د. منى سليمان يكتب: أبعاد التعاون العسكري بين روسيا وإيران

profile
  • clock 22 أغسطس 2022, 7:08:20 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أعلن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” – في منتصف أغسطس الحالي، بحفل افتتاح منتدى “الجيش 2022” والألعاب العسكرية الدولية بموسكو – عن استعداد بلاده لتقديم كافة أنواع الأسلحة المختلفة والمتطورة لحلفائها وشركائها، وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة معهم؛ وهذا بعدما أطلقت روسيا بنجاح القمر الصناعي الإيراني “خيام”، وأعلنت أنه مخصص للأغراض المدنية، بيد أن واشنطن أكدت أنه قمر عسكري مخصص للتجسس على دول الشرق الأوسط، لا سيما إسرائيل. بالتزامن مع ذلك كشف مستشار الأمن القومي الأمريكي “جاك سوليفان” أن موسكو ستشتري صفقة طائرات مسيرة “درونز” إيرانية متطورة لاستخدامها في حربها بأوكرانيا؛ الأمر الذي أثار مخاوف أمريكية حول آفاق التعاون العسكري بين روسيا وإيران وتداعياته على الحرب الأوكرانية ومنطقة الشرق الأوسط.

أوجه التعاون

تعزَّز التعاون الروسي – الإيراني بعد سقوط الاتحاد السوفييتي 1990، وكان محركه الرئيسي التعاون العسكري؛ حيث اشترت طهران صفقات أسلحة روسية متنوعة لمواجهة الحظر الغربي عليها. وخلال العقد الأخير، حدث تقارب غير مسبوق بينهما بفعل التعاون لمواجهة تداعيات أحداث “الربيع العربي” التي أثرت على مصالحهما بالشرق الأوسط، لا سيما في سوريا. وفي الفترة الأخيرة تكثَّف تعاونهما العسكري واتخذ عدة صور:

1–التعاون الفضائي وإطلاق “خيام”: أُطلق يوم 9 أغسطس 2022 من القاعدة الروسية الفضائية “بايكونور” بكازاخستان، القمر الصناعي الإيراني “خيام1″، وأعلنت طهران أنه مخصص للأغراض المدنية مثل (زيادة الإنتاجية الزراعية، ومراقبة الموارد المائية وإدارة المخاطر الطبيعية)، كما كشفت عن تحويل اتفاق شراء الأقمار الصناعية من روسيا إلى “اتفاق لنقل التكنولوجيا الفضائية”، وسيتم بناءً على ذلك تصنيع روسي إيراني مشترك لأقمار (خيام 2 و3 و4) ليسجل بداية لتعاون جديد بينهما في مجال الفضاء كما وصفته الحكومة الإيرانية. هذا بينما تشكك واشنطن في طبيعة عمل “خيام”، وتؤكد أنه مخصص لأغراض عسكرية؛ حيث ستستخدمه موسكو لعدة أشهر لمتابعة تطور العمليات العسكرية في أوكرانيا بموجب اتفاق للتعاون الفضائي وُقِّع بين طهران وموسكو عام 2018، ثم ستشغله طهران للتجسس على دول الشرق الأوسط، نظراً إلى قدراته التقنية العالية، بيد أن منظمة الفضاء الإيرانية نفت ذلك وأكدت أنها المتحكم في القمر وتشغيله.

2–تأكيد أمريكي لشراء روسيا “مسيرات” إيرانية: كشف مستشار الأمن القومي الأمريكي “جاك سوليفان” في يوليو الماضي عزم روسيا شراء مئات من الطائرات القتالية الإيرانية بدون طيار لاستخدامها في أوكرانيا، بغية مواكبة طائرات “بيرقدار” التركية التي تستخدمها كييف في المعارك بشرق البلاد، لا سيما أن التقنيات التركية والإيرانية متقاربة. ورجحت مصادر أمنية إسرائيلية أن الصفقة ستتكون من 300 طائرة بدون طيار متطورة، بينما ستزود موسكو طهران (بمقاتلات Su–35) لتطوير القوات الجوية الإيرانية، وأكدت أن إيران قد قدمت 46 طائرة بدون طيار متطورة من طراز (شهيد 129) و(شاهد 191) بالفعل للجيش الروسي تستخدم حالياً في أوكرانيا. وتتميز تلك الطائرات بقدرة تحليق طويلة (تصل إلى 24 ساعة) وحمولة قصوى (400 كم) ويصل مداها إلى نحو 2000 كم، هذا بينما نفت وزارة الخارجية الروسية تصريحات “سوليفان” وأكدت أنها “شائعة مثيرة للسخرية”.

3–مناورات بحرية مشتركة: استضافت فنزويلا، خلال شهر أغسطس الحالي، تدريبات بحرية بين القوات الروسية والصينية والإيرانية في فنزويلا، وبالطبع هذه المناورات هي رسالة إلى واشنطن؛ لأنها تجرى في الفناء الخلفي لها بأمريكا اللاتينية، وتعد هذه أحدث تدريبات مشتركة بين موسكو وطهران؛ حيث شاركت طهران في مناورات (القوقاز الروسية) في سبتمبر 2020 ، واتفق الجانبان آنذاك على إجراء مناورات بحرية منتظمة في بحر قزوين والخليج العربي ومضيق هرمز. وفي يناير 2022 نفذت تدريبات عسكرية بحرية مشتركة بين روسيا والصين وإيران في خليج عمان.

كما عرضت إيران على روسيا استخدام قواعدها العسكرية البحرية في الخليج العربي إذا اقتضت الضرورة ذلك. والتدريبات المشتركة بين موسكو وطهران تضمن لروسيا حضوراً عسكرياً بحرياً مستمراً في الخليج العربي وبحر قزوين فضلاً عن قاعدتها العسكرية البحرية بطرطوس السورية؛ ما ينافس الحضور العسكري البحري الأمريكي بالمنطقة.

4– استمرار التعاون النووي بين الدولتين: ففي عام 1995 وافقت موسكو على إنشاء مفاعل بوشهر النووي بإيران، وحالياً تتفاوض طهران مع موسكو لتطوير المرحلتين الثانية والثالثة منه؛ الأمر الذي سيعزز التعاون النووي بينهما، وهو – وفق البيانات الرسمية من الدولتين – مخصص للأغراض السلمية، بيد أن واشنطن تخشى تحويل البرنامج النووي الإيراني إلى برنامج عسكري، وهو ما سيؤدي إلى سباق تسلح نووي بالشرق الأوسط.

5–اتفاق استراتيجي طويل الأمد: أعلن الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي”، أثناء زيارته إلى روسيا في يناير 2022، أن بلاده أعدت “مسودة اتفاقية مدتها 20 عاماً مع روسيا”، وهذه الاتفاقية ستشمل جوانب اقتصادية وأمنية وعسكرية، وستكون مثل الاتفاق الاستراتيجي الموقع بين إيران والصين في 2021 الذي سيتم بموجبه ضخ 400 مليار دولار استثمارات صينية في إيران وسترسل قوات أمنية صينية إلى البلاد لحماية تلك الاستثمارات لمدة 25 عاماً.

جدير بالذكر أن الاتفاق الروسي الإيراني الاستراتيجي وقع للمرة الأولى في 12 مارس 2001 بعنوان “قانون الاتفاقية الأساسية للعلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون” ووقع لمدة عشر سنوات وتم تجديده، والاتفاق الجديد، بحسب تقرير لموقع العربية، مكون من 21 مادة، وتشير المادة 6 منه إلى التعاون بمجال الطاقة بين البلدين بما فيها الطاقة النووية، كما أنها تنص على نقل التكنولوجيا من روسيا، وشراء المعدات العسكرية الروسية والاستثمارات الروسية في البنية التحتية للطاقة الإيرانية. ووصف مراقبون إيرانيون تلك الاتفاقية بالضرورية؛ لأنها ستكرس “التحالف العسكري والاستخباراتي” بين طهران وموسكو.

تداعيات متعددة

شهد التعاون الروسي الإيراني طفرة منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ويرجع هذا إلى رغبة الدولتين في كسر العزلة الدولية ومواجهة العقوبات الغربية التي فرضت عليهما؛ فقد عقد الرئيس الروسي قمتين مع نظيره الإيراني “رئيسي”؛ هما: قمة بحر قزوين بتركمانستان في 30 يونيو 2022 وقمة طهران في 20 يوليو 2022، وهاتفه أكثر من أربع مرات؛ ما يؤكد استمرار التواصل والتنسيق بينهما؛ ما أسفر عن تكثيف التعاون بين موسكو وطهران على الصعيدين العسكري والاقتصادي؛ حيث تم الاتفاق على استخدام العملات الوطنية في المبادلات التجارية بينهما، وإنشاء مراكز تجارية إيرانية في موسكو ومناطق اقتصادية مشتركة، وزيادة رحلات الركاب بين روسيا وإيران ومضاعفة الصادرات الغذائية لروسيا.

وهذا التعاون المكثف والمثمر في كافة المجالات لا ينفي وجود ملفات خلافية بين موسكو وطهران؛ من أبرزها تقاطع بعض المصالح بالملف السوري والتنافس بآسيا الوسطى والقوقاز، والخلافات على تحديد أسعار النفط، بيد أنهم اختاروا استمرار التنسيق والتعاون بينهما لتحقيق مصالحهما المشتركة، وهذا له العديد من التداعيات ومن بينها:

1– دعم عسكري إيراني لروسيا بأوكرانيا: رغم النفي الروسي والإيراني فإن ثمة ترجيحات لوجود دعم عسكري إيراني لموسكو في عملياتها العسكرية بأوكرانيا؛ حيث إن طهران يمكنها إعارة طائرات مسيرة لموسكو، كما يمكنها فتح قواعدها العسكرية البحرية كي تستخدمها روسيا، فضلاً عن إمكانية إرسال مقاتلين من الميليشيات الشيعية الموالية لإيران للقتال بأوكرانيا، وهذا سيؤدي إلى ترجيح كفة موسكو في المعارك المستمرة منذ 24 فبراير الماضي، كما أنه يمثل توازناً مع الدعم الغربي المستمر المقدم لكييف، وهو ما دفع السيناتور الديمقراطي الأمريكي “كوري بوكر” إلى الإعلان في نهاية يوليو الماضي عن “قلقه إزاء التقارير حول زيادة التعاون بين إيران وروسيا في الحرب على أوكرانيا. والكونجرس يستعد لاتخاذ إجراءات لمنع تحركات طهران وموسكو المشتركة”.

2– توافق إيراني روسي بالشرق الأوسط: استضافت العاصمة الإيرانية طهران يومي 19 و20 يوليو 2022، القمة الرئاسية السابعة ضمن “مسار الآستانة” بعد توقف دام عامين؛ نظراً إلى أزمة فيروس “كورونا”، وهي التي حضرها “بوتين” شخصياً في الزيارة الخارجية الثانية له منذ بدء العمليات العسكرية بأوكرانيا؛ ما يؤكد أهمية القمة له، وجدد “بوتين” خلالها خطابه السياسي الداعي إلى نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، وهي دعوة لها دلالتها وتؤكد أهمية إيران وسوريا في الاستراتيجية الروسية، لا سيما في ظل التوافق الروسي الإيراني على استبعاد الحل العسكري للملف السوري، وإدانة الهجمات العسكرية الإسرائيلية على سوريا؛ ما يصعد التوتر الحالي بين موسكو وتل أبيب. وهذا التوافق ينسحب على مجمل ملفات الشرق الأوسط كدعم القضية الفلسطينية والتسوية السلمية لملفات المنطقة ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وهو موقف يتناقض مع نظيره الأمريكي، ويعزز حالة الاستقطاب بين موسكو وواشنطن بالمنطقة.

3– تنسيق مستمر بالقوقاز وآسيا الوسطى: شارك الرئيس الروسي والإيراني في قمة بحر قزوين في نهاية يونيو الماضي التي جدد بيانها دعم موسكو في مواجهة العقوبات الغربية وتعزيز التعاون البيني، ومحاربة الإرهاب ودعم أفغانستان، وهو ما رحبت به دول آسيا الوسطى التي تسعى إلى الحفاظ على أمنها واستقرارها بعد الانسحاب العسكري الأمريكي من المنطقة، وهذا ينطبق على دول القوقاز (أرمينيا وأذربيجان)، وهذا يؤدي إلى توافق روسي إيراني لمواجهة النفوذ الأمريكي بآسيا الوسطى والقوقاز، كما أن هذا التوافق ربما يوجه إلى دول إقليمية وأوروبية أخرى تسعى لتعزيز نفوذها بتلك المنطقة, مثل كازاخستان أو بريطانيا، كما تحرص موسكو على إشراك طهران في منظمات الفضاء الروسي ومنها “منظمة شنجهاي”، ومنظمة “معاهدة التعاون الجماعي” التي ربما تنضم إليها إيران مستقبلاً. وتشارك طهران في اتحاد “الدول المستقلة”، ولها علاقات متميزة مع بيلاروسيا حليف موسكو؛ ما دفع بعض الأصوات داخل إيران للدعوة إلى إنشاء “درع صاروخية أوراسية” تمتد من روسيا إلى أرمينيا مروراً بيلاروسيا والصين حتى إيران، في مقابل “الدرع الصاروخية الأطلسية”.

4– تهديد المصالح الأمريكية: استمرار التعاون العسكري الروسي الإيراني والتنسيق السياسي في معظم الملفات بينهما سيؤدي إلى تهديد متواصل حقيقي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى، بل في الفناء الخلفي لواشنطن أيضاً؛ حيث تتمتع طهران وموسكو بعلاقات وثيقة مع فنزويلا والدول اليسارية بأمريكا اللاتينية، والأكثر أهمية هو قبول موسكو العرض الإيراني باستئجار ثلاث قواعد بحرية للاستخدام الروسي هي (تشابهار، وبندر عباس، وبندر بوشر) بالخليج العربي، فضلاً عن إمكانية نقل التكنولوجيا النووية والفضائية من موسكو إلى طهران خاصة إمكانية نشر منظومة صواريخ “إس 300” الروسية أو الصواريخ الباليستية البعيدة المدى في طهران، وهذا سيؤدي إلى خلل في توازن القوى بالشرق الأوسط، كما يمكن لطهران في هذه الحالة قصف بعض الأهداف الأمريكية في المنطقة أو قصف أهداف إسرائيلية، كما يمكنها تطوير تلك التكنولوجيا المتطورة ونقلها إلى عناصر الميليشيات الشيعية الموالية لها؛ ما سيمثل تهديداً للأمن والاستقرار بالمنطقة، بيد أن موسكو ستحرص على عدم تنفيذ ذلك السيناريو لتجنب تصعيد المواجهة مع واشنطن.

خلاصة القول أن جملة المتغيرات الجيوسياسية الآنية وعلى رأسها التعاون العسكري الروسي الإيراني والتنسيق السياسي بينهما، تنذر بنشوء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، تكون روسيا إحدى محاوره بالتعاون مع إيران؛ إذ تستفيد الدولتان من التحولات الممكنة في النظام الدولي وخصوصاً أن الخطاب الذي اعتمدت عليه الدولتان خلال العقود الماضية ينطوي على مفردات العداء المكثف لهذا النظام، وربما تكون الحرب الأوكرانية فرصة مواتية للدولتين لتعزيز التعاون بينهما وإحداث تغييرات راديكالية في النظام الدولي.

كلمات دليلية
التعليقات (0)