- ℃ 11 تركيا
- 25 نوفمبر 2024
د.نعمات عبدالله البرش تكتب: وَلَسَوفَ تَرضَى
د.نعمات عبدالله البرش تكتب: وَلَسَوفَ تَرضَى
- 25 نوفمبر 2024, 7:19:20 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تَوَارَيتُ مِن حُزنِي وَمِن كَمدِي عَسَى لِلرُّوحِ عَافيةٌ وَعَسَى لِلقَلبِ سَارِحةٌ
فَصَخَّ مَسمَعِي نَحيبُ الثَّكَالَى وَآهَاتُ الأراملِ وَزَفَراتُ اليَتامى البَاحثَة:
أبتَاه!!
وَحَرَّضَ مَدمَعي هَولُ القَصفِ والتَّشريدِ والتَّخِريبِ والتَّهديمِ حتَّى وَكَأنَّني أسمَعُ تِيهَهُم يَستَغِيثونَ أينَ المَلجأُ يَااالله!!
وَطَافَ بِعَقلي المَذهُولِ قَولُ الرُّندي وَهُو يَبكِي الأندَلس:
هِيَ الأمُورُ كَمَا شَاهَدْتُها دُوَلٌ
مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءتْهُ أزْمَانُ
فَتَنَبَّهتُ لهذهِ الدُّنيا وَتَفكرتُ في أمرِهَا فَمَا ألفَيتُهَا إلا فَانيةً حقًّا لا بَقاء فيها لأحدٍ كَمَا الكُلُّ يَعلم.
ثُمَّ أعدتُ النَّظرَ مراتٍ وَمَراتٍ فَمَا تَرسَّخَ فِي جَمراتِ قَلبي إلَّا أنَّ أمْرَ اللهِ نَافدٌ شِئنَا أم أبَينَا فَمَنْ صَبَرَ وَرَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَكَسبَ الدُّنيا والآخرةَ وَمَن سَخطَ فَلَه السَّخطُ وخَسرَ الدُّنيا والآخرةَ.
ثُمَّ قَلبتُ وَجهيَ في السماءِ وَجَالَ بخَاطِري المَكسورِ كَيفَ لِقُلوبِنَا أنْ تَتَجرعَ هذهِ المَرَارات؟
كيفَ لِعُقولِنَا أن تَستوعبَ هذهِ المَصائبَ والصَّدمَات؟
فَمِن فَقْدِ الأحبَّةِ بِالعشَراتِ إلى فَقْدِ البُيوتِ وَالمُمتَلكات
وَمنَ الأَلمِ وَالوَجعِ وَالأنِينِ إلَى حَرِّ الذِّكريَات
وَمِن نَارِ الحَنينِ والشَّوقِ تَتبعُهَا علَى الخُدُودِ الدُّمُوعُ مُنهَمرَات.
كَادَ عَقلِي أن يُصَابَ بِرِيبةٍ وَكَادَ أن يَتسلَّلَ لَقَلبِي اليَأسُ مِن وَجعِي عَلَى فِراقِ أحبِّتِي وَحُرقتِي عَلَى غَزَّتِي الجَميلةِ وَمَا أصَابَهَا تِلكَ العزيزَةَ المُدَللةَ المُبَارَكة.
فَتَمَعنتُ وتَفَكرتُ وقَلّبتُهَا فِكرةً وَنَظرةً فَما وَجدتُ خَيرًا لنَا من أنْ نَرضَى بِمَا قَسَمَ ربُّ البَريَّةِ وَقَدَّر
وَكمَا صارَ أمْرُ فِرعونَ وقَارونَ والطُّغاةِ مِن قَبلهم ومن بَعدِهم سَيَؤُولُ أمْرُ طُغاةِ عَصرِنَا وَاللهُ يُمهلُ ولا يُهملُ فَهذهِ هِي سُنَّةُ اللهِ في كَونِه.
أمْ أنَّكَ ظَننَتَ أيُّها الغَزِّيُّ أنَّ اللهَ غافلٌ عن نَزفِ دَمِ صِغارِكَ وكِبارِك
أو أنَّهُ لا يَعلمُ بإهلاكِ حَرثِكَ وَنَسلِكَ وهَدمِ سُورِ بَيتِكَ وَشَجرِ بُستَانِكَ وَمِحرَابِك؟
أمْ أنَّكِ حَسبتِ يَا أمَّ الشَّهيدِ يَا دُرَّةَ التَّاجِ أنَّ اللهَ أصَمُّ لم يَسمعْ صَرخَاتِكِ وَآهَاتِكِ أو أنَّه لم يَأبَهْ بِحُرقةِ فُؤادِكِ وأنَّاتِكِ الحَرَّى وَلَوعَاتِكِ علَى فلذاتِكِ أو أنَّهُ تَنَاسَى جُرحِكِ وعَبَراتِك؟
أَمْ أنَّكَ يَا مُسلمُ شَككَتَ فِي عَدلِ رَبِّكَ وَسُنَّتِهِ المَاضيةِ فِي الظَّالمين؟
إذنْ ارجِعْ إلى التَّاريخِ لِيَهدأَ قَلبُكَ وَتسكُنَ روحُكَ فِفيه العِبرةُ وَالعِظَة
وَحَتَّى لَا يَضِيعُ تَعبُنَا وَرِبَاطُنَا سُدًى وَحَتَّى نَذهَبُ بِالأَجرِ كَاملًا منَ اللهِ فَلَيسَ لنَا إلَّا أن نُغَلِّفَ قُلوبَنَا بِالرضَا لِنرضَى.
إذَن فَكيفَ لِقلبِكَ المَجرُوحِ يَا غَزِّيُّ أن يَرضَى بِكلِّ ما جَرَى وَبِبَيتِكَ المَقصُوفِ وَولَدِكَ الذِّي لَم يَعُدْ يُرَى؟
هَديُ الحَبيبِ المُصطفَى يَدُلُّكَ علَى مَا يُرضيكَ لِتَرضَى ثُمَّ يَرضَى عنكَ مَولاكَ وَهَا هِي رَكَائزُ رِضَاهُ فَارتَكِز عليهَا لَا أرَاهَا إلَّا هِي سَبيل رِضَانَا:
أُولَاهَا: أنَّ اللهَ أرحمُ مِنَّا عَلَى أنفسِنَا
فَكلَّمَا اشتَعَلت في قلبِكَ نارُ الفِراقِ وَلهيبُ الذكرياتِ وَتَسَاءلتَ وَقُلتَ مَا الذّي جَرَى وَلِمَاذَا وَكيفَ فَتذكَّر دَائما أنَّ اللهَ أرحمُ مِنكَ علَى نَفسِكَ فَارأَفْ بِروحِكَ الجَميلةِ وَهوِّنْ عَليكَ فَمَا هِي إلَّا دُنيا ونَحنُ رَاحِلونَ عنهَا.
ثَانِيهَا: آجَالُنَا مُسَجَّلةٌ لَا يَحُطُّهَا ولَا يَرْفَعُهَا سَبَب
فَمُنذُ أن وُضِعَت رُوحُكَ الزَّكيَّةُ فِي بَطنِ أُمِّكَ وَنَفخَ المَلَكُ فِيهَا فَقَد كُتبَ أجلُكَ وَحُسِمَ عُمرُكَ فَلَا نُقصَان وَلا زِيادَة لا دَقَائِق وَلَا ثَوَانِي.
ثَالِثُهَا: يَقينُكَ بِرَبِّك: فَالْتَزِمْ بِهِ وَ{قُل لَّن یُصِیبَنَاۤ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللّٰـهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} وَ"اعلَم أنَّ مَا أصَابَكَ لَم يكُن لِيُخطِئَكَ وَمَا أخطَأكَ لَم يَكُن لِيُصِيبَكَ"
ثُمَّ مِن: "أيّ يَومَيّ مِنَ الموتِ أَفِرُّ؟ يَومَ لا يُقدَّرُ أو يَومَ قُدِّر؟ يوم ما قُدّر لا أرهَبُهُ وإذا قُدّر لا يُنجِي الحَذَر"
هُمَا يَومَانِ:
يَومُ سَلامَتِكَ فَلماذَا تَفِرُّ مِنَ السَّلامَة؟
وَيَومُ قَدرِكَ المَحتومِ فَلمَاذَا تَفرُّ ولَن تَستطيعَ الفِرارَ فَاثبُت مَكانَكَ تَسكُنْ رُوحُكَ وقَلبُك.
وَرَابِعُهَا: "كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ، أَوْ عَابِرُ سبيلٍ"
وَلِلحقِّ فقد تَحَققَ هذا الأمرُ أمامَ ناظرِينَا فأصبَحنَا غُرباء أو عابرِي سَبيلٍ
سُلِبت مِنا حَياتُنَا بِكلِّ مَتاعِهَا مِن أهلٍ وَخِلان وبُيوتٍ وخَيراتٍ حِسَان
الجُهوزيةُ للرَّحيلِ بَاتت هِي شِعارًا للجميع
لَيسَ مَعنى هَذا أنَّنا لا نُحبُّ الحَياة، لَا والله!!
بَل إنَّنا نَعشقُهَا لكنَّنا نَعشقُهَا كَريمة.
أَمَّا آخِرُ مُرْتَكَزَاتِكَ: فَهُوَ الْعَوضُ الْجَمِيلُ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَة
أمَّا فِي الدُّنيَا فَلا يَغيبُ عَن ذِهنِكَ يَا عَبدَاللهِ أنَّ فرجَ اللهِ وعَوضَهُ الجَمِيلَ آتٍ لَا مَحالة
فَما قِصصُ الأنبياءِ وَالصَّالحينَ مِنَّا بِبَعيدٍ وَما صَبرُ أيوبَ عليهِ السَّلام عَن ذِهنِنَا بِغَائبٍ فَهُوَ مَن ابْتُلِيَ واشتدَّ عليه الابتلاءُ في الأهلِ والمَالِ والجَسدِ
فَقد نَزَعَ اللهُ منه كُلَّ زِينةِ الدُّنيَا وَمَتاعها مِن مَالٍ وبَنينَ وصِحةٍ وعَافيةٍ لَكنَّهُ ظَلَّ ذاكرًا شَاكرًا للهِ
اختبارٌ صَعبٌ على نَبيِّنَا أيوبَ عليه السَّلامُ لَكنَّهُ اجتازَهُ بنجاحٍ بَل بِتَميزٍ فَكانَ نِعمَ العَبدُ كَمَا وَصفَهُ المَولَى فَكَانتِ المُكافأةُ الجَزيلةُ استجَابةَ دعائِهِ وَكَشفَ الضُّرِّ عنهُ والعَوضَ الجَلِيل {فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرࣲّۖ وَءَاتَیۡنَـٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةࣰ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَـٰبِدِینَ}
أمَّا عَوض الآخرةِ فَلا تَسألْ عَنهُ وعَن مَآلاتِهِ فَهُو مَا لا عَين رَأت وَلَا أُذُن سَمِعَت وَلَا خَطَرَ عَلى قَلبِ بَشَر.
أَسألُ ربِّي الرَّحمنَ الرَّحيمَ أن يَرضَى عَنِّي وَعَنكَ وأن لا يُضيعَ لنَا أجرًا وأن يُثبتَنَا وَيُفرجَ كُربتَنَا وأن يَتَقبلَ رِباطَنَا وَثَباتَنَا وأن يُفرغَ عَلينَا صَبرًا وَيَنصرَنَا علَى مَن عَادَانا
ثُمَّ أخبرنِي يَا صَاحِبي!
يَا رَفيقَ مِحنتي!
يابنَ غَزَّتِي!!
عَنْ نَارِ شَوْقِكَ لِلرَّاحِلِينَ
عَن قَلبِكَ المَوْجُوع
هَلْ رَضِيَ بما كتَبَ مَولاهُ وَقَدَّر؟
فَلا بُدَّ لَه مِن أن يَرضَى لِيكسبَ خَيرَي الدنيا والآخرة
وَلننتظرَ الفَرجَ والعَوضَ الجميل
اللَّهُمَّ صَبْرًا وَثَبَاتًا وَغَوْثًا وَفَرَجًا وَعَافِيَةً وَعَوَضًا لِأُمَّةِ مُحَمَّد
أمَّا غَزَّتُنَا فَلَهَا رَبٌّ يَحمِيهَا