- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
رغم توافقهم على أهميتها.. خلاف وقلق إسرائيلي من تبعات صفقة الأسرى
رغم توافقهم على أهميتها.. خلاف وقلق إسرائيلي من تبعات صفقة الأسرى
- 22 نوفمبر 2023, 5:16:14 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
صادقت الحكومة الإسرائيلية بكامل وزرائها، عدا وزراء حزب "القوة اليهودية" برئاسة الوزير بن غفير، على "صفقة" مع "حماس"، وكشفت مصادر عبرية، اليوم، عن دور فعال لعبته الولايات المتحدة وقطر ومصر لإتمامها، بعد مفاوضات متواصلة ومضنية تمت بالأساس في الدوحة.
وبعد اجتماع لمجلسي الحرب المصغر والموسع، بمشاركة مندوبين عن المؤسسة الأمنية، صادقت حكومة الاحتلال على المقترح. وحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم، فإن مساعي ما وراء الكواليس شملت حراكاً نشطاً جداً لرئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي أي إيه"، و14 مكالمة هاتفية بين بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن، وثلاث محادثات بين الأخير ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي، ومحادثتين بين بايدن وأمير قطر الشيخ تميم آل ثاني.
الصفقة أفضل من عدمها
وبخلاف ما كان قبل أسابيع، تحظى فكرة "الصفقة" مع "حماس" بتأييد واسع جداً في الشارع الإسرائيلي، رغم أثمانها ومخاطر تبعاتها في الاتجاهات المختلفة، سواء من ناحية أمن القوات الغازية، أو مستقبل الحرب وأهدافها واحتمالات تزايد الضغوط الخارجية من أجل تحويل الهدنة لوقف دائم للنار. وينعكس ذلك في ما يكتبه المعلقون والخبراء العسكريون في الاحتياط.
وعلى سبيل المثال، يعتبر المحلل السياسي البارز في "يديعوت أحرونوت" ناحوم بارنياع، اليوم، أن هذه ليست صفقة، بل اضطرار، ولا مناص من دفع هذا الثمن"، وهكذا زميله المحلل للشؤون السياسية والدولية في القناة 12 العبرية نداف أيال، الذي يقول، في مقال نشرته الصحيفة المذكورة، إن الصفقة قرارٌ مفروغ منه، رغم كونها قراراً صعباً".
وهذا ما يؤكده أيضاً محلل الشؤون السياسية والحزبية في صحيفة "هآرتس" يوسي فرطر، الذي يوضح أن هذه الصفقة كانت مطروحة على طاولة نتنياهو قبل أسبوع، لكنه رفضها في اللحظة الأخيرة، يوم الثلاثاء الماضي، لافتاً إلى أن التذبذب في الموقف ديدنه".
من جهته يذهب محرر الشؤون الشرق أوسطية والعربية في "هآرتس" تسفي بار إيل للتلميح لضرورة البحث عن حل سياسي، بقوله، ضمن مقاله، إنه إذا كانت إسرائيل تنوي استعادة كل المخطوفين من الأسر فإنها ستحتاج لشريك داخل غزة يستطيع استكمال الصفقات القادمة".
من جهته، يؤكد الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد أن الصفقة جيدة، وقرارٌ صائب، وفي وقته، ويلبّي عدة قيم".
الحسابات غير المعلنة
ويأتي ذلك بعد خلافات داخل "الكابينيت" الإسرائيلي حول الصفقة، فقد عارض وزير الأمن غالانت وقائد الجيش هليفي ورئيس الشاباك هذه الصفقة، في الأسابيع الأخيرة، لأنها لا تشمل كل الأولاد الإسرائيليين، ولأنه من شأنها صب الماء على طاحونة قائد "حماس" يحيى السنوار الراغب بتعميق الخلافات والتمزق في صفوف الإسرائيليين من خلال صفقة تشمل قسماً قليلاً من المحتجزين، والقيام بذلك بالتقسيط، وباللعب على أعصابهم.
وطبقاً للإذاعة العبرية، انضمت الثلاثية المذكورة للموافقة على الصفقة هذه التي كانت مطروحة قبل أسابيع بعدما تمت إضافة ثلاثة بنود: "حماس" تبذل جهوداً للعثور على بقية الأولاد، خفض عدد أيام الهدنة من خمسة إلى أربعة بسبب ذلك، ورفع سن الطفولة إلى 18 سنة، بعدما كانت "حماس" تحدد جيل الطفولة بعمر أقل من 18 سنة.
ويبقى السؤال المطروح اليوم؛ لماذا بعد 46 يوماً من الحرب تأتي موافقة إسرائيل على الصفقة وعلى الهدنة، بعدما كانت ترفضها، بل تشترطها بالإفراج عن المحتجزين أولاً، ولماذا يتغير سلم أولويات أهداف الحرب، بحيث أصبحت استعادة المحتجزين الهدف الأول، بعدما كانت هدفاً ثانوياً بل كان مغيباً خلال الأيام الأولى للحرب؟
رسمياً تبرر إسرائيل الموافقة على الصفقة بعد استبعادها سابقاً بالقول على لسان سياسييها وعسكرييها إن هذا واجبٌ إنساني وأخلاقي، وتطبيق للعقد بين الدولة ومواطنيها، حتى لو كان الثمن باهظاً، كما حصل في صفقة "شاليط"، عندما أفرجت إسرائيل، بقيادة نتنياهو عام 2011، عن ألف وأكثر من الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم السنوار، مقابل جندي واحد.
تغير أولويات الحرب
في ظل تساؤلات واسعة عن مستقبل الحرب، كرر نتنياهو، أمس، مرة تلو المرة أن إسرائيل في حرب، ولن تتوقف، وبرر الموافقة على الصفقة بعدما رفضها بالإشارة لما قاله الطبيب الفيلسوف اليهودي الأندلسي موسى بن ميمون، المولود في قرطبة في القرن الثاني عشر، والمعروف بـ "الرمبام"، بأن افتداء الأسرى وتخليصهم قيمة عليا".
ألم يعرف نتنياهو قول "الرمبام" قبل أسابيع؟ ولماذا الآن يحتمي بهذا الاقتباس؟ ولماذا يتذبذب سلّم أولويات الحرب في تصريحات نتنياهو بين تدمير "حماس" واستعادة المحتجزين كهدف أول؟ هل هي مسألة لفظية، ونتيجة لحالة فوضى، أم أن هناك منطقاً ناظماً خلف هذا التغيير في طرح الأولويات، وهل يمهد بذلك للنزول عن شجرة الأهداف العالية للحرب؟
المؤكد أن هناك عوامل وحسابات غير معلنة متنوعة دفعته ودفعت إسرائيل، لا نتنياهو فحسب، للموافقة على الصفقة، أولها تعاظم ضغط الرأي العام في إسرائيل من أجل استعادة المحتجزين، خاصة أن هناك أطفالاً ونساء ومسنّين داخل القطاع. في البدايات كانت أوساط إسرائيلية واسعة تحت تأثير الصدمة الناجمة عن السابع من أكتوبر، وعندما استفاقت منها بدأت تتساءل عن مستقبل المحتجزين، وبعد الكشف عن قصص ووجوه وأسماء هؤلاء في الصحافة تزايدت الضغوط، خاصة عندما طالت الحرب، والحملة البرية لم تؤد للإفراج عنهم، وكانت المؤسسة الحاكمة تقول لذويهم عليكم بالصبر لأن التوغل البري يخدم الهدفين؛ تدمير "حماس" واستعادة المخطوفين، وتبيّنَ لاحقاً أن ما حصل هو العكس، في ظل الكشف عن قتل بعضهم نتيجة القصف الوحشي العشوائي.
نتيجة هذا الضغط الواسع من جهة الإسرائيليين، الذين يخشون في وعيهم من تكرار سيناريو فقدان ملّاح الجو الإسرائيلي رون أراد في لبنان، بعد حرب 1982، والذي تركَ ندوباً في وعي الإسرائيليين، بدأت حكومة الاحتلال تغيير موقفها والاهتمام الفعلي بالمحتجزين بعدما اتهمتها أوساط غير قليلة بأنها غير معنية إلا بتدمير "حماس"، حتى لو تمت التضحية بالأسرى كـ "كبش فداء".
مناعة الإسرائيليين
كذلك لا شك أن هناك مخاوف إسرائيلية حقيقية من إلحاق المزيد من الأذى بوعي الإسرائيليين (المتضرر أصلاً بعد "طوفان الأقصى)، وبمناعتهم، نتيجة اكتشافهم أن الدولة في لحظة الحقيقة وساعة الأزمة تركت آلاف الإسرائيليين دون حماية، فقتلوا وأصيبوا واحتجزوا، ولاحقاً أهملتهم، ولم تعمل لاستعادتهم.
مثل هذا الاستنتاج سيدفع عشرات آلاف الإسرائيليين لرفض العودة لمستوطنات الحدود في الجنوب وفي الشمال، علاوة على تسلل الشك لديهم بالدولة والجيش وبالغد، إضافة لتضرر الثقة بالنفس، ما يعني تكوّن خطر إستراتيجي على شكل احتمالات الهجرة من البلاد، وتشجيع الهجرة السلبية لاحقاً.
وهذا ما يلمح له محلل الشؤون العسكرية في "هآرتس" عاموس هارئيل، الذي يؤكد أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية فهمت أن هناك حاجة لصفقة حتى بثمن إعاقة القتال، مثلما أنها مفيدة للجيش لترتيب أوراقه هو أيضاً.
مخاوف تبعات الصفقة
وضمن التساؤلات ماذا بعد بالمنظورين الأقرب والأبعد، هناك مخاوف إسرائيلية من الخطر الذي سيتربص قوات الاحتلال الغازية في شمال القطاع بعد وقف النار، إذ تخشى أوساط إسرائيلية من استغلال "حماس" الهدنة لترتيب أوراقها والتقاط أنفساها، ما يعزز قوتها لاحقاً، كما قال رامي إغرا، مسؤول ملف المخطوفين والمفقودين في الموساد سابقاً، للإذاعة العبرية العامة، أمس.
في المقابل، هناك أوساط تقلل من قيمة هذا التهديد العسكري الذي سينجم عن هدنة، كما يوضح الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد، في حديث للإذاعة ذاتها، اليوم الأربعاء. إذ يرى أن مصادقة إسرائيل على الصفقة قرارٌ صائب وشجاع، ويلبي عدة قيم.
ويضيف:"الصفقة تشمل آلية تنفيذ مضمونها. واضح أن "حماس" تريد كسب الوقت، ووقف حركة الطيران في سماء القطاع سيعيق مجهودنا العسكري، لكن لا ننسى أننا نملك وسائل جيدة لجمع المعلومات الاستخباراتية، فنحن على الأرض، وداخل القطاع، وفي مدينة غزة، وهذا يمنحنا فرصة لجمع المعطيات وتحديث الخطط والاستعداد لمواصلة القتال لاحقاً.
كل أجهزة الأمن أوصت على هذه الصفقة لأنها مهمة إستراتيجياً لنا. من جهتها واضح أن "حماس" فوجئت من رد الفعل الإسرائيلي، ولم تتوقع أن تجد نفسها في هذه الحالة اليوم نتيجة "طوفان الأقصى"، فالجيش في عمق القطاع، ولم تنشب حرب كبرى، كما كانت تشتهي. نعم الصفقة تعطي "حماس" أيضاً فرصة للاستراحة. الخوف من سيناريو التلكؤ والتسويف وإعاقة استئناف الحرب سيناريو وارد، وهذا جزء من الثمن".
هذه المخاوف من تبعات الصفقة، ومن المماطلة، ومحاولة كسب الوقت من قبل حركة "حماس"، وربما الاضطرار لوقف الحرب دون تحقيق هدفها الأساس المعلن– تدمير "حماس"- موجودة لدى أوساط إسرائيلية واسعة لجانب تأييدها للصفقة. وهذا ما عبّرَ عنه رسم كاريكاتير ساخر صحيفة "هآرتس"، اليوم، وفيه يظهر ضابطان إسرائيليان يجلسان بين خرائب غزة، ويسأل أولهما، وقد ألقى سلاحه جانباً، الثاني: "تدمير حماس في الدفعة السادسة من الصفقة".
كذلك هناك مخاوف يتم الحديث عنها بالتلميح الدقيق، والمرتبطة بالمعركة على الوعي نتيجة صور الأسرى الفلسطينيين من كل الفصائل، بمن فيهم أسرى حركة "فتح"، وهم يرفعون شارة نصر، أثناء خروجهم من السجون، أو نتيجة ظهور إعلامي محتمل ليحيى السنوار خلال الهدنة.
تساؤلات متزايدة
وعلى خلفية ترقب تطبيق الصفقة، غداً الخميس، تتزايد الأسئلة والتساؤلات في إسرائيل؛ كيف ستؤثر هذه على الحرب واحتمالات استئنافها، أو وقفها، نتيجة ديناميكيات مختلفة من شأنها أن تحدث مثل نجاح "حماس" بالمدّ والجزر والمناورة والمماطلة، لتأجيل القتال حتى تتوقف الحرب، أو تعاظم الضغوط الخارجية على إسرائيل، خاصة إذا ما دخلت طواقم صحفية أجنبية وكشفت عن حجم الدمار، أو نتيجة تراجع الدعم الدولي الغربي لإسرائيل بعد استعادة محتجزيها المدنيين.
وهناك ازدياد بعدد المتسائلين عن قدرة إسرائيل على تدمير قوة "حماس" العسكرية في ظل صمود المقاومة الفلسطينية، رغم الجحيم الإسرائيلي، في ظل الخسائر البشرية والاقتصادية مع احتمال المزيد من التدهور على الجبهة الشمالية وغيره.