- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
رسائل إلى روسيا وأمريكا وأوروبا.. ما وراء دعوة ماكرون إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا
رسائل إلى روسيا وأمريكا وأوروبا.. ما وراء دعوة ماكرون إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا
- 3 أبريل 2024, 1:52:24 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عندما قال إيمانويل ماكرون إنه لا بد من إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا حتى تنهزم روسيا، رأى البعض أنه يريد لفرنسا أن تقود أوروبا نحو الاستقلال العسكري، لكن هل هذا فعلاً ما يسعى إليه الرئيس الفرنسي؟
موقع Responsible Statecraft الأمريكي نشر تحليلاً يرصد الإجابة، أو بمعنى أدق الإجابات المحتملة لهذا السؤال، ففي نهاية المطاف لم يخرج ماكرون ويحسم الجدل بشأن ما كان يقصده من هذه التصريحات الخطيرة للغاية.
ماكرون وإرسال قوات إلى أوكرانيا
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أدلى بتصريحات، في 9 فبراير، لصحيفة لوموند الفرنسية، قال فيها إنه "لا يجب استبعاد أي خيار" لضمان هزيمة روسيا، بما في ذلك إرسال "قوات برية" إلى أوكرانيا.
ولم يتأخر الرد عليه، إذ قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "إننا على استعداد لاستخدام أي سلاح، بما في ذلك [الأسلحة النووية التكتيكية]، عندما يتعلق الأمر بوجود الدولة الروسية أو الإضرار بسيادتنا واستقلالنا. كل شيء موضح في استراتيجيتنا، ولم نغيره".
فوفقاً لـ"أساسيات سياسة الدولة الروسية في مجال الردع النووي" الصادرة في عام 2020، تعتبر روسيا الأسلحة النووية حصرياً وسيلة ردع، ويعتبر استخدامها تدبيراً استثنائياً وضرورياً، ويتم اتخاذ كل الجهود اللازمة للحد من التهديد النووي ومنع تفاقم العلاقات بين الدول التي تثير الصراعات العسكرية، بما في ذلك الصراعات النووية.
كما تنص العقيدة النووية الروسية صراحةً على أنها لن تستخدم الأسلحة النووية إلا للرد على هجوم نووي أو في حالة وقوع هجوم تقليدي يهدد وجود الدولة.
لكن ماكرون لم يتوقف عند هذا الحد، بل رفع راية التحدي ورد قائلاً إن فرنسا هي الأخرى قوة نووية. وتعني هذه التصريحات أن فرنسا تبدو على استعداد لإرسال قوات إلى داخل أوكرانيا بهدف "التصدي للقوات الروسية". ليس هذا فحسب، بل إن الرئيس الفرنسي يشير إلى أن بلاده متأهبة أيضاً للحرب النووية.
هل هدف ماكرون الدفاع عن أوكرانيا؟
لكن ما الذي كان يعنيه الرئيس الفرنسي بقوله إن الفرنسيين "يـستعدون لأقسى اشتباك"، وإن أوروبا يجب أن تكون "مستعدة" وأن تكون لديها "قوات على الأرض" في أوكرانيا؟
مرةً أخرى بدا الهدف الذي يصب ماكرون تركيزه عليه متمثلاً في أوكرانيا وحدها، عندما قال في مقابلة عُقدت في يوم 14 مارس: "نفعل كل شيء في استطاعتنا لمساعدة أوكرانيا على هزيمة روسيا، لأنني سأقولها ببساطة: لن يكون هناك سلام دائم إذا لم تكن هناك سيادة، وإذا لم تكن هناك عودة إلى حدود أوكرانيا المُعترف بها دولياً، بما في ذلك شبه جزيرة القرم".
لكن، على النقيض من كل هذه الإشارات ضيقة النطاق الموجهة نحو أوكرانيا، فإن المناقشات اللاحقة التي تتعلق بعتبة العمل الحربي بدت كما لو أنه يتحدث عن الدفاع عن أوروبا أكثر من كونه يتحدث عن الدفاع عن أوكرانيا، بحسب تحليل الموقع الأمريكي.
ولكن حتى إذا كان ماكرون يعني الدفاع عن أوروبا من روسيا، فهل كان يعني الدفاع عنها من هجوم فعلي أم ببساطة من هجوم محتمل؟
أوروبا والاستقلال العسكري
في ظل العديد من تصريحاته السابقة، يبدو ماكرون كما لو أنه يعني أن أوروبا يجب أن تكون مستعدة للدفاع عن نفسها من هجوم فعلي من روسيا بعد هزيمة أوكرانيا. إذ يرجع تاريخ التفكير في تأسيس جناح عسكري للاتحاد الأوروبي إلى عام 1999، وهو ما نتج عنه تأسيس "المجموعات القتالية" عام 2007، لكن تلك المجموعات لم تشارك في أي عملية على الإطلاق.
لكن مع وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى رئاسة بلاده عام 2017، بدأ الحديث عن تشكيل جيش أوروبي يأخذ بعداً آخر. فماكرون، الذي يرى نفسه تلميذاً للزعيم الفرنسي التاريخي شارل ديغول، يريد استعادة أمجاد فرنسا الإمبراطورية، ويبدو أن تأسيس جيش أوروبي تقوده فرنسا بطبيعة الحال كان ولا يزال حلماً يطارد الرئيس.
والواضح أن ماكرون يدرك جيداً أنه في ظل وجود حلف الناتو كمسؤول أول عن الأمن الأوروبي، ستظل فكرة تأسيس جيش أوروبي غير واردة، وكشفت تصريحات ماكرون غير المسبوقة بشأن حلف الناتو عن ذلك التوجه. إذ كان ماكرون قد أثار عاصفة من الانتقادات من أبرز أعضاء حلف الناتو، قبل أيام من اجتماع قادة الحلف للاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيسه، عندما صدرت عنه تصريحات تصف الحلف العسكري الأقوى على وجه الكوكب بأنه وصل لمرحلة "الموت السريري"، وهي تصريحات وصفها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب "بالمسيئة والمقرفة سياسياً"، بحسب تقرير لشبكة الإذاعة البريطانية.
لكن في مواطن وتصريحات أخرى، يبدو ماكرون كما لو أنه يشير إلى هجوم محتمل فحسب، قائلاً إن روسيا لا يجب أن تنتصر في أوكرانيا؛ لأن ذلك "يمكن أن يقلل من موثوقية أوروبا إلى درجة الصفر"، ويمكن أن يعني أننا "لا نملك أي أمن".
وكان ماكرون سابقاً قد بنى منطقه، حسبما صرح مراراً وتكراراً انطلاقاً من أن أوروبا لا يمكنها أن تظل معتمدة على الولايات المتحدة للدفاع عن القارة العجوز، خصوصاً بعد وصول ترامب للبيت الأبيض ورغبة الرئيس الأمريكي السابق المعلنة في أن تدفع الدول الأوروبية وغيرها من حلفاء واشنطن مزيداً من الأموال لتمويل حلف الناتو.
رسالة موجهة إلى ألمانيا وأمريكا؟
وعلى أية حال، يبدو أن تأويل دوافع ماكرون أكثر صعوبة من التأكد من المعنى المجرد لتصريحاته. فلماذا يعبر ماكرون عما كان يتعذر تفسيره سابقاً، ويخاطر بتجاوز الخط الأحمر لحرب عالمية ثالثة؟
يستحيل بكل تأكيد معرفة ما يدور في عقل ماكرون، ولذلك فإن أي تحليل ليس إلا تخميناً. ولكن ثمة ثلاثة احتمالات على أقل تقدير، بحسب تحليل الموقع الأمريكي.
الاحتمال الأول هو أن الهدف المقصود بتعليقاته ليس روسيا على الإطلاق، بل الولايات المتحدة وألمانيا. إذ إن التمويل الأمريكي للحرب في أوكرانيا يواجه صعوبات تتمثل في عائق الكونغرس، وترفض ألمانيا إرسال صواريخ تاوروس طويلة المدى، ولعل ماكرون يحاول ممارسة الضغط النفسي على حلفائه كي يرسلوا إلى أوكرانيا مزيداً من الأموال والأسلحة، على أساس أنهم سيجدون هذا الخيار مستساغاً بدرجة أكبر من الوصول إلى أسوأ السيناريوهات وهو إرسال القوات.
هل روسيا هي الهدف فعلاً؟
أما الاحتمال الثاني فيقول إن الهدف المنشود من تعليقاته هي روسيا. في هذه الاحتمالية، يتمثل الهدف في خلق "غموض استراتيجي". وفي هذه الاحتمالية، قد يتمثل الهدف، مثلما شرحه دبلوماسي فرنسي، في ألا يكون في استطاعة روسيا الاعتماد على الفرضية التي تقول إن شركاء أوكرانيا من البلاد لن ينشروا قوات على الإطلاق في أوكرانيا، وذلك بينما تتقدم موسكو غرباً داخل أوكرانيا.
كانت صحيفة Le Monde الفرنسية قد ذكرت أن "مكتب ماكرون أوضح أن الهدف هو استعادة "الغموض الاستراتيجي" للغرب". فبعد فشل الهجوم المضاد الأوكراني في 2023، يعتقد الرئيس الفرنسي أن التعهد بعشرات المليارات من اليورو في صورة مساعدات وتسليم العتاد العسكري -المؤجل- إلى كييف لم يعد كافياً بعد الآن. لاسيما إذا كان بوتين مقتنعاً بأن الغرب استبعد بشكل دائم حشد قواته".
الخشية من عودة ترامب؟
أما الاحتمالية الثالثة فهي أن الهدف المقصود من تعليقاته ينصب على أوروبا. يجب أن تتأهب أوروبا لاحتمالية وجود إدارة أمريكية على رأسها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وأن مثل هذه الإدارة ستضعف التزامها تجاه أوروبا ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). يمكن أن يترك ذلك لأوروبا الكثير من مسؤولية الدفاع عن أوكرانيا وعن نفسها. في حين أن ألمانيا كانت الزعيم الاقتصادي لأوروبا، فإن فرنسا ارتأت نفسها الزعيم الأمني لها.
كان دونالد ترامب، الرئيس السابق والمرشح الأوفر حظاً للفوز بترشيح حزبه الجمهوري لانتخابات 2024، قد صرح في فبراير الماضي، بأن الولايات المتحدة "لن تحمي" أي دولة أوروبية "لا تدفع" حصتها في حلف الناتو من أي "عدوان روسي" قد تتعرض له تلك الدولة.
أحد الدبلوماسيين أخبر صحيفة Le Monde بأن ألمانيا في حين أنها "خائفة من التصعيد.. تريد فرنسا إعطاء الانطباع بأنها ليست خائفة". وأضاف أن ماكرون "ربما أراد أن يوضح [للمستشار الألماني أولاف] شولتز أن بلديهما ليسا في نفس المستوى"، نظراً إلى أن ماكرون يضع فرنسا في موقف الزعيم الأمني لأوروبا في عالم ما بعد قيادة بايدن-ترامب.
فتح ماكرون الباب لمناقشة وجود القوات الغربية على الأرض في أوكرانيا. وفي ظل المخاطر التي تصاحب فتح ذلك الباب، لكن يظل من المهم للجميع استيضاح كل من "عتبة العمل الحربي" التي تحدث عنها ماكرون، ودوافعه الكامنة وراء إرسال قوات إلى أوكرانيا.