- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
روس دوثات يكتب: العالم قد يتحرك باتجاه روسيا والصين
روس دوثات يكتب: العالم قد يتحرك باتجاه روسيا والصين
- 27 أبريل 2023, 4:00:39 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الخريف الماضي، بعد ثمانية أشهر على حالة الاضطراب العالمي الجديدة التي خلقها غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا، نشر معهد بينيت لشؤون السياسات العامة، التابع لجامعة كامبريدج، تقريراً حول الاتجاهات العالمية في مجال الرأي العام العالمي قبل اشتعال الحرب وبعدها.
وكما هو متوقع، كشفت البيانات أنَّ الصراع سبب تحولاً في المشاعر العامة داخل الديمقراطيات المتقدمة في شرق آسيا وأوروبا، وكذلك داخل الولايات المتحدة، مع توحد صفوف مواطني هذه الدول ضد روسيا والصين، وحدوث تحول بالرأي العام نحو اتجاه أكثر ميلاً للولايات المتحدة.
ومع ذلك نجد أنه خارج هذه الكتلة، جاءت الاتجاهات مغايرة تماماً. على امتداد العقد السابق لحرب أوكرانيا، أصبحت «مجموعة واسعة النطاق من الدول، تمتد من أوروآسيا إلى شمال وغرب أفريقيا» - حسبما ورد بالتقرير - أكثر تفضيلاً لروسيا، حتى في الوقت الذي ازداد عداء الرأي العام الغربي تجاهها.
وبالمثل نجد أن شعوب أوروبا والدول الناطقة بالإنجليزية والديمقراطيات المطلة على المحيط الهادئ، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، تحولت جميعاً ضد الصين، حتى قبل وقوع جائحة فيروس «كوفيد - 19». في المقابل، جرى النظر إلى الصين على نحو أكثر تفضيلاً بكثير عبر الشرق الأوسط ومنطقة الصحراء الكبرى الأفريقية ووسط آسيا.
الواضح أن الحرب التي شنَّها بوتين في أوكرانيا أثرت على هذه الاتجاهات على نحو هامشي فحسب، فمع أن روسيا أصبحت أقلَّ شعبية خلال عام 2022، فقد ظل الرأي العام داخل دول العالم النامي بعد الغزو أكثر دفئاً بعض الشيء عنه تجاه الولايات المتحدة، و(للمرة الأولى) أكثر دفئاً تجاه الصين عنه تجاه الولايات المتحدة أيضاً.
بوجه عام، شكل الصراع بأوكرانيا بداية صراع جيوسياسي جديد بين «تحالف من الديمقراطيات البحرية» بقيادة الولايات المتحدة، (حسب وصف التقرير)، وتحالف أنظمة سلطوية تتركز بمنطقة أوروآسيا. المثير للدهشة أن التحالف السلطوي بدا متمتعاً بمخزونات عميقة من الدعم الشعبي المحتمل.
ولاقت هذه القراءة للمشهد الجيوسياسي ما عززها خلال الشهور التي تبعت صدورها، فخارج حدود أوروبا والدول الناطقة بالإنجليزية، لم تجد الجهود الرامية لعزل الاقتصاد الروسي سوى القليل من الدعم المستدام، وكذلك محاولات فرض العزلة الدبلوماسية على موسكو.
اليوم، تنشط القوات الروسية عبر أرجاء أفريقيا. كما تجد موسكو لنفسها مشترين مرحبين لمنتجاتها من الطاقة، من جنوب آسيا إلى أميركا اللاتينية. كما عقد نظام بوتين لتوه مؤتمر سلام مع سوريا وتركيا وإيران، على أمل تحقيق استقرار لوضعه داخل سوريا، مع العمل في الوقت ذاته على تهميش الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد.
بوجه عام، وطبقاً لما كشفه مسح أجرته «إكونوميست إنتلجنس» قريباً، فإنه خارج حدود الحلف الغربي، هناك نزف بطيء للدعم المرتبط بأوكرانيا؛ فقد تراجع عدد الدول المنددة بالاجتياح الروسي بعض الشيء العام الماضي، بينما ارتفع عدد الدول المحايدة أو الداعمة لروسيا. وفي الوقت الذي يزداد انحسار ستار العزلة حول روسيا، يتنامى النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي لحليفها الصين، التي تضطلع بدور محوري كصانع سلام وقوة نافذة في الشرق الأوسط، مع فوزها بحلفاء رسميين للولايات المتحدة، مثل السعودية، كشركاء لها.
ومن غير الواضح ما إذا كان لدى إدارة بايدن استراتيجية كبرى متوافقة مع هذا الواقع. وفي الوقت الذي قاوم البيت الأبيض بعض الدعوات الصقورية للتصعيد أمام موسكو، فإنه يميل لقبول التفسير الصقوري لمشهد جيوسياسي يبدو منقسماً على نحو متزايد بين الديمقراطية والاستبداد، والليبرالية والسلطوية. (لننظر، على سبيل المثال، إلى قمة الديمقراطية التي عقدها بايدن قريباً، واستثنى منها عن عمد دولتين حليفتين في «الناتو»: المجر وتركيا، باعتبار أنهما مثالان مثيران للقلق على الانزلاق بعيداً عن الديمقراطية).
ومثلما ذكر والتر رسل ميد في «وول ستريت جورنال»، فإنَّ هذا التوصيف يشرح بوضوح الواقع الدولي إلى حد ما. كما أنه يتوافق مع رسالة بايدن السياسية الداخلية، التي تجمع ما بين «نضال دولي من أجل الديمقراطية الليبرالية»، و«النضال الداخلي في مواجهة الحزب الجمهوري صاحب الوجهات الشعبوية».
ومع ذلك، فإنه مثلما شرح ميد، فإن هذه الرؤية القائمة على شن حملة من أجل الديمقراطية، تواجه مخاطرة إفشال نفسها بنفسها. خارجياً، لا يمكنك ببساطة بناء تحالفات تستلزم احتواء الصين أو روسيا، إذا لم يكن بإمكانك العمل مع الدول التي لا تتبع الليبرالية الأنغلو - أميركية أو النهج الإجرائي الأوروبي، وإنما تحتاج إلى سبيل للتعامل على نحو بناء ليس مع الأنظمة الملكية والحكام العسكريين فحسب، وإنما كذلك مع النماذج السياسية التي يجري وصفها بالشعبوية أو الديمقراطية غير الليبرالية أو الاستبداد الناعم، مع زعماء من أمثال ناريندرا مودي في الهند ورجب طيب إردوغان بتركيا، إذا كنت لا تريد أن يصبح العالم من نصيب النظام السلطوي الأقوى في موسكو أو الشمولية التقنية في بكين.
وبالمثل، نجد أنه على الصعيد الداخلي لا يمكنك الحصول على دعم مستدام من قبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري من أجل استراتيجية كبرى داعمة للديمقراطية، إذا لم تكن تربطها باستمرار بصراعك مع خصومك السياسيين المحليين. والمؤكد أن استراتيجية كبرى تكافئ ببساطة بين الديمقراطية والليبرالية الاجتماعية أو التقدمية لن تلقى قط قبولاً مستداماً من جانب الجمهوريين، وستظل رهينة دوماً لدورة الانتخابات المقبلة.
أما النقطة الأخيرة التي تتَّسم بأهمية محورية في فهم التحديات العالمية أمام أميركا، فهي أن بعض الصقور الليبراليين ربما يحلو لهم الاعتقاد بأن تحدي غياب الليبرالية، يمثل بصورة أساسية تحدياً تفرضه الأنظمة على شعوب رافضة له، وأن النخب شرق الأوسطية والأفريقية والأخرى المنتمية لآسيا الوسطى تميل لجانب روسيا والصين، لأنها ترغب في محاكاة نموذجيهما. لكن ينبغي أن يلقي تقرير معهد بينيت بظلال الشك على هذا الافتراض، لأنه يكشف أن التباين في القيم الجوهرية، وليس اختلاف أنماط القيادة السياسية أو المصالح المفترضة، يشكل الدافع وراء الفجوة القائمة بين الديمقراطيات المتقدمة والعالم النامي.
ويكشف رسم بياني ورد بالتقرير عن مؤشر القيم الليبرالية الاجتماعية (الذي يقيس العلمانية والفردية والأفكار التقدمية بخصوص الجنس والمخدرات والحرية الشخصية) عبر مختلف أرجاء العالم على امتداد الأعوام الـ30 الماضية أن الديمقراطيات مرتفعة الدخل أصبحت بثبات أكثر ليبرالية منذ سقوط سور برلين، بينما لم يطرأ أي تغيير يذكر على قيم باقي دول العالم، ولم يظهر أي مؤشر على توسع رقعة الليبرالية الاجتماعية خارج الدول التي كانت فيها هذه القيم قوية بالفعل عام 1990.
ويخلق هذا الأمر بدوره تحدياً أمام كل من لديه العزم على إعادة تنظيم السياسة الخارجية الأميركية حول القيم التجمعية الراهنة. بإمكانك توحيد الصفوف مع أقرب حلفائنا حول هذا النمط من الرؤية الآيديولوجية، لكنك تواجه مخاطرة خلق فجوة مع جميع الأطراف الأخرى.