- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
د. محمد عباس ناجي يكتب: ما دوافع التقارب المتصاعد بين إيران وفنزويلا؟
د. محمد عباس ناجي يكتب: ما دوافع التقارب المتصاعد بين إيران وفنزويلا؟
- 15 يونيو 2022, 3:29:11 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
زار الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إيران بدايةً من 10 يونيو 2022؛ حيث التقى الرئيس إبراهيم رئيسي في 11 من الشهر نفسه، وترأس مادورو وفداً عالي المستوى يضم مسؤولين اقتصاديين وسياسيين، لا سيما وزراء الخارجية والزراعة والاتصالات والعلوم والتكنولوجيا والنقل والسياحة. ووقع الطرفان خلال الزيارة اتفاقية للتعاون الاستراتيجي مدتها عشرون عاماً. والتقى مادورو المرشدَ الأعلى للجمهورية علي خامنئي في نهاية زيارته إلى طهران، التي كانت ضمن جولة إقليمية شملت بعض الدول، وأبرزها تركيا والجزائر.
أهداف عديدة
فرضت الظروف الدولية والإقليمية مزيداً من الأهمية والزخم على الزيارة التي أجراها الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى طهران، على نحو يوحي بأن الدولتين تسعيان عبر تلك الزيارة إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها فيما يأتي:
1– تأمين البلدين مصالحَهما في مواجهة الخصوم: تسعى إيران عبر تلك الزيارة إلى توجيه رسائل مباشرة إلى القوى الدولية، لا سيما الدول الغربية، بأن علاقاتها بفنزويلا تحديداً تمثل خطّاً أحمر. وهنا، فإن إيران ترى أن هذه الرسالة تعزز موقعها، سواء نجحت مفاوضات فيينا أو فشلت؛ ففي حالة نجاحها في الوصول إلى صفقة جديدة تنهي، مؤقتاً، أزمة الملف النووي الإيراني في الوقت الحالي، فإن تطوير العلاقات بفنزويلا معناه أن إيران تريد أن تؤكد أن هذه الصفقة المحتملة لن تؤثر على اتجاهات سياستها الخارجية، حتى مع الدول التي تصنف على أنها “منبوذة” من جانب الدول الغربية، خاصةً الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي حالة الفشل، فإن إيران بهذا الشكل تعزز استعداداتها لمواجهة مزيد من العقوبات والضغوط الغربية المفروضة عليها، التي ربما تتحول إلى عقوبات دولية إذا نُقل الملف الإيراني برمته إلى مجلس الأمن الدولي، ومن ثم عودة آلية “سناب باك” إلى العمل من جديد. وهنا فإن إيران سوف تعول في هذا السياق على علاقاتها بكل من روسيا والصين وفنزويلا، فضلاً عن بعض دول الجوار التي بدأت تُوسع نطاق تعاونها معها، على غرار سلطنة عمان وقطر وطاجيكستان. وقد كان لافتاً أن الوفد الذي رافق مادورو اكتسب طابعاً اقتصادياً في المقام الأول، على نحو يوحي بأن تطوير التعاون الاقتصادي سوف يحظى بأولوية لدى الدولتين خلال المرحلة القادمة.
وربما لا ينفصل ذلك عن اهتمامات فنزويلا أيضاً؛ إذ إنها ترغب عبر هذه الزيارة – ومن خلال توقيع اتفاقية تعاون استراتيجي طويلة الأمد وتدشين خط جوي مباشر – في تأمين علاقاتها الثنائية مع إيران ضد أي تحولات قد تحدث في المرحلة القادمة، خاصةً إذا تم الوصول إلى صفقة في فيينا حول الاتفاق النووي؛ إذ إن فنزويلا تعتمد على طهران في إمدادات الوقود؛ حيث تصر إيران – رغم العقوبات التي تتعرض لها، فضلاً عن تعقب شحناتها في المياه الدولية – على مد حليفتها اللاتينية بما تحتاجه دعماً لنظام مادورو الذي يواجه بدوره عقوبات وضغوطاً قوية من جانب واشنطن.
2– التنسيق المتبادل حول تبعات الحرب الأوكرانية: تتابع كل من طهران وكراكاس بدقة تطورات الحرب الأوكرانية. وترى الدولتان – على ما يبدو – أن أحد الأهداف الاستراتيجية من تلك الحرب هو استنزاف “الحليف الروسي” على نحو سوف يؤدي في النهاية إلى إضعاف موقع موسكو في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية. وتستند تلك الرؤية إلى مؤشرات عديدة يتمثل أبرزها، بالطبع، في استمرار الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، ورفع مستوى العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على روسيا، وتزايد الجدل حول ضم السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو”.
ومن هنا، فإن الزيارة تبدو مناسبة لتوسيع نطاق التنسيق بين الطرفين حول مواجهة ما يمكن أن تفرضه تطورات الحرب الروسية–الأوكرانية، التي دخلت شهرها الرابع، من متغيرات جديدة سوف تؤثر – من دون شك – على مواقعهما وحساباتهما. وقد كان لافتاً أن زيارة مادورو إلى طهران، سبقتها زيارة وزير النفط الإيراني جواد أوجي إلى كراكاس، في 3 مايو الماضي، التقى خلالها مادورو الذي أكد أن تلك الزيارة تعزز التعاون الثنائي بين الطرفين أكثر من أي وقت مضى، خاصةً في مجال الطاقة.
3– تعزيز التحالف “الطاقوي” المتعدد الأطراف: تكشف الجولة الإقليمية الشرق أوسطية التي أجراها مادورو، وشملت دولاً مثل الجزائر وتركيا بجانب إيران، عن أن كراكاس ربما تسعى إلى رفع مستوى التعاون بين الدول التي تحظى بأهمية خاصة على المستوى الدولي في الوقت الحالي، فيما يتعلق بإمدادات الطاقة، خاصةً بعد ما فرضته الحرب الروسية–الأوكرانية من متغيرات جديدة تتعلق بهذا الملف تحديداً، في ظل التهديدات المتواصلة من جانب روسيا بقطع إمدادات الطاقة عن الدول الأوروبية رداً على العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب العمليات العسكرية التي تشنها داخل أوكرانيا.
ورغم أن إيران تمد فنزويلا بشحنات من الوقود، فإن ذلك لا ينفي أن فنزويلا تعد رقماً مهماً في ملف الطاقة، خاصةً أنها تمتلك أكبر احتياطات من النفط على مستوى العالم، إلا أن الفساد المستشري داخل منظمة الطاقة الفنزويلية، فضلاً عن العقوبات المفروضة عليها، أسهما في تردي البنية التحتية الخاصة بالنفط وتراجع الإنتاج، فتفاقمت أزمة الوقود التي سارعت إيران إلى محاولة تقليص حدتها بمد فنزويلا بشحنات من الوقود. كما أن أهمية إمدادات الطاقة الجزائرية تزايدت أيضاً عقب اندلاع الحرب، على نحو يبدو جلياً في التفاهمات التي تُجرَى بين الجزائر والعديد من الدول الغربية في هذا الصدد.
4– قلق إيراني من تقارب واشنطن وكراكاس: ربما تضع إيران في اعتبارها أن ما تمتلكه هي وفنزويلا من ثروات نفطية أصبح محط اهتمام خاص من جانب الدول الغربية، حتى الولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب الضغوط التي تفرضها روسيا في هذا الملف. وقد كان لافتاً في هذا السياق، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حرصت، رغم التوتر الشديد في العلاقات مع فنزويلا، على فتح قنوات تواصل مع الأخيرة لاستشراف ما يمكن أن تقوم به من دور مستقبلي في إمدادات الطاقة، في حالة تطور الحرب الروسية–الأوكرانية وقطع إمدادات الطاقة الروسية عن الدول الأوروبية، وما يمكن أن يسببه ذلك من أزمة عالمية غير مسبوقة.
وفي هذا السياق، أجرى وفد أمريكي زيارة إلى فنزويلا، في الأسبوع الأول من مارس الماضي؛ حيث التقى الرئيس مادورو. واتخذت السلطات الفنزويلية خطوة إيجابية تعقيباً على ذلك بالإفراج عن مواطن أمريكي كان قد سُجن برفقة 5 مديرين تنفيذيين سابقين آخرين فيما يسمى بـ”الفرع الأمريكي” لشركة النفط الوطنية الفنزويلية. لكن أهم ما أثار قلق طهران هو الرسائل التي حرص مادورو على توجيهها إلى واشنطن عبر تلك الزيارة؛ فقد قال مادورو، في 8 مارس الماضي: “دار الاجتماع في أجواء من الاحترام والمودة والدبلوماسية، وكان جميلاً مشهد الرايتين الأمريكية والفنزويلية، كلتَيْهما بجانب الأخرى”، وأضاف أن “شركة النفط الفنزويلية جاهزة، بعد استعادة قدراتها الأساسية، لاستئناف الإنتاج ومضاعفته ليصل إلى مستوى ثلاثة ملايين برميل يومياً، وتوفير الاستقرار في سوق الطاقة”.
يوحي ذلك في المقام الأول، بالنسبة إلى طهران، بأن كراكاس تتطلع إلى تطوير علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية، رغم سعي الأخيرة إلى الإطاحة بالنظام الحاكم عبر فرض العقوبات، وأن فنزويلا تستغل احتياجات الدول الغربية للطاقة في سبيل تحقيق ذلك الهدف، وأن ذلك قد يكون محط صفقة محتملة بين كراكاس وواشنطن، قد تسعى من خلالها الأخيرة إلى رفع مستوى إمدادات الطاقة على المستوى الدولي، بل إلى عرقلة توسيع نطاق العلاقات الثنائية بين طهران وكراكاس، خاصةً في ظل قلقها الملحوظ من الحضور الإيراني في أمريكا اللاتينية بوجه عام.
وهنا، فإن تصريحات مادورو في طهران، التي أكد فيها أن “إيران وفنزويلا رائدتا النظام العالمي غير الاستعماري”، مشيراً إلى أن “إيران وفنزويلا لديهما أهداف في مقارعة الاستعمار والإمبريالية والعنصرية”؛ لن تقلص حدة القلق الإيراني من احتمال حدوث تغيرات في السياسة الفنزويلية إذا كانت لدى واشنطن رغبة في تحسين العلاقات بكراكاس.
سياسة مستقرة
على ضوء ذلك، يبدو أن إيران سوف تواصل العمل على تطوير علاقاتها بفنزويلا، لتوسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها على المستويين الدولي والإقليمي، علاوةً على تجنُّب أي تداعيات سلبية قد تفرضها محاولة كراكاس توسيع هامش الخيارات وحرية الحركة المتاحة أمامها عبر فتح قنوات تواصل جديدة مع واشنطن. ويمكن القول في هذا السياق، إن إيران سوف تتحرك سريعاً من أجل تأكيد أن حضورها البارز في أمريكا اللاتينية، لا سيما في فنزويلا، سوف يتصاعد خلال المرحلة القادمة على ضوء السياسة التي تتبناها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي القائمة على توسيع نطاق العلاقات مع الدول التي تناوئ الهيمنة الأمريكية على المستوى الدولي، لا سيما الصين وروسيا وفنزويلا.