- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
رياض معسعس يكتب: أسئلة على هامش محاكمة أنور رسلان
رياض معسعس يكتب: أسئلة على هامش محاكمة أنور رسلان
- 19 يناير 2022, 9:05:05 ص
- 462
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حققت ألمانيا، لا شك، في حكمها على ضابط مخابرات النظام السوري السابق أنور رسلان مركزا عالميا في العدالة الدولية سيبقى ذكره في التاريخ القضائي والقانوني، وسابقة يبنى عليها ومثالا يحتذى به في محاكمة مجرمي الحرب، وضد الإنسانية في مواقع وأزمنة لاحقة.
لقد جاء الحكم بالسجن مدى الحياة على رسلان كبلسم لكل ضحايا المحكوم، وكل الذين كانوا ضحايا من قبل الآلاف من مخابرات النظام الذين ارتكبوا أبشع المجازر والانتهاكات بحق الشعب السوري. كونه، كما يؤمل أن يكون، الأول في سبحة تكر حباتها واحدة تلو الأخرى، خاصة وأن محاكمة ثانية في ألمانيا ينتظرها الجميع أيضا هي محاكمة الطبيب (علاء موسى) المتهم أيضا بجرائم ضد الإنسانية والذي كان يعذب المرضى ويقتلهم في مستشفى حمص العسكري.
ومن المعلوم أن عددا من أفراد مخابرات النظام كانوا قد هربوا (وليس انشقوا) في بداية الثورة ظنا منهم أن النظام على وشك السقوط، وبالتالي من الأفضل الهرب قبل غرق المركب، أو شعروا أنهم كانوا مهددين بحياتهم من قبل النظام نفسه كحالة رسلان، وهم متواجدون في أكثر من بلد تحت عباءة اللجوء، وربما بهويات مختلفة بانتظار التعرف عليهم.
لقد استطاع رسلان الحصول على اللجوء في ألمانيا دون أن تكون للسلطات الألمانية إحاطة كاملة بشخصيته لولا أن المحامي السوري المقيم في ألمانيا أنور البني (وهو أحد ضحاياه) قد تعرف عليه صدفة وقدم دعوى قضائية ضده، وتم إلقاء القبض عليه ومحاكمته بعد سماع إفادات لأكثر من ثمانين شاهدا، ودراسة صور ووثائق تقدم بها الكثير من الضحايا.
هذه المحاكمة تضع، وبطريقة غير مباشرة، دولا تعمل على إعادة تأهيل نظام الأسد، كدول عربية أعادت علاقتها معه، أو دول أجنبية تفكر بفك الحصار عنه محط سؤال صعب كتربيع الدائرة: كيف يمكن التعامل مع نظام قام بانتهاكات جسيمة ضد الإنسانية لا تعد ولا تحصى ضد شعب بأكمله، ودمر سوريا، وهجر نصف سكانها، ولا يزال يمارس هذه الانتهاكات ويحتجز أكثر من مئة ألف معتقل إلى يومنا هذا
الحكم والمعارضة
من الغريب في أمر الحكم على رسلان الذي لاقى ترحيبا من كل منظمات حقوق الإنسان، أن الائتلاف الوطني السوري لم يصدر أي بيان بهذا الخصوص الذي من المفترض أن يصرح عن موقفه عن هذا الحدث السوري الهام، والدولي أيضا، ويهنئ الشعب السوري بمحاكمة أحد جلاديه.
فما هو السبب؟ هل هو عدم موافقة الائتلاف على هذا الحكم؟ هل لأن رسلان كان في وقت مضى ضمن وفود المعارضة؟ من غرائب الأمور أن المحكوم عليه مدى الحياة أنور رسلان بجرائم ضد الإنسانية، كان قد هرب إلى الأردن بداية، وقام رئيس الائتلاف الوطني آنئذ باصطحابه إلى جنيف حيث تم ضمه كعضو في الائتلاف، بل وكمستشار عسكري ضمن الوفد المفاوض في محادثات جنيف2 في العام 2014.
فلماذا لم يتساءل أقطاب المعارضة عن ماضيه مثلا، أو يتحروا عنه، ولماذا لم يطلبوا منه أي معلومات أو ملفات إذا كان أفصح عن هويته الفعلية؟ أو على أقل تقدير توثيق جميع أسماء الذين تقع عليهم المسؤولية في قتل وتعذيب مئات آلاف السوريين حتى تتم محاكمتهم يوما ما. فضابط رفيع المستوى، ومسؤول عن قسم التحقيقات في فرع الخطيب 251، خلال فترة تنوف عن العقدين لا بد وأنه يمتلك معلومات وملفات بانتهاكات خطيرة جدا ضد السوريين الذين مروا على هذا الفرع، وغيره هذا الفرع، فالفروع الأمنية انتشرت في كل أنحاء المدن السورية منذ أكثر من نصف قرن في عهد حكم العائلة الأسدية التي أجرمت بحق مئات الآلاف الذين تم اعتقالهم بدون سبب، سوى أنهم عارضوا النظام، وطالبوا بالحرية والكرامة، منهم من قتل تحت التعذيب، ومنهم من خرج بعاهات جسدية وعقلية جسيمة، ومنهم مازال مفقودا، (كما فعل مصور جثث القتلى تحت التعذيب في أحد فروع المخابرات ” قيصر” الذي وثق بالصور كل الانتهاكات بحق المعتقلين الذين قتلوا تحت التعذيب وكان سببا في إصدار “قانون قيصر” الذي فرض عقوبات على النظام السوري). لأن مثل هذه الوثائق يمكن أن يستند عليها في محاكمات لاحقة، فإذا كان رسلان فعلا يريد أن يساعد السوريين كما قال في مرافعته أمام المحكمة، لكان قدم كل ما بحوزته من معلومات حول انتهاكات النظام، وكان في الوقت نفسه أنقذ نفسه من حكم بالسجن مدى الحياة.
فما السبب؟ هل لأنه ظن أن ضحاياه لن يغفروا له جرائمه لأن كل الوثائق والشهادات التي كانت بحوزة المحكمة تؤكد أنه اقترف جرائم ضد الإنسانية ككل الذين عملوا في أقبية النظام الأمنية، إذ لا يمكن لمحكمة في دولة قانون كألمانيا أن تحكم عليه بأقسى حكم في القانون الألماني لو أنها لا تملك كل ما يبرر هذا الحكم.
من ناحية أخرى وفي مرافعته لم يذكر مرة واحدة النظام أو يدينه برمته بل فقط أشار إلى مسؤولية الضابطين العلويين رفيعي المستوى توفيق يونس، وحافظ مخلوف اللذين كانا المسؤولين في الفرع وحملهما مسؤولية الانتهاكات الجسيمة التي وقعت خلال الثورة.
فهل يعقل أن مسؤولا عن ملف التحقيقات في هذا الفرع السيئ الصيت، وخلال فترة امتدت لمدة تنوف عن العقدين لم يرتكب أي جريمة خاصة وأن رؤساءه كانوا يقومون بتعذيب وقتل المعتقلين بأنفسهم، ويطالبون من كل من عمل في الفرع أن يقوموا بهذه الانتهاكات، فلماذا سيستثني المسؤول الأول عن التحقيقات من ممارسة هذه الأفعال البربرية.
تقارير منظمات دولية
لقد قدمت محكمة كوبلنز دليلا آخر قاطعا وأمام العالم أجمع بمدى وحشية النظام السوري عبر اعترافات أحد أعوانه، يضاف إلى تقارير منظمات دولية أدانته في قتل وتعذيب عشرات الآلاف في سجون صيدنايا، وتدمر، وعدرا، والمزة، ومئات مراكز الاعتقال.
وكل التقارير التي قدمتها فرق البحث عن استخدام الأسلحة الكيميائية أكدت استخدام النظام عشرات المرات الأسلحة الكيميائية المحرمة دوليا ضد السكان المدنيين وخاصة في الغوطة، وخان شيخون، ودوما، وخان العسل التي ضربت بغاز السارين والخردل، عدا عن عشرات ضربات أخرى في مناطق مختلفة بغاز الكلور، والتي أدت جميعها إلى اختناق مئات الأطفال عدا البالغين.
هذه المحاكمة تضع، وبطريقة غير مباشرة، دولا تعمل على إعادة تأهيل نظام الأسد، كدول عربية أعادت علاقتها معه، أو دول أجنبية تفكر بفك الحصار عنه محط سؤال صعب كتربيع الدائرة: كيف يمكن التعامل مع نظام قام بانتهاكات جسيمة ضد الإنسانية لا تعد ولا تحصى ضد شعب بأكمله، ودمر سوريا، وهجر نصف سكانها، ولا يزال يمارس هذه الانتهاكات ويحتجز أكثر من مئة ألف معتقل إلى يومنا هذا، وقد وثقت انتهاكاته بطريقة لا تدعو مجالا للشك من مقابر جماعية، وإحراق جثث المقتولين تحت التعذيب، وارتكاب مجازر جماعية، واغتصاب، واغتيالات سياسية، وتصدير مخدرات، ونحن كدول ديمقراطية تدافع عن حقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه نحاكم مجرميه في محاكمنا ونحكم عليهم بأقسى أنواع العقاب؟
كاتب سوري
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "180 تحقيقات"