د. سعيد الشهابي يكتب: استهداف الإسلام في العالم تطور مقلق

profile
د. سعيد الشهابي ناشط سياسي وصحفي ومعلق بحريني
  • clock 21 فبراير 2022, 4:13:09 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

من بين أخطر ما يهدد أمن العالم اليوم، بالإضافة لتوسع التسلح العسكري خصوصا في المجال النووي وانتشار الإرهاب، ظاهرة استعداء الأديان، خصوصا الإسلام، والسعي لشيطنتها بأبشع الأساليب وفي مقدمتها التضليل والتشويه وأساليب التنميط. فبعد عقود من استهداف التجليات السياسية للحركات الإسلامية، تم استعادة التوجهات القديمة التي تستهدف الدين بما هو دين ينطوي على عقيدة وتشريع وممارسة.
هذا الاستهداف تعمّق بعد أن فشل استهداف ما سمي «الإسلام السياسي» ودخل على الخط جهات تعادي الظاهرة الدينية في جوهرها وترى فيها معوّقا لتنامي الليبرالية المطلقة التي تسعى للقفز على التعليمات الدينية وما تتضمنه من ضوابط. وبالإضافة للدوافع الثقافية يمثل الجهل بمبادئ الإسلام وقيمه ونظمه التشريعية التي تحمي المستضعفين وتكبح جماح الطامعين والمستغلين والناهبين، الدافع الأكبر لهذا العداء.
الأمر المؤكد أن الإسلام له نصيب الأسد من الاستهداف الذي لم يعد محصورا بالإعلام، بل أصبحت السياسات الرسمية في العالم الغربي تتخذ هذا المسار الذي لا يخدم الأمن والسلام في العالم. بل أن المشروع الليبرالي يطعن نفسه حين يسعى لمصادرة المبادئ التي يفترض أن يتبناها خصوصا في مجال الحريات العامة. فلم تعد فرنسا التي تتصدر المشروع الغربي الجديد لاستهداف الدين تلتزم بقواعد اللعبة الليبرالية، خصوصا في مجال الحريات المتعلقة بالخيارات الشخصية كالمعتقد والزي والممارسات العبادية. وأصبح الرئيس الفرنسي الحالي، إيمانويل ماكرون، واحدا من أشد الرؤساء الفرنسيين تشددا تجاه الإسلام. ويدعمه في هذا التوجه قطاع واسع من وسائل الإعلام، وإن كانت المنظمات الحقوقية بعمومها ترفض المنحى الذي ينتهجه نظرا لما يسببه من حرج للمشروع الليبرالي. ففي شهر أكتوبر الماضي قامت السلطات بغلق مسجد بمدينة «أللونز» مدعية أنه يروج «الإسلام الراديكالي» وأكد وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمنين مصادرة الحساب المصرفي للمسجد، وأن 13 مؤسسة إسلامية أغلقت منذ وصول ماكرون للرئاسة، وأن 92 مسجدا تم إغلاقه.
وفي مارس الماضي قال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد، أحمد شهيد: «الإسلاموفوبيا تبني هياكل خيالية حول المسلمين تُستخدم لتبرير التمييز الذي ترعاه الدولة والعداء والعنف ضد المسلمين، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة بالنسبة للتمتع بحقوق الإنسان بما في ذلك حرية الدين أو المعتقد».
ربما كان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، أول من أفصح عن المشروع الغربي الجديد الهادف لمحاصرة الظاهرة الدينية خصوصا الإسلامية. فبدأ عهده بإصدار قانون بمنع مواطني سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة في ما اعتبر تجاوزا للقيم الليبرالية نفسها وتعبيرا عن تعصب وضيق أفق واضطهاد. وتم تغيير سياسات المنظمات الأمريكية التي تعمل لترويج الديمقراطية ودعم ما تعتبره «الإسلام المعتدل» لتتوقف عن دعم المؤسسات الإسلامية التي كانت تعتبر «معتدلة».
ومن أوضح الأمثلة على هذا التغيير ما حدث لمنظمة «الوقف الوطني للديمقراطية» فقد تم تغيير بعض مسؤوليها المعنيين بالمؤسسات الإسلامية في الشرق الأوسط، ووقف الدعم عن عدد منها. وفي عهد بايدن تواصل الاستهداف بأساليب هادئة، بعيدة عو الإثارة. وفجأة وجدت المؤسسات الإسلامية والمساجد في الدول الغربية نفسها أمام مساءلات قانونية حول نشاطاتها وأمنائها ومصادر تمويلها تحت عناوين شتى منها «منع تبييض الأموال» و «مكافحة التطرف» و«محاصرة الإرهاب». وقد أغلق العديد منها، خصوصا في فرنسا. بينما المفترض أن يأخذ القانون مجراه بمقاضاة من يتجاوزه، وعدم تحويل المساجد إلى ساحات للصراع الداخلي والفتنة.

هذا الاستهداف ليس فكريا وأيديولوجيا فحسب بل انه يتخذ أبعادا تهدف لاقتلاع ظاهرة الالتزام الديني من أساسها

هنا يلاحظ تطبيق عملي لمقولة «كل مواطن خفير» فإمام المسجد مطلوب منه أن يشي بالمصلين لأجهزة الشرطة إذا شك في أفكارهم ونشاطاتهم. ومطلوب من المؤسسات الخيرية أن تتحاشى التطرق لقضايا المسلمين في العالم بدعوى أن ذلك ليس من الأنشطة المسموح لها بممارستها. وبالاضافة للجهات الرسمية المعنية بتسجيل المؤسسات الخيرية ومراقبة نشاطاتها، وسعيا لتجاوز الاتهام بالعنصرية طرحت سياسات جديدة وذلك بتشديد الضغوط على المؤسسات من خلال البنوك وشركات المحاسبة. وأصبحت هذه المؤسسات تمارس «تحقيقا» دوريا مع المؤسسات الإسلامية حول دخلها وإنفاقها والجهات الداعمة وما يقال في خطب الجمعة وبقية أنشطتها الثقافية وكذلك حول مرتاديها وهوياتهم الفكرية والسياسية. وإن لم تتعاون أغلقت حساباتها البنكية.
وقد أصبح استهداف الإسلام عالميا وذلك من خلال سياسات الدول الغربية التي تغذي روح الشيطنة هذه، ومن خلال ظاهرة الإسلاموفوبيا التي لم تتوقف برغم الانتقادات من الجهات الحقوقية والإنسانية. وها هي الهند التي تسمى «أكبر الديمقراطيات» في العالم نظرا لعدد سكانها الذي تجاوز المليار والربع، تستهدف الوجود الإسلامي بشكل فاحش، وتمنع الطالبات من ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات وتمارس اضطهادا ممنهجا للمسلمين الذين يمثلون قرابة السدس من مجموع سكان الهند. وفي الأسبوع الماضي قالت منظمة هيومن رايتس ووج: أن منع الحجاب ينتهك التزامات الهند وفقا لقانون حقوق الإنسان الدولي الذي يضمن الحق لإظهار العقيدة الدينية وحرية التعبير والتعلم بدون تمييز»
خلال ربع القرن الأخير سعى المسلمون لترويج حوار الأديان، على أمل أن يكون وجودهم في الغرب عاملا لتطوير العلاقات الإنسانية والدينية، وأن يساهموا في بناء إنسانية متفاهمة وليست متناحرة. لكن الواضح الآن أن هناك قوى لا ترغب بذلك، وتنظر للمسلمين بريبة وشك مشوبة بمشاعر الكراهية. وفي السنوات الأخيرة اتضح هذا المنحى بشكل واضح من خلال استهداف المظاهر الدينية. فقد منع الحجاب بشكل رسمي في عدد من الدول الأوروبية منها فرنسا وبعض ولايات ألمانيا والدنمارك. وفي الأعوام الخمسة الأخيرة أصبح هناك توجه للتضييق على المسلمين بهدف الحد من انتشار الالتزام الديني.
ويعتقد القائمون بذلك أنه سيخفف من انتشار ظاهرة التدين التي يرون فيها تهديدا لما يسمونه «قيم الغرب». ولم يعد غريبا أن يُتهم الآخرون بأنهم «يحاربون قيمنا» او «يستهدفون ديمقراطيتنا». إنه أحد تجليات الظاهرة الشعبوية التي تتأسس على الجهل وضحالة الفكر والانتماء وغياب الهوية الحقيقية خصوصا المستمدة من الدين. ولم يعد سرا كذلك تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا باستغلال بعض القضايا الهامشية لتشويه سمعة المسلمين، او تضخيم بعض المشاكل للإيحاء بذلك. وثمة استغراب واسع لما أبداه بعض الساسة الغربيين من امتعاض إزاء الصين بسبب اضطهادها الأقلية المسلمة في إقليم شنجان، ورأى البعض في ذلك ضربا من النفاق ومحاولة للتشويش على الإسلاموفوبيا والاستهداف المنظم للمساجد والمؤسسات الإسلامية بدعاوى منها انها إيواء عناصر متطرفة او إرهابية، وترويج التطرف. بل أن بعض المفاهيم الإسلامية أصبح معرّضا للتشويه والإساءة، ومنها مفهوم الجهاد الذي حظي باهتمام غربي خاص بعد أن انتحلته داعش والقاعدة. حتى أصبحت هناك خشية من التطرق لموضوع الجهاد حتى لو كان ذلك لتوضيح معانيه الحقيقية في الإسلام. صحيح أن المجموعات المتطرفة والإرهابية أساءت استخدام هذا المصطلح، ولكن ذلك لا يلغي أهمية تلك الفريضة في التشريع التي أحيطت بضوابط كثيرة.
هل حقا هناك استهداف للإسلام؟ وهل أن هذا الاستهداف ينطوي على أبعاد سياسية وأيديولوجية لا يتم الإفصاح عنها عادة؟ وماذا يعني شيطنة الحركات الإسلامية التقليدية وتجلياتها في الدول العربية والغربية على حد السواء؟ هذا الاستهداف ليس فكريا وأيديولوجيا فحسب بل انه يتخذ أبعادا تهدف لاقتلاع ظاهرة الالتزام الديني من أساسها.
إن استهداف الحركات الإسلامية بهذه القسوة يتوازى مع ظاهرة الإسلاموفوبيا واستهداف الظاهرة الإسلامية في العالم، سواء كان هذا الاستهداف في الصين الذي طال المسلمين الإيغور، أم في بورما التي تضطهد المسلمين بسبب دينهم فحسب، أم في الهند التي يمارس حزب بهاراتيا جاناتا (بي جي بي) الحاكم سياسات متطرفة سواء بمنع الحجاب في المدارس والجامعات ام بالإساءة للمسلمات عبر الإنترنت، أما في فرنسا التي بدأت بتنفيذ التصدي للمساجد ومنعت الحجاب، ام في أمريكا التي أطلقت العنان لحلفائها الإقليميين للتصدي للإسلاميين بشكل خاص والتطبيع مع الاحتلال ضمن خطة لإرهاب المعارضين وعشاق فلسطين وهم غالبية الشعوب العربية والإسلامية.

كاتب بحريني


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)