالجة هذه القضية بصورة جماعية، وجاءت قمة روما مثالاً واضحاً على هذا التوجه، الذي بدوره كشف النقاب عن عدد من السياسات الإيطالية والأوروبية الجديدة التي تستهدف حل الأزمة بالتعاون مع مختلف الأطراف المعنيين بها على النحو التالي:
1- تبني خطاب مغاير مع الدول المصدرة للمهاجرين: أظهر “مسار روما” تبني القيادة السياسية الإيطالية نغمة جديدة في التعاطي مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية؛ فقد أكدت رئيسة الوزراء الإيطالية، خلال كلمتها الافتتاحية بالمؤتمر الذي كشف النقاب عن هذا المسار، ضرورة تخلي الدول الأوروبية عن سياساتها المتعالية في التعاطي مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية، والتعاون بصورة أكثر فاعلية مع الدول المصدرة للمهاجرين ودول المعبر؛ لمكافحة هذه الظاهرة، وحلها من جذورها.
وهي بذلك تتبنى سردية وأسلوب خطاب جديد، تهدف من خلالهما إلى اعتبار الدول الأخرى شريكاً حقيقياً وضرورياً لتعامل دول الاتحاد الأوروبي مع ظاهرة الهجرة غير المشروعة، دون الاكتفاء بالنظر إليها باعتبارها مصدراً للمهاجرين غير الشرعيين، ومنبعاً للأزمات والمشاكل التي يجب على دول الاتحاد الأوروبي التعاطي معها بصورة فردية وفقاً لرؤيتها وتقييمها للوضع القائم.
2- محاولة تقويض الاتهامات للغرب بالعداء للمهاجرين: فقد حرصت رئيسة الوزراء الإيطالية على تقويض الاتهامات الموجهة للغرب بالعداء للمهاجرين؛ إذ صرحت “ميلوني” بأن الاتحاد الأوروبي وإيطاليا “بحاجة إلى الهجرة”، ومن ثم فإن حكومتها منفتحة على استقبال المزيد من المهاجرين عبر الطرق القانونية، كما شددت على دور التكامل، ودعت إلى تعاون “واسع النطاق” لتفكيك شبكات تهريب المهاجرين غير الشرعيين.
3- منح أولوية لقضايا المناخ والتنمية الاقتصادية: أكد جميع المشاركين في المؤتمر ضرورة النظر إلى الأوضاع الاقتصادية والتغيرات المناخية بصفتها أحد أبرز العوامل الطاردة للأفراد من أوطانهم، التي تدفعهم للبحث عن حياة جديدة على الجانب الآخر من المتوسط. وأعرب المشاركون في المؤتمر أيضاً – وهو ما ظهر جلياً في إعلان مسار روما – عن رغبتهم في تشديد الخناق بصورة أكبر على المتورطين في أنشطة التجارة بالبشر(المهربين) الذين يجنون الكثير من الأرباح عبر إقناع الأفراد بالذهاب في رحلة غير محمودة العواقب. وقد أشارت رئيسة الوزراء الإيطالية إلى أن هذا المسار يمهد لعقد مؤتمر للمانحين لتمويل المشاريع الاستثمارية في الدول الأم ودعم مراقبة الحدود، إلا أنها أشارت إلى أنه لم يتم تحديد موعد بعدُ لمثل هذا المؤتمر.
4- تأكيد دور دول الشرق الأوسط في مواجهة الظاهرة: على صعيد الدول العربية والشرق أوسطية، كان لكل من الإمارات العربية المتحدة وتونس حضور لافت في قمة روما؛ هذا بجانب مشاركة كل من ليبيا والمملكة العربية السعودية ولبنان ومصر والجزائر، والأردن والكويت وموريتانيا. وقد برز دور دولة الإمارات اللازم لتفعيل وإنجاح “مسار روما”؛ حيث تعهدت أبوظبي بتقديم 100 مليون يورو؛ لدعم تدشين عدد من المشروعات التنموية في الدول المتأثرة بقضية الهجرة غير الشرعية. وقد أكد صاحب السمو الشيح “محمد بن زايد آل نهيان” رئيس دولة الإمارات، خلال كلمته، ضرورة التعامل مع التغيرات المناخية التي كان لها عظيم الأثر في مضاعفة معدلات الهجرة غير الشرعية من دول الجنوب إلى دول الشمال.
كما كان للرئيس التونسي “قيس سعيد” أيضاً حضور لافت في القمة؛ حيث سلط الضوء في كلمته على الدور الذي تلعبه حكومته لمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، مؤكداً أن بلاده لن تسمح بأن تكون مرتعاً لأنشطة العصابات الإجرامية والهجرة غير النظامية. وعلى الرغم من اختلاف الآراء والجدل المثار حول سياسات الحكومة التونسية في التعاطي مع المهاجرين غير الشرعيين عبر أراضيها – خاصة المهاجرين الأفارقة – وكيفية إدارتها حدودها البرية مع ليبيا، التي تمثل مساراً رئيسياً في رحلة انتقال المهاجرين غير الشرعيين من شمال أفريقيا إلى جنوب أوروبا عبر البحر المتوسط، إلا أن رئيسة الوزراء الإيطالية قد أثنت بدورها على إدارة الرئيس التونسي وحكومته لملف المهاجرين، وأكدت محورية الدور الذي تقوم به تونس في هذا الملف.
5- التشديد على أهمية آليات التنسيق الجماعي: أكد المؤتمر أهمية آليات التنسيق الجماعي والتعاون بين الدول في مواجهة عمليات الهجرة غير الشرعية والمهربين؛ فعلى سبيل المثال، دعت رئيسة الوزراء الإيطالية “ميلوني” إلى “تعزيز التعاون الأمني مع السلطات القضائية في مختلف الدول، وتشديد التشريعات لردع المهربين؛ لمنعهم من الانتقال من مكان إلى آخر”، كما دعا العديد من المشاركين إلى ضرورة إنشاء آليات دولية مشتركة للتعاون والتنسيق بين الدول؛ وذلك بعيداً عن المبادرات الفردية.
فرص النجاح
تتباين تقديرات الخبراء لمدى إمكانية إنجاح مثل هذا المسار للتقليل من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وخلق مسارات بديلة للمهاجرين بصورة شرعية وقانونية. ويأتي هذا التباين بالنظر إلى عدد من المعطيات:
1- غياب الإجماع الأوروبي: ظهرت محاولات متنوعة من قبل دول الاتحاد الأوروبي للتعاطي مع أزمة المهاجرين غير النظاميين بحلول “من خارج الصندوق” كما لجأ البعض إلى توصيفها، وقد تمثلت آخر هذه المحاولات في اجتماع يونيو، الذي استضافته بروكسيل، للتوافق على خطة جديدة لحل هذه المشكلة، خاصة مع تصاعد وتيرة حوادث الغرق في سواحل البحر المتوسط لقوارب الهجرة غير الشرعية.
وقد دفع أعضاء الاتحاد نحو خطة أكثر تقدمية تهدف إلى تحديد عدد محدد من اللاجئين غير النظاميين الذين ستستقبلهم كل دولة، مع تعهد الدول بدفع مبالغ مالية محددة للدول الأخرى المستضيفة في حالة امتناعها عن استقبال هؤلاء المهاجرين عبر أراضيها. وقد خصص مشروع القرار مبلغ 20,000 يورو تعويضاً عن كل مهاجر ترفض الدول الأعضاء في الاتحاد استقباله، يتم دفعها للدول الأخرى التي سيتم إعادة توطين المهاجرين بها، إلا أن بولندا والمجر قد منعتا إقرار هذا المشروع، مطالبتين بالسماح للدول بالدخول طواعية في المشروع، مع عدم فرضه عنوة على أي طرف يرفض استقبال المهاجرين.
ووفقاً للأطر القانونية للاتحاد الأوروبي، يمكن إقرار مثل هذه القوانين في حالة حصولها على موافقة ودعم أغلبية أعضاء الاتحاد، إلا أن رفض بولندا والمجر للقانون من شأنه أن يرجئ التصويت عليه إلى طاولة قمة الاتحاد الأوروبي القادمة، التي يتوقع ألا تشهد إقراراً لذات القانون مع امتلاك الدولتين حق الفيتو خلال طرح المشروع للتصويت. وبروز مثل هذه الخلافات حول الطريقة المثلى للتعاطي مع أزمة اللاجئين، وتصاعد حدة الخلاف فيما بين إيطاليا وعدد من الدول الأوروبية – خاصة فرنسا – قد يمنع انخراط الدول الأوروبية الأخرى بقوة في مسار روما، وهو ما قد يقلل من فرص نجاحه.
2- تغليب الاتفاقيات الثنائية على حساب الجهود الجماعية: دفعت بعض الدول الأوروبية أيضاً نحو عقد اتفاقيات ثنائية مع دول العبور أو طرف ثالث، يتعهد بموجبها هذا الطرف باستقبال المهاجرين وطالبي اللجوء عبر أراضيه، في مقابل الحصول على دعم مالي كبير من الدول التي كانت مقصداً رئيسياً للمهاجرين وطالبي اللجوء. وقد كانت بريطانيا من أوائل الدول الأوروبية التي دخلت في مثل هذه الاتفاقيات المثيرة للجدل؛ حيث تم التوافق فيما بينها وبين الحكومة في روندا على اتخاذ طالبي اللجوء في بريطانيا من رواندا موطناً جديداً للإقامة به. وعلى الرغم من تشكيك المحاكم البريطانية في مدى قانونية ودستورية مثل هذا الاتفاق، فإن الحكومة في لندن قد مضت قدماً في تطبيقه، ناهيك عن إقدامها على إيواء المهاجرين في قواعد عسكرية سابقة.
وقد توصلت دول الاتحاد الأوروبي بدورها إلى اتفاق مماثل مع تونس في يوليو الجاري؛ حيث تم الإعلان عن توقيع الاتحاد اتفاق شراكة استراتيجية بقيمة مليار يورو لمجابهة الهجرة غير الشرعية. وقد سبق التوصل إلى الاتفاق خلال زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” إلى تونس برفقة عدد من المسؤولين الأوروبيين، وعرضها على تونس 105 ملايين يورو للحد من الهجرة غير المنتظمة و150 مليون يورو دعماً فورياً، بما في ذلك قرض طويل الأجل بقيمة 900 مليون يورو للاقتصاد التونسي، في مقابل تعزيز تونس قبضتها الأمنية على حدودها البحرية، ومنع هجرة الأفراد عبر سواحلها إلى الجنوب الأوروبي.
وفي هذا السياق، أشارت “أورسولا” في تصريحاتها إلى أن الاتفاق مع تونس يمثل نموذجاً لدول أخرى يمكن أن تسترشد به، وهو ما يمهد الطريق أمام توقيع بروكسل اتفاقيات مماثلة مع عدد من دول شمال أفريقيا، خاصة مصر وليبيا، وهو ما يعني أن مسار روما يمكن أن يتحول إلى مبادرة ثانوية تدعم هذه الاتفاقيات الثنائية، دون تحولها إلى مظلة عامة تجمع جميع الفواعل تحت إطارها، وتقدم رؤية موحدة لمعالجة الظاهرة.
3- انتقاد بعض المؤسسات الدولية والحقوقية مسار روما: على الرغم من مشاركة عدد من المؤسسات المعنية بشؤون اللاجئين في اجتماع روما، فإن البعض قد خرج بانتقاد صريح للمسار واللغة التي تبناها بعض الزعماء في توصيف ظاهرة الهجرة غير الشرعية والأسباب المحركة لها؛ فعلى سبيل المثال، تم التركيز على العوامل الاقتصادية والمناخية المحركة للظاهرة دون التعرض للعوامل السياسية والأمنية التي تمثل الدافع الرئيسي لهذه الظاهرة.
أكدت أيضاً بعض المؤسسات الحقوقية والخبراء المتخصصين في ظاهرة الهجرة، أن هذا المسار قد يعزز سياسات العزلة الأوروبية، وهي السياسة التي يروج لها اليمين الأوروبي، ويفتح الباب أمام تبرير المزيد من الانتهاكات التي تمارسها السلطات الأوروبية ضد مراكب المهاجرين غير الشرعيين، ناهيك عن تجاهل المسار إمكانية خلق مسار بديل للهجرة بصورة شرعية للأفراد الأقل حظاً على المستوى التعليمي والثقافي والاجتماعي، ممن لا يمثلون مرشحين مثاليين للقبول في برامج الهجرة القانونية التي تروج لها عدد من الحكومات الأوروبية باعتبارها مساراً بديلاً للهجرة غير الشرعية.
4- التوسع في المساهمات البناءة: على الرغم من التشكيك في إمكانية تحقيق هذا المسار تقدماً واضحاً وصريحاً في ملف الهجرة غير الشرعية، فإن وجود دول فاعلة قادرة على تقديم الدعم المالي والتقني والفني لمعالجة هذه الظاهرة، قد يدفع المسار لتحقيق بعض النجاحات، خاصةً في مجال مكافحة التغيرات المناخية التي تضاعف من ظاهرة الهجرة المناخية غير الشرعية.
يضاف إلى ذلك، إمكانية تخصيص جزء من هذه الأموال لتنمية وتطوير الأنظمة التعليمية والصحية في الدول الأم، ويفتح المجال لهجرة الأفراد من الطبقات المختلفة بصورة شرعية إلى الجانب الآخر من البحر المتوسط، ناهيك عن تعزيز مستوى التنمية والاستقرار في دول الجنوب، وهو ما سيساهم بصورة أكبر في غياب الإقبال على الهجرة غير الشرعية. ومن هنا تبرز أهمية المشاركة الإماراتية في هذا المسار؛ حيث أعلنت أبوظبي عن التزامها الكامل بتحقيق أهداف المسار، سواء على المستوى المالي أو التقني والفني.
أخيراً، يمكن القول إن مسار روما يمثل البداية لبروز المزيد من المبادرات الفردية والثنائية والجماعية الهادفة إلى معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، في ظل تصاعد حدة الظاهرة بمعدلات مقلقة خلال الأشهر الأخيرة، ووجود حاجة ملحة للتصدي لها؛ حفاظاً على سلامة وأمن وحياة الأفراد الباحثين عن فرص معيشية أفضل، بالإضافة إلى أمن واستقرار المجتمعات المصدرة والمستقبِلة لهؤلاء المهاجرين.