- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
د. ناصر محمد معروف يكتب: بين إقبال الفتوة وإدبار الشيخوخة لن تفلح تهديدات العدو بالرجوع إلى سياسة الاغتيالات.
د. ناصر محمد معروف يكتب: بين إقبال الفتوة وإدبار الشيخوخة لن تفلح تهديدات العدو بالرجوع إلى سياسة الاغتيالات.
- 23 أبريل 2023, 6:51:32 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كُلُّنا رأى كيف انطلقت اسرائيل، وكيف أنها بدأت فتية ترعاها بريطانيا العظمى، ثم انتقلت رعايتها إلى أمريكا، حتى شَبَّت وملكت، وأصبحت هي الدولة التي لا تُقْهر، ولكن سنَّة الله في الدُّول كسُنته في الأشخاص، وهذا ما قرره ابن خلدون في أن كل دولة تمرُّ بثلاثة أجيال فقط، فالجيل الأول يقوم بعملية البناء المتين والعناية بكل فرد في الدولة، والجيل الثاني يسير على خطا الجيل الأول من التقليد وعدم الحيد فتستقر به الدولة وتنشأ المنشآت الحضارية والعمرانية وتزداد ظهوراً، أما الجيل الأخير فيمكن تسميته بالجيل الهادم، الذي تنزلق به الدولة ويتمكَّن الاستبداد منها حيث حكم الفرد.
إن دولة اسرائيل قد مرّت عبر أجيالها بالمراحل الثلاث، ولا شك أنَّها تعيش في المرحلة الأخيرة، حيث الاستبداد الذي تبعه التفكك والخلاف الداخلي الماحق بإذن الله، فالجيل الأول الذي بنى قد مات، والجيل الثاني الذي استمر على خُطى الجيل الأول قد عَمَّر بما فيه الكفاية، وبرزت اجتهاداته وتطوُّر دولته حتى أنه سيطر على جميع الدول المجاورة وأخضعها له سياسةً وتطبيعاً، ولم يبق من يقول له لا، والجيل الثاني لم يهنأ كثيراً حتى جاءت إزاحته في وجوده من الجيل الثالث الذي يسابق الزمن ليحقق المكاسب المادية قدر استطاعته، دون أن يفكر في مجد دولته، أو مصلحتها، وهذا يدُلُّ على الشيخوخة المبكرة لدولة الكيان.
يقابل ذلك هذا النشء الجديد من الشباب الفلسطيني، الذي شَبَّ وهو يرى الظلم الواقع عليه، ويرى تخلي الأخ والقريب عنه، وهو يرى نفسه وحيدا في مواجهة هذه الترسانة الحربية من عدُوٍ لدود عنيد لا يعرف للسلم طريقاً، فيقرر أن يُعِدُّ نفسه بنفسه، بمساعدة بقايا من الإخوة الغيورين الناصحين الصادقين ممن هم حولهم ويراقبون أخبارهم، فيستطيع أن يطور مقاومته ويرتقي يوماً بعد يوم، ويتعلم الأمن والعسكرية بمهارة فائقة، فلا يستغرق بناءه السلوكي والأمني والعسكري طويلاً، حتى رأينا فجأةً شاباً قوياً متيناً، يحوِّلُ العدم إلى وجودٍ بين يديه، ويصنه من المجهول ترسانة حامية يرعاها ربُها سبحانه وتُصنع نحن عين الله سبحانه، الذي قال: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال:60]، حتى أصبح هذا الشباب فتياً، يملك قوةً فتيةً، فهو يعيش بين الإرادة التي تدعمها العزيمة والعنفوان، موجَّهة من كتاب ربها وشرعه، الذي يعدهم بأن خُسْران أجسادهم ودمائهم إنما ثمنه الجنَّة، ومن قُتِلَ منهم فإنه ليس بميِّتٍ، لا يكذبُ، وهذا يدفعهم إلى التسابق، والتفاني في مواجهة هذا العدو الغشوم عقلاً وعلماً وإعلاماً وتكنلوجيا متطورة، وأمناً وعسكراً وفي كل المجالات، حتى أصبحت المواجهة مواجهة عقول بالدرجة الأولى، وكلُّ ذلك في سبيل الفوز برضى الرحمن أولا، ثم إخراج هذا الشعب المظلوم من الظلمات إلى النور.
أعتقد أن هذا السَّرْد، وقول نتنياهو بأنَّه سيجتهد إلى إيصال دولته إلى المئة سنة، ليُوَضِّحُ أنَّ إعلان العدوّ بإرجاع سياسة الإغتيالات، ما هو إلا لتطمين نفسه أنه ما زال قادرا، ولو كان صادقاً لما أعلن عن ذلك علانيةً، فالإحتلال أصلاً لم يوقف سياسة الإغتيالات، فهي ديْدَنه، ولو تاحت له الفرصة باصطياد شخصية عسكرية لما قصَّر أبداً، لكن إرادة الله تحول دون تحقيق ذلك، ولو أذن الله لكان، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وهذا ما عرفته قيادات المقاومة، إضافة إلى أنها لا تأبه بمثل هذه التهديدات التي تُعْتَبَر فارغة بالنسبة لها، فصراع الأدمغة على أشُدَّهُ، ومهما ملكت الشيخوخة من الترسانة، فلا يمكن لها قهر الفُتُوَّةِ التي تُزيحُها يوماً بعد يوم، وتشقُّ طريقها بثبات إلى بلوغ الرُّشد والكمال.
لن تفلح سياسة الإغتيالات أمام فتوَّة شعبنا ومقاومته، وستجد إسرائيل نفسها أنها تحفُر قبرها وتتعَجَّل وأدها.