- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
د. سعيد الشهابي يكتب: النفط سلاح في حرب المصالح والنفوذ
د. سعيد الشهابي يكتب: النفط سلاح في حرب المصالح والنفوذ
- 14 مارس 2022, 6:21:09 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يوما بعد آخر تزداد تجليات الأزمة الأوكرانية وضوحا، ويظهر المزيد من الأبعاد المتصلة بها. فبالإضافة لما تنطوي عليه من أبعاد استراتيجية خصوصا للغرب، فإن من تجلياتها المباشرة تصاعد أسعار النفط والغاز، وانعكاس ذلك بشكل مباشر على الاقتصادات الغربية. فقبل بدء الحرب الروسية على أوكرانيا كانت أسعار الطاقة تتصاعد وتنعكس بشكل مباشر على المواطنين، الأمر الذي يمثل أزمة حقيقية نظرا لتبعاتها السياسية.
وكانت أسعار وقود السيارات تتصاعد هي الأخرى مع بداية صعود أسعار النفط. وباندلاع الآزمة تفاقمت الأزمة وأصبح القلق حقيقيا من حدوث أزمات اقتصادية حادة في الاقتصادات الغربية التي تعتمد مصانعها بشكل عام على النفط والغاز. وبرغم ما كان يقال منذ 30 عاما عن التوجه للاستفادة من بدائل أخرى للطاقة ومنها الطاقة التي تولدها الرياح والمياه بالإضافة للطاقة الشمسية الا أنها لم تقلل من أهمية النفط والغاز. وربما كانت أمريكا أكبر المستفيدين من تكنولوجيا النفط الصخري الذي قلص اعتمادها على النفط المستورد من الشرق الأوسط. وبذلك أصبحت أقل اعتمادا على النفط السعودي. كما كان واضحا وجود محاولات سعودية وإماراتية للضغط على أمريكا بعد قرارها تقليص وجودها في الشرق الأوسط، فقامت بخطوات لتمتين علاقاتها مع كل من روسيا والصين، على أمل ان تضغط على واشنطن. وفي بداية الأزمة الأوكرانية حاولت هذه الدول اتخاذ موقف محايد، ولكن أمريكا ضغطت عليها فخففت من ذلك الموقف. وليس معلوما بعد ما إذا كان تطبيع الإمارات والبحرين علاقاتها مع “إسرائيل” سيعوض عن التوتر المحدود في العلاقات مع أمريكا.
يوما بعد آخر تزداد تجليات الأزمة الأوكرانية وضوحا، ويظهر المزيد من الأبعاد المتصلة بها. فبالإضافة لما تنطوي عليه من أبعاد استراتيجية خصوصا للغرب، فإن من تجلياتها المباشرة تصاعد أسعار النفط والغاز
الأزمة الأوكرانية وضعت الغرب أمام خيارات صعبة، منها ما يتعلق بمدى استعدادها لدعم أوكرانيا بالتدخل المباشر مثلا او تزويدها علنا بالأسلحة الاستراتيجية، ومنها ما له بعد اقتصادي. وما يزال الغربيون يتداولون في مسائل الطاقة، وما إذا كانت أوضاعهم تسمح بوقف استيراد النفط والغاز الروسيين. ويعلم الروس ذلك بوضوح، ولذلك هدد بوتين بأن أية محاولة لوقف استيراد النفط والغاز الروسيين ستؤدي الى ارتفاع اسعار النفط لتصل الى 300 دولار للبرميل (مقارنة بـ 140 حاليا بعد ان تضاعفت اسعار النفط في الشهور الستة الأخيرة). ويتوقع الخبراء الاقتصاديون ان الفترة المقبلة ستشهد تراجعا حادا في الاقتصادات الغربية بسبب التضخم المتوقع والكساد العالمي الذي سينجم عن ذلك. وليس هناك مخرج من الآزمة الاقتصادية الا بواحد من خيارات ثلاثة: فإما الاستمرار في الاستيراد من الروس، وهو الخيار الأقل رجحانا لأنه سيوفر لموسكو مدخولات كافية لسداد فواتير الحرب التي لا يتوقع انتهاؤها قريبا. او إقناع الحلفاء في الخليج بزيادة ضخ النفط خصوصا السعودية التي تستطيع زيادة انتاجها بحوالي مليون ونصف برميل يوميا، أو مد الجسور مع الدول النفطية غير الصديقة مثل إيران وفنزويلا. ولكل من هذه الخيارات تبعاته. ويبدو ان الغرب يعمل في الوقت الحاضر على المحاور الثلاثة. فلم يقطع استيراد النفط الروسي تماما مع علمه أن ذلك يوفر لروسيا مدخولات تحتاجها لدعم الحرب، وبدأ اتصالاته مع دول الخليج لرفع انتاجها، كما بدأ خطوط التواصل مع الدول “غير الصديقة” بهدف تشجيعها هي الأخرى على زيادة معدلات انتاجها.
ويمثل الضغط على دول الخليج لزيادة الانتاج الخيار الأفضل، ولكن ليس معلوما ما إذا كان ذلك سيعوض عن النفط الروسي تماما. مع ذلك رفضت الدول المصدرة للنفط (أوبيك بالإضافة لتجمع نفطي يشمل روسيا) الأسبوع الماضي زيادة الانتاج قائلة إن هناك ما يكفي من النفط في السوق الدولية وإن أسعاره مرتفعة جدا فلا تحتاج لمزيد من عائداته. ويعتقد بعض الساسة الغربيين أن هناك ضرورة لإعادة تواصل أمريكا مع السعودية لحثها على زيادة انتاجها، ولكي تنجح هذه المحاولة ثمة حاجة لتواصل أقوى تحول دونه اعتبارات سياسية غير قليلة. فالولايات المتحدة تحت رئاسة جو بايدن تواجه قضيتين أصبحتا موضع خلاف بين الولايات المتحدة والسعودية:الأولى: الاتفاق النوووي الإيراني الذي تتوالى فصوله في فيينا في الوقت الحالي. فهناك قضايا شائكة لم يمكن التغلب عليها برغم ما يقال عن قرب توقيع الاتفاق. وأهمها يتصل بما يعتبره الإيرانيون حقهم في الدفاع عن انفسهم بصناعة الصواريخ ورفضهم مناقشة ذلك في أي تفاوض حول المشروع النووي. ويشعر الإيرانيون هذه المرة أنهم في موقف قوي بلحاظ تعقيدات الساحة الدولية ومنها الأزمة الأوكرانية وعلاقات أمريكا مع كل من السعودية والإمارات، والحاجة الدولية لزيادة ضخ النفط الإيراني.
الثانية: قرار أمريكا قبل عام واحد (فبراير 2021) وقف دعمها للحرب في اليمن. وقد انزعجت السعودية كثيرا لهذه الخطوة التي سلبتها جانبا من الغطاء الغربي للحرب التي تكمل هذا الشهر عامها السابع بدون نتائج تذكر للتحالف السعودي – الإماراتي المتورط فيها. كما ان قرار أمريكا مؤخرا بعدم إدراج جماعة “أنصار الله” على قائمة الإرهاب أغضب الرياض التي كانت تأمل ان يحدث ذلك لكافة المجموعات القريبة من إيران. هذه القضايا ساهمت في خلق فجوة غير مسبوقة في العلاقات بين واشنطن والرياض، بينما أحجمت الدول الأوروبية عن مسايرة الولايات المتحدة في هذه السياسة. وتميزت بريطانيا بسياسة مختلفة تماما، فهي تضع علاقاتها مع دول الخليج فوق أية اعتبارات أخلاقية أو توجهات مرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
ماذا يعني ذلك؟ الواضح أن هناك ما يشبه الانسداد في آفاق الحلول الممكنة. فالتعويل الغربي حتى الآن يتركز على قيام الرئيس الأمريكي بمبادرة تجاه دول الخليج. واستطاع العام الماضي اقناع السعوديين بالالتزام بخفض الانبعاث الحراري إلى الصفر بحلول 2060 وذلك قبل انعقاد قمة المناخ في بريطانيا. وتسعى بريطانيا الآن للتوصل الى اتفاقية التجارة مع دول مجلس التعاون الخليجي، بدون التركيز على القضايا الآخرى كحقوق الإنسان او التحول الديمقراطي. وفي حال زيارته الرياض ستكون رسالته للسعوديين ان موقفهم “المحايد” من الأزمة الاوكرانية ليس حيادا حقيقيا بل انحيازا لروسيا. كما سيؤكد لهم أن استجابتهم لطلب الغرب برفع انتاجهم النفطي سيجعلهم الطرف الرئيسي في المنطقة كصديق حميم للغرب ولاعب أساسي في السوق النفطية. أيا كان الأمر فالواضح أن أسواق الطاقة العالمية لن تعود الى سابق عهدها في المستقبل المنظور، وأن مرحلة من الاضطراب الاقتصادي ستعم العالم خصوصا اذا استمرت الحرب.
ولا يمثل زيادة ضخ المزيد من النفط حلّا حقيقيا. فقد يخفف من وطأة الأزمة، ولكن ما مصلحة دول المنطقة من استنزاف مواردها لحل أزمة ليست من صنعها؟ هذه المشكلة شبيهة بقضية فلسطين. فأوروبا اضطهدت اليهود وأحرقتهم، وسلبت أرض فلسطين للتعويض عن ذلك. فهل هذا من الانصاف في شيء؟ مطلوب من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي أن يسعوا لحل مشكلتهم مع روسيا بالبحث عن أرضية مشتركة. أما إصرارهم على سياساتهم وتحميل أهل النفط مسؤولية زيادة الضخ فهو أمر خارج عن اللباقة والعدالة.
٭ كاتب بحريني