- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
زهراء موسى جابر تكتب: الابتذال الإلكتروني: تهديد جديد للقيم الاجتماعية
زهراء موسى جابر تكتب: الابتذال الإلكتروني: تهديد جديد للقيم الاجتماعية
- 7 سبتمبر 2024, 9:41:20 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حينما سُئل الكاتب الروسي أنطون تشيخوف عن طبيعة المجتمعات الفاشلة، أجاب بجملة قد تبدو بسيطة لكنها عميقة في معناها: "في المجتمعات الفاشلة، يوجد ألف أحمق مقابل كل عقل راجح، وألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية. تظل الغالبية بلهاء دائماً، وتغلب العاقل باستمرار؛ فإذا رأيت الموضوعات التافهة تتصدر النقاشات في أحد المجتمعات، ويتصدر التافهون المشهد، فأنت تتحدث عن مجتمع فاشل جداً." تتجلى حكمة تشيخوف اليوم في عصر الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية، إذ بات الابتذال الإلكتروني تهديداً حقيقياً للقيم الاجتماعية. في هذا السياق، يبرز مفهوم الابتذال لوصف تلك الظواهر التي تُفرغ النقاشات العامة من محتواها الجوهري، وتحولها إلى ساحة لاستعراض التفاهات والانحرافات الفكرية التي لا تخدم، وانما تعزيز الانقسام والتفكك الاجتماعي.
ما هو الابتذال الإلكتروني؟
الابتذال الإلكتروني يشير إلى انتشار المحتوى الذي يفتقر إلى العمق والجودة، ويعتمد على الإثارة أو العبارات المستفزة لتحقيق الانتشار الواسع، يظهر هذا النوع من المحتوى عبر مقاطع الفيديو، الصور، النصوص، والتعليقات التي تتداول على منصات التواصل الاجتماعي، ويستهدف هذا المحتوى في الأساس الحصول على أكبر قدر ممكن من المشاهدات والنقرات، بغض النظر عن قيمته أو تأثيره الأخلاقي؛ إذ تسهم عدة عوامل في زيادة انتشار الابتذال الإلكتروني:
1. السباق نحو الشهرة: أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة سهلة للوصول إلى الشهرة والانتشار، إذ يبحث الكثيرون عن الأضواء بأي وسيلة حتى لو كان ذلك بنشر محتوى مبتذل أو مثير للجدل.
2. الضغط الاقتصادي: يعتمد العديد من صناع المحتوى على الإيرادات التي تأتي من الإعلانات والمشاهدات، فيشجع هذا النظام على إنتاج محتوى يسعى لجذب الانتباه السريع، حتى لو كان ذلك على حساب الجودة والأخلاق.
3. التفاعل الفوري: الطبيعة الفورية لمنصات التواصل الاجتماعي تجعل من السهل نشر أي محتوى في لحظة، مما يشجع على نشر محتوى سطحي أو مثير دون التفكير في تداعياته.
انعكاسات الابتذال الإلكتروني على المجتمع:
تفاقم هذه الظاهرة ينعكس سلباً على القيم الاجتماعية، فعندما تتحول النقاشات العامة إلى سجالات سطحية ومبتذلة، تتراجع قيمة التفكير النقدي وتغيب روح الحوار البناء، هذا الواقع يعكس أزمة حقيقية في الهوية والقيم داخل المجتمع الرقمي، فتسيطر الثقافة السطحية على المشهد، مما يعمل على تآكل الروابط الاجتماعية وتراجع مفهوم المواطنة المسؤولة؛ إذ تعمل على:
1. التقليل من قيمة الأخلاق: المحتوى المبتذل يمكن أن يسهم في تقليل أهمية القيم الأخلاقية مثل الاحترام والكرامة، مما قد يعمل على انتشار سلوكيات غير محترمة في المجتمعات.
2. تشويه صورة المرأة: الكثير من المحتوى المبتذل يتناول النساء بطريقة سلبية، مما يسهم في تعزيز القوالب النمطية السلبية، ويضعف من مكانة المرأة في المجتمع.
3. إضعاف العلاقات الاجتماعية: الابتذال يمكن أن يؤثر على كيفية تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض، مما يعمل على إضعاف العلاقات الأسرية والاجتماعية بسبب نقص التواصل المبني على الاحترام.
4. التأثير على الشباب: الشباب أكثر عرضه للتأثر بالمحتوى الإلكتروني، وقد يؤدي التعرض المستمر للابتذال إلى تغييرات في سلوكهم وقيمهم، مما قد يؤثر سلباً على مستقبل المجتمع ككل.
مواجهة الابتذال الإلكتروني:
لمواجهة الابتذال الإلكتروني تتطلب استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل التوعية، التعليم، وتفعيل دور المجتمع والمؤسسات، ندرج بعض الطرق الممكنة لمواجهة هذه الظاهرة:
1. التثقيف الرقمي: تنظيم حملات توعية وبرامج تعليمية تستهدف الشباب والمجتمع بشكل عام، لزيادة وعيهم بأهمية المحتوى الذي يتفاعلون معه عبر الإنترنت وكيفية التمييز بين المحتوى المفيد والضار.
2. تشجيع التفكير النقدي: تعليم الأفراد كيفية تحليل وتقييم المحتوى قبل مشاركته أو التفاعل معه، وتدريبهم على كيفية تجنب المحتوى المبتذل أو المسيء.
3. الرقابة والتشريعات: سن قوانين وتشريعات تهدف إلى تنظيم المحتوى المنشور على الإنترنت ومكافحة الابتذال والإساءة، مع تطبيق عقوبات على المخالفين.
4. دعم صناع المحتوى: تقديم الدعم للمحتوى الإيجابي والإبداعي الذي يعزز من القيم الاجتماعية ويكون بديلاً عن المحتوى المبتذل.
5. الترويج للنماذج الإيجابية: الترويج لنماذج يحتذى بها من المؤثرين والمبدعين الذين يقدمون محتوى ذو قيمة، وتسليط الضوء عليهم كمثال يحتذى به.
6. تعزيز القيم في المناهج الدراسية: دمج القيم الاجتماعية والأخلاقية في المناهج التعليمية، وتعليم الطلاب كيفية الحفاظ على هذه القيم حتى في البيئة الرقمية.
7. التربية المنزلية: دور الأهل في مراقبة المحتوى الذي يتفاعل معه أبناؤهم وتوجيههم نحو السلوكيات الإيجابية والابتعاد عن الابتذال.
8. تفعيل دور المجتمع: إنشاء مبادرات مجتمعية تهدف إلى مكافحة الابتذال الإلكتروني وتعزيز القيم الاجتماعية عبر تنظيم ورش عمل وندوات تثقيفية.
9. العمل التطوعي: تشجيع الأفراد على المشاركة في حملات مجتمعية توعوية وتنظيم أنشطة تهدف إلى تعزيز الوعي بالقيم والأخلاق.
ختاماً يمكن ان يشكل الابتذال الإلكتروني تحدياً حقيقياً في عصرنا الرقمي، ويجب على كل من المستخدمين وصناع المحتوى تبني مقاربات جديدة لضمان الحفاظ على جودة المعلومات المقدمة؛ يتطلب الأمر منا جميعاً أن نكون أكثر انتباهاً وانتقائية فيما نتلقاه ونقدمه من محتوى، للحفاظ على مستوى عالٍ من القيمة والاحترافية في العالم الرقمي.