- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
زهراء موسى جابر تكتب: بين التوجهات الدينية والمدنية: تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي إلى أين؟
زهراء موسى جابر تكتب: بين التوجهات الدينية والمدنية: تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي إلى أين؟
- 27 أغسطس 2024, 10:10:37 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أصبح قانون الأحوال الشخصية العراقي محوراً للصراع ما بين التوجهات الدينية والمدنية، إذ يتواجه تياران يقدمان رؤى مختلفة لمستقبل الأسرة والمجتمع. هذا القانون الذي ينظم قضايا الزواج والطلاق والميراث والحضانة، يعكس بصورة جوهرية الهوية الثقافية والقيم التي يرغب المجتمع في تبنيها، ففي خضم هذا الصراع هل يمكن للدولة العراقية أن تحقق توازناً بين مطالب القوى الدينية الداعية لتعديل قانون الأحوال الشخصية وفق الشريعة الإسلامية، وبين مبادئ الدولة المدنية التي تحمي حقوق المرأة والطفل؟ فمع تصاعد الدعوات لتعديل هذا القانون وإعادة صياغته بما يتوافق مع القيم الدينية، تواجه البلاد تساؤلات حاسمة: هل هذه التعديلات تمثل خطوة نحو تعزيز الهوية الدينية أم تراجعاً عن المكتسبات القانونية والحقوقية التي تحققت منذ عقود؟ والى أين سيقود هذا الصراع مستقبل المجتمع العراقي؟
خلفية تاريخية
صدر قانون الأحوال الشخصية العراقي في العام 1959 كجزء من مشروع تحديث الدولة العراقية الذي تبنته الحكومة العراقية آنذاك كان القانون جزءاً من جهود ترسيخ الهوية الوطنية الحديثة مع التركيز على مبادئ العدالة الاجتماعية، والمساواة بين الجنسين في مسائل الزواج والطلاق والميراث، الا انه واجه معارضات كثيرة من قبل بعض الأطراف الدينية منذ صدوره، لكونه يُنظر إليه على أنه يخالف بعض الأحكام الشرعية؛ ومع ذلك، استطاع القانون أن يصمد كأحد أعمدة الدولة الحديثة حتى التغيرات السياسية الجذرية التي شهدها العراق في العام 2003.
حجج واستراتيجيات التيار الديني والمدني:
يستند التيار الديني في مطالباته حول تعديل قانون الأحوال الشخصية على حجج دينية وسياسية واجتماعية لتبرير دعواته لتعديل قانون الأحوال الشخصية، فمن الناحية الدينية يجد هذا التيار بالقانون الحالي يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ويهدد هوية المجتمع العراقي، في حين يروج هذا التيار من الناحية السياسية لفكرة أن تطبيق الشريعة سيعزز الشرعية الدينية للدولة، ويعيد التوازن إلى المجتمع في مواجهة التأثيرات الغربية، اما اجتماعياً يروّجون لفكرة أن التعديلات المقترحة ستسهم في تقوية النسيج الاجتماعي, وتقلل من معدلات الطلاق وحالات التفكك الأسري، على الرغم من الانتقادات المتعلقة بحقوق المرأة.
في المقابل، يدافع التيار المدني المتمثل بــ: منظمات حقوق الإنسان، ناشطين نسويين، وأحزاب سياسية علمانية، عن الإبقاء على الطابع المدني لقانون الأحوال الشخصية كضمانة لحقوق المرأة وحماية للحريات الفردية؛ فمن الناحية القانونية، يرى هذا التيار بأن تعديل القانون بما يتماشى مع الشريعة سيعمل على تمييز قانوني ضد النساء والأقليات، مما يضر بمبادئ العدالة والمساواة، اما من الناحية السياسية، يركز هذا التيار على ضرورة الحفاظ على الطابع المدني للقانون كشرط اساسي لضمان الاستقرار السياسي والتنوع الاجتماعي، والتعايش السلمي في بلد متعدد الطوائف والأعراق. اجتماعيًا، يشدد التيار المدني على أن أي تعديل قد يفسح المجال لتكريس ممارسات تقليدية ضارة كزواج القاصرات، وتقويض حقوق المرأة في الطلاق والحضانة والميراث.
ديناميكيات الصراع السياسي:
يكشف الصراع حول قانون الأحوال الشخصية عن ديناميكيات أعمق ترتبط بالصراع على السلطة والهوية في العراق، فبعد العام 2003 أصبحت الهوية الدينية عنصراُ أساسياً في السياسة العراقية، إذ سعت الأحزاب الدينية إلى تكريس نفوذها عبر تعديل التشريعات بما يعزز مكانتها؛ في المقابل يسعى التيار المدني إلى الحفاظ على المكاسب التي تحققت عبر عقود من النضال من أجل حقوق المرأة والمساواة، هذا الصراع ليس مجرد خلاف قانوني، وانما بمثابة صراع حول طبيعة الدولة العراقية نفسها: هل هي دولة دينية أم دولة مدنية؟
التحديات الحالية التي تواجه التعديل:
تواجه عملية تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي تحديات متعددة؛ من أبرزها:
- التنوع الديني والعرقي: يتسم العراق بتنوع ديني وعرقي واسع، مما يجعل من الصعب التوصل إلى توافق عام حول كيفية تعديل القانون بشكل يعكس مصالح جميع الأطراف.
- التجاذبات السياسية: تلعب الأحزاب السياسية دوراً كبيراً في تشكيل مواقف مختلفة بشأن تعديل القانون، فتسعى كل مجموعة سياسية لتحقيق أهدافها الخاصة عبر هذا التعديل.
- الضغوط الاجتماعية: يتعرض أي تعديل محتمل للقانون لضغوط اجتماعية شديدة من مختلف الأطراف، مما يزيد من تعقيد عملية التوصل إلى حلول وسطية.
السيناريوهات المستقبلية لتعديل القانون:
− تعديل القانون بما يتوافق مع الشريعة: إذا نجحت الأحزاب الدينية في فرض رؤيتها، فقد يشهد العراق تعديلات جذرية على قانون الأحوال الشخصية بما يتماشى مع الشريعة الإسلامية؛ هذا السيناريو سيعمل على تراجع حقوق المرأة وزيادة التوترات الطائفية، خاصة بين الأقليات التي تخشى من تطبيق أحكام شرعية تتعارض مع معتقداتها الدينية.
− الحفاظ على الوضع القائم: من الممكن أن يتمكن التيار المدني من الحفاظ على الطابع المدني للقانون مع إجراء تعديلات طفيفة لإرضاء بعض القوى الدينية؛ هذا السيناريو قد يسهم في تهدئة الصراع على المدى القصير، ولكنه قد لا يعالج الجذور العميقة للخلافات بين التيارات المختلفة.
− التوصل إلى تسوية قانونية جديدة: سيعمل الحوار المستمر إلى التوصل لتسوية قانونية مبتكرة، مثل إنشاء نظام قانوني مزدوج يسمح بتطبيق الشريعة الإسلامية على من يختار ذلك، مع الحفاظ على قانون مدني موحد لبقية المواطنين؛ هذا السيناريو يعتمد على القدرة على التفاوض والتوصل إلى اتفاقات بين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة.
في الختام، يمكن القول إن الصراع بين التوجهات الدينية والمدنية في مسألة تعديل قانون الأحوال الشخصية هو جزء من صراع أوسع بين القيم التقليدية والتطلعات نحو الدولة المدنية الذي يشكل اختباراً حاسماً لقدرة الدولة العراقية على التوفيق بين الهويات المتعددة لمواطنيها، وضمان حقوق الإنسان في ظل نظام سياسي يتسم بالتعددية والتعقيد؛ فالتوصل إلى تسوية مستدامة يتطلب توازناً دقيقاً بين المطالب الدينية والمدنية، واحترام التنوع الثقافي والديني للمجتمع العراقي؛ وعليه ستكون التطورات المستقبلية في هذا الصراع مؤشراً على الاتجاه الذي سيسلكه العراق في سعيه لتحقيق الاستقرار والتنمية.