- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
د. سعيد الشهابي يكتب : دعم شرقي لفلسطين يتحدى سياسات الغرب
د. سعيد الشهابي يكتب : دعم شرقي لفلسطين يتحدى سياسات الغرب
- 26 فبراير 2024, 9:05:31 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ربما كان هناك تفاؤل باحتمال حدوث تغيير في الموقف الغربي إزاء كيان الاحتلال، خصوصا مع تنامي وعي الشعوب الذي تعبر عنه الاحتجاجات والتظاهرات المتواصلة في عواصم العالم. ولكن مواقف أغلب الدول الغربية بالإضافة للولايات المتحدة لا توحي بشيء من التغيير.
أما ما دفع المتفائلين للذهاب نحو احتمال حدوث هذا التغيير فهو الممارسات الإسرائيلية في الفترة الاخيرة وسياساتها المزمعة لتعميق الأزمة الفلسطينية. فقد أصبح واضحا أن الصهاينة أصبحوا أكثر تحديا للرأي العالم العالمي وللأخلاق والقيم الإنسانية. فما معنى إصرارهم على الاستمرار في العدوان؟ وماذا يعني إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على رفض الدعوة لوقف إطلاق النار بشكل دائم؟ وما معنى عجز مجلس الأمن الدولي عن إصدار قرارات ذات صلة بالأزمة الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية؟.
.
في البداية هناك الرفض الإسرائيلي المطلق لمبدأ إنشاء كيان فلسطيني باسم الدولة. فالعقلية الإسرائيلية ترفض الاعتراف بوجود شعب فلسطيني فضلا عن دولة تمثله. وقد سعت على مدى ثلاثة أرباع القرن ليس لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم فحسب، بل للإمعان في قتلهم ببشاعة متناهية. وما أكثر المشاهد البشعة التي يظهر فيها جنود الاحتلال وهم يقتلون أهل فلسطين، خصوصا في الشهور الأخيرة. أطفال وشباب في عمر الزهور يتم إعدامهم ميدانيا بشكل يومي سواء في غزة أم في القطاع. ومن أهداف هذا التوحش تعميق الشعور باليأس من تحقيق أي هدف سياسي. وإذا كانت الجرائم الإسرائيلية سابقا تحدث بعيدا عن الأنظار، فان انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة أصبح يبث تلك المشاهد حال حدوثها. وهناك سياسات لدى وسائل الإعلام في ما يسمى «العالم الحر» لعدم بث المشاهد التي تثير حفيظة المشاهدين أو تعمّق الصورة الوحشية لكيان الاحتلال. فهناك سياسة ثابتة لحماية ذلك الكيان. ولذلك أصبح الكثيرون يعتقدون أن ما تفعله «إسرائيل» إنما هو ما تريده أمريكا، فهي الذراع الإقليمية للسياسات الأمريكية، ولذلك تحظى برعاية واشنطن بشكل مباشر. فهل بالإمكان مثلا استصدار قرار دولي عن مجلس الأمن يدين السياسات الإسرائيلية؟ أو يطالبها بوقف التوسع أو يمنعها من سياسة طرد الفلسطينيين؟ هل هناك إصرار دولي فعلي على إقامة الدولة الفلسطينية؟ أم أن ذلك يتناقض مع الرغبات الأمريكية؟.
بداية الفصل الحالي من سياسة التوسع الإسرائيلي المدعومة من قبل الغرب جاءت بعد شن قوات الاحتلال عدوانها الشامل على غزة، وذلك في إثر حوادث 7 أكتوبر. فقد مارست تلك القوات من الفظاعات والجرائم بحق سكان غزة ما يمكن تصنيفه ضمن «الإبادة». فقد قتل قرابة 30 ألفا من سكانها، يمثل النساء والأطفال أكثر من نصفهم. وفوق ذلك دعت سكان شمال غزة للنزوح إلى جنوبها، لكي تحل قواتها مكانهم، وأصبح واضحا أنهم عازمون على ضم قطاع غزة لكيان الاحتلال. صحيح أن بعض المسؤولين الغربيين حذّروا من ذلك، ولكن ليس هناك موقف غربي حاسم ضد قضم قطاع غزة. والآن هناك إصرار إسرائيلي على تكرار الجريمة نفسها في خان يونس في إشارة واضحة لاحتمال ضمها إلى كيان الاحتلال كذلك. وهكذا يتم تهميش السلطة الفلسطينية والمساحة الجغرافية التي تخضع لها. فإذا أرغمت «إسرائيل» على قبول مبدأ إقامة ما يسمى «دولة فلسطينية» فستضمن أنها لن تكون دولة ذات سيادة أو مساحة جغرافية خصوصا أنها ستكون محاصرة من كافة الجهات.
فشلت الجهود الإسرائيلية العسكرية لكبح جماح المقاومة الفلسطينية، وعجزت عن أهم هدف لعدوانها الذي بدأته بعد حوادث 7 أكتوبر
وثمة ملاحظة أخرى وهي تعمّق حالة الاستقطاب السياسي على الصعيد الدولي إزاء قضية فلسطين. فالسياسات الأمريكية خلقت أجواء جديدة في العالم الذي يواجه تحديات أخلاقية ونفسية وهو يشاهد ما يجري يوميا في فلسطين. فبالإضافة للاعتبارات الاستراتيجية التي تجعل بعض دول العالم منحازا ضد السياسات الأمريكية، استمرارا لأجواء الحرب الباردة، فهناك من المعطيات الموضوعية اليومية ما يوفر الأجواء التي تعمّق التوجه نحو سياسات إزاء فلسطين تختلف عما تريده واشنطن وتعمل له. وثمة اتفاق عام على أن النظام العالمي السائد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي يختصره نظام الفيتو في مجلس الأمن الدولي الذي يمنح خمس دول فحسب حق نقض أي قرار يصدر عنه، يحتاج بشكل ملح لتغيير أساسي. فهناك قوى وتكتلات ناهضة في عالم اليوم لم تكن كذلك عندما تم تشريع نظام الفيتو، وكذلك العضوية الدائمة بمجلس الأمن. البعد الجديد في التوازن الدولي حدوث حالة استقطاب حادة إزاء قضية فلسطين. فهناك دول وتحالفات دولية ترفض المنظور الأمريكي للمسألة الفلسطينية. ومن ذلك صعود تحالف «بريكس» الذي توسعت عضويته الشهر الماضي لتصل إلى عشر دول. هذا التحالف يتبنى مواقف سياسية ودولية مختلفة عن السياسات الغربية، ويتوقع أن يكون داعما لفلسطين ورافضا الاحتلال الإسرائيلي.
وهناك أربعة مصاديق لحالة الاستقطاب السياسي التي يمر العالم بها هذه الأيام.
أولها حدوث تباين واضح في السياسات والمواقف بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. وفي الأسبوع الماضي طلبت الصين من محكمة العدل الدولية إبداء رأيها في الاحتلال الإسرائيلي الذي اعتبرته «غير قانوني». وقال المستشار القانوني لوزارة الخارجية الصينية ما شين مين للمحكمة في لاهاي بهولندا: «لقد تأخرت العدالة لفترة طويلة، لكن لا ينبغي الحرمان منها». وستلقي أكثر من 50 دولة مرافعاتها أمام المحكمة في لاهاي استجابة لطلب تلقته المحكمة في عام 2022 من الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار رأي استشاري، أي غير ملزم، حول الاحتلال. هذا برغم سعي كيان الاحتلال لتوسيع علاقاته في شرق آسيا ومد الجسور مع الصين. هذا الموقف الصيني ستكون له ارتدادات سياسية غير قليلة، وسيمثل تحديا حقيقيا لسياسات الهيمنة الأمريكية. أما روسيا فقد توترت علاقاتها مع «إسرائيل» بسبب العدوان على غزة ورفضها المعلن إقامة دولة فلسطينية.
الأمر الثاني يتمثل بتوسع دائرة استهداف كيان الاحتلال. وهذا واضح من دخول اليمن على خط المواجهة بشكل معلن وصريح. ففي الأسابيع الأخيرة أعلنت صنعاء رفضها السماح بعبور البواخر المتوجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي من خلال باب المندب. وهنا دخلت الولايات المتحدة مرة أخرى على خط المواجهة، فاعتبرت أن استهداف «إسرائيل» بهذه الإجراءات يضر بمصالح واشنطن، فعمدت للتدخل بشكل خطير وذلك باستهداف اليمن خصوصا جماعة «أنصار الله». هذه الجماعة التي أصبح لها نفوذ واسع في اليمن أعلنت موقفها بصراحة بأنها ستدافع عن فلسطين وأهلها وستستهدف المصالح الإسرائيلية خصوصا
الناقلات المتوجهة إلى ميناء إيلات في شمال البحر الأحمر.
ثالثا: فشل الجهود الإسرائيلية العسكرية لكبح جماح المقاومة الفلسطينية، وعجزها عن أهم هدف لعدوانها الذي بدأته بعد حوادث 7 أكتوبر. فلم تنجح بتدمير أهم أطراف المقاومة متمثلا بمنظمة «حماس». ووجدت نفسها مضطرة للتفاوض معها حول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وهناك ضغوط دولية للتفاوض المباشر معها. وبدلا من تحقيق ما أعلنه، أصبح بنيامين نتنياهو نفسه مهددا بفقد منصبه، ومستهدفا من قبل العائلات الإسرائيلية التي فقدت أبناءها بالقتل او الأسر.
رابعا: أن «إسرائيل» تواجه أكبر تهمة منذ تأسيسها، وهي الإبادة. هذه المرة تصدّر مشهد التصدي للاحتلال الإسرائيلي جمهورية جنوب أفريقيا، الدولة البعيدة عن المنطقة التي بذل الإسرائيليون فيها الكثير من المال والجهد للتأثير على الرأي العام فيها، ولكن بدون جدوى. ويتوقع توسع دائرة الاتهام أمام محكمة العدل الدولية التي تنظر في تهمة «الإبادة» التي يواجهها كيان الاحتلال. وأمام هذه التهمة تضعف مواقف الدعم الذي تحصل عليه «إسرائيل» من الغرب خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. هذا في الوقت الذي يتوسع فيه محور المقاومة. وهذا تحدٍّ سياسي وأمني كبير سينهك كاهل الاحتلال. ويساهم الوعي الدولي في إحكام الحصار على «إسرائيل». وفي الأسبوع الماضي رفضت فيدرالية عمال النقل المائي في الهند (وهو اتحاد عمالي يمثل موظفي 11 من موانئها) نقل شحنات إلى «إسرائيل» وتتضمن أسلحة هندية من بينها طائرات مسيّرة. وقالت إدارة النقابة أنها «ترفض وضع شحنات الأسلحة على السفن او تفريغها سواء كانت لإسرائيل أو أي دولة تنقل أجهزة تستخدم للحرب في فلسطين».