- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
رهانات المستقبل: ما الدروس العسكرية المستفادة من الحرب الأوكرانية؟
رهانات المستقبل: ما الدروس العسكرية المستفادة من الحرب الأوكرانية؟
- 7 فبراير 2023, 1:50:19 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
نشر موقع “فورين بوليسي” مقالاً بعنوان “هل الجيش الأمريكي قادر على التعلم من الحرب في أوكرانيا؟”، في 2 فبراير 2023. أشار المقال إلى أن الحرب الروسية في أوكرانيا، تثير التساؤلات حول إذا ما كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة النظر في استثماراتها الدفاعية والطريقة التي تستعد بها للصراع المستقبلي؛ ليس فقط من حيث الأسلحة التي تعتمد عليها، بل أيضاً تصورها لحروب القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين، وإذا ما كانت ستكون قصيرة أم صراعات طويلة الأمد. ورأى المقال أن البنتاجون تعلم دروساً مؤلمة في الماضي، لا سيما وقت حرب أكتوبر عام 1973، مضيفاً أنه ربما يضطر إلى فعل ذلك مرة أخرى.
اختبار الأدوات
استعرض المقال جملة من الدروس العسكرية التي رأى أن من الضروري تعلمها من واقع حرب أوكرانيا، ويتضح ذلك عبر ما يلي:
1- مساهمة الحروب في اختبار فاعلية الاستثمارات الدفاعية: تعتبر الاستراتيجية الدفاعية لدولة ما في جوهرها، مقامرة مكلفة للغاية؛ حيث تنفق الولايات المتحدة كل عام مئات المليارات من الدولارات على الدفاع، بافتراض أن مثل هذه الاستثمارات ستسمح لها بالفوز في الحروب القادمة. وفي غياب نزاع تشارك فيه الولايات المتحدة بشكل مباشر، نادراً ما يحصل صانعو السياسة على طريقة لمعرفة إذا ما كانت هذه الرهانات قد آتت ثمارها بالفعل أم لا.
ولعل من الوسائل لمعرفة ذلك أن تخوض دول أخرى حرباً باستخدام المعدات والتكتيكات العسكرية الأمريكية، مثل تلك الموجودة في أوكرانيا اليوم. ويوجد مثال آخر، هو الحرب العربية–الإسرائيلية في أكتوبر من عام 1973؛ إذ دفعت هزيمة إسرائيل في هذه الحرب واشنطن إلى القيام بفحص شامل للأسلحة والتكتيكات الأمريكية.
2- تغيير حرب أكتوبر 1973 استراتيجية واشنطن الدفاعية: كانت حرب أكتوبر بمنزلة جرس إنذار للولايات المتحدة وليس لإسرائيل فقط؛ فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تكن مشاركاً مباشراً في الحرب، فإن قادة الجيش الأمريكي شهدوا بالفعل كيف تم استخدام المعدات والتكتيكات الأمريكية من قبل الجيش الإسرائيلي، ضد النظراء السوفييت في الجيشين المصري والسوري، وهو ما جاء على خلاف التوقعات الأمريكية. ومن ثم، تقترب واشنطن بالمثل من الهزيمة، أو أسوأ، في صراع محتمل في المستقبل. ولذلك درس الجيش الأمريكي كل جانب من جوانب الحرب.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تحارب الاتحاد السوفييتي أبداً بشكل مباشر، خلال الحرب الباردة، فإن حرب أكتوبر والدروس التي استخلصتها واشنطن منها، قدمت الأساس الفكري لكيفية مزج المناورات الأرضية والقوة الجوية الدقيقة والسرعة الإجمالية، وهو مزيج الاستراتيجيات الذي مكَّن الولايات المتحدة من هزيمة العراق المؤيد للسوفييت أثناء حرب الخليج الأولى. وهكذا بعد نصف قرن، ما زالت حرب أكتوبر تُشكل طريقة تفكير الجيش الأمريكي وخططه للمستقبل.
3- إعادة الحرب الأوكرانية الاعتبار لدور الأسلحة التقليدية: بعد مرور عام على حرب اعتقد البعض أنها ستستمر لأيام فقط، أثارت أوكرانيا سؤالاً حول إذا ما كان عصر الحرب الصناعية Industrial Warfare قد عاد مرة أخرى. وفي الواقع، ستحتاج الولايات المتحدة إلى الاستعداد لمواجهة نوع مختلف للغاية من الصراع عما تخطط له اليوم؛ فلقد تم بالفعل التشكيك في استمرار أهمية الدبابات، على سبيل المثال، نظراً لاستخدام الأوكرانيين الناجح للأسلحة المضادة للدبابات، والأنظمة الجوية غير المأهولة الصغيرة والكبيرة في كل مكان في القتال البري.
وتثير الحرب الحالية أيضاً تساؤلات حول إذا ما كانت المروحيات لا يزال لها مكان في ميدان المعركة الحديث، بالنظر إلى تدمير الأوكرانيين 75 طائرة هليكوبتر روسية، منها عشرات المروحيات من الطرازات الأكثر تقدماً، باستخدام صواريخ دفاع جوي قديمة نسبياً. وعلى الرغم من أن حرب أوكرانيا هي في الأساس حرب برية، فقد أثار النزاع، بالمثل، أسئلة مقلقة للبحرية الأمريكية.
إذ يجب أن يثير غرق الطراد الروسي “موسكفا” (Moskva)، بالإضافة إلى العشرات أو نحو ذلك من السفن الروسية الأصغر التي تضررت أو دُمرت من قبل بلد ليس لديه أي قوات بحرية جادة خاصة به، تساؤلات جدية حول إمكانية بقاء السفن الكبيرة في الحرب الحديثة. وعلى العكس من ذلك، فإن نجاح أوكرانيا في توظيف سفن أصغر غير مأهولة، يشير إلى طريقة بديلة محتملة لتوظيف القوة البحرية بشكل جيد.
4- تسليط الحرب الأوكرانية الضوء على أهمية دور المسيرات: لم تكن الدروس التي تعلمتها القوات الجوية الأمريكية، أقل عمقاً؛ فعلى الرغم من تنبؤات ما قبل الحرب بأن القوة الجوية الروسية سوف تطغى سريعاً على أوكرانيا في حالة عدم قيام الناتو بفرض حظر جوي، فشلت روسيا في السيطرة الجوية، ولا يزال سلاح الجو الأوكراني صامداً. والأهم من ذلك، أن الحرب تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للطائرات بدون طيار في القتال الحديث، في المجالات البرية والبحرية والجوية.
5- إظهار حرب أوكرانيا أهمية تعزيز أدوات الحرب الإلكترونية: ظهرت دروس أخرى أساسية، للفضاء الإلكتروني؛ حيث سُميت حرب أوكرانيا بأول حرب فضائية تجارية. وسواء كانت التسمية دقيقة أم لا، ليس هناك شك في أن شركات الفضاء الخاصة، لعبت دوراً كبيراً في الصراع. ولم ترق قدرات روسيا المزعومة في الفضاء الإلكتروني، إلى مستوى التوقعات: ما أثار تساؤلات حول إذا ما كانت الهجمات الإلكترونية هي بالفعل أسلحة الدمار الشامل التالية حسبما ادعى البعض، أو إذا ما كانت آثارها محدودة إلى حد ما.
6- انخداع الولايات المتحدة بالنتائج الحالية للحرب الأوكرانية: بعد مرور عام، قدمت حرب أوكرانيا الرؤى التي قدمتها حرب أكتوبر قبل نصف قرن. لكن هناك فرقاً رئيسياً واحداً يمكن أن يتحول إلى مشكلة؛ ففي حين أن حرب أكتوبر رسمت مثل هذه الصورة الحية والقاتمة للجيش الأمريكي الذي اضطر إلى تغيير استراتيجياته، تبدو حرب أوكرانيا كأنها انتصار للمعدات والتكتيكات الأمريكية، على الأقل حتى الآن، وهو أمر خادع. ونتيجة لذلك، فإن الدافع نفسه للاستفادة من الدروس السابقة وتغيير طريقة التفكير، ليس موجوداً.
وتعد الولايات المتحدة محقة حتى الآن في عدم تغيير استراتيجيتها بناءً على الحرب الأوكرانية، التي لا تقدم في بعض الحالات دروساً حقيقية مفيدة؛ فعلى سبيل المثال، أبقت روسيا طائراتها الأكثر تقدماً في الغالب، فوق المجال الجوي الروسي وخارج نطاق الدفاع الجوي الأوكراني. ومن ثم، فإن الحرب لم تقدم سوى نتائج غير حاسمة حتى الآن، بشأن إذا ما كانت الدفاعات الجوية لها اليد العليا أم لا.
وفي حالات أخرى، قد تكون الدروس التكنولوجية واضحة، لكن الآثار العملية ليست كذلك. ويعد الجدال الكبير حول الدبابات خير دليل على ذلك؛ فلقد أظهرت معركة كييف أن الدبابات ضعيفة للغاية، وفي الوقت نفسه، أثبتت العمليات المضادة الناجحة لأوكرانيا في خاركيف وخيرسون، أن هناك بدائل قليلة للحرب المدرعة للتغلب على الأرض، خاصةً في الأراضي المفتوحة. ومن ثم، ربما ليس من المستغرب أن يكون الجيش الأمريكي منقسماً بالمثل؛ حيث تخلت قوات مشاة البحرية عن دباباتها، بينما يمضي الجيش قدماً بدبابات أكثر حداثة.
7- إبراز الحرب أهمية توازن العتاد من حيث الكم والكيف: إن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة التفكير في التوازن بين القدرة والإمكانية بالنسبة إلى ما تمتلكه من أسلحة. ويتمثل الدرس الأكثر أهمية في حرب أوكرانيا، في أن الرخص والوفرة قد يتفوقان في الواقع، على المعدات المتقدمة الباهظة الثمن؛ إذ يبدو أن استخدام روسيا أعداداً صغيرة نسبياً من الأسلحة المتقدمة – مثل الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت – لم يحقق نجاحاً كبيراً.
وفي الوقت نفسه، تُظهر حرب أوكرانيا – تماماً كما فعلت حرب أكتوبر – أن حجم العتاد أمر هام. وبالرغم من الجدل العام حول إذا ما كان سيتم تسليم أنظمة الدفاع الجوي باتريوت أو دبابات ليوبارد أو مقاتلات من طراز إف-16 إلى أوكرانيا، يبدو حالياً أن الحجم أو المقدار – أكثر من أي نظام أسلحة بعينه – هو ما سوف يحدد نتيجة الحرب. وفي حين أن القدرات الفردية تساعد بالتأكيد – كما لاحظ العديد من المعلقين – فإن من غير المرجح أن تغير أنظمة أسلحة معينة، التوازن بشكل مفيد، ما لم يتم توفيرها بكميات كافية. وهكذا تحتاج الولايات المتحدة إلى التأكد من أن لديها بالفعل المزيد من العتاد.
8- كشف الحرب أهمية وضع رهانات أكثر حكمة في المستقبل: لا تعدو حرب أوكرانيا عن كونها تجربة واحدة يمكن منها الحصول على بيانات؛ لذلك قد تكون المعدات الأمريكية أكثر قابلية للبقاء، باستخدام تكتيكات مدروسة أكثر من نظيرتها الروسية. وقد تكون القيادة الأمريكية أيضاً أكثر حذراً ولا تقع ضحية لنفس نقاط الضعف التي يعاني منها الروس في أوكرانيا. كذلك قد تكون الاستراتيجية الأمريكية أفضل بالفعل؛ ما يزيد احتمالية فوز الولايات المتحدة بسرعة، وألا ينتهي بها الأمر في صراع طويل الأمد، وإن كانت حربا العراق وأفغانستان تشيران إلى خلاف ذلك.
يتطلب تبني التداعيات الكاملة للحرب في أوكرانيا، قبول حقيقة أنه لا تزال هناك دروس يمكن تعلمها من إخفاقات روسيا؛ فعلى أقل تقدير، يجب أن يتحول عبء استراتيجية الدفاع الأمريكية المستقبلية؛ إذ قد تلقى المروحيات أو السفن أو الطائرات الأمريكية مصير نظيراتها الروسية، كما قد تشبه الحرب القادمة في المستقبل الحرب في أوكرانيا. ولكن، لحسن الحظ فإن الحروب الكبرى أحداث نادرة، والحروب مثل تلك التي شهدتها روسيا في أوكرانيا – والتي توفر اختباراً ذا مغزى للأجهزة الأمريكية والافتراضات الاستراتيجية دون أن تريق دماء الأمريكيين – هي أيضاً أحداث نادرة.
تأمين التفوق
وختاماً، أكد المقال أن مسألة تمكن الولايات المتحدة من وضع رهانات أكثر حكمة في المستقبل، في الوقت الذي تستعد فيه للصراع التالي، يعتمد جزئياً على قدرة الجيش الأمريكي على التوغل. وشدد المقال على أن هذا الأمر يتوقف بدوره على إذا ما كانت الولايات المتحدة، ستحصر تفكيرها على النصر المحتمل فقط أم لا. ونوه المقال بأنه إذا تعلمت الولايات المتحدة دروس الحرب الأوكرانية، كما فعلت بعد حرب أكتوبر قبل 50 عاماً، فقد تؤمن التفوق النوعي للجيش الأمريكي لعقود قادمة. وأشار المقال إلى أنه إذا لم يحدث ذلك، فقد لا تحصل على فرصة ثانية.