- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
د. محمد عباس ناجي يكتب: لماذا رحبت إيران بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية؟
د. محمد عباس ناجي يكتب: لماذا رحبت إيران بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية؟
- 11 مايو 2023, 5:16:58 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
رحَّبت إيران بالقرار الذي اتخذه مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماعه بالقاهرة في 7 مايو الجاري، بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ومشاركتها في القمة العربية التي سوف تُعقد في الرياض في 19 من الشهر نفسه، ومنح الضوء الأخضر للرئيس السوري بشار الأسد للحضور شخصياً في هذه القمة، بعد غياب امتد إلى أكثر من 12 عاماً. وربما يتناقض ذلك مع تكهنات كثيرة أشارت إلى أن تطوير العلاقات بين سوريا والدول العربية لا يتوافق مع حسابات ومصالح طهران، وهي تكهنات توازت مع كشف تقارير عن إنزال أعلام إيران والميليشيات الشيعية الموالية لها في أنحاء مختلفة من سوريا، مثل دير الزور والبوكمال والميادين وغيرها، في إشارة إلى تجاوب النظام السوري مع مطالب تبنتها الدول العربية قبل اتخاذ قرار عودة سوريا إلى الجامعة.
واللافت في هذا السياق هو أن وسائل الإعلام الإيرانية كانت قد سعت إلى ترويج اهتمام السوريين برفع الأعلام الإيرانية في العاصمة دمشق والمحافظات السورية المختلفة، ترحيباً بالزيارة الأخيرة للرئيس إبراهيم رئيسي، وهو ما يطرح احتمالاً بأن يكون رفع الأعلام بعد القرار العربي – كما أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان – مرتبطاً بقيام السلطات بنزع تلك الأعلام التي كانت قد رُفعت خلال الزيارة، وليس مرتبطاً بحرص دمشق على الاستجابة لمطالب عربية في هذا الصدد، وهو ما لم تتضح أبعاده بعد، خاصةً أن القرار العربي لم يتضمن أي اشتراطات واضحة في هذا الشأن.
محددات رئيسية
يمكن تفسير موقف إيران المرحب بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في ضوء محددات رئيسية، يتمثل أبرزها فيما يلي:
1– استباق طهران القرار بزيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق: كان لافتاً أن الزيارة التي قام بها الرئيس إبراهيم رئيسي، يومي 3 و4 مايو الجاري إلى سوريا – وهي الزيارة الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010 – استبقت القرار الأخير لمجلس وزراء الخارجية العرب بأيام قليلة. ويعني ذلك أن سوريا وإيران سعتا إلى استباق القرار العربي بتأكيد استمرار الحرص على تطوير العلاقات بين الطرفين.
وقد كان الرئيس السوري بشار الأسد حريصاً خلال لقائه رئيسي على الإشارة إلى “استقرار” العلاقات بين الدولتين خلال العقد الماضي، وهي إشارة لها مغزاها، ومفادها أن إيران لم تحذُ حذو الدول العربية التي قررت قطع علاقاتها مع سوريا بعد اندلاع الأزمة في مارس 2011، بل مارست دوراً مهماً في بقاء النظام السوري في الحكم، بفعل الأدوار التي قامت بها، على غرار تكوين الميليشيات الشيعية التي انخرطت في الصراع المسلح بجانب النظام.
2– اطمئنان طهران إلى امتلاكها نفوذاً قوياً ومتشعباً بسوريا: رغم تغير توازنات القوى داخل سوريا لصالح النظام السوري منذ عام 2019، على نحو ساهم بشكل مباشر في ضمان بقائه في الحكم، على عكس بعض الأنظمة العربية الأخرى التي سقطت بفعل الأزمات التي واجهت بعض الدول العربية في بداية العقد الماضي، فإن إيران لم تتوانَ في تعزيز نفوذها داخل سوريا. وهنا فإن الهدف لم يعد حماية النظام السوري من خطر السقوط الذي كان من الممكن أن يفرض تداعيات خطيرة على مصالح إيران ودورها الإقليمي في المنطقة، بل تعزيز موقع إيران في إدارة الصراع مع خصومها الإقليميين والدوليين، ولا سيما إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
وقد تزايدت أهمية الوجود في سوريا في رؤية طهران، عقب التطورات التي طرأت على صعيد العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية؛ حيث وقعت اتفاقيات سلام مع كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، بشكل اعتبرته إيران موجهاً إليها بدرجة مباشرة، بل إنها ما زالت تتبنى تصوراً يقوم على أن الرسالة الأساسية من هذه التطورات هي أن إسرائيل اقتربت إلى حد كبير من حدود إيران. ومن هنا، فإن إيران اعتبرت أن الوجود في سوريا هو بمنزلة “رمانة الميزان” أو “العمود الفقري” للدور الإقليمي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط برمتها، ومن الصعب التنازل عنها بسهولة؛ لأنه من دونها تتعرض إيران لخسائر جمة، أهمها تراجع قدرتها على استهداف إسرائيل أو الضغط عليها بشكل مباشر.
3– امتلاك إيران أوراق ضغط قوية على النظام السوري: مثلما تحرص إيران على امتلاك أوراق ضغط في مواجهة إسرائيل، فإنها تبدو حريصة في الوقت ذاته على امتلاك أوراق مماثلة في مواجهة النظام السوري. ومن هنا، فإنها أمعنت خلال الأعوام الاثني عشر الأخيرة في توسيع نطاق تمددها داخل سوريا على المستويات المختلفة؛ العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ويعود ذلك، في قسم منه، إلى سعيها إلى عدم توفير خيارات عديدة أمام النظام السوري تساعده على توسيع هامش الحركة وحرية المناورة المتاحة أمامه، خاصةً أنه سبق أن سعى إلى “تجاوز” الضغوط الإيرانية عندما حاول الوصول إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل عبر مفاوضات “أنابوليس” التي عُقدت بين سوريا وإسرائيل برعاية أمريكية في عام 2007، وهي المفاوضات التي لاقت استياءً واضحاً من جانب إيران.
وانطلاقاً من ذلك، فإنه حتى لو كان لدى النظام السوري توجه لتقليص حدة الضغوط التي يفرضها النفوذ الإيراني الواسع داخل سوريا – وهو توجه يبدو مرجحاً – فإنه لن يجد المهمة سهلة لتحقيق ذلك، سواء بعد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، أو في حالة إقدامه، في مرحلة لاحقة، على فتح قنوات تواصل مع إسرائيل، باعتبار أنه ربما يرى أن هذه القنوات يمكن أن تفتح له ما يمكن تسميتها “الأبواب المغلقة” في الغرب، ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تبدو معنية في المرحلة الحالية بتوسيع نطاق اتفاقيات السلام بين العديد من الدول العربية وإسرائيل.
4– التطلع إلى تقليل أعباء المشاركة في إعادة إعمار سوريا: تصل تكلفة عملية إعادة الإعمار في سوريا، بحسب تقديرات عديدة، إلى نحو 900 مليار دولار، في ظل الحجم الهائل من الدمار الذي تعرضت له مدن كاملة والبنية التحتية في جميع أنحاء سوريا. وهنا فإن ثمة اتجاهَين رئيسيَّين في إيران يتبنيان موقفين مختلفين في هذا الصدد. ويرى الاتجاه الأول أن هناك فرصة أمام إيران للبدء في مشروعات إعادة الإعمار، خاصةً أن إيران لن تُبْدِ اهتماماً كبيراً إذا ما كان ذلك ينتهك أو يتوافق مع العقوبات الدولية والغربية المفروضة على النظام السوري، خاصةً قانون “قيصر”، باعتبار أن إيران نفسها تتعرض لعقوبات أمريكية وغربية بوجه عام، لم تلتزم بها في أي فترة.
وفي رؤية هذا الاتجاه، فإن هذا الانخراط المبكر في عمليات إعادة الإعمار سوف يُنتج تداعيات اقتصادية إيجابية على إيران في وقت تبدو في حاجة إلى تعزيز مواردها ومكاسبها الاستراتيجية؛ لتقليص حدة الانعكاسات التي يفرضها استمرار العقوبات الأمريكية والغربية التي تتعرض لها. وقد حظي هذا الاتجاه بزخم خاص خلال الزيارة التي قام بها الرئيس رئيسي إلى دمشق، والتي تم خلالها توقيع 15 وثيقة للتعاون بين الطرفين، من بينها مذكرة التفاهم لخطة التعاون الشامل الاستراتيجي الطويل الأمد بين البلدين في مجال الزراعة والنفط والسكك الحديدية، والاعتراف المتبادل بالشهادات البحرية بين البلدين.
لكن الاتجاه الثاني يتبنى نهجاً أكثر واقعية؛ حيث يرى أن ظروف إيران وقدراتها الحالية لا تؤهلها للاستفراد بعمليات إعادة الإعمار داخل سوريا، خاصةً في ظل تردي حالة البنية التحتية الإيرانية نفسها بفعل العقوبات الأمريكية، وانشغال الحكومة الإيرانية بمواجهة الأزمة الاقتصادية التي أنتجت بدورها أزمة اجتماعية تتفاقم تدريجياً داخل إيران خلال المرحلة الحالية. ومن هنا، فإنه يرى أن مشاركة دول أخرى، لا سيما الدول العربية، في عمليات إعادة الإعمار، قد يكون هو الخيار الأكثر توافقاً مع الظروف الحالية التي تمر بها إيران نفسها.
حضور ممتد
على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن إيران لن تقف حجر عثرة أمام تطوير العلاقات بين سوريا والدول العربية، بعد القرار الذي اتخذه وزراء الخارجية العرب بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، لكنها في الوقت نفسه لن تسمح لهذه العلاقات بأن تقضم من نفوذها داخل سوريا الذي استنزفت بسببه موارد ضخمة اقتصادية وبشرية من أجل تعزيزه على مدى السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة. وحتى إذا ما تغاضت عن إجراءات إزالة الأعلام – في حالة ثبوت صحة ذلك – فإن ذلك لا يغفل أن الأهم هو الوجود على الأرض، الذي لم يتغير، بل يتجه إلى التوسع خلال المرحلة القادمة.