- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
رمضانيات.. مجدي الحداد
رمضانيات ( 3 )
نواصل اليوم الفقرة الثالثة بحول الله من اللطائف القرآنية ، واجتهادات حول بعض معاني آيات القرآن الكريم .
وسأحول أن أركز قدر الأمكان في هذه الفقرة حول المترادفات في القرآن الكريم .
فالقرآن الكريم هو آيات محكمات نزلت من لدن حكيم عليم . لذا ففي كل حرف ،
وكل تشكيلة من التشكيلات على الحرف الواحد له معنى ومغزى وهدف معين لا يمكن أن يظل كما هو إذا حدث تغيير أو خطأ حتى في تشكيل الكلمة الواحدة فضلا عن زيادة حرف أو نقصان حرف واحد .
ولكن ربما في أي عمل إنساني أخر سواء تعلق الأمر بالأدب أو غيره يعد تكرار المعاني والإسراف في إستخدام المترادفات من قبيل الحشو أو الكلام الزائد ، أو إن شئت اللغو .
لكن القرآن الكريم فهو ، سبحان الله ، كل سوره آيات محكمات بالفعل ، بل هي إحكام للمحكم من الآيات .
ولكن ذكر المترادفات فيه يعني إختلاف وتباين في الدرجة مع اختلاف الزمان والمكان والأجناس ؛ لكن المقياس أو المعيار واحد ؛ ولكن بدرجات مختلفة .
ففي قوله تعال : " لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيراً( 173 ) [ النساء : 172 ، 173 ]
فمعنى كلمة يستنكف هنا يستكبر . حسن ؛ ولم لم يقل سبحانه وتعال إذن ؛ لأن يستكبر المسيح أن يكون عبدا لله بدلا من يستكنف ،
خاصة وإنه ، وفي نفس الآية قال تعال : " ... ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميع ..؟
حسن ، الإستنكاف هنا معناها ، والله ورسوله أعلم زيادة في الإستكبار المصحوب بالإذزراء اما الإستكبار فهو فقط إستكبار من الكبر ،
وهو التعالي غير المبرر والذي له عقوبة الإزدراء عند الله يوم القيامة لمن يتعمده ويتخذه منهجا ، وحيث قال سبحانه وتعال في الحديث الصحيح : "العِزُّ إزاري، والكبرياء ردائي، فمَن نازعني واحدًا منهما عذَّبتُه "
إذن سنلاحظ فيما سبق أن الدرجة العليا من الكبر هو الإستنكاف ، والذي يقل من حيث الدرجة إلى الكبر نفسه فقط ، والله ورسوله أعلم .
وهناك لطيفة أخرى من اللطائف القرآنية ، وهي تتصل بذات الموضوع ،
ولكن من ناحية إختلاف وتباين حكم خاص ولكن يتعلق بحال أو موقف واحد ، والله ورسوله أعلم ، وأود أن اذكرها وسأختم بعدها .
وأرجو أن نتأمل هنا تلك الآية الكريمة من سورة النور ، ونلاحظ دقة إختيار وإختلاف وجمال وعدالة ورحمة وتوازن وإتزان كل شيء في بضع آيات من بضع كلمات في سورة واحدة ،
وذلك في قوله تعال : " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) "
[ النور : 6 ؛ 9 ]
وسنجد في تلك الآية الكريمة ، وفي قوله تعال : " والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين " .. إنها موجهة لمن ؛ موجهة للرجل وليس للمرأة ، وللرجل إذا اتهم زوجته بارتكابها كبيرة الزنا ولم يكن لديه شهود أربعة عدول ، فله في هذه الحالة أن يقسم بالله أربعة مرات ، وفي القسم الخامس تكون لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين .
واللعنة وليعاذ بالله ــ ووقانا الله وإياكم منها في الدنيا والآخرة ــ هي الطرد من رحمة الله ؛ فمنذ الذي سوف سماء تظله أو أرض تقله إن طُرد وليعاذ بالله من رحمة الله ؛ والتي هي وسعت كل شيء ..؟!
وأقل من اللعنة إذن ، وحتى أخف في النطق على النفس واللسان ــ مع إنها أيضا شيء لا نطيق تحمله حتى ثانية واحدة ،
وليعاذ بالله ــ هو غضب الله ــ فسبحان الله ، حاول أن تنطق بهما ، كل واحدة منفردة عن الأخرى ، ولاحظ مدى اضطراب نفسك وثقل لسانك في الحالتين ،
فسبحان الله فكلام الله ليس فقط كلام مكتوب فحسب ، بل هو أيضا شعور ومشاعر تعايش وتُحس .
لذا فلنتأمل الآن الآيتين التاليتين من نفس سورة النور وهما قوله تعال : " وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 9 ) "
سنجد هنا حكم الله عليها إن كانت من الكاذبين ، أو الكاذبات ، أن "غضب" الله عليها بينما في الحالة الأولى ؛ حالة الرجل ؛ أن " لعنة " الله ــ وليعاذ بالله ــ عليه إن كان من الكاذبين .
إذن فلم لم يقل سبحانه وتعال أن غضب عليه إن كان من الكاذبين ، أو لعنة الله عليها إن كان من الصادقين ،
ومن ثم يكون هناك تساوي في المعنى ودرجة الغضب وما يقتضيه علد الله المطلق سبحانه وتعال ..؟!
اللعنة ، هي وليعاذ بالله ، والله ورسوله أعلم ، هي الدرجة العليا إذن من غضب الله ، ودونها الغضب فقط ،
وهذا يحيلنا إلى عنوان ذات الموضوع اليوم وهو المترادفات في القرآن الكريم .
طيب لماذا ميز الله المرأة هنا عن الرجل في درجة العقوبة للجريمة الواحدة ــ وهن حتى يدعون إلى المساواة بالرجل في الحياة الدنيا ، وفي كل شيء ..؟!
كلا الأمرين ــ اللعنة أو الغضب ــ سيء جدا في حقيقة الأمر وهلاك للمؤمن وغير المؤمن ، وحتى لا تطيق أي منهما السموات والأرض والجبال .
ولكن الجمال السرمدي في هؤلاء الآيات المحكمات أن الخالق سبحانه وتعال يعي خلقه وما يكتنفه ويعتريه من نواقص ،
ليكون الكمال له وحده فقط سبحانه وتعال ، ومن ثم فإنه يعلم ضعف الأنثي عاطفيا وجسمانيا ومعنويا وحتى إجتماعيا في زمننا هذا ــ وقبليا فيما مضى من زمن ،
ولم تكن لها نفس المكانة من القبيلة التي هي للرجل ، ومهما كان شأنها وشأن حتى القبيلة التي نشأت وترعرت بها ، فضلا عن إنها كانت تؤد حية في أحيان عديدة ،
وجاء الإسلام ليحرم هذا تحريما قاطعا وينصف المرأة ، وفوق ذلك يكرمها ، وعلى نحو ما عكسته تلك الآيات الكريمات .
وهذا لا يتعارض مطلقا ــ حاش لله ــ مع العدل المطلق لله ، بل على العكس تماما ، فالمرام هنا هو إيجاد نوع من التوازن المعنوي ،
وما يكفل العدل والرحمة ، بين قوة الرجل وضعف المرأة ، والله ورسوله أعلم .
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إلاه إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .